في قلب الشرق الأوسط، حيث تتقاطع الصراعات وتتساقط القنابل على المدنيين، هناك غزة، المدينة التي تحمل على أكتافها أعباء التاريخ والمعاناة الإنسانية، لكنها رغم كل شيء، تبقى شامخة، صامدة، ومتمسكة بحياتها وكرامتها.

لم يكن الانتصار في غزة مجرد لحظة عسكرية أو تحرك سياسي، بل كان انتصار الإنسان على آلة الموت، والصمود على اليأس، والكرامة على الإذلال.

كل قنبلة، كل لحظة خوف، كل ساعة من الحصار لم تنجح في كسر إرادة هذا الشعب. بل على العكس، كل لحظة ألم ولدت عزيمة أقوى، وارتسمت معالم النصر في وجوه الأحياء، في صمود الأطفال والنساء والرجال، في إرادة الحياة التي لا تُقهر.

قمة شرم الشيخ: البداية الفعلية للسلام

في خطوة تاريخية، وقع قادة الولايات المتحدة ومصر وتركيا وقطر، الاثنين (13 تشرين الأول/ أكتوبر 2025) في شرم الشيخ، وثيقة اتفاق غزة لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في القطاع المدمر.

وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ترأس القمة مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، إن الوثيقة ستفصل القواعد والنظم والأطر الضرورية، مؤكدا أن الاتفاق "سوف يصمد"، وأعلن أن إعلان انتهاء الحرب في غزة يعني تحقيق "سلام في الشرق الأوسط".

من جانبه، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن الاتفاق يمهد الطريق لتنفيذ حل الدولتين، ويجب تثبيت كافة مراحل الاتفاق لضمان التعاون والتكامل بين شعوب المنطقة، واصفا اللحظة بأنها تاريخية وفارقة، وبارقة أمل لإنهاء صفحة أليمة من تاريخ البشرية وفتح الباب لعهد جديد من السلام والاستقرار.

شارك في القمة أكثر من 20 زعيما ومسؤولا دوليا، بينهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر تميم بن حمد، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى جانب زعماء من فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا.

وأكدت الوثيقة، المعروفة بـ"وثيقة شرم الشيخ"، على أهمية حل النزاعات المستقبلية عبر الحوار والتفاوض، وعلى الالتزام بالسلام الدائم، مؤكدين أن الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحمل دوامة مستمرة من الحروب، وأن السلام الدائم هو السبيل الوحيد لازدهار جميع شعوب المنطقة.

الجانب الإنساني: أرقام مأساوية ومعاناة غير قابلة للنسيان

منذ بدء العدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكيا في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ارتكب الاحتلال ما وصفتها جهات دولية بالإبادة الجماعية في غزة، والتي خلفت 67,869 شهيدا و170,105 جرحى، معظمهم من النساء والأطفال. كما أزهقت المجاعة أرواح 463 فلسطينيا بينهم 157 طفلا.

وسط هذا الدمار، ظهر الإنسان الغزاوي بأبهى صور الإنسانية والصمود؛ الأمهات والأطفال، الأطباء والمهندسون، الصحفيون والناشطون، كل واحد منهم أصبح جزءا من المقاومة الأخلاقية والإنسانية، يحول الألم والمعاناة إلى صمود وإرادة حياة.

هذا الصمود لم يكن مجرد مقاومة جسدية، بل رمزا أخلاقيا للعالم، يثبت أن القوة الحقيقية ليست في الطائرات أو الدبابات، بل في القدرة على الوقوف أمام آلة الموت والاحتفاظ بالكرامة والوعي الإنساني.

الانتكاسة الإسرائيلية ومحاولة رسم صورة انتصار زائف

رغم إعلان القادة الإسرائيليين انتصارهم العسكري في وسائل الإعلام، فإن الواقع على الأرض كان مختلفا تماما؛ فكل محاولة لإظهار النصر كانت محاولة لإيهام العالم، وسط مشاهد الدمار، وفقدان الأبرياء، والأرقام المأساوية للضحايا المدنيين.

حتى البرلمان الإسرائيلي شهد تحديا داخليا: طُرد النائبان أيمن عودة وعوفير كسيف من الكنيست أثناء خطاب ترامب، لمطالبتهما بالاعتراف بدولة فلسطين، في مشهد يعكس إصرار الفلسطينيين على المطالبة بحقهم حتى داخل أروقة السلطة الإسرائيلية.

هذا المشهد يوضح أن أي محاولة رسمية لتزوير الصورة الحقيقية للفلسطينيين وواقع الحرب، لا يمكن أن تصمد أمام الوعي الشعبي والدولي الذي شهد مأساة غزة وصدمة الإنسانية العالمية.

الإعلام: جبهة جديدة للمقاومة

في مواجهة آلة الدمار، أصبحت الكلمة والصورة سلاح المقاومة الأخلاقي؛ الصحفيون الغزاويون، الذين عملوا تحت القصف، استطاعوا نقل الحقيقة للعالم، والصور والفيديوهات التي توثق لحظات القصف، وشهادات الناجين، وأصوات الأطفال والنساء الذين فقدوا أحباءهم، كل ذلك خلق وعيا عالميا لم يسبق له مثيل، وأعاد تعريف معنى الصمود والمقاومة.

هذا الانتصار الإعلامي جعل غزة رمزا أخلاقيا عالميا، وأكد أن الحق، مهما حاولت آلة الدمار قمعه، لا يموت.

الإنسان الغزاوي: معجزة لا تُقهر

كل فرد في غزة أصبح جزءا من قصة الصمود: الأم التي تحافظ على ابتسامة طفلها رغم الدمار، الطفل الذي يشارك أخاه الأكبر في توزيع الماء على الجيران، الطبيب الذي يعمل بلا توقف لإنقاذ حياة مجهولين وسط الركام، الصحفي الذي ينقل الحقيقة للعالم من تحت الأنقاض.. كل هؤلاء صنعوا صورة الإنسان الذي لا يُقهر، الذي يقف فوق الرماد ليصنع الحياة من جديد.

إن الإنسان الغزاوي هو الانتصار الحقيقي، لأنه أثبت للعالم أن الكرامة لا تُقصف، وأن الحرية لا تُباع، وأن الإرادة أقوى من كل جيوش العالم.

المقاومة رغم الإمكانيات المحدودة

ما يميز غزة أن المقاومة انتصرت رغم الإمكانيات المحدودة، فالمقاومون لم يمتلكوا طائرات أو دبابات متقدمة، بل امتلكوا إيمانا بالحق، وعزيمة صلبة، وخطة ذكية تعتمد على معرفة الأرض والوعي الشعبي.

هذا الانتصار أظهر للعالم أن القوة لا تُقاس بالعدد أو المعدات، بل بالإرادة والحق، وأن الفلسطينيين، رغم كل الحصار والدمار، قادرون على تحويل كل ضعف إلى مصدر قوة، وكل ألم إلى صمود.

كل معركة، كل مواجهة، وكل لحظة تحدٍ، تثبت للعالم أن غزة ليست مجرد مدينة صغيرة، بل مختبر الإنسان أمام آلة الموت، ودرس للعالم في معنى المقاومة الإنسانية.

من الرماد يولد الضوء

بعد كل الدمار، وبعد كل القتل، وبعد عشرات الآلاف من الأرواح التي أزهقت، تقف غزة شامخة، ليس لأنها لم تفقد المباني، بل لأنها لم تفقد روحها، ووعيها، وكرامتها الإنسانية.

الأجيال الجديدة التي وُلدت أو عاشت الحرب، تعرف اليوم أن الحرية لا تُمنح، وأن الكرامة واجبٌ لا يُستبدل. هؤلاء الأطفال والشباب سيحملون مشعل الوعي الفلسطيني، وسيكتبون التاريخ القادم من الصمود، وفصلا عن الإنسان حين يقف أمام الظلم بكل إرادته.

القمة ودور المجتمع الدولي

قمة شرم الشيخ، برئاسة ترامب والسيسي، وبمشاركة أردوغان وقطر وفلسطين والأردن والدول الأوروبية، شكلت نقطة تحول دولية. الاتفاق على وقف إطلاق النار لم يكن مجرد إجراء سياسي، بل خطوة عملية نحو إعادة إعمار غزة، وإنهاء دوامة الحرب، وفتح صفحة جديدة للسلام في الشرق الأوسط.

ترامب أعلن أن المرحلة الثانية من خطة وقف إطلاق النار بدأت، مع التأكيد على التقدم الكبير في مسار السلام، مشيرا إلى دور إيران في المستقبل، وإلى الحاجة لجهود دولية لمساعدة غزة على النهوض من الركام.

هذا الاتفاق يُظهر أن المجتمع الدولي لم يعد قادرا على تجاهل مأساة غزة، وأن أي حل مستدام يجب أن يكون قائما على حماية المدنيين، وتعزيز الحقوق الإنسانية، وتكافؤ الفرص لجميع شعوب المنطقة.

وفي الختام: النصر الحقيقي لغزة والرسالة العالمية

النصر الحقيقي لغزة ليس في الخراب، ولا في عدد الصواريخ أو الضحايا، بل في إصرار الإنسان على البقاء حيا، على حماية كرامته، وعلى تحويل الألم إلى إرادة حياة.

غزة اليوم ليست مجرد مدينة، بل مرآة للعصر، تبرهن على أن الإنسان قادر على الصمود، وأن الحق لا يموت مهما حاولت الآلة العسكرية الكبرى أن تقمعه.

من بين الركام، ومن بين الدموع، ومن بين الألم، خرجت غزة لتقول للعالم: "نحن هنا، وسنستمر". هذا هو النصر الذي لا يُقاس بالخرائط أو التقارير العسكرية، بل بالقلب، وبالروح، وبالإنسانية التي لا تموت.

غزة انتصرت، ليس بالرصاص وحده، بل بالإنسانية، بالكرامة، وبالوعي، وبالحق الذي يضيء الطريق لكل من يعتقد أن العدالة يمكن أن تُقتل.

ولكل القارات، ولكل الشعوب التي تبحث عن العدالة الإنسانية، فإن غزة اليوم تعلم أن الحق لا يحتاج إلى سلاح، وأن الإنسان قادر على الصمود، وأن الكرامة الفلسطينية ستبقى شعلة أبدية في وجه الظلم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء غزة الحرب سلام الفلسطيني فلسطين غزة سلام حرب قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة مقالات اقتصاد مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشرق الأوسط شرم الشیخ فی غزة

إقرأ أيضاً:

السلام الإعلامي.. وجلسات العلاج النفسي الجماعي للعالم؟

عندما وقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مزهوا بمصافحة قادة العالم الذين وفدوا إلى منتجع شرم الشيخ في مصر أمس الأول الاثنين، وموزعا ابتساماته المصطنعة على المشاهدين في العالم كله، كان السؤال الذي يتردد في ذهني وربما في أذهان الكثيرين الذين شهدوا على عامين من حرب الإبادة والتجويع الإسرائيلية في غزة وشاهدوا بأم أعينهم حجم الدمار الهائل الذي حل بالقطاع وطال البشر والحجر والشجر، على أيدي الجيش الصهيوني الهمجي، هو: هل انتهت الحرب فعلًا في غزة أم أنها انتهت فقط على الشاشات وفي وسائل الإعلام؟

من الطبيعي للمتشككين أمثالي في نيات العدو الصهيوني أن يُولِّد السؤال السابق مزيدا من الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عنها في الوقت الحالي، مثل: هل يمكن بالفعل أن يكون توقيع ترامب ورؤساء مصر وتركيا وقطر على ما سُميت «وثيقة شاملة» بشأن الاتفاق بين إسرائيل وحركة المقاومة (حماس)، دون حضور الطرفين، سوف يضمن التزام الطرف الإسرائيلي الذي أدمن خوض الحروب، بما ورد فيها؟ خاصة وأن جيش الاحتلال ما زال يحتل أجزاءً من غزة نفسها، ويهدد على لسان قادته السياسيين والعسكريين بتجريد المقاومة من سلاحها بالقوة؟

في تقديري أن المشهد الذي تم تسويقه في شرم الشيخ على أنه «انتصار للدبلوماسية» وعودة الأمل إلى الشرق الأوسط»، يجب ألا يجعلنا نركن إلى الوعود الأمريكية والصهيونية، لأنه ببساطة، أي هذا المشهد، لا يعبر عن الواقع وعما في النفس الصهيونية المتعطشة دوما للدماء. ففي الوقت الذي كانت فيه كاميرات المصورين تلتقط صور مصافحات القادة في شرم الشيخ، كان الغبار لا يزال يتصاعد من ركام الأبنية والشوارع المدمرة في غزة، وكانت دموع الأسرى الفلسطينيين المحررين تنهمر حزنا على عائلاتهم التي فقدوها خلال العدوان الإسرائيلي، وكان الفلسطينيون العائدون يواصلون الزحف مشيا على الأقدام إلى منازلهم التي جعلها الصهاينة «أثرا بعد عين».

إن ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية ومنذ إعلان التوصل إلى اتفاق إنهاء الحرب في غزة يؤكد عمق الهوة التي تفصل بين السلام الرمزي الذي يصنعه الإعلام، وبين السلام الحقيقي الناتج عن قناعات سياسية وعسكرية لأطراف الصراع. من السهل أن يتظاهر الطرف المعتدي أمام العالم بقبول السلام لاسترداد جزء من سمعته الدولية التي تآكلت على مدار العامين الفائتين، ولكن هذا لا يضمن التزام إسرائيل بنصوص الاتفاق. وعلي هذا فإن الاحتفاء المبالغ فيه من الإعلام الدولي بالاتفاق والتغطية الإعلامية الواسعة لقمة شرم الشيخ كان في جوهره محاولة من جانب هذا الإعلام لمنح الشعوب جرعة من الأمل والطمأنينة بعد شهور طويلة من مشاهدة صور الموت والدمار والجوع اليومية، وصنع «سلامًا بصريًا» مبهجًا، لكنه يبقى سلاما هشّا، سرعان ما يسقط حين يقترب من جوهر الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على وجه الخصوص، والعربي- الإسرائيلي بوجه عام.

وعلى هذا الأساس يمكن القول إن كثيرا من التغطيات الإعلامية في كبريات الصحف ومحطات التلفزيون العالمية تحولت إلى ما يشبه جلسات العلاج النفسي الجماعي للعالم الذي أنهكته مشاهد الحرب وحجم الضحايا الفلسطينيين الذي تجاوز السبعين ألف شهيد ونحو 140 ألف جريح، ودفعت الشعوب في كثير من مدن العالم إلى الخروج إلى الشوارع والتظاهر للتنديد بإسرائيل والمطالبة بعزلها ومقاطعتها، ومناصرة غزة ودعمها. وقد وجد الإعلام الدولي في مشاهد المصافحة والابتسامات المتبادلة في قمة شرم الشيخ مادة مثالية لإغلاق ملف غزة الدامي، دون أن يبحث في أسباب الصراع، ودون أن يحلل تداعياته وجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل، وكيف يمكن محاسبتها على ذلك.

الملاحظ أنه في كثير من التغطيات الإعلامية الغربية، خاصة في مؤسسات إعلامية كبيرة مثل «بي بي سي»، و«رويترز»، و«نيويورك تايمز»، غلبت النزعة الإنسانية على التحليل السياسي والعسكري الموضوعي. إذ ركّزت على صور قادة العالم المبتهجين بتوقيع الاتفاق بحضور ترامب، وعلى وعود تدفق المساعدات وإعادة الإعمار، وكأن العدوان الإسرائيلي قد انتهى إلى غير رجعة. واستخدمت تلك الوسائل لغةً عاطفية ووصفت التوقيع الشكلي على الاتفاق، بأنه «لحظة تاريخية»، و»فرصة نادرة»، و«ولادة جديدة للسلام». دون أن تمس جذور الصراع المرتبطة باستمرار الاحتلال الصهيوني وتوسع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية والحصار غير الإنساني المفروض على غزة منذ سنوات من البر والبحر والجو، والاعتداءات المستمرة على المسجد الأقصى. ولذلك نقول إن الإعلام الغربي حرص، ربما لغرض في نفس يعقوب، على المشاركة في صناعة وإخراج وتصدير مشهد سلام رمزي للعالم، يخفف به غضب المشاهد من إسرائيل وداعميها، أكثر مما يغيّر الواقع الفلسطيني على الأرض.

في المقابل، حرصت بعض وسائل الإعلام على التعبير عن شكوكها في استمرار الاتفاق بعد تسليم الأسري الإسرائيليين، ووصفت الاتفاق بأنه «استراحة أمنية مؤقتة»، حتى يستطيع الجيش الصهيوني التقاط أنفاسه. وهنا اقتبس من مقال للكاتب اليهودي جيرمي بن عامي، وهو في الوقت نفسه رئيس منظمة مؤيدة لإسرائيل، قوله في مقال نشرته صحيفة الجارديان البريطانية «إن المشكلة تكمن في التفاصيل، وأن تنفيذ اتفاق غزة سيكون صعبًا. ومن بين نقاط الخلاف المحتملة تحديد مدى انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، وآليات نزع سلاح المقاومة، وعملية اختيار قيادة فلسطينية مقبولة في غزة». إلى جانب ذلك فإن الصحف ووسائل الإعلام اليمينية في الولايات المتحدة وفي إسرائيل ما زالت تعيد خطاب «الخطر الفلسطيني» الأبدي، وهو ما يجعل أي اتفاق للسلام قابل للانفجار في أية لحظة.

الغريب في الأمر ورغم أن الاتفاق يشمل طرفا فلسطينيا فإن الصوت الفلسطيني يبدو غائبا إلي حد كبير أو على الأقل مهمشا في تغطية وسائل الإعلام الغربية لاتفاق إنهاء الحرب وقمة السلام. ففي الوقت الذي احتلت فيه تصريحات ترامب والقادة المشاركين في القمة مساحات واسعة من التغطية، لم تهتم وسائل الإعلام العالمية بنقل مخاوف وآمال أهل غزة وكيف يرون الاتفاق وماذا يريدون، ولذلك بدا الاتفاق وكل ما تلاه من مشاهد وكأنه مشروع بين الدول الوسيطة والمفاوضين وليس بين الشعوب.

إن الخطر الأكبر في تقديري يتمثل في أن يتحول التعاطف الإنساني مع أهل غزة إلى سلام إعلامي شكلي ومؤقت، يهدف فقط إلى إرضاء الضمير الغربي المتعب من صور الدماء، دون أن يضغط من أجل تغيير جذري في الواقع. «فحين يعلن الإعلام انتهاء الحرب في غزة بينما لا تزال المعابر مغلقة، والفلسطينيون لا يجدون الغذاء والدواء، يصبح السلام مجرد صورة تلفزيونية جميلة لا أكثر. ويعلمنا التاريخ أن السلام الذي يولد في قاعات المؤتمرات لا يعيش طويلًا إن لم تدعمه إرادة سياسية حقيقية وعدالة ناجزة على الأرض. إنّ الاختبار الحقيقي لاتفاق غزة لن يكون في الكلمات التي تملأ الصحف، والصور على شاشات التلفزيون، بل في قدرة الإعلام الدولي على تبنّي خطاب جديد يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، ويحرص على نقل الحقيقة وليس على صناعة الأمل الزائف.

إنّ السلام الإعلامي قد يخلق لحظة رضا جماعي عالمي، لكنه لا يصمد أمام أول اختبار حقيقي. فالسلام الحقيقي لا يتحقق إلا عندما يصبح الحديث عن الحقوق المشروعة للفلسطينيين جزءًا لا يتجزأ من الحديث عن الحلول الدائمة.   

مقالات مشابهة

  • السلام الإعلامي.. وجلسات العلاج النفسي الجماعي للعالم؟
  • تقرير أمريكي: القوة الحقيقية لفلسطين في صمود المقاومة المسلحة وليس المفاوضات
  • في ذكرى ثورة 14 أكتوبر.. علي ناصر محمد يدعو إلى مصالحة يمنية شاملة ويحيي صمود الفلسطينيين
  • سياسي أنصار الله: تحرير عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين ثمرة صمود وتضحيات المقاومة
  • عبدالسلام: تحرير الاسرى الفلسطينيين انجاز وانتصار
  • الرشق: صمود غزة أنهى الحرب وأجبر نتنياهو على القبول بصفقة تبادل الأسرى
  • خبراء : صمود غزة يُفشل أهداف “إسرائيل” العسكرية والسياسية ويُعيد تعريف النصر
  • فنانات مصريات يعبرن عن فرحتهن بوقف الحرب ويدعمن صمود الفلسطينيين
  • ناشط مغربي: اتفاق غزة ثمرة صمود المقاومة والجبهة اليمنية التي أربكت العدو الصهيوني