يعد الشيخ محمد صديق المنشاوي واحداً من أعظم قراء القرآن الكريم في تاريخ العالم الإسلامي، حيث تميز بصوته الخاشع الباكي الذي أسر القلوب وأدخل السكينة على النفوس، وارتبط الجمهور بتلاواته العذبة، لا سيما خلال شهر رمضان.

النشأة في بيت القرآن

وُلِدَ الشيخ محمد صديق المنشاوي في 20 يناير (كانون الثاني) 1920 بمدينة المنشاة بمحافظة سوهاج في صعيد مصر، في أسرة قرآنية عريقة اشتهرت بتلاوة كتاب الله وحفظه.

فقد كان والده، الشيخ صديق المنشاوي، وأجداده من قبله، من كبار قرّاء القرآن، وكذلك شقيقاه أحمد ومحمود صديق المنشاوي.

أتم الشيخ حفظ القرآن الكريم في الثامنة من عمره، حيث بدأ رحلته مع الحفظ على يد الشيخ محمد النمكي، ثم انتقل إلى القاهرة لإتقان أحكام التلاوة والقراءات السبع والعشر الكبرى، على يد مشايخ مثل الشيخ محمد السعودي والشيخ أبو العلا محمد.

وبفضل صوته العذب ودقة أدائه، أصبح المنشاوي مدرسة قرآنية متفردة، أطلق عليها البعض "المدرسة المنشاوية".

التحاقه بالإذاعة المصرية

بدأ الشيخ محمد صديق المنشاوي رحلته مع التلاوة الاحترافية في إحدى ليالي رمضان عام 1952، عندما اصطحبه والده إلى سهرة قرآنية في محافظة سوهاج، حيث تلا خواتيم سورة "المؤمنون" أمام حشد كبير من المستمعين. وبمجرد انتهائه، تدافع الحاضرون للثناء عليه، ليبدأ منذ تلك الليلة رحلة التألق والشهرة.

ولم يكن التحاق الشيخ المنشاوي بالإذاعة المصرية أمراً عادياً، بل كان نتيجة إصرار المسؤولين على ضمه، بعد أن رفض في البداية إجراء الاختبار، فبعدما وصل صوته إلى الإذاعة، أرسل المسؤولون إليه دعوة للانضمام، لكنه رفض الذهاب، فما كان من الإذاعة إلا أن انتقلت إليه بنفسها.
ففي إحدى الليالي، بينما كان يُحيي أمسية قرآنية في قرية بإسنا بمحافظة الأقصر، فوجئ الشيخ بمندوب الإذاعة يسجّل تلاوته مباشرة؛ وهكذا أصبح أول قارئ يتم اعتماده في الإذاعة دون أن يذهب إليها بنفسه.

رفض القراءة أمام عبدالناصر

عُرف الشيخ محمد صديق المنشاوي بكرامته وعزة نفسه، وهو ما ظهر بوضوح في واقعة رفضه التلاوة أمام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. فقد دعاه أحد الوزراء لحضور حفل رسمي، قائلًا له: "سيكون لك الشرف أن تقرأ القرآن أمام الرئيس عبدالناصر"، فما كان من الشيخ إلا أن رد بحزم: "ولماذا لا يكون الشرف لعبدالناصر أن يستمع إلى القرآن بصوت المنشاوي؟!".

ورفض الدعوة، معلقاً: "لقد أخطأ عبدالناصر حين أرسل إليّ أسوأ رسله".



محاولة اغتياله بالسم

لم يكن النجاح الذي حققه الشيخ محمد صديق المنشاوي خاليًاً من الحقد والغيرة، حتى وصل الأمر إلى محاولة التخلص منه بالسم، فبحسب ما رواه حفيده الشيخ علاء المنشاوي، فإن جدّه تعرض لمحاولة اغتيال في عام 1963، حين دعاه أحد الأشخاص إلى سهرة قرآنية، وبعد انتهائها، طلب منه المضيف تناول الطعام مع أهل بيته.

في البداية رفض، لكن بعد إلحاح وافق، وعندما همّ بتناول الطعام، اقترب منه الطباخ مرتعشاً، وهمس في أذنه: "يا شيخ محمد، لا تأكل هذا الطعام، فقد دُسّ لك السم فيه"، فتظاهر الشيخ بالإعياء، ورفض تناول الطعام بحجة عدم الشعور بالجوع، ثم انسحب من المكان.

ولم يكشف المنشاوي عن هوية من حاول اغتياله، لكنه أخبر عائلته أنه كان أحد قراء القرآن المشهورين.

سر لقب "القارئ الباكي"

اكتسب محمد صديق المنشاوي لقب "القارئ الباكي" بسبب خشوعه العميق وتأثره الشديد بمعاني القرآن الكريم أثناء تلاوته، فقد كان صوته يحمل نبرة حزينة تخترق القلوب، وكأنه يبكي من خشية الله، مما جعل مستمعيه يشعرون بروحانية خاصة خلال تلاوته.

وكان الشيخ يقرأ القرآن بإحساس صادق ومعايشة كاملة للآيات، فتتجلى في صوته مشاعر التضرع والتذلل والخشية، حتى وصفه الشيخ محمد متولي الشعراوي قائلًا: "من أراد أن يستمع إلى خشوع القرآن فليستمع لصوت المنشاوي.. إنه ورفاقه الأربعة (مصطفى إسماعيل، وعبد الباسط عبد الصمد، والبنَّا، والحصري) يركبون مركباً، ويُبحرون في بحار القرآن الكريم، ولن تتوقف هذه المركب عن الإبحار حتى يرث الله الأرض ومن عليها".

ورغم رحيله المبكر عن عمر يناهز 49 عاماً في 20 يونيو 1969، ترك الشيخ محمد صديق المنشاوي إرثاً خالداً، حيث سجّل القرآن الكريم كاملًا مرتلًا ومجوّداً، إلى جانب العديد من التلاوات النادرة في دول مثل الكويت، سوريا، ليبيا، وفلسطين، حيث تلا القرآن في المسجد الأقصى أيضاً.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل صناع الأمل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية شهر رمضان الشیخ محمد صدیق المنشاوی القرآن الکریم

إقرأ أيضاً:

لقطات لم ترها من قبل لملك الأردن وعائلته في كتاب على العهد

خاص

صدر مؤخرًا كتاب “على العهد” للمصور الخاص لجلالة الملك عبدالله الثاني، الزميل يوسف العلان، في عمل توثيقي يروي فصولًا نابضة من المسيرة الإنسانية والعروبية لجلالة الملك، من خلال عدسة رافقته عن قرب على امتداد سنوات.

لم يكن الكتاب مجرد توثيق بصري رسمي، بل نافذة إنسانية، تفتح المجال أمام القارئ لمعايشة اللحظات العفوية والتلقائية التي جمعت جلالة الملك بشعبه، في القرى والبوادي والمخيمات، وفي لقاءات مباشرة مع المواطنين في شتى أنحاء المملكة.

و التقطت عدسة العلان مئات الصور التي تسرد لحظات تفيض بالمشاعر، مثل جلالة الملك وهو يربت على كتف طفل في الريف، أو يصغي لأم تروي قصتها في قرية نائية، أو يقبّل جبين شيخ مقعد.

ووثق العلان بعدسته أكثر من مليوني صورة، تنقل صورةً صادقةً لمسيرة جلالة الملك في مختلف المناسبات الوطنية والدولية، وذلك على مدار أكثر من 23 عامًا.

وأضاءت عدسته جوانب من لقاءات جلالته مع الحكومات المتعاقبة، مؤكدة حرصه على استمرارية مسيرة الإصلاح في شتى المجالات: التعليمية، والصحية، والاقتصادية، والسياسية، والفكرية.

ويوضح “على العهد” العلاقة المتميزة التي تربط جلالة الملك بأسرته والعائلة الهاشمية، خصوصًا سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد.

كما يتضمن الكتاب محطات تاريخية مهمة تعكس حكمة جلالة الملك في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وكيف تمكنت المملكة، بقيادته، من تجاوز الأزمات بحنكة ورؤية متوازنة.

والجدير بالذكر أن هذا الكتاب يعتبر إضافة نوعية إلى الموروث الفني والإعلامي في الأردن، حيث يدمج بين التصوير الفوتوغرافي الدقيق والسرد القصصي المؤثر، ليمنح القارئ فرصة استثنائية لاستكشاف علاقة القائد بمواطنيه، عبر مشاهد صادقة تعكس نبض الوطن الأردني.

مقالات مشابهة

  • في ذكرى وفاته.. نجيب الريحاني "الضاحك الباكي" الذي غيّر وجه الكوميديا وبقيت بصمته خالدة
  • محاولة اغتيال السيناتور الكولومبي تهز البلاد.. وروبيو يطالب بالعدالة الفورية
  • محاولة اغتيال المرشح الرئاسي الكولومبي ميغيل أوريبي
  • نجاة مرشح للرئاسة الكولومبية من محاولة اغتيال
  • على الهواء مباشرة.. محاولة اغتيال مرشح رئاسي في كولومبيا أدلت لإصابته (شاهد)
  • أول تعليق من أمريكا على محاولة اغتيال مرشح رئاسي في كولومبيا
  • محاولة اغتيال مرشح الرئاسة الكولومبية ميجيل أوريبي خلال فعالية انتخابية
  • تأملات قرآنية
  • لقطات لم ترها من قبل لملك الأردن وعائلته في كتاب على العهد
  • لحظة محاولة اغتيال رجل أعمال تركي في الشارع.. فيديو