الهيمنة الأمريكية والمقاومة.. قراءة في خطاب الرئيس المشاط
تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT
هذه المواجهة ليست مجرد ردّ فعل على قرارات سياسية ظرفية، بل هي انعكاس لبنية الصراع الطبقي على المستوى العالمي، حيث تمارس الإمبريالية آلياتها القمعية لفرض التبعية، بينما تتشكل حركات المقاومة كردّ موضوعي على هذا القمع.
لا يمكن النظر إلى قرارات الإدارة الأمريكية تجاه اليمن بمعزل عن موقع الولايات المتحدة كقوة إمبريالية تسعى إلى إعادة إنتاج سيطرتها على النظام العالمي.
الخطاب السياسي الصادر عن صنعاء يقرأ هذه الحقيقة بوضوح، إذ يربط بين العقوبات المفروضة عليها وبين محاولات واشنطن لحماية الكيان الصهيوني، باعتباره وكيلها الاستعماري في المنطقة. العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة ليست فقط تحالفاً استراتيجياً، بل هي علاقة بين قوة إمبريالية عالمية وقاعدة متقدمة لها داخل الشرق الأوسط، تستمد شرعيتها من استمرار العدوان الاستيطاني على الأرض الفلسطينية ومنع أي تهديد محتمل لهذه الهيمنة.
إنّ خطاب المشاط لا يتحدث فقط عن العقوبات كإجراء قانوني، بل يفكك البنية الكاملة للمنظومة الإمبريالية، موضحاً كيف أنّ الولايات المتحدة لا تتوانى عن التضحية بمصالح الشعوب الأخرى خدمةً لمصالحها الإمبريالية. يشير المشاط إلى أن اليمن ينسق مع "جهات تعتمد على الصادرات الأمريكية" للتخفيف من آثار العقوبات، فهو بذلك يشير إلى محاولة استخدام الاقتصاد كأداة مقاومة، مما يعكس وعياً بأهمية فك الارتباط بالنظام الاقتصادي الرأسمالي المهيمن، أو على الأقل تقليل الاعتماد عليه.
وهذا يتماشى مع فكرة "التنمية المستقلة" التي نظّر لها اقتصاديون ماركسيون مثل سمير أمين، حيث لا يمكن لأي دولة أو حركة مقاومة أن تتحرر سياسياً دون أن تمتلك الحد الأدنى من الاستقلال الاقتصادي. السياسة الأمريكية تجاه صنعاء هي امتداد لنفس النموذج الذي طُبق ضد التجارب الاشتراكية في القرن العشرين، حيث يتم تجويع الشعوب الثائرة وفرض الحصار عليها لخلق حالة من الانهيار الداخلي تدفعها إما إلى الخضوع أو إلى مواجهة شاملة لا تستطيع الاستمرار فيها على المدى البعيد.
من أبرز النقاط في خطاب المشاط هو استدعاء التاريخ كمصدر للشرعية السياسية. إذ يذكّر واشنطن بأن اليمن "كان ميدان الركلات الأخيرة للإمبراطوريات المتجبرة"، وهو استدعاء يحمل بعداً أيديولوجياً يعكس فهم الصراع كجزء من استمرارية تاريخية. في الفكر الماركسي، لا يعتبر التاريخ مجرد سجل للأحداث، بل هو سجل لصراعات القوى الاجتماعية، وهو ما يبدو حاضراً في هذا الخطاب الذي يضع المواجهة مع الولايات المتحدة ضمن سياق تاريخي طويل من مقاومة اليمن للهيمنة الخارجية.
هذا الاستدعاء للتاريخ هو أيضاً محاولة لإنتاج وعي طبقي ووطني في آنٍ واحد، حيث يتم تقديم الصراع ليس فقط على أنّه صراع بين دولتين، بل بين مشروع تحرري ومشروع استعماري عالمي. وهذا يعكس وعياً بأهمية الأيديولوجيا في الحروب الحديثة، حيث لم يعد الصراع يقتصر على المواجهة العسكرية، بل يمتد إلى الفضاء الرمزي والثقافي، وهو ما يتجلى في محاولة واشنطن فرض روايتها على العالم عبر أدواتها الإعلامية.
لم يقتصر خطاب المشاط على مهاجمة الولايات المتحدة، بل تضمّن أيضاً تحذيراً لمن أسماهم "المبتلين بمرض المسارعة"، في إشارة إلى الأنظمة العربية التي تسير في رَكْب التطبيع والتبعية.
ويمكن فهم هذا التحذير كجزء من صراع الطبقات الحاكمة ضد القوى المناهضة لها، حيث تعتمد الأنظمة الرجعية على الولاء للإمبريالية للحفاظ على مصالحها، مما يجعل أي حركة مقاومة تهديداً مباشراً لها.
يقدّم خطاب صنعاء نموذجاً لخطاب مقاومة يتجاوز كونه مجرّد ردّ فعل سياسي، ليصبح بياناً أيديولوجياً في وجه الإمبريالية العالمية. هذا الخطاب يعكس وعياً بأنّ المواجهة ليست مجرد صراع سياسي بين طرفين، بل هي جزء من الصراع العالمي بين الهيمنة الرأسمالية والقوى التي تسعى إلى التحرر منها.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
إقرأ أيضاً:
تحليل أمريكي: العقوبات والعمل العسكري يفشلان في وقف هجمات الحوثيين (ترجمة خاصة)
أفاد تحليل أمريكي أن العقوبات الأمريكية والعمل العسكري ضد جماعة الحوثي في اليمن فشلا في وقف هجمات الجماعة على سفن الشحن في البحر الأحمر وإسرائيل.
وقال مركز صوفان في تحليل ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن حركة الحوثيين في اليمن وحدها من بين شركاء إيران في "محور المقاومة"، لا تزال صامدة رغم العمل العسكري الأمريكي والإسرائيلي، بالإضافة إلى الضغوط المالية التي تفرضها العقوبات الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة".
وأضاف "ربط الحوثيون الهجمات المستمرة على إسرائيل بالصراع في غزة، ويواصل القادة الإسرائيليون والأمريكيون التأكيد على الروابط الاستراتيجية والعملياتية الوثيقة بين الحوثيين وطهران".
وحسب التحليل أدت هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر إلى تراجع حاد في النشاط في ميناء إيلات الإسرائيلي، والذي من شأن إغلاقه أن يمثل مكسبًا كبيرًا للحوثيين.
ويفرض المسؤولون الأمريكيون عقوبات على شركاء الحوثيين لتصعيد الضغط الاقتصادي على الجماعة، لكن الحوثيين أقاموا علاقات مع شركات يمنية وإقليمية مشروعة، ويكسبون دخلًا من مصادر غير مشروعة مثل مبيعات الأسلحة التي استولوا عليها. وفق التحليل.
منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تبددت الآمال العالمية في انتهاء حرب الشرق الأوسط مرارًا وتكرارًا. بينما يحاول المسؤولون الأمريكيون الانتقال من حرب يونيو/حزيران بين إسرائيل وإيران، والضربات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية، إلى تسوية الحرب في غزة وإجراء محادثات مع إيران، يستمر تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وحركة الحوثيين المدعومة من إيران (أنصار الله) في اليمن دون هوادة.
وفق التحليل لا يزال وقف إطلاق النار المبرم بين الولايات المتحدة والحوثيين في مايو/أيار صامدًا، لكن الاتفاق لم يشمل الهجمات على السفن التابعة لإسرائيل أو على الهجمات على إسرائيل نفسها، ويصرّ قادة الحوثيين على أنهم لن يتوقفوا عن مهاجمة إسرائيل طالما استمرت في شن حرب على حماس في قطاع غزة.
يتابع "بتمسكهم بهذا الارتباط المعلن بنزاع غزة، أثبت الحوثيون أنهم الحليف الأوثق لإيران، رافضين النأي بأنفسهم عن أهداف طهران حتى مع انهيار ركائز استراتيجية الأمن القومي الإيرانية".
وزاد "يمكن للحوثيين التمسك بأهدافهم لأنهم، ضمن محور المقاومة الإيراني، ربما يكونون الأكثر حماية من الضغوط العسكرية أو السياسية من الحكومات أو الفصائل الأخرى".
وقال مركز صوفان "لا تزال حكومة الجمهورية اليمنية ضعيفة، وداعماها - المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - غير راغبين في إعادة الانخراط عسكريًا على الأرض لتحدي سيطرة الحوثيين على جزء كبير من البلاد. ومع ذلك، فقد حقق فصيل متحالف - ميليشيا "قوة المقاومة الوطنية" بقيادة طارق صالح، ابن شقيق الزعيم اليمني الراحل علي عبد الله صالح - نجاحًا كبيرًا في أواخر يونيو من خلال الاستيلاء على شحنة كبيرة (750 طنًا) من الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى الحوثيين".
وطبقا للتحليل فقد أشادت القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) بالاستيلاء في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي في 16 يوليو، وربطت بشكل واضح بين الأسلحة المضبوطة وإيران، قائلة إن القوات اليمنية عثرت على "... أدلة باللغة الفارسية والعديد من الأنظمة تم تصنيعها من قبل شركة تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية الخاضعة لعقوبات من قبل الولايات المتحدة... إن اعتراض هذه الشحنة الإيرانية الضخمة يُظهر أن إيران لا تزال الجهة الأكثر زعزعة للاستقرار في المنطقة". نُقل عن الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، قوله: "إن الحد من تدفق الدعم الإيراني للحوثيين أمرٌ بالغ الأهمية للأمن والاستقرار الإقليمي وحرية الملاحة".
وقال مع ذلك، لا يزال الحوثيون قادرين على مواصلة حملتهم ضد إسرائيل رغم الحظر، وأسابيع من الغارات الجوية الأمريكية خلال "عملية الفارس الخشن"، التي انتهت بوقف إطلاق نار بين الولايات المتحدة والحوثيين في 5 مايو/أيار، واستمرار الضربات الإسرائيلية.
يوم الأربعاء، أطلق الحوثيون أحدث صاروخ باليستي ضد إسرائيل. سقط الصاروخ أو تم اعتراضه قبل دخوله المجال الجوي الإسرائيلي، لكنه مع ذلك تسبب في اضطراب البلاد ودفع السلطات إلى وقف حركة الطيران لفترة وجيزة في مطار بن غوريون الرئيسي في البلاد خارج تل أبيب كإجراء احترازي.
ونشر المسؤول الحوثي البارز، حزام الأسد، على حسابه على موقع "إكس" باللغة العبرية بعد وقت قصير من محاولة الهجوم: "لن نتخلى عن غزة. لن نصمت بينما أطفالها يتضورون جوعًا تحت الحصار...".
جاء إطلاق الحوثيين للصواريخ عقب غارة جوية شنتها قوات الدفاع الإسرائيلية بطائرة مسيرة يوم الاثنين على ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون في اليمن، والذي لطالما كان هدفًا للجهود الإسرائيلية لردع الحوثيين وإضعاف قدراتهم.
وزعم مسؤولون عسكريون إسرائيليون أنهم كانوا يستهدفون مواقع في الميناء يشن منها الحوثيون هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ ضد إسرائيل وحلفائها.
وقال وزير الدفاع إسرائيل كاتس إن القوات الإسرائيلية "تتصدى بقوة لأي محاولة لاستعادة البنية التحتية الإرهابية التي تعرضت للهجوم سابقًا". وتُعدّ غارة يوم الاثنين هي الثالثة عشرة التي تشن فيها إسرائيل هجومًا على اليمن. وقبل ذلك، كانت آخر غارة إسرائيلية ضد الحوثيين في 7 يوليو/تموز.
وخلال فترة الأسبوعين (7-21 يوليو/تموز)، أطلق الحوثيون ستة صواريخ باليستية وطائرتين مسيرتين على الأقل على إسرائيل - وهي هجمات لم تُسفر عن أي أضرار أو إصابات.
وفي أعقاب الغارة الإسرائيلية على الحديدة، أعلن جيش الدفاع الإسرائيلي إسقاط طائرة مسيرة وصلت "من الشرق"، في إشارة ضمنية إلى الحوثيين. وفي بيان، قال المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، إن إطلاق الطائرة المسيرة كان ردًا مباشرًا.
إحدى الشركات المذكورة هي شركة أركان مارس البترولية لاستيراد المنتجات النفطية (أركان مارس)، ومقرها الإمارات العربية المتحدة، والتي ذكرت وزارة الخزانة أنها تُسهّل استيراد الحوثيين للغاز والنفط، بما في ذلك المنتجات النفطية الإيرانية، عبر مينائي الحديدة ورأس عيسى اللذين يسيطر عليهما الحوثيون.
وأضاف الإعلان، وفق التحليل أنه اعتبارًا من يونيو/حزيران 2025، شاركت شركات تابعة لإيران في تسهيل المدفوعات بين الحكومة الإيرانية وشركات النفط التابعة للحوثيين، بما في ذلك أركان مارس. شركة ثانية فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات يوم الثلاثاء هي مصنع أسمنت عمران، وهو شركة يسيطر عليها الحوثيون.
ووفقًا لوزارة الخزانة، فإنه اعتبارًا من مارس/آذار 2025، وجّه الحوثيون إنتاج الأسمنت من مصنع أسمنت عمران إلى منطقة صعدة الجبلية شمال اليمن (القاعدة السياسية الجغرافية للحوثيين) كجزء من جهد أوسع نطاقًا لتطوير وتحصين مخازن الأسلحة والذخيرة العسكرية.
ومع ذلك، افاد مركز صوفان أن بعض الخبراء يقدر قدرة الحوثيين على استغلال ثغرات في هيكل العقوبات الأمريكية - وهي نقاط ضعف من المرجح أن يعالجها المسؤولون الأمريكيون مع تطويرهم للمعلومات الاستخباراتية اللازمة. على سبيل المثال، وجد تحقيق أجراه مشروع الشفافية التقنية (TTP) أن تجار الأسلحة المرتبطين بالحوثيين كانوا يستخدمون 130 منصة تواصل اجتماعي يمنية وشبكات اتصالات مشفرة (X وWhatsApp Business) كواجهة إلكترونية للجماعة لبيع الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها أو الحصول عليها بطريقة أخرى. وشملت المعدات المعروضة للبيع بنادق عالية القدرة وقاذفات قنابل يدوية وأنظمة أخرى.
تحمل بعض الأسلحة ختم "ملكية الحكومة الأمريكية"، مما يشير إلى أنها كانت تُستخدم من قبل الجيش الأمريكي وربما تُركت في ساحات القتال الأمريكية السابقة، مثل أفغانستان.
وحسب التحليل لم توضح الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي كيف حصل تجار الأسلحة الذين يعرضون الأسلحة على الذخائر التي تحمل العلامة التجارية الأمريكية، وليس من الواضح من تقرير مشروع الشفافية التقنية مقدار الإيرادات التي قد يحصل عليها الحوثيون من تجارة الأسلحة غير المشروعة هذه.
ويرى مركز صوفان أن المبادرة تظهر قدرة الحوثيين على العمل داخل شبكات الاتصالات المصممة في الغرب لإحباط الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لتقليص موارد الجماعة وقدراتها.