فرنسا بين العجز المالي والطموح العسكري: كيف سيموّل ماكرون خططه الدفاعية؟
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من القرارات الصعبة التي تنتظره في ظل العجز المالي الكبير الذي تعاني منه البلاد، في وقت يواصل فيه العمل على إعادة تشكيل الأمن الأوروبي.
تأتي تصريحاته وسط توافق في المفوضية الأوروبية على خطة بقيمة 800 مليار يورو لتعزيز السيادة الدفاعية الأوروبية، وذلك ردًا على التقارب بين روسيا والولايات المتحدة، وأيضًا على مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتزايدة التي تظهر ازدراءً لأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتخصص فرنسا حاليًا 2% من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي، فيما يسعى ماكرون إلى رفع هذه النسبة إلى 3.5%، وهو ما يتطلب تخصيص 30 مليار يورو إضافية سنويًا، بحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.
لكن هذا الطموح الكبير يواجه بتحديات كبيرة بالنظر إلى حالة المالية العامة الفرنسية، التي تتعارض مع هدف الحكومة الحالي المتمثل في تقليص عجز الميزانية إلى 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2025، بعد أن بلغ نحو 6% في عام 2024.
ومن بين الخيارات المطروحة، القرض الوطني الذي استخدمته الحكومة آخر مرة في عام 1993 لخفض ديون الدولة. وقد طرح رئيس الوزراء فرانسوا بايرو ووزير الاقتصاد إريك لومبارد هذه الفكرة، إضافة إلى اقتراح إنشاء "حساب دفاع" مشابه لحساب الادخار الشخصي "ليفريت أ"، حيث تحدد الدولة معدل الفائدة وتستثمر الأموال لدعم تكاليف البنية التحتية ومدفوعات الدين الوطني.
كما اقترح لومبارد جذب استثمارات من البنوك وشركات التأمين والمستثمرين من المؤسسات المالية لدعم هذا المشروع.
ما هو الموقف الشعبي من زيادة الإنفاق الدفاعي؟في حديث مع "يورونيوز"، أشار سيلفان بيرسنجر، كبير الاقتصاديين في شركة (Asteres) الاستشارية، إلى أنه في الوضع الحالي، لا يمكن لفرنسا تحمل زيادة في دينها العام.
وأضاف أن الحل البديل يكمن في محاولة زيادة النمو الاقتصادي، ما يؤدي بدوره إلى زيادة الإيرادات الضريبية. لكنه أشار إلى أن ذلك غالبًا ما يتطلب دفع الفرنسيين للعمل لفترة أطول عبر رفع سن التقاعد، وهو أمر غير شعبي إلى درجة يصعب تنفيذه. وأوضح بيرسنجر أنه "لا يوجد حل سحري" لهذا التحدي الاقتصادي.
ورغم المخاوف الاقتصادية، يبقى الدعم الشعبي لزيادة الإنفاق الدفاعي مرتفعًا. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مدرسة إيبسوس-سيزي للهندسة أن 68% من الناخبين الفرنسيين يؤيدون زيادة الميزانية الدفاعية.
حتى بين أنصار حزب فرنسا "الأبية" اليساري المتشدد، الذي عادة ما يكون حذرًا من التدخل العسكري، أيد 66% منهم زيادة الإنفاق الدفاعي. كما أظهرت نتائج الاستطلاع أن أكثر من نصف ناخبي حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف يؤيدون زيادة الإنفاق العسكري أيضًا.
Relatedفرنسا تبحث عن تمويل للدفاع.. هل يدفع الأثرياء الفاتورة؟هل يكلف نظام المعاشات التقاعدية في فرنسا 55 مليار يورو سنويًا؟ماكرون يواجه تشكيك ترامب: فرنسا كانت وستبقى حليفًا مخلصًا للناتومع الترحيب الروسي بدورها وتوسيع فرنسا مظلتها النووية... هل تعيد أوروبا رسم استراتيجياتها الأمنية؟ما هو موقف الأحزاب الأخرى؟رغم دعم غالبية النواب في مجلس النواب الفرنسي لأوكرانيا، إلا أن الانقسامات السياسية حول الموقف الفرنسي لا تزال قائمة. في الأسبوع الماضي، ناقش المشرعون موقف فرنسا، بما في ذلك إمكانية إرسال قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا.
من جانبها، أكدت مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني، دعمها للمساعدة الإنسانية لأوكرانيا، لكنها شددت على ضرورة أن تكون الأولوية لمصالح فرنسا الوطنية. كما رفضت فكرة إنشاء استراتيجية دفاع أوروبية موحدة وأبدت معارضتها لأي اقتراح بإرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا.
في المقابل، انضم الحزب الاشتراكي وحزب الخضر إلى الحكومة، حيث اتفقا على ضرورة تعزيز السيادة العسكرية الأوروبية. وأشار أوليفييه فور، زعيم الحزب الاشتراكي، إلى معارضته لأي إجراءات قد تضع عبئًا على المواطنين الفرنسيين، مشيرًا إلى ضرورة فرض ضرائب على الشركات الكبيرة واتخاذ إجراءات ضد دول الاتحاد الأوروبي التي تعد ملاذات ضريبية مثل أيرلندا ولوكسمبورغ.
من جانب آخر، عبرت النائبة ألما دوفور عن قلقها من أن زيادة الإنفاق العسكري قد يستفيد منها في النهاية قطاع الدفاع الأمريكي. وقالت في مقابلة مع قناة "Franceinfo": "نحن لسنا ضد إعادة تسليح فرنسا وأوروبا، لكن السؤال هو أين ستذهب الأموال التي ننفقها؟ إلى الولايات المتحدة؟".
وفي تقرير صدر يوم الاثنين عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أظهر أن 64% من واردات أوروبا من الأسلحة تأتي من الولايات المتحدة، تليها فرنسا وكوريا الجنوبية وألمانيا وإسرائيل.
وفي إطار البحث عن حلول تمويلية، اقترحت دوفور زيادة الضرائب على الأثرياء، مدعية أن فرض ضريبة بنسبة 2% على أغنى 500 شخص في فرنسا قد يدر 25 مليار يورو، وهو ما يمكن أن يساعد فرنسا في تحقيق طموحات الرئيس ماكرون في زيادة الإنفاق العسكري.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية ما أسباب ارتفاع التأييد لليمين المتطرف في شمال شرق ألمانيا؟ ماكرون يحذر: السلام لا يكون بالاستسلام وروسيا تهدد أمن أوروبا ألمانيا تدرس إنشاء صندوقين بمئات المليارات لتمويل ميزانية الدفاع والبنية التحتية دفاعالاتحاد الأوروبيدونالد ترامبسباق التسلحإيمانويل ماكرونحلف شمال الأطلسي- الناتوالمصدر: euronews
كلمات دلالية: دونالد ترامب روسيا السعودية أوكرانيا أوروبا فلسطين دونالد ترامب روسيا السعودية أوكرانيا أوروبا فلسطين دفاع الاتحاد الأوروبي دونالد ترامب سباق التسلح إيمانويل ماكرون حلف شمال الأطلسي الناتو دونالد ترامب روسيا السعودية أوكرانيا فلسطين أوروبا فولوديمير زيلينسكي سوريا أنظمة الدفاع الجوي المفوضية الأوروبية أبو محمد الجولاني الرسوم الجمركية زیادة الإنفاق یعرض الآنNext ملیار یورو
إقرأ أيضاً:
موازنة مصرية لتسيير الأعمال وليست للتنمية
في الدول المتقدمة يترقب المواطنون صدور الموازنة الحكومية، توقعا لقيامها بزيادة معدلات الأجور والإنفاق على الخدمات العامة وتقديم الدعم للشرائح الفقيرة، بينما في مصر يتخوف المواطن من الموازنة الجديدة في ضوء خبرته التاريخية معها من حيث زيادة الأعباء، مع فرض المزيد من الضرائب والرسوم، وابتلاع تكلفة الدين الحكومي غالبية المصروفات، مما يدفع وزارة المالية لتقليص مخصصات استثمارات الخدمات العامة بشكل مستمر.
وها هي موازنة الحكومة المصرية للعام المالي الجديد (2025/2026) التي بدأ العمل بها مطلع الشهر الحالي وتستمر حتى نهاية حزيران/ يونيو المقبل، حيث بلغت مخصصات فوائد الدين الحكومي فيها 2.298 تريليون جنيه، ومخصصات أقساط الدين الحكومي خلال العام 2.085 تريليون جنيه، لتبلغ تكلفة الدين الحكومي من فوائد وأقساط 4.383 تريليون جنيه. والمثير هنا أن مخصصات تكلفة الدين تلك من الفوائد والأقساط تمثل نسبة 64.8 في المائة من إجمالي الإنفاق في الموازنة البالغ 6.761 تريليون جنيه.
وفي ضوء احتواء الإنفاق في الموازنة الحكومية على ثمانية أبواب، فإن بابي الفوائد والأقساط معا لم يتركا للأبواب الستة الباقية سوى نسبة 35.2 في المائة من الإنفاق، والتي تضمن توزيعها النسبي: توجه نسبة 11 في المائة للدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، و10 في المائة لأجور نحو 4.5 موظف يعملون في الحكومة، و6.4 في المائة للاستثمارات الحكومية المتجهة للمدارس والمستشفيات والبنية التحتية، و3.2 في المائة لشراء السلع والخدمات اللازمة لإدارة دولاب العمل في الجهات الحكومية من وزارات ودواوين محافظات وهيئات خدمية، و3 في المائة للمصروفات الأخرى المتجه معظمها للجيش والمجالس النيابية التي سيتم إجراء انتخابات جديدة لها (الشيوخ والبرلمان) في العام المالي، و1.5 في المائة لمساهمات الحكومة في الهيئات الاقتصادية المتعثرة لمساندتها ماليا.
ثلثا الموازنة لا يستفيد منها المواطن
وهذا يعني أن ثلثا الإنفاق في الموازنة يتجه لمجالات لا علاقة لها بتحسين المستوى المعيشى للمواطنين، وإنما يتجه لسداد ديون الحكومة من خلال حصول الجهات المُقرضة للحكومة في الداخل والخارج على فوائد وأقساط ديونها، الأمر الذي يغل يد صانع القرار المالي عن إمكانية رفع مستوى الخدمات الحكومية، التي يشكو منها الجميع خاصة في مجالي التعليم والصحة، وحالة الطرق المتردية التي لا تكاد تنقطع سلسلة الحوادث الدامية عليها.
وها هي الحكومة تعجز عن الوفاء بالمخصصات الدستورية للتعليم والصحة منذ صدور دستور عام 2014، حيث بلغت مخصصات الصحة في الموازنة الجديدة 246.2 مليار جنيه، لتبلغ نسبتها 1.2 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي المتوقع بلوغه 20.4 تريليون جنيه، بينما حدد الدستور نسبة 3 في المائة كحد أدنى لها، ونفس الأمر لمخصصات التعليم البالغة 315 مليار جنيه والتي بلغ نصيبها 1.5 في المائة من الناتج المحلي، مقابل نسبة 6 في المائة حددها الدستور كحد أدنى؛ كان من المفترض ارتفاعها بمرور السنوات حتى تواكب النسب الدولية.
كما يصعب على وزارة المالية المسؤولة عن وضع الموازنة، رفع أجور العاملين في الحكومة بشكل يتناسب مع الغلاء الفاحش الذي يعاني منه المصريون، أو علاج النقص الحاد في أعداد المدرسين ونقص الأطباء بسبب السفر للعمل في الخارج، من خلال تعيين الأعداد الكافية من المعلمين والأطباء.
كما يدفع ذلك الحكومة للاستجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، بخفض الدعم عن السلع التموينية والمشتقات البترولية والكهرباء وغيرها، ويُحجّم الزيادات الدورية في المساعدات والمعاشات للأسر الفقيرة، ويحول دون إمكانية استجابة الحكومة لاحتياجات المستشفيات الحكومية من أدوية ومستلزمات طبية، مما يدفع تلك المستشفيات لطلب شراء تلك المستلزمات من قبل أُسر المرضى فيها على نفقتهم الخاصة.
تصاعد نسب تغول الدين على الإنفاق
وهذا نفس ما تفعله الجهات الحكومية عندما تطلب من طالبي الخدمات تصوير المستندات على نفقتهم الخاصة، بل وصل الأمر إلى الطلب من المترددين عليها تدبير الورق اللازم لإجراء المعاملات الحكومية، وكذلك قيام بعض رجال الشرطة بإجبار سائقي سيارات الميكروباصات على مرافقتهم خلال المأموريات الشرطية، بلا مقابل رغم غلاء أسعار المشتقات وقطع الغيار.
ومسألة تغوّل تكلفة الدين على الإنفاق في الموازنة ليست بجديدة، ولكنها موجودة منذ سنوات، حيث تشير البيانات الختامية لموازنات السنوات السابقة إلى بلوغ نصيب تكلفة الدين (من فوائد وأقساط) 46.6 في المائة من إجمالي الإنفاق في العام المالي 2021/2022، لترتفع النسبة إلى 53.4 في المائة بالعام المالي التالي، ثم تصل النسبة إلى 60.5 في المائة بالعام المالي 2023/2024، رغم ما حصلت عليه وزارة المالية من موارد من صفقة أراضي منطقة رأس الحكمة بقيمة 510 مليار جنيه، والتي اشترتها الإمارات من مصر خلاله، وتوقعت وزارة المالية بلوغ نصيب تكلفة الدين 64.9 في المائة بالعام المالي 2024/2025 الذي انتهى آخر الشهر الماضي.
فالشاغل الأول لوزير المالية هو تدبير نفقات فوائد وأقساط الدين الحكومي، حتى يستطيع الاستمرار في الاقتراض من الجهات المحلية والخارجية، في ظل إيرادات حكومية تقل عن مصروفات الحكومة منذ سنوات عديدة، وهو ما يمثله العجز المزمن في الموازنة المصرية. وتشير النتائج الأولية للشهور الإحدى عشر الأولى من المالي السابق 2024/2025، لبلوغ العجز الكلي في الموازنة 1.184 تريليون جنيه مطلوب اقتراضها لسد العجز في الموازنة.
عدم تحقق مخصصات الاستثمارات الحكومية
وها هي موازنة العام المالي الجديد قد بلغت قيمة الموارد فيها 3.186 تريليون جنيه، وهي الموارد المتحققة من الضرائب بأنواعها ومن الرسوم والخدمات الحكومية والمنح، بينما بلغ الإنفاق في الموازنة 6.761 تريليون جنيه، وهو ما يتطلب اقتراض جديد خلال العام المالي يبلغ 3.576 تريليون جنيه، ليضاف ذلك إلى أرصدة القروض القديمة للحكومة، مما يزيد من أرصدة ديونها ويتطلب منها تدبير فوائد وأقساط لتلك الديون، مما يعني السير في نفس الحلقة المفرغة، عجز فاقتراض، ثم عجز أكبر فاقتراض أكبر، فديون أعلى، فنسب أعلى لتكلفة الدين في الموازنة لتلْتهم معظم الإنفاق على حساب باقي أبواب الإنفاق.
ولأن أولوية الإنفاق تتجه لسداد فوائد وأقساط المُقرضين خشية الإعسار، وأجور العاملين في الحكومة حفاظا على السلام الاجتماعي، فإن الحكومة تلجأ لخفض الإنفاق على الأبواب الأخرى وأبرزها الاستثمارات الحكومية، والنتيجة أنه في العام المالي 2023/2024 على سبيل المثال أعلنت الحكومة في بداية العام المالي عن تخصيص 587 مليار جنيه للاستثمارات الحكومية، وظلت تتباهي بتلك الأرقام في تصريحات مسؤوليها، لتصدر البيانات الختامية أي النهائية لموازنة ذلك العام المالي بقيمة استثمارات حكومية بلغت 312 مليار جنيه فقط، بنسبة تراجع 47 في المائة عما أعلنته مسبقا.
وهو أمر تكرر خلال السنوات المالية منذ تموز/ يوليو 2013 وحتى العام المالي الأخير، بعدم تحقق ما يتم الإعلان عنه من أرقام للاستثمارات الحكومية في بداية السنوات المالية، ومن ذلك أنه تم الإعلان في بداية العام المالي 2024/2025 عن استثمارات حكومية بقيمة 496 مليار جنيه، بينما أشار البيان المالي للموازنة الجديدة إلى توقع بلوغ تلك الاستثمارات 386 مليار جنيه فقط، ويؤدي ذلك الخفض إلى إطالة فترات تنفيذ تلك المشروعات، خاصة مع ارتفاع التكلفة وارتفاع أسعار مواد البناء والعمالة، وزيادة تكلفة المُكون المستورد في تلك المشروعات مع تراجع أسعار الصرف للجنيه أمام الدولار الأمريكي.
ترقب مزيد من الأعباء على المواطنين
وامتد عدم تحقق ما يتم إعلانه من مخصصات لكثير من بنود الإنفاق، ومنها ما يتم الإعلان عنه من رد أعباء للمصدرين، نتيجة فروق ارتفاع التكلفة المحلية للإنتاج من فوائد مصرفية مرتفعة وتكلفة الفساد والبيروقراطية، لكنه لم يتم الالتزام بما يتم إعلانه من مخصصات في السنوات الماضية، والنتيجة تراكم مستحقات المصدرين لعدة سنوات.
وبدلا من أن تقوم الحكومة بسداد تلك المستحقات المتأخرة للمصدرين، فإنها تخيرهم بين السداد المُعجل بخصم نسبة 15 في المائة منها أو الانتظار لسنوات أخرى، كما تقتطع نسبة منها كمقاصة مع المستحقات الحكومية من ضرائب ورسوم على تلك الشركات المُصدرة، أو تشترط توجيه نسبة من المستحقات إلى خدمات معينة كالاشتراك في المعارض الدولية، كذلك عدم الوفاء بكامل الجزء النقدي السنوي لمستحقات هيئة التأمينات الاجتماعية على الخزانة العامة، وتحويل الجزء المتعثر إلى أوراق حكومية يتم سداد قيمتها في فترة لاحقة.
ومن هنا يمكن اعتبار الموازنة الحكومية المصرية بمثابة موازنة تصريف أعمال، وليست موازنة تنمية تسعى لإحداث نقلة مجتمعية، من خلال تخصيص الموارد اللازمة للتصدي للمشاكل المزمنة التي يعاني منها المجتمع المصري، كالبطالة والأمية والعنوسة والفقر وتدنى مستوى الخدمات الصحية والتعليمية وسوء حالة الطرق سواء الطرق السريعة ما بين عواصم المحافظات أو داخل المدن، خاصة وأن هناك مخاطر أخرى تحيط بأولويات الإنفاق الحكومي، منها الضمانات التي تقدمها وزارة المالية للجهات المحلية والخارجية حتى تقرض الجهات الحكومية. وهي الضمانات التي بلغت حتى أيلول/ سبتمبر الماضي 4.889 تريليون جنيه، حيث تصبح الوزارة ملزمة بالسداد عند تعثر تلك الجهات عن السداد، مثل هيئة البترول البالغة قيمة ضماناتها 2.770 تريليون جنيه، وهيئة الأنفاق البالغ ضماناتها 455 مليار جنيه، وهيئة السكك الحديدية البالغة قيمة ضمانات قروضها 128 مليار جنيه، كما أن الوزارة ملزمة بسداد قيمة التعويضات المحتملة على الحكومة في قضايا التحكيم المرفوعة عليها، إلى جانب مخاطر المؤسسات المملوكة للدولة ومخاطر الكوارث والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والمناخية والصحية.
لذا يصبح المسار الأسهل للحكومة هو زيادة الضرائب والرسوم، كما حدث مؤخرا بزيادة ضريبة القيمة المضافة لأنشطة المقاولات من خمسة في المائة إلى 14 في المائة، وزيادة الضريبة على السجائر والمشروبات الكحولية، وفرض ضريبة على النفط الخام بنسبة 10 في المائة، وإخضاع الوحدات الإدارية في الأماكن ذات السمة التجارية لضريبة جديدة، استجابة لمطلب صندوق النقد الدولي، حتى يقر المراجعة الخامسة لبرنامجه مع مصر كي يتم الحصول على شريحة جديدة من القرض، لكن الصندوق أعلن دمجه للمراجعتين الخامسة والسادسة حتى الخريف المقبل، حتى يدفع الحكومة للمزيد من تلبية مطالبه بزيادة أسعار الوقود والكهرباء ورفع سعر الخبز التمويني، وتحويل الدعم العيني للبطاقات التموينية إلى نقدي، وتقليص الإعفاءات من ضريبة القيمة المضافة، وهي الإجراءات التي ستضيف أعباء جديدة على المواطنين.
x.com/mamdouh_alwaly