تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شهدت الخرطوم في الأيام القليلة الماضية تحولات جذرية في مسار الصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.. نجح الجيش في استعادة السيطرة على مواقع استراتيجية كانت تمثل معاقل رئيسية لميليشيا الدعم السريع، وعلى رأسها القصر الجمهوري ومقر البنك المركزي، إضافة إلى فرض نفوذه على كافة الجسور التي تربط أجزاء العاصمة.

هذه التطورات العسكرية اللافتة دفعت بالمراقبين إلى التساؤل هل يعني ذلك النهاية الحتمية لميليشيا الدعم السريع، أم أن ما يحدث ليس سوى جولة جديدة في صراع طويل الأمد؟ وما هو المتوقع من حميدتي وجماعته في ظل هذه الهزائم المتلاحقة؟

لا شك أن استعادة الجيش السوداني لهذه المواقع المهمة تعد تحولًا استراتيجيًا كبيرًا، فهي ليست مجرد انتصارات تكتيكية، بل تعكس استعادة زمام المبادرة والقدرة على حسم المعركة ميدانيًا، وذلك لأن فرض السيطرة على الجسور يعني قطع خطوط الإمداد الحيوية التي كانت تستغلها قوات الدعم السريع لإعادة التمركز والمناورة، أما استعادة القصر الجمهوري والبنك المركزي، فهي ضربة قاصمة لرمزية القوة التي كانت تدّعيها تلك الميليشيا، مما يضعف موقفها على المستويين العسكري والسياسي.

ورغم ذلك، لا يمكن الجزم بأن ميليشيا الدعم السريع قد هُزمت بشكل كامل، وبالنظر إلى طبيعة هذه القوات التي تعتمد على تكتيكات حرب العصابات والعمليات الخاطفة، فإنها قد تلجأ إلى إعادة تموضعها في مناطق أخرى، أو حتى تصعيد عملياتها بشكل غير تقليدي لتعويض خسائرها، وهذا يقودنا إلى التساؤل حول الخطوة القادمة لحميدتي وجماعته.. هل سيستمرون في المواجهة المباشرة، أم يبحثون عن مخرج آخر هل يلجأون إلى الهروب أم يعيدون ترتيب صفوفهم؟

في ظل هذه الهزائم، تبدو خيارات "الدعم السريع" محدودة، المواجهة المباشرة تبدو خيارًا محفوفًا بالمخاطر، خاصةً بعد فقدانهم لمواقع استراتيجية حاسمة، مما قد يدفعهم إلى البحث عن بدائل أخرى، أحد السيناريوهات المحتملة هو انسحاب بعض عناصرهم إلى الولايات الحدودية، حيث يمكنهم إعادة تنظيم صفوفهم والاستفادة من التضاريس الجغرافية لشن عمليات جديدة.

إلى جانب ذلك، هناك احتمال آخر يتمثل في محاولة اللجوء إلى دول مجاورة لإعادة ترتيب أوضاعهم، غير أن هذا السيناريو يواجه تحديات كبيرة، إذ تدرك دول الجوار أن استقبال هذه القوات قد يجرها إلى صراعات إقليمية لا ترغب فيها، كما أن الجيش السوداني سيعمل بكل قوة على منع أي محاولات لإعادة تجميع الدعم السريع خارج الحدود، من هنا يصبح السؤال الأهم كيف يمكن للجيش السوداني أن يحافظ على هذه الانتصارات ويمنع أي انتكاسة محتملة؟

الحفاظ على هذه الانتصارات يتطلب استراتيجية شاملة لا تقتصر فقط على الجوانب العسكرية، بل تمتد لتشمل الأبعاد الأمنية والسياسية. فمن الناحية العسكرية، ينبغي على الجيش تأمين المواقع المحررة وتعزيز انتشاره في المناطق الاستراتيجية، مع فرض رقابة صارمة على الحدود لمنع أي محاولة تسلل أو إعادة تسليح لقوات الدعم السريع، كما أن توجيه ضربات استباقية لمخابئهم المحتملة سيحدّ من قدرتهم على إعادة التنظيم أو تنفيذ عمليات انتقامية.

أما من الناحية السياسية، فإن استقرار السودان يتطلب معالجة الأسباب العميقة التي أدت إلى اندلاع هذا الصراع في المقام الأول، وذلك من خلال تعزيز مؤسسات الدولة، وتقديم رؤية وطنية تضمن انخراط كافة القوى في مسار سياسي جامع، بعيدًا عن منطق الميليشيات والتناحر المسلح، ومن المعروف أن المعركة الحقيقية ليست فقط ضد قوات الدعم السريع، بل ضد الفوضى وعدم الاستقرار، وهو ما يفرض على القيادة السودانية العمل على بناء دولة قوية تتجاوز منطق القوة العسكرية وحده.

انتصار الجيش السوداني يجعلنا ندقق النظر أيضًا إلى التأثير الإقليمي لهذه الانتصارات، خاصة فيما يتعلق بمصر، التي تتابع الوضع عن كثب، ونرى انعكاسات انتصار الجيش السوداني على استقرار مصر لأنه لا يمكن فصل المشهد السوداني عن تأثيره الإقليمي، فاستقرار السودان يعد عنصرًا أساسيًا في استقرار الأمن القومي المصري، الموقع الجغرافي المشترك يؤكد ذلك، والعلاقات التاريخية العميقة بين البلدين، تجعل من أي اضطراب في السودان قضية ذات أولوية لمصر، إذ قد يؤدي أي انهيار أمني إلى تدفق موجات من اللاجئين، ويفتح المجال أمام أنشطة تهريب السلاح، بل وقد يُهيئ بيئة خصبة لنشاط الجماعات الإرهابية.

لذلك نرى أن انتصار الجيش السوداني يحمل رسالة طمأنة لمصر، إذ يعني استعادة الدولة السودانية لسيادتها على أراضيها، وهو ما يعزز من استقرار الحدود الجنوبية لمصر، ويفتح المجال لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين، كما أن القضاء على الفصائل المسلحة في السودان يحدّ من أي تهديدات أمنية محتملة، ويعيد التوازن إلى منطقة لطالما كانت محور تنافس وصراع.

وبالإجمال، يمكن القول إن السودان على أعتاب مرحلة جديدة، وأن ما يحدث اليوم هناك ليس مجرد معركة عسكرية، بل هو صراع على مستقبل الدولة نفسها، فإن كانت هذه الانتصارات بداية النهاية لقوات الدعم السريع، فإنها أيضًا تمثل بداية مسؤولية جديدة على الجيش السوداني، الذي يجب أن يدرك أن النصر العسكري وحده لا يكفي لتحقيق الاستقرار، بل لا بد من رؤية سياسية شاملة تعيد للسودان مكانته، وتنقذه من دوامة الصراعات المسلحة.

والأمل معقود على أن تكون هذه الانتصارات العسكرية بداية لعهد جديد، يستعيد فيه السودان عافيته السياسية والاقتصادية، ويصبح ركيزة للاستقرار الإقليمي، خاصة لمصر، التي ستظل داعمة لأي خطوة تعيد للسودان دوره الطبيعي كدولة موحدة ومستقرة.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: السودان الجيش السوداني ميليشيا الدعم السريع هذه الانتصارات الجیش السودانی الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

أعلن انتهاء المعركة ضد الجيش.. هل يتجه الدعم السريع لتأسيس دولة جديدة؟

الخرطوم- فاجأ رئيس المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع، حذيفة أبو نوبة، الأوساط السودانية، بإعلانه انتهاء المعركة العسكرية بشكلها التقليدي ضد الجيش السوداني والانتقال إلى مرحلة جديدة تهدف إلى تأسيس "الدولة السودانية الجديدة".

وأكد قادة عسكريون تحدثوا للجزيرة نت، أن إعلان أبو نوبة نهاية الحرب في يوم اكتمال سيطرة الجيش السوداني على كامل ولاية الخرطوم، أمس الأربعاء، يهدف لتشتيت الانتباه وصرف النظر عن هزائم "المليشيا" المتلاحقة.

لكن عمران عبد الله، مستشار قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" قال للجزيرة نت، إن القصد من حديث أبو نوبة هو أن الحرب انتهت بانتصار قوات الدعم السريع وتقدمها بكل الميادين.

لا تراجع

وقال عمران إن "مضمون حديث أبو نوبة يظهر أن معركتنا الآن هي معركة وعي وبناء دولة حديثة على غرار الدول المتقدمة، مبنية على المساواة ويكون التفاضل فيها للوظائف بناء على الكفاءة وليس بالجنس أو اللون كما كان يحدث في السابق".

وأشار إلى ما وصفه بالتفاف عدد كبير من الشعب السوداني حول قوات الدعم السريع، وقال إن تحالف قوى سياسية وعسكرية على رأسها الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو وكل الحركات النضالية الأخرى معهم، يُعد انتصارا لإرادة الشعب، وتحقق حلمه في بناء دولة مدنية ديمقراطية تسع الجميع.

إعلان

وأكد عمران أن إعلان أبو نوبة انتهاء المعركة العسكرية بشكلها التقليدي ضد الجيش والانتقال إلى مرحلة جديدة لا يعني -مطلقا- أن هناك تقهقرا لقوات الدعم السريع.

وأثار إعلان أبو نوبة ردود فعل وقراءات متباينة لدلالتها في هذا التوقيت، حيث اعتبرها البعض مؤشرا على أبعاد سياسية وعسكرية خطيرة.

إعلان الدعم السريع انتهاء المعركة يأتي لتشتيت الانتباه عن انتصارات الجيش السوداني وفق مسؤولين (الصحافة السودانية) مخاطر الإعلان

وقال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد جمال الشهيد للجزيرة نت، إن الحديث عن انتهاء المعركة التقليدية يوحي ضمنيا بأن قوات الدعم السريع وصلت إلى قناعة بأنها لم تعد تراهن على الحسم العسكري المباشر.

ولم يستبعد أن يكون هذا مؤشرا على تغيير في الإستراتيجية نحو حرب استنزاف طويلة الأمد، تعتمد على السيطرة الإدارية، والتشبيك السياسي، وزعزعة استقرار العمق العسكري للجيش عبر ضربات غير تقليدية، مثلما حدث في بورتسودان ومروي وعطبرة وكوستي.

وأفاد أن هذا التحوّل يأتي في ظل ضغط عسكري متزايد يتعرض له الدعم السريع بمناطق متعددة، منها دارفور وشمال كردفان، مع تنامي قدرة الجيش على استعادة زمام المبادرة في بعض المحاور الحيوية.

وأوضح العميد الشهيد أن الأخطر في تصريح أبو نوبة، أنه يُمثِّل تحولا من خطاب "المظلومية وإعادة الديمقراطية" إلى إعلان مشروع سياسي بديل، يتجاوز فكرة الشراكة في الحكم إلى تصور أحادي للدولة الجديدة المزعومة، مما يعني فعليا محاولة إحداث سلطة موازية خارج إطار الدولة السودانية الموحدة.

وأضاف أن هذا يحمل في طياته مخاطر انزلاق البلاد إلى سيناريوهات شبيهة بما جرى في ليبيا أو اليمن، حيث استبدلت المليشيات أدوات القتال بخطابات الشرعية الموازية، وسعت إلى فرض أمر واقع إداري وسياسي على الأرض.

الصادق آدم القيادي بالمقاومة الشعبية قلل من أي تأثيرات سياسية للدعم السريع (الجزيرة) نتاج الهزيمة

ومن جهته، قال الصادق آدم عمر، رئيس لجنة إعلام المقاومة الشعبية بالإنابة في ولاية الجزيرة وسط السودان، إن تصريح أبو نوبة يسعى إلى "تغيير الانتباه وصرف النظر عن الهزائم المتلاحقة للمليشيا المتمردة".

إعلان

وأضاف للجزيرة نت أن الھزائم باتت في أرض حواضنهم وأھليھم، الذين كانوا يكذبون عليھم بإعلان خادع يصورون أنھم يمسكون بزمام الأمور، ولكن تكشَّف الأمر لداعميهم بعد أن انتقلت المعارك إلى داخل أحيائهم وقراھم، فعملوا على تضليل أبنائهم الذين غدروا بالوطن.

وقلل آدم عمر، من أي تأثيرات سياسية للدعم السريع، وقال إنه لا وجود لھم في الساحة، ولا يمكن أن يعيشوا بين المواطنين بمجرد السكن، فكيف بمشاركتھم في حكم البلاد في أي مستوى من المستويات.

وأوضح أن القرار في هذا الشأن للشعب وليس القيادة، لأن الحرب هي بين "المليشيا" والمواطن، وأضاف "لذلك فالمواطن ھو صاحب القرار في دخول المليشيا في العمل السياسي".

فرض واقع جديد

وجاء حديث المسؤول في الدعم السريع أبو نوبة، في وقت تشهد فيه الحرب تحولات ميدانية غير معلنة، وتصاعدا في المبادرات الدولية والإقليمية لإعادة إحياء مسار التسوية، مع تغيير ملحوظ في موازين القوى التي يرى مراقبون أنها أصبحت تميل بوضوح لصالح الجيش السوداني.

وقال العميد جمال الشهيد إن حديث أبو نوبة عن انتهاء المعركة العسكرية جاء كمحاولة استباقية لفرض واقع تفاوضي جديد، أو كإعلان نوايا انفصالية مقنَّعة تهدف إلى جرِّ الأطراف إلى التعاطي مع الدعم السريع كسلطة قائمة، لا كمليشيا متمردة.

ورأى أن تصريح أبو نوبة يمثل تطورا لافتا في الخطاب السياسي لهذه القوة، ويفتح الباب أمام احتمالات مقلقة تتعلق بوحدة الدولة السودانية واستقرارها الإقليمي، وهو بمثابة إعلان انتقال المعركة من ميادين القتال إلى ميدان الصراع على الشرعية.

وأوضح أن هذا التطوَّر يتطلب يقظة وطنية شاملة، وتوافقا واضحا بين المؤسسة العسكرية والقوى المدنية على مشروع وطني جامع يقطع الطريق أمام المغامرات الانفصالية والتدخلات الأجنبية.

مقالات مشابهة

  • أعلن انتهاء المعركة ضد الجيش.. هل يتجه الدعم السريع لتأسيس دولة جديدة؟
  • الجيش السوداني يعلن العثور على مقابر جماعية في معتقل للدعم السريع
  • خريطة سيطرة الجيش السوداني.. هذه المناطق متبقية مع الدعم السريع
  • الجيش السوداني يسحق قوات الدعم السريع ويعلن إكمال سيطرته على مناطق استراتيجية مهمة
  • الجيش السوداني: اكتمال تطهير الخرطوم من أي وجود لميليشيا الدعم السريع
  • الجيش السوداني يوجه ضربة قاصمة لظهر مليشيا الدعم السريع بدارفور
  • الجيش السوداني يعلن ولاية الخرطوم خالية من قوات الدعم السريع
  •  الجيش السوداني يعلن رسميا ولاية الخرطوم خالية من قوات الدعم السريع
  • الجيش السوداني يعلن رسميًا.. الخرطوم خالية من الدعم السريع
  • الجيش السوداني: الخرطوم خالية بالكامل من الدعم السريع ونجدد العهد بمواصلة التحرير