لجريدة عمان:
2025-12-13@08:19:25 GMT

إبادة فلسطين والمقاومة الثقافية والأكاديمية

تاريخ النشر: 28th, March 2025 GMT

إبادة فلسطين والمقاومة الثقافية والأكاديمية

كانت جامعة الكلمة فـي بيت لحم، حيث ولد السلام، مميزة فـي استجابتها لحرب الإبادة فـي فلسطين، عندما طرحت والحرب ما زالت مستمرة مساقا جديدا لطلبة الماجستير: دراسات متقدمة فـي الثقافة والفنون: الإبادة الثقافـية - رؤية تحليلية معاصرة».

تذكرت معلم التاريخ د. محمد أسعد حينما كان يكرر بيت أبي الطيب على مسمعنا فـي الحصة:

كلما أنبت الزمان قناة ركب المرء فـي القناة سنانا

لعله ما استخلصه المتنبي فـي قصيدته التي مطلعها: صحب الناس قبلنا ذا الزمان، كأن الزمان يعيد نفسه، لكن لعل من قال : إن «التاريخ يعيد نفسه أولا كمأساة ثم كمهزلة»، جانب الصواب، حيث إن المأساة تضاعفت مع تطور تكنولوجيا القتل.

الجريمة الأولى، كانت على يد ابن آدم، فهل لذلك قيل اللهم اكفنا شر بني ادم!

تتبع حياة الإنسان أفرادا وقبائل وجماعات ودولا، تجعلنا نتأمل ونتفهم ظهور القوانين بعد الجرائم التي حدثت فـي الحروب بشكل خاص. لكن للأسف بالرغم من اتفاقيات حماية المدنيين أثناء الحروب، فإن الدول الكبرى، والتي كانت من الدول التي أقرت هذه الاتفاقيات هي من تنتهك حقوق الإنسان، وهي اليوم من تمدّ مثلا منتهك حقوق المدنيين فـي فلسطين.

الإبادة!

ترى من أين بدأ تاريخ المصطلح؟

ظهر مصطلح (genocide) أو كما يتداول باللغة العربية «الإبادة الجماعية»، عام 1944، أي خلال الحرب العالمية الثانية و«الهولوكوست»، وقد صاغه المحامي البولندي، رافائيل ليمكين، لوصف الجرائم التي ارتكبها النظام النازي فـي ألمانيا آنذاك بيهود أوروبا.

كان رافائيل ليمكين قوة مهمة فـي إدخال مصطلح «الإبادة الجماعية» أمام منظمة الأمم المتحدة المنشأة حديثا فـي ذلك الوقت، حيث كانت الوفود من أرجاء العالم تناقش مصطلحات لقانون دولي حول الإبادة الجماعية. وفـي 8 ديسمبر 1948، تم تبني النص النهائي بالإجماع. وقد أصبحت اتفاقية الأمم المتحدة بشأن منع ومعاقبة الإبادة الجماعية سارية المفعول فـي 12 يناير 1951، بعد تصديق أكثر من 20 بلدًا حول العالم عليها.

المفارقة المدهشة أن الولايات المتحدة لم تصادق على الاتفاقية المذكورة، إلا زمن الرئيس رونالد ريجن، فـي 5 نوفمبر من عام 1988.

حين قمت «بجوجلة المصطلح، لم أجد شيئا عما تعرض له شعب فلسطين من «إبادات قديمة وحديثة»، لمت السيد جوجول وعاتبته، كونه يمدني دوما بالمعلومات وتوثيقها.

لكن لماذا لم تذكر فلسطين يا جوجول؟

فـي التاريخ العام، يمكن تقصي ما تعرض له البشر من ويلات على أيدي الدول القديمة والحديثة، التتار مثلا فـي مناطق مختلفة حتى وصل بلادنا. إن تاريخ الحضارة هو تاريخ الحروب، وتاريخ المآسي، لذلك يحرص البشر على الاستفادة منه لأخذ العبرة، لكن حكومات وأحزابًا وأفرادًا لا يحبون عظة الزمان، وما آل له مآل القتلة.

لكن للأسف حصدت الحروب وصولا للقرن العشرين والحادي والعشرين أرواح أبرياء كثرا، فعندما قرأنا عن القتل فـي التاريخ حسبنا أنه سيتوقف، لكننا عشنا بما جعلنا نشهد ونشاهد: حرب لبنان 1982، الحرب على العراق التي تكررت بدءا بعام 1991، الانتفاضة الثانية فـي فلسطين، والحروب على غزة وآخرها حرب الإبادة 2023-2025 التي تم بثها بثا حيا ومباشرا!

كنت طالبا جامعيا حين تابعنا حرب الإبادة فـي البوسنة؛ ففـي إحدى المدن الصغيرة، سيربيرنيتشا، قتل 7800 من الرجال والشباب البوسنيين على يد القوات الصربية. كنت أكبر قليلا فـي عام 1994، حين تابعنا الإبادة الجماعية فـي رواندا، فـيما بين أبريل ويوليو، قتل ما يصل إلى 800.000 شخص أغلبهم ينتمون إلى مجموعة التوتسي التي تمثل جماعة أقلية فـي رواندا. ثم تابعنا القتل فـي السودان، كذلك فـي سوريا.

مساق جديد لطلبة الماجستير فـي جامعة دار الكلمة: دراسات متقدمة فـي الثقافة والفنون: الإبادة الثقافـية - رؤية تحليلية معاصرة»

قرأنا: «استحدثت كلية الدراسات العليا والبحث العلمي فـي جامعة دار الكلمة مساقًا جديدًا لطلبة برنامجي ماجستير إدارة المؤسسات الثقافـية والفنون بعنوان «دراسات متقدمة فـي الثقافة والفنون: الإبادة الثقافـية - رؤية تحليلية معاصرة»، وقد عمل على تصميم المساق وتدريسه الدكتور إيهاب بسيسو اعتبارًا من الفصل الدراسي الثاني من العام الأكاديمي 2024/ 2025.

يناقش المساق قضية الإبادة الثقافـية عبر التاريخ وتأثيراتها على مكونات التراث الثقافـي والتاريخي والإنساني، وأنماط العنف الاستعماري فـي ارتكاب الإبادات الثقافـية والبشرية، كما يناقش دور المؤسسات الثقافـية ودور الفنون الأدائية والبصرية فـي توثيق ومواجهة مختلف أشكال الإبادة، وذلك بتحليل أنماط الإنتاج الثقافـي لقضية الإبادة بأبعادها وتأثيراتها الإنسانية، إضافة إلى ذلك يسعى المساق إلى إلقاء الضوء على استخدامات التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي فـي قضايا الإبادة المعاصرة.

يأتي تدريس هذا المساق فـي سياق سعي «جامعة دار الكلمة بشكل مستمر إلى تطوير برامجها الأكاديمية ومواكبة التطورات والأحداث المحلية والدولية حرصاً على الإسهام فـي معرفة أكاديمية فعالية، تتميز بالقدرة على تفكيك البنية المعرفـية للاستعمار من أجل تعزيز حضور هُوية التحرر الإنساني والعدالة فـي الفعل الثقافـي الفلسطيني بامتداداته العربية والدولية»، حيث نشر مؤخرا رئيس الجامعة المفكر الفلسطيني بروفيسور متري الراهب كتابا بعنوان «تفكيك الكولونيالية فـي فلسطين».

ويأتي المساق أيضا فـيما أجرمه الغزاة من تدمير ممنهج للممتلكات الثقافـية بجميع أنواعها، من كتب ومخطوطات وعمران وآثار.

بقي أن أتحدث عن كتابي الذي حمل عنوان: «فنون جميلة وجدار قبيح: مقاومة الفن لجدار الضم والتوسع والحواجز فـي فلسطين»، قبل 12 عاما. أي عام 2012، والذي واكبت فـيه بقلمي ما قامت به الفنون الجميلة فـي مناهضة الجدار العنصري والحواجز فـي فلسطين، حيث تناولتها نقديًا فـي سياقها التوثيقي، سواء أكان مصدرها الفنانون فـي فلسطين أو الفنانون الزائرون والأجانب المتضامنون معنا. كي تكون من جهة أخرى، مصدر معلومات للمهتمين بالفنون المقارنة كما هو الحال فـي الأدب المقارن، فمادة الكتاب معرفة نوعية فـي رصد ونقد مناهضة الفنون للجدار لمن يودّ مقارنة الفنون التي تناولت جدار الضم والتوسع والحواجز العسكرية والاستيطان فـي فلسطين، مع تلك الفنون التي تناولت الجدران والحواجز والتفرقة فـي بلاد أخرى. فكما لدينا الأدب المقاوم، أصبح هناك الفن المقاوم. كان من السهل التعبير الفني باستخدام التصوير الفوتوغرافـي أو الكتابة بسبب يسر الصناعة، لذلك كان التصوير الفوتوغرافـي أكثر الألوان الفنية بشكل خاص، وتبعه الفـيلم الوثائقي، فـي حين تأخرت صناعة المسرحيات واللوحات التشكيلية كونها تحتاج إلى وقت حتى ينضج التناول الإبداعي معها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن تقنية المسرح وصعوبة العمل فـيه، أخّرت ظهور مسرحيات تعالج الجدار، حيث إن إنتاج مسرحية يكلف وقتًا وجهدًا.

وأختتم بوصف الكاتب والشاعر عبد الحكيم أبو جاموس الذي قام بتحرير الكتاب ومراجعته، «بأن الكتاب يسعى إلى التأكيد على دور الفن فـي مناهضة جدار الضم والتوسع، لما للفن من قدرة على جذب الجماهير، كونه وسيلة اتصال جماهيرية عميقة التأثير فـي نفوس المتلقين. معتبرا الكتاب تقديرا لكل الفنانين المشاركين فـي مناهضة الجدار وجميع أشكال الحواجز، داعيًا الفنانين فـي فلسطين والعالم إلى تركيز جهدهم الفني والإنساني لمناهضة الاحتلال وما خلقه من حواجز وجدران. والكتاب يوفّر اليوم مادة للفنانين أنفسهم، ليروا تجارب زملائهم، ليفكّروا بإبداعاتهم الجديدة، فـي الوقت نفسه، فإن الفرصة ما زالت أمام الفنانين والأدباء ليبدعوا فـي جميع الأشكال والأجناس الفنية والأدبية، للتأثير على الرأي العام العالمي بأسلوب جمالي.

ولعلي أهدي نسخة منه لطلبة المساق، والدكتور إيهاب بسيسو، المشرف على المساق.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإبادة الثقافـیة الإبادة الجماعیة فـی فلسطین

إقرأ أيضاً:

مقاومة الجدار: إقامة 19 مستوطنة جديدة تصعيدٌ خطيرٌ في سباق إبادة الجغرافيا الفلسطينية

الثورة نت /..

اعتبر رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، مؤيد شعبان، اليوم الجمعة، مصادقة ما يسمى بـ”كابينيت” العدو الإسرائيلي على تسوية وإقامة 19 مستوطنة جديدة في أنحاء الضفة الغربية المحتلة، خطوة أخرى في سباق إبادة الجغرافية الفلسطينية لصالح مشروع الاستيطان الاستعماري.

وأكد شعبان، في بيان صادر عن الهيئة، أن هذا القرار بمثابة تصعيد خطير ويكشف عن النوايا الحقيقية لحكومة العدو الإسرائيلي في تكريس نظام الضمّ والفصل العنصري والتهويد الكامل للأرض الفلسطينية، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية.

وقال إن “هذه الخطوة تأتي ضمن سياسة ممنهجة تقودها حكومة المستوطنين بزعامة المجرمين نتنياهو وسموتريتش، الرامية إلى شرعنة البؤر الاستيطانية وتحويلها إلى مستوطنات رسمية، بما يكرّس السيطرة الإسرائيلية الدائمة على الأراضي الفلسطينية”.

وأضاف أن القرار يشكل تحديا صارخا للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن، وخاصة القرار 2334، ويدقّ ناقوس الخطر بشأن مستقبل الضفة الغربية التي تتعرض لعملية استيطان ممنهجة تستهدف اقتلاع الوجود الفلسطيني وتحويل المدن والقرى إلى جيوب معزولة ومحاصرة.

وبين رئيس الهيئة أن هذا القرار جاء في سياق تصاعدي واضح للمشروع الاستيطاني الاستعماري “الإسرائيلي”، الذي يسير وفق خطة متكاملة تهدف إلى موضعة أكبر قدر ممكن من المستوطنات والتكتلات الاستيطانية في الجغرافيا الفلسطينية بهدف الفصل الجغرافي وإخضاع الحياة الفلسطينية لمنطق الجنون الاستيطاني.

وأكد شعبان أن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، بالتعاون مع الجهات الرسمية والشعبية كافة، ستواصل العمل القانوني والدبلوماسي والميداني لفضح جرائم الاستيطان “الإسرائيلي” أمام المجتمع الدولي، داعيا إلى تحرك عاجل من الأمم المتحدة والدول الأطراف السامية في اتفاقيات جنيف لوقف هذا التمدد الخطير.

وشدد على أن الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه وحقه التاريخي فيها، ولن تُرهبَه مشاريع الاستيطان، مهما بلغت إجراءات العدو الصهيوني من تطرف وعدوانية.

مقالات مشابهة

  • دلياني: إسرائيل تواصل إبادة أهالي غزة تحت غطاء وقف إطلاق النار
  • محددات العلاقة بين إيران والمقاومة: قراءة في خطاب ظريف حول الهوية الوطنية للفصائل
  • مقاومة الجدار: إقامة 19 مستوطنة جديدة تصعيدٌ خطيرٌ في سباق إبادة الجغرافيا الفلسطينية
  • "مقاومة الجدار": قرار إقامة المستوطنات حرب إبادة للجغرافية الفلسطينية
  • مقاومة الجدار: قرار إقامة المستوطنات حرب إبادة للجغرافية الفلسطينية
  • حديث كرار عن الاستنفار والمقاومة الشعبية حديث كاذب
  • شراكة بين Converted والأكاديمية العربية لإطلاق برنامج تدريبي في التسويق بالذكاء الاصطناعي
  • وزير الاتصالات والأكاديمية العسكرية يلتقون طلاب "الرواد الرقميون" لدعم جيل رقمي جديد
  • اتهامات لبنك فرنسا المركزي بالتواطؤ في إبادة التوتسي في رواندا
  • إيرواني: يجب على العالم أن يتحرك بحزم لإنهاء الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة