عزلتهم أم عزلهم !!
تاريخ النشر: 30th, March 2025 GMT
عزلتهم أم عزلهم !!
صباح محمد الحسن
طيف أول:
وطن ينتظر
الأوان الذي لم يحن
ولو تأخر
فمازال صوت أمنياته يزداد حرارة بنبرة تصغي للأمل
فأحلام شعبه
تفوق هذا المتسع الوجع!!
وقبل أكثر من اسبوع كنا تناولنا تداعيات إقامة مؤتمر لندن من أجل إيجاد حلول لأزمة السودان الذي تعد بريطانيا لإقامته بعيدا عن الحكومة السودانية، وذكرنا أن تسمية المنظمين للمؤتمر المزمع عقده في 15 ابريل، تزامنا مع ذكرى الحرب اللعينة، تسميته “منصة محايدة ” هو عدم إعتراف واضح بوجود طرفي الصراع وعدم إعتراف بحكومة بورتسودان، وأن دعوة أكثر من 20 دولة للمؤتمر عدا السودان يجدد التذكير لحكومة البرهان بأن العزلة الدولية مستمرة!!
ولكن يبدو أن القصد لا يتوقف عند إستمرار عزلة حكومة بورتسودان، ويكشف التجاوز أن الامر يتعلق بعزلها وليس عزلتها، وأن الطريق نحو إستعادة الحكم المدني الديمقراطي بدأ العمل على تعبيده بصورة جادة، وبالأمس قالت المعلومات الواردة من هناك إن المنظمين للمؤتمر بدأوا في مشاورات مكثفة مع الدكتور عبد الله حمدوك رئيس مجلس الوزراء السابق المستقيل
فبالرغم من أن وزير الشؤون الافريقية البريطاني اللورد كولينز الذي تحدث في مجلس اللوردات عن أنهم يعدون لمؤتمر رفيع المستوى حول السودان في منتصف ابريل، وقال اننا نجري مشاورات حوله مع المجتمع المدني السوداني لا سيما قيادة صمود
إلا أن المشاورات مع قيادة “صمود” تكشف انها ليست مجرد تشاور يتعلق بدعوتها للمشاركة في المؤتمر ولكنه اعتراف بحكومة الثورة التي نزع البرهان منها الحكم بالسلاح، ويرى المنظمون للمؤتمر أن “صمود” تمثل واجهة سياسية مهمة بصفتها من أكثر التحالفات السياسية التي تبنت موقفا محايدا وواضحا من الحرب وعملت من أجل تحقيق السلام والمطالبة بإستعادة الحكم الديمقراطي، للانتصار لثورة ديسمبر المجيدة، وبالرغم من أن “صمود” تُعد لاعبا أساسيا في ملعب الحل السياسي للأزمة السودانية، كواجهة سياسية يلتقي طرحها مع رؤية المؤتمر الذي يسعى لبذل المزيد من الجهود المبذولة سيما أنها تقف على نقطة الحياد من طرفي الصراع وأن المؤتمر أكد منظموه انه “منصة محايدة” إلا أن ضرورة توسيع دائرة التشاور وتقديم دعوات لتشمل المجموعات السياسية السودانية المحايدة، والتي كشفت عن موقفها الرافض للحرب والداعي لوقفها، تبقى ضرورة ملحة، وذلك لما يكون له من أثر إيجابي في تحقيق اهداف المؤتمر الرامية لوقف الحرب والتي بلا شك يفيدها جمع أكبر عدد من القوى السياسية والمدنية الفاعلة لتشكيل جبهة سياسية عريضة تحت مظلة المؤتمر لتحقيق الغاية المنشودة، بغية أن التحالفات الأخرى تسعي أيضا لاستعادة المسار الديمقراطي .
كما أن المزيد مما يدعم فكرة وقف الحرب وتحقيق السلام هو أن ثمة وقفات، يومي ١٥ و١٩ أبريل في لندن وجنيف لتوجيه رسائل للمجتمع الدولي لإنقاذ المدنيين وإنهاء الحرب
ومن جهة موازية لدعم الحراك الدولي نحو حل الأزمة، فإن نائبة المتحدثة بإسم الخارجية الأمريكية منيون هيوستن تقول إن امريكا تريد من كافة الأطراف أن تتنحى عن اسلحتها وتلبي رغبة الشعب السوداني، في وقف الحرب، ولأن المجتمع الدولي لا ينظر الي ما يحدث على الارض سوى انه فوضى تستهدف ارواح المدنيين وتزيد في توسيع مأساتهم الإنسانية، قالت منيون للحدث في إجابة على سؤال كيف تنظر امريكا لتقدم الجيش على الأرض وسيطرته على العاصمة الخرطوم، قالت: هذا لا يغير في موقف امريكا المطالب بالتخلي عن السلاح وضرورة الجلوس للتفاوض، وهذا يؤكد أن السيطرة الناتجة عن الإنسحاب المتفق عليه غير “محسوبة ‘ في ميزان الحل الدولي،
وربما لوكان الجيش وسع مساحات سيطرته بمعارك عسكرية وانتصر فيها، لكان هذا له وزنه ومقداره في إعادة تشكيل وملامح الحل الدولي، ولكن!!
عليه فإن مؤتمر لندن الذي إختار صمود بقيادة حمدوك للتشاور معها دون حكومة السودان وربما تكون حضورا بتمثيلها المعلن او غير المعلن مع إصرار أمريكا على الحل السياسي بالرغم من فرض السيطرة لصالح الجيش بالعاصمة الخرطوم،
بالإضافة الي جهود المملكة العربية السعودية ولقاء الأمس الذي جمع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، برئيس المجلس الإنقلابي الفريق عبد الفتاح البرهان في قصر الصفا بمكة المكرمة
وما سبقه من تغيير في الخطاب العسكري للبرهان الذي بدأ يتحدث عن ضرورة السلام والنأي بالجيش من العملية السياسية، وذلك بقوله أن لا رغبه لهم في المشاركة السياسية مستقبلا، كلها خطوات تؤكد أن نافذة للحل فُتحت من جديد، وأن الإطلالة عبرها، ربما تأتي بتأثير حلفاء القيادة العسكرية عليها دون الحاجة الي عصا، وإن فشل الحلفاء فإن استخدام العصا لكسر العناد وارد، المهم أن القادمات من أيام لا تبشر دعاة الحرب وفلول النظام البائد، هذا إن لم تكن تُنذرهم
طيف أخير:
#لا_للحرب
الرافضون للسلام قد يتخلوا عن معاركهم السياسة لعرقلته، ولكن قد يكون الإحتجاج عسكري ميداني ليس لرفض السلام ومبدأ التفاوض، ولكن لأن خيار الحل السلمي هذه المرة غير قابل للإنهيار بالخطة والمؤامرة السياسية.
الوسومصباح محمد الحسن صمود عزلتهم عزلهم
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: صباح محمد الحسن صمود عزلتهم عزلهم
إقرأ أيضاً:
إمكانية التوافق مع المؤتمر الوطني لإيقاف الحرب
صلاح شعيب
بعد نجاح ثورة ديسمبر انطلقت أصوات لقيادات سياسية تنادي بالحوار مع الإسلاميين نسبة لكونهم فصيلاً مؤثراً في العمل السياسي، وقالت بعضها إنه إذا كنا نريد للبلاد الاستقرار فلا مناص من شملهم عند الانتقال نحو الديمقراطية. وفي الآونة الأخيرة بدرت دعوات لإشراك الإسلاميين في فرص الحل السوداني – السوداني لأزمة الحرب، وذلك بوصف أن المؤتمر الوطني يمسك بخيوط اللعبه الحربية، وأنه مهما حاولنا الوصول إلى تسوية فإنه لا بد أن يكون شريكاً فيها حتى تتجسد في الواقع.
الحقيقة هي أن القوى السياسية لم ترفض الحوار، أو التعاون، مع الحركة الإسلامية عبر تاريخ حضورها في المشهد السياسي منذ الخمسينات. وفي العقود الأخيرة تحالف الإخوان مع حزبي الأمة، والاتحادي، للإطاحة بالنميري في حادثة غزو الخرطوم في يوليو 1979. ولاحقاً توافق حزب الأمة القومي مع الجبهة الإسلامية حول برنامج ما عرف بحكومة الوفاق الوطني، ولكن في خاتم المطاف انقلب الإسلاميون على الوضع، وجاءوا بانقلاب 1989. ولاحقاً اتفق الصادق المهدي مع الترابي على التسوية في جنيف، ولكن أيضاً تبخر الاتفاق، وبعده كان المزيد من العداء بين الطرفين، ثم خطا تحالف الإجماع الوطني خطوات مهمة في التحالف مع المؤتمر الشعبي بعد المفاصلة للإطاحة بنظام البشير. والأكثر من ذلك أن مفاوضات انعقدت لتحالف نداء السودان مع المؤتمر الوطني قبل سقوطه للتوصل إلى تسوية، ولا ننسى كذلك أن المؤتمر الشعبي نفسه خرج نادماً من “حوار الوثبة” الذي تحايل به إخوانهم في النظرية لكسب الزمن، وتجاوز ورطته بالغش السياسي الذي كمن وراء الفكرة.
ولا ننسى أن فترة اتفاق السلام الشامل قد شهدت انخراطاً شاملاً للقوى السياسية التي قبلت بما سمي التحول الديمقراطي استجابةً لتقديرات محددة آنذاك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ولو أن المؤتمر الوطني صدق في مسعاه لتوفر لنا انتقال حقيقي من الاستبداد إلى الديمقراطية. ولكن ما إن صوت الجنوبيون للانفصال إلا وتخلص الإسلاميون من التجربة فأغلقوا الصحف، ومنظمات المجتمع المدني، والمراكز الفكرية، وضيقوا على الأحزاب، وطاردوا النشطاء السياسين. كل هذه المحاولات الوطنية للتواصل مع الإسلاميين هدفت لتجاوز ما أفرزه انقلابهم من تدمير للبلاد على كل النواحي، غير أنه أبت ارادة السلطة وقتذاك إلا التلاعب بالتوافق الوطني.
إن المعضلة الأساسية التي تواجه التعامل مع معظم الإسلاميين هي أنهم يستخدمون الائتلاف السياسي كمرحلة تقية يعقبها الانقضاض على الحكم. وحتى إذا حصلوا عليه عاملوا المخالفين معهم بالقمع، والضرب، والتنكيل. فالصدق آخر شيء يمكن أن تتوقعه من كثير من متبني نظرية الإخوان التي تستخدم التقية السياسية، والكذب للاستئساد على الحكم. وباختصار علينا تذكر أن أمن الحركة الأسلامية قد أجلس زعيم حزب الأمة في كرسي من ثلاث قواعد عبر تحقيق مهين، وهو الذي تحالف معهم في المرة الأولى عند غزو الخرطوم، وفي المرة الثانية حين ائتلف معهم عبر حكومة الوفاق. ومع ذلك لم يفتر المهدي من الصبر عليهم، ولكنهم خدعوه في غير ما مرة. فإذا كان هذا سلوك جماعة مسلمة ضد من هو معروف بأنه يتقارب معهم فكرياً، واجتماعياً، برباط فكري، واجتماعي، فما بالك بالبقية من الشيوعيين، والبعثيبن، والعلمانيين، والملاحدة، وغيرهم ممن يتبنون رؤية مختلفة إزاء رؤية الإخوان المسلمين.
ما يميز الإخوان المنتمون للمؤتمر الوطني أنهم لا بعترفون بالخطوط الحمراء الدينية، والعرفية، في العلاقة السياسية مع الآخرين، ولذلك يظل مد خطوط التعاون معهم لصالح استقرار البلد ضرب من الحلم المجدد دون اعتبار للماضي. ومن ناحية أخرى فإن إخوان المؤتمر الوطني ما يزالون يستبطنون في داخلهم أن لا أحداً خلافهم يملك الحل للأزمات السياسية، ويرون أنهم وحدهم أقرب إلا الله، وأما الآخرين فإنهم إما لا يمتلكون برنامجاً سياسياً للبناء الوطني، أو أنهم لا يفقهون الدين على أصوله. وبتلك الرؤية قسم فكر الإسلاميين المجتمع في أي بلد إلى فسطاطين، واحد أقرب للإله، والآخر ضد مشيئته في الأرض.
في هذه الحرب وضع المؤتمر الوطني سلام، واستقرار السودان، مقابل الاستجابة إلى رغبتهم في الإبقاء على سدة الحكم. وحتى الآن تستعر المقاومة بين إستراتجية المؤتمر الوطني وبين غالب السودانيين الراغبين للتوصل إلى تسوية عبر التفاوض تحفظ كيان البلد، وتنقذ مواطنيه من المأساة العظيمة.
وعلينا أن نتذكر أن فكرة الحرب نفسها نوع من الابتزاز، واحتقار رغبة السودانيين في الانتقال نحو الديمقراطية. وبهذه الكيفية يريد معظم الإسلاميين أن تستجيب القوى السياسية لهم صاغرين من أجل استعطافهم لإيقاف الخراب. وهذه معادلة لا يخلقها إلا تنظيم راغب في وراثة كل البلد وحده بالحرب، والسلم، وتوظيف طاقته السلطوية في الجيش، والخدمة العامة، والقطاع الخاص، لاستهداف أي مشروع وطني ديمقراطي إصلاحي.
خلاصة الأمر: سيظل النضال بمختلف وسائله المشروعة هو الوسيلة الأنجع لهزيمة قوى الاستبداد لا التصالح معها، وما دون ذلك ستكون أي مساعٍ للتصالح مع المؤتمر الوطني لإيقاف الحرب هي بمثابة إعادة إنتاج للأزمة السودانية، لا غير. بل إن هذا التصالح يمثل خيانة لدماء الشهداء التي روت البلاد من أجل تحقيق شعار حرية، سلام، وعدالة.