يمن مونيتور:
2025-07-29@01:24:16 GMT

أردوغان… اللاعب الأخير في الشرق المعقد

تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT

أردوغان… اللاعب الأخير في الشرق المعقد

محمد الجرادي

في زمن تكاد فيه الشعوب تنسى ملامح القادة الحقيقيين، ظهر رجل لا يمكن وصفه بانه رجل عادي، رجب طيب اردوغان، ليس مجرد سياسي يعتلي المنصة ويرفع شعار الامة، بل معماري حلم، بنى تركيا الحديثة وهو يبتسم في وجه الرياح، ويشد وثاق ثيابه في وجه العواصف.

منذ أكثر من عشرين عاما، وهو لا يحكم فحسب، بل يعيد تعريف الدولة، دولة كانت تترنح تحت وطاة ديون صندوق النقد الدولي، تعاني من بنية تحتية منهارة، ومن نخبة سياسية فاقدة للروح

اتى من بلدية اسطنبول، لا من بوابة الجنرالات، حاملا معه فكرة ان الخدمة هي السياسة، فحول الفكرة إلى منهج، والمنهج الى نهضة.

تحت حكمه، شهدت تركيا تحولا اقتصاديا غير مسبوق

شبكات الطرق السريعة التي ربطت اطراف البلاد كانها شرايين جسد جديد، مشروع مترو مرمراي الذي اخترق قاع البوسفور وجمع بين قارتين في نبض واحد، مطار اسطنبول الجديد، الذي اصبح أحد أكبر مطارات العالم، الصناعات الدفاعية التي تحررت من التبعية، والمستشفيات والمجمعات السكنية والمدارس التي نمت في مدن كانت منسية.

اردوغان لم يبن حجارة، بل استنهض احساسا وطنيا جديدا

جعل التركي البسيط يشعر ان له قيمة، ان دولته لم تعد تنتظر الاوامر من الغرب، انها لم تعد حديقة خلفية لحلف الناتو، بل لاعب مستقل على الطاولة، لكنه، في طريقه الى ذلك، استدعى ما في داخله من حذر، وربما من خوف، بدأ يخشى على ما بناه، فشد قبضة الحكم، راى في كل معارضة تهديدا، وفي كل اختلاف خطر هدم، صار لا يفرق بين النقد والحقد، ولا بين الخصم والعدو،

أنا، ككثير من الشباب العربي، كنت اصفق للمعارضات، اراها المخلص، لكن بعد ان رايت كيف تسقط الاوطان حين تحكم بالفوضى، ادركت ان التغيير لاجل التغيير ليس دائما خلاصا.

في اليمن، كنت كغيري ممن ابتلعوا طعم الحلم، لنكتشف متأخرين أننا وقعنا في فخ المقلب الكبير. معارضة بلا مشروع، تملك فقط شهية مفتوحة للسلطة، ومنذ ذلك اليوم، تغير منظاري، صرت اؤمن ان التغيير الحقيقي ياتي من داخل النظام، لا من خارجه.

ولست اكتب عن تركيا من مقعد المشاهد البعيد، بل من عيون سافرت ودهشت، زرت هذا البلد مرتين، وكل مرة كنت اظن انني رايت كل شيء، فاكتشف انني ما رايت إلا القشرة الاولى من الجمال،

ابهرتني تركيا ببنيتها التحتية الحديثة، بشوارعها الملساء التي تشق الجبال بثقة، بجسورها التي تعانق البحر كأنها سطر في قصيدة، وبمدن البحر الاسود التي لا تشبه اي مكان رايته من قبل

اصطحبني في رحلتي إلى هناك الصديق العزيز محمد المقبلي، وكانت الطبيعة تتكلم بلغتها الخاصة، تسرد حكايات الماء والشجر والضباب، وتجعل من كل زاوية مشهدا يصلح ان يكون لحظة تامل.

لم تكن تركيا في تلك اللحظة مشروعا سياسيا في عقلي، بل كانت لوحة حية تجسد فكرة ان النهضة ليست حلما بعيدا، بل ممكنا اذا اجتمعت الارادة والحكمة والادارة.

اليوم، وبعد أكثر من عشرين عاما في الحكم، لا يزال اردوغان يتصرف كأنه في بداية الطريق، يناور، يتراجع، ثم يهاجم، يفتح صفحة جديدة مع الاكراد، في لحظة سياسية حساسة، بعد ان خلص من نفوذ البعث في سوريا، وأعلن زعيم الكرد إلقاء السلاح، يريد ان يبني جمهوريتهم معه، لا ضده، يريد ان يكتب فصلا اخيرا لا يشبه البدايات، بل يتجاوزها،

اردوغان ليس قديسا، لكنه ليس طاغية تقليديا ايضا، هو مزيج من الضوء والظل، من الطموح والخوف، من الديمقراطية الموجهة والسلطوية النامية، قد لا تحبه، وقد لا تثق به، وقد تتوجس من دهائه، لكنك لا تستطيع ان تتجاهله، اردوغان ليس زعيما من ورق، ولا دمية بيد العسكر، ولا صورة على الجدران

هو عقل سياسي يسير فوق حقل الغام، ويبتسم وكان الأرض مفروشة له بالورد.

هو النقيض المركب، الذي جمع في شخصه الحلم العثماني، والنهضة الاوروبية، والحنكة الشرقية، والخوف الازلي من السقوط

ولعل ما يغفله كثيرون، ان اردوغان لا يحارب فقط خصومه السياسيين، بل ايضا بقايا الافكار التي زرعتها الكمالية في الوجدان التركي، وعلى رأسها نظرة التعالي تجاه العرب .

الكمالية، في جوهرها، رأت في انتماء تركيا الى الشرق عارا، وفي العرب عبئا تاريخيا يجب تجاوزه لكن اردوغان، بخطابه وسياسته، حاول اعادة ترتيب هذه العلاقة، لا من منطلق عاطفي، بل من رؤية جيوسياسية واعية، فتح الابواب امام العرب، وازال الحواجز النفسية والرمزية، وقدم نموذجا لتركيا لا تخجل من هويتها، بل تصالح ماضيها وتبني مستقبلا مشتركا مع جوارها..

ولم تقتصر اعادة تشكيل تركيا على السياسة والاقتصاد فحسب، بل امتدت الى البنية الديموغرافية والاجتماعية.

في السنوات الاخيرة، تغيرت ملامح بعض الاحياء في اسطنبول وغازي عنتاب ومرسين، واصبحت اغلبية سكانها من السوريين او العراقيين او من جنسيات اخرى، في مشهد لم يكن ممكنا قبل عشر سنوات.

قد يراها البعض فوضى سكانية، لكن المتأمل يقرأها كجزء من مشروع اكبر: هندسة ناعمة للمجتمع التركي، تزحزح مركزية الهوية الكمالية وتفتح البلاد على تعددية جديدة.

هو لا يهدم الهوية، بل يعيد توزيعها، يوسع إطارها، يضخ فيها دماءً جديدة تجعلها أكثر مرونة، أكثر استعدادا للعصر.

اردوغان يدرك ان السلطة لا تُصان فقط بالمشاريع، بل ايضا بتغيير قواعد اللعبة من تحت، بهدوء، بلا إعلان.

تركيا اليوم تقف على مفترق طرق

ولاول مرة، لا تبدو بحاجة إلى منقذ، بل إلى من يحسن إدارة الانجاز، لا من يراكم الخطابات

اردوغان كتب سطره الخاص في تاريخ المنطقة

لكن السؤال الذي لن يجيب عنه الان هو

هل سيكتب نهاية تشبه ما بدأه؟!

ام انه، ككل من صعد عاليا، سيفتن بعلوه ويخطئ الطريق إلى الهبوط الآمن، قد يكتب التاريخ لاحقا انه فعل كل شيء… الا ان يترجل بارادته،،

وحدها الايام ستقول

هل كان اردوغان لحظة ذكية في تاريخ تركيا

ام انه كان… التاريخ نفسه

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: أردوغان العلمانية تركيا

إقرأ أيضاً:

فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)

الجديد برس| خاص| تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الساعات الماضية، مقاطع فيديو ، رصدها الجديد برس” تكشف ما وصفوه بفضيحة مدوية تتعلق بالمساعدات الإماراتية المقدمة لقطاع غزة، حيث أظهرت المقاطع عبور شاحنات تحمل لافتات “مساعدات من دولة الإمارات” نحو القطاع وهي فارغة تمامًا. ووثّقت المقاطع التي التُقطت من عدة زوايا، دخول الشاحنات عبر المعابر المؤدية إلى غزة دون أي حمولة في صناديقها، في مشهد أثار موجة استنكار وسخط واسع، وسط اتهامات للإمارات وبعض الدول العربية بالتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي في تشديد الحصار وتجويع السكان المحاصرين. وكانت الإمارات قد أعلنت يوم أمس ، دخول قافلة مساعدات إماراتية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح المصري، ضمن ما اسمته “عملية الفارس الشهم3” الإنسانية. ورأى نشطاء ومراقبون أن هذا المشهد لا يمثل فقط خداعًا للرأي العام، بل يكشف عن استخدام “المساعدات الإنسانية” كأداة دعائية لتمرير مواقف سياسية تتماهى مع سياسات الاحتلال، على حساب المأساة التي يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع. وتأتي هذه الفضيحة وسط تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة، حيث تعاني المستشفيات من نقص حاد في الإمدادات الطبية والغذائية، مع استمرار العدوان الإسرائيلي والحصار الخانق، ما يجعل أي تلاعب بالمساعدات قضية إنسانية وأخلاقية كبرى تستدعي تحقيقًا دوليًا ومساءلة علنية، بحسب نشطاء حقوقيين. https://www.aljadeedpress.net/wp-content/uploads/2025/07/فضيحة-اماراتية-في-غزة-شاحنات-بدون-مساعدات.mp4

مقالات مشابهة

  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • تركيا.. حزب أردوغان يتصدر استطلاعا للرأي بعد تراجع لأشهر
  • لأول مرة… هولندا تدرج إسرائيل ضمن الدول التي تشكل تهديداً
  • أردوغان: تركيا في حالة تأهب دائمة لحماية الغابات من الحرائق
  • فاينانشال تايمز: أردوغان سيطر على المشهد.. وواشنطن لم تعد قادرة على التحرك بدون تركيا
  • أردوغان: إخماد 3062 حريقًا وتعبئة شاملة لحماية غابات تركيا
  • تركيا…إخلاء عدة أحياء بمدينة بورصة جراء اندلاع حرائق غابات
  • الحر يضرب بجنون.. ما الذي يحدث في تركيا؟
  • نيران ضخمة تجتاح بورصة… إجلاء 2000 شخص والحرارة تسجل رقمًا قياسياً في تركيا
  • النرويج التي أصبحت غنية أكثر من اللازم.. حين يتحول الازدهار إلى عبء