في أكثر المراحل خطورة على الأمة والعدو الصهيوني يشن أقذر وأبشع عدوان بربري همجي على أبناء غزة ، شن العدو هجوماً لا يقل خطورة عن الحرب العسكرية ، من بوابة التطبيع التي فتحت الأنظمة العربية له الأبواب ، في اللحظة التي كان يُنتظر فيها أن تنهض الأمة بوعيها، وتستعيد شبابها من براثن التشتت، كانت أياد المطبعين تحفر في جدران هويتها من الداخل بأدوات لا تُحدث صوتًا، لكنها تُصيب القلب مباشرة، إنه مخطط يسير بعيداً عن مسار احتلالٍ عسكري، وعن دبابات صهيونية تعبر الحدود،  إنه مخطط من نوع آخر، صامت، وخفي ،هدفه أن يتحوّل الشاب العربي والمسلم من حامل رسالةٍ إلى مستهلكٍ فارغ، ومن مُدافع عن قضيته إلى كارهٍ لها، بل وربما ساخرٍ منها.

يمانيون / تقرير / خاص

 

بدأ المخطط من كيان العدو ، حيث كانت مراكز التخطيط الاستراتيجي الإسرائيلية، ومراكز الفكر التابعة للمؤسسة العسكرية والاستخباراتية، قد وضعت منذ سنوات طويلة أهدافًا تتجاوز الجغرافيا، الهدف لم يكن فقط السيطرة على الأرض، بل السيطرة على الوعي، والسيطرة على من يكون الإنسان المسلم في داخله.

 

بوابة الدخول

حين بدأ قطار التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي في التسارع، لم يكن الحديث يدور فقط عن اتفاقيات أمنية أو مصالح اقتصادية. كانت هناك طبقات أعمق، تُحاك بصمت، بوابة التطبيع الثقافي والفكري كانت الأهم، بوابات مفتوحة للزيارات المتبادلة، وللبرامج الشبابية، وللتبادل الأكاديمي والفني، والأخطر من ذلك، لمنصات الترفيه والتواصل التي تحرّك المزاج الشعبي بصمت.

في الوقت الذي كانت فيه منصات للعدو الإسرائيلي تُموّل محتوىً ترفيهيًا موجّهًا بلغات عربية وبلهجات محلية، كانت شركات إنتاج في دول عربية متماهية تفتح المجال لنمط جديد من الأعمال الدرامية والمهرجانات التي تُقدَّم على أنها حرية وتطور، لكنها في حقيقتها تشوّه الفطرة، وتطبع مع كل ما يتعارض مع القيم الإسلامية.

 

خريطة التأثير .. الشباب أولاً

لم يكن اختيار فئة الشباب عشوائيًا، بل إن كل الدراسات الاستراتيجية للعدو الإسرائيلي كانت ترى في وعي الشباب العربي تهديدًا طويل الأمد، لا بد من تفكيكه، كانت الخطة، ببساطة، أفراغهم من إيمانهم، ومنحهم بديلًا تافهًا يُشغلهم عن قضاياهم الكبرى.

بدأت أدوات هذا المخطط الصهيوني الخبيث تتسرّب عبر وسائل عدّة، منها الترفيه المُفرط،  حيث تم إنتاج وتسويق محتوى يُقدّم نماذج حياة خالية من أي قيمة دينية، يُروّج للعلاقات المفتوحة، والاستهلاك العبثي، والعلاقات المحرمة .

ودعمت مؤسسات الاستهداف الثقافي الصهيونية، خوارزميات المنصات الرقمية حسابات معيّنة تُقدّم الحياة الحديثة بأسلوب ساخر من الدين أو خالٍ تمامًا من أي التزام، مع تغييب الرموز التي تربط الشاب بهويته، وكذلك برامج التبادل والأنشطة الشبابية، التي نظّمتها مؤسسات دولية لكنها على ارتباط مباشر بشركات أمنية أو استخباراتية إسرائيلية، تحت ستار السلام والحوار.

 

عندما تُفرغ القيم .. يُملأ الفراغ بالرذيلة

ما يحدث اليوم في بعض العواصم العربية من انفلاتٍ أخلاقي وتحت شعارات الحرية الشخصية والانفتاح، ليس مجرد نتيجة عفوية، بل يُنظر إليه باعتباره جزءًا من الهندسة الاجتماعية الجديدة التي تسعى إلى إعادة تعريف الإنسان المسلم، وتحويله من شخص يحمل رسالة وقضية، إلى شخص لا يعرف من هو أصلًا.

فتحت أبواب الرذيلة على مصراعيها في بعض دول التطبيع، واحتُفي بها على أنها تحرر من القيود، ولم يكن الأمر نابعًا من حاجة داخلية للمجتمعات، بل كانت هناك موجات مُمنهجة من الدعاية والتأثير الناعم، مُموَّلة ومدعومة من منصات معروفة بتعاونها مع مراكز التأثير الإسرائيلية والغربية.

 

التشاحن الرقمي .. والتفكك الداخلي

وفي مشهد موازٍ، تُرك الفضاء الرقمي العربي ليغرق في مستنقع من الكراهية، والتخوين، والسجالات التافهة، وكل يوم يُصعّد الخلاف بين طائفة وأخرى، بين بلد وآخر، بين تيار وآخر، حتى صار الانقسام حالة دائمة.

وهنا، يدخل العدو الإسرائيلي ليستفيد من هذا الصدع، فبينما ينشغل الشباب العربي بشتم بعضهم البعض على تويتر و تيك توك، يعمل الذكاء الاصطناعي على تحليل هذه النزاعات، وتوظيفها في مزيد من التفتيت الاجتماعي، وتمييع القضايا الكبرى، وعلى رأسها قضية فلسطين.

 

المعضلة الأخطر .. تفريغ الأمة من أبنائها الحقيقيين

يبدو أن ما يُراد لنا ليس فقط فقدان الأرض أو السيادة، بل فقدان أنفسنا، أن ننشأ جيلًا لا يعرف لماذا وُجد، ولا يؤمن بشيء يستحق التضحية، ولا يرى في أمته أي قيمة، ولا يجد في نفسه أي انتماء، جيلٌ يرى القضية الفلسطينية شيئًا من الماضي، والصراع مع العدو ضربًا من الرجعية، والدين مجرد طقوس قديمة لا تناسب العصر، هذه هي النتيجة المرجوة من ذلك المخطط الكبير، جيلٌ بلا إيمان، بلا هوية، بلا قضية.

 

كيف نكسر الحصار الناعم؟

النجاة لا تكون بالهروب من الواقع، بل بفهمه ومواجهته، نحتاج إلى وعي إيماني، يفهم التحديات الرقمية والثقافية الجديدة، ويُعيد بناء الجدار القيمي من الداخل، نحتاج إلى مؤسسات إعلامية تُخاطب الشباب بلغة القرآن، وتقدّم محتوى قويًا وجذّابًا ومتماسكًا، مبني على أسس إيمانية وفق المنهج القرآني، الذي يقدمه أعلام الهدى، من أولياء الله، الدعاة الى الإيمان والوعي الاجتماعي وحماية  هذا الجيل من التأثيرات التي تستهدفه ، والأخذ بيديه ليكون جيل يُدرك أنه مستهدف، ويعرف أن المعركة اليوم ليست بالسلاح فقط، بل في كل ما يُشاهد، ويُشارك،

 

خطاب التحصين وموقف القيادة

من أبرز العناوين التي أكد عليها السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ، في ظل المشهد العربي و الإقليمي  الخطير ، هو عنوان ’’التحصين الاجتماعي’’ الذي اعتبره خط دفاع أمام الحرب الناعمة التي تستهدف الهوية الإيمانية، ودعوته المستمرة إلى مقاومة كل أشكال الانحراف تحت مسمى الانفتاح، التي تعتبر مدخلاً لتفكيك الهوية الدينية من الداخل .

والسيد القائد حفظه الله هو القائد الوحيد الذي حذر من خطورة هذه المعركة وأنواعها ، في سياقها التثقيفي والإفسادي  الذي يستهدف فكر الإنسان، مفاهيمه، وطهره، وعفافه وأخلاقه وقيمه، كما بيّن أن وسائل الحرب الناعمة كثيرة، ودعاتها كثر، وأنها تعمل لإبعاد الأمة عن هويتها الدينية، منبهاً إلى خطورة عدم الانتباه، وعواقب الاستهانة بمخاطر الحرب الناعمة، لأن الأعداء يُحوّلون أدواتهم عندما تفشل الوسائل العسكرية إلى أدوات ناعمة وثقافية، لأنها جزء من استراتيجية العدوان الكلية التي تستهدف الأمة من الجبهات كلها،  الفكرية، الثقافية، الإعلامية، الاجتماعية، لذا فإن المواجهة لا تنتهي بالسلاح فقط

 

خاتمة

العدو لا يخشى من شبابٍ يُغرقون أنفسهم في الترفيه واللهو والجدالات التافهة، العدو يخشى من شابٍ واحدٍ يعرف من هو، ويعرف ربّه، وقضيته، ويعرف كيف يردُّ كيدهم بخطوة وعي واحدة.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الحرب الناعمة التی ت

إقرأ أيضاً:

السيد القائد: نحن على رصدٍ ومواكبةٍ مستمرةٍ للأحداث وفشل العدو أجبره على توقيع الاتفاق

يمانيون |
اعتبر السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي – يحفظه الله – أن الاتفاق بشأن غزة يثبت فشلَ العدو الإسرائيلي وفشلَ داعمه الأمريكي في تحقيق الأهداف التي أرادوا أن يحسموها في هذه الجولة.

وأكد في خطاب له اليوم الخميس أن فشلَ العدو أجبره على أن يوقعَ الاتفاق، وما حصل جولةٌ من الصراع المستمر مع العدو الإسرائيلي، منوِّهًا إلى أن الدورَ الأمريكي الهدّام في إطار التوجه الصهيوني مستمر.

وأشار السيد القائد إلى أننا سنبقى في حالةِ انتباهٍ وجَهوزيةٍ تامةٍ ورصدٍ كاملٍ بدقةٍ وعنايةٍ تجاه مرحلةِ تنفيذِ الاتفاق لإنهاء العدوان على قطاع غزة وإدخال المساعدات، متمنِّيًا إيقافَ الإبادةِ الجماعيةِ ضد الشعب الفلسطيني والتزامَ العدو بوقف إطلاق النار، وهذا كان هدفنا أصلاً من الإسناد بحسب قوله.

وشدّد على ضرورة أن يبقى الوعي بأن ما حصل هي جولةٌ، وأن الأعداء مستمرون في مخططاتهم ومؤامراتهم وأطماعهم ولها مساراتٌ متعددة، موضحًا أن المسألة ليست فقط في هذه الجولة من الإبادةِ الجماعية بل كل فلسطين والاستمرار الأمريكي والإسرائيلي في استهداف الأمة.

ونوّه إلى أن العدو الإسرائيلي عقب كل جولةٍ كان يعد لعدوانٍ جديد، ولهذا نحن معنيون دائمًا حتى في حال تحقق وقف إطلاق النار بـالاستعدادِ للجولات الآتية حتمًا في إطار التوجه العدواني لأعداء هذه الأمة، مؤكدًا أننا مستهدفون بضَرِّ الأعداء وفسادهم وإظلالهم وطغيانهم، وبحربهم الناعمة الشيطانية وبحربهم الصلبة، ومستهدفون بحربهم الاقتصادية والدعائية وبكل أشكال الحرب.

وأوضح أن الصراع مع الأعداء مستمرٌّ، والصراع في نطاقه العام مستمر على أشد المستويات، وطموحهم تدميرُ الأمة واستعبادها وطمسُ هويتها، مبينًا أنه في مقابل محاولات الأعداء لفرض القبول بمعادلة الاستباحة الكاملة يجب أن تكون معادلتنا التحررُ منهم ودفعُ شرِّهم وطردُهم من المنطقة.

ولفت إلى أن معادلةَ التحررِ من الأعداء وطردهم من المنطقة تحقق الأمن لأمتنا والاستقلال التام والردع والحماية من الطغيان واستعادة فلسطين والمقدسات، داعيًا لأن نكون في أعلى مستويات الحذر والجهوزية، وأن نستمر في زخمنا الهائل في الالتفاف حول الشعب الفلسطيني.

وأكد السيد القائد أننا سننظر فيما يتعلق بالاتفاق؛ فإن تحققت النتيجة فبها ونعمت، وهو الذي نتمناه، أم نواصل مسارنا في الدعم والإسناد، مشيرًا إلى أننا سنرصد ونرقب الأحداث وسيكون لنا تعليق ومواقف تجاه أي مستجد فيها يتطلب ذلك. ونحن على رصدٍ مستمر خلال هذه الأيام، ومواكبةٍ مستمرة، وتنسيقٍ تام مع إخوتنا الفلسطينيين وعلى مستوى المحور وأحرار العالم.

مقالات مشابهة

  • انطلاق فعاليات النسخة الثالثة من نموذج محاكاة برلمان الشباب العربي بالجامعة العربية
  • د. هبة عيد تكتب: المزحة التي خرجت عن السيطرة.. عندما يتحول الذكاء الاصطناعي إلى فوضى رقمية
  • الشباب والرياضة تستقبل وفود الدول العربية المشاركة في نموذج محاكاة برلمان الشباب العربي
  • حزب السادات: مصر تثبت مجددا أنها ضمير الأمة العربية
  • البرلمان العربي: جرائم الميليشيات والحرب بالوكالة وإرهاب الدولة المنظم يجب أن يتضمنها أي تعريف دولي للإرهاب
  • خبير سياسي: زيارة ترامب لمنطقة الخليج العربي كانت محطة فاصلة بمسار حرب غزة
  • السيد القائد: نحن على رصدٍ ومواكبةٍ مستمرةٍ للأحداث وفشل العدو أجبره على توقيع الاتفاق
  • السيد القائد: العدو الإسرائيلي أخفق في حسم المعركة في غزة
  • الأنظمة العربية التي استخدمها العدو الصهيوني كأدوات لتنفيذ جرائمه في غزة وهذا ما كشفه السيد القائد