غزة "عُمان" بهاء طباسي: في ظلال الدمار والدموع، كانت تكبيرات عيد الفطر المبارك تتسلل من بين الأنقاض كأنها أنفاس أخيرة لحلم متلاشٍ. وسط ركام مسجد كان يومًا يعج بالمصلين في حي الشجاعية، جلست أم زكي عوض الله تحت ظل جدار مائل، تراقب السماء الرمادية، بينما تحاول جاهدة تهدئة صغيرها الذي لم يعرف من العيد سوى صوت الطائرات وقصف المدافع.

كانت تحكي له عن أعياد مضت، عن «بدلة» العيد التي اشترتها له قبل أن تسلب الحرب منزلهم، عن بسمة إخوته الذين قضوا في غارة سابقة، عن فرحة الجد والجدة وهم يوزعون العيديات. لكن الطفل لم يكن يسمع سوى دوي ذكرياته الحديثة، حيث انفجار الصواريخ وصرخات الجيران.

أنفاس العيد الأخيرة تحت الركام

في زاوية أخرى من المخيم الواقع في مدينة غزة، كانت هدى بارود تجلس بجانب والدها الجريح الذي فقد ساقه بعد استئناف الاحتلال عدوانه على قطاع غزة، تحاول أن تخفي دموعها وتبتسم له قائلة: «بابا، سأعد لك قهوة العيد كما كنت تفعل دائمًا». كانت القهوة طقسًا مقدسًا في صباح العيد، لكن اليوم لم يكن هناك سكر، ولا ماء صالح، ولا حتى نار لإشعال الموقد المكسور. كان والدها ينظر إليها بحزن، يعلم أن هذه الحرب سرقت منها طفولتها، وأنها لم تعد تفرح بثوب جديد، بل بأمل أن يحظى والدها بجرعة دواء تخفف ألمه.

على أطراف مدينة خانيونس، وقف يوسف الغلبان على ما تبقى من منزله، يراقب الحطام وكأنه يبحث عن ذكرياته بين الركام. في يده ورقة مهترئة كانت قائمة بمستلزمات العيد التي كان ينوي شراءها قبل أن ينهار كل شيء. لم يكن يعلم أن العيد هذا العام سيأتي محملًا بالخراب، وأن أبناءه لن يستيقظوا ليطرقوا باب غرفته مطالبين بعيدياتهم.

لم يكن هذا حال يوسف وحده، بل كانت هذه صورة متكررة في بيوت غزة التي لم يعد لها سقف، ولا حوائط تحمي أصحابها من برد الليل أو رياح الشتاء القاسية. في الأسواق التي كانت تعج بالناس في مثل هذا الوقت، كانت الأرصفة خاوية إلا من بعض الباعة الذين يحاولون بيع ما تبقى لديهم، بأمل أن يتمكنوا من تأمين قوت يومهم وسط هذه المحنة.

العيد في غزة هذا العام مختلفًا عن كل الأعياد التي عرفها الناس. بدلاً من زغاريد الأمهات، علا صوت الأمهات الباكيات على أطفالهن الذين قضوا في الغارات. وبدلاً من توزيع الحلوى، كان الأطفال ينتظرون دورهم للحصول على وجبة إغاثية شحيحة. كان الناس يتبادلون التهاني بحذر، إذ لم يعد هناك مكان آمن، ولم يعد أحد يعلم إن كان سيعيش ليشهد العيد القادم.

عيدٌ بلا فرحة.. فرحةٌ بلا عيد

في كل عام، كانت غزة تستقبل العيد بصعوبة لكنها لم تفقد الأمل يومًا. كانت الشوارع تزين بالأضواء رغم الحصار، وكانت المحلات تفتح أبوابها رغم الشح، وكان الأطفال يخرجون بثياب جديدة، حتى لو كانت مستعملة. لكن هذا العيد لم يكن كما سبق. هذا العيد كان محملًا بالخوف، بالصمت الذي يقطعه صوت الانفجارات، بالأنين الذي يخترق جدران المستشفيات، وبالدموع التي تجف على وجوه الأطفال الذين كبروا قبل أوانهم.

كانت العائلات النازحة تفتش عن مأوى، تبحث عن لحظة استقرار، تحلم بمائدة إفطار تجمعها، بسلام يعيد إليها حياتها المفقودة. في مخيمات الإيواء والخيام، تكدست العائلات في مساحات ضيقة، يتشاركون الفراش والماء والطعام، لكن أكثر ما افتقدوه كان الإحساس بالأمان. لم يكن هناك ضحكات الأطفال، لم تكن هناك روائح الكعك، لم تكن هناك أحلام العيد.

أم محمد.. العيد بين الجدران الباردة والمجهول

جلست أم محمد على قطعة قماش متهالكة، تحيط بها صغارها الثلاثة الذين فقدوا والدهم في قصف عنيف طال منزلهم في بيت حانون. قالت بصوت مرتجف لـ«عُمان»: «كل ما كنت أريده هو أن أرى أطفالي سعداء في العيد. لكن كيف؟ نحن هنا في مدرسة مهدمة تحولت إلى مأوى، لا مياه نظيفة، لا طعام يكفي، وحتى ثياب العيد لم أستطع أن أوفرها لهم. ابني الصغير يسألني: متى سنعود للبيت؟ وأجيب بأننا سنعود قريبًا، لكنني لا أعرف إن كان بيتنا لا يزال موجودًا».

ثم استدارت نحو ابنتها الكبرى، التي لم تكمل الثانية عشرة من عمرها، تمسك بيد شقيقها الأصغر وتحاول تهدئته. «لم أعد أجرؤ على النظر في أعينهم، لا أملك لهم شيئًا، ولا حتى إجابات. ليلة العيد قضيناها على البلاط البارد، نحلم فقط بمكان دافئ يحوينا»، صرخت أم محمد، وهي تحاول كبح دموعها.

سرق العيد منه كل شيء

عبدالغني، ذو العشر سنوات، يجلس وحيدًا في ركن أحد الخيام، ينظر إلى الأرض بعينين غارقتين في الحزن. قبل الحرب، كان يستعد للعيد بشراء ثوب جديد وأحذية لامعة، أما الآن فهو يرتدي ملابس ممزقة حصل عليها من إحدى الجمعيات الخيرية.

يقول لـ«عُمان»: «كنت أحب العيد لأنه يعني اللعب مع أصدقائي، زيارة أقاربي، وتناول الحلوى. لكن الآن، غالبية أصدقائي استشهدوا، والباقي نزحوا، لم يبقَ أحد. حتى أمي وأبي ذهبا ولم يعودا».

نظر عبدالغني إلى السماء الغائمة، متحدثًا بصوت خافت: «في كل عيد كانت أمي توقظني مبكرًا لنذهب للصلاة، ثم نعود ونأكل الكعك الذي خبزته قبل يومين. كنا نذهب لزيارة أقاربي، أركض في الشوارع مع أبناء عمومتي، نشتري البالونات ونأكل الحلوى. الآن، حتى البالونات صارت مجرد ذكرى».

توقف قليلاً، ثم تابع: «عندما يوزعون الحلوى في المأوى، أتذكر أمي، كانت تحب أن تختار لي أفضل الحلوى، أما هنا، لا أحد يسألني عن ماذا أحب، نحن فقط نحاول البقاء على قيد الحياة».

أعيادٌ في زمن المجازر

وقال مدير عام وزارة الصحة في قطاع غزة، منير البرش: «ما يحدث اليوم في قطاع غزة كارثة إنسانية بكل المقاييس. آلاف العائلات مشردة، مئات الأطفال فقدوا ذويهم، المستشفيات لم تعد قادرة على استيعاب المصابين، والمساعدات الإنسانية انقطعت؛ بسبب إغلاق الاحتلال للمعابر بشكل كامل».

ويطالب البرش خلال حديثه لـ«عُمان» المجتمع الدولي بالتدخل العاجل؛ لإنهاء الإبادة الجماعية بحق المدنيين في قطاع غزة، مذكرًا إياه بعيد الفطر الذي يأتي على قطاع غزة وسط قصف متواصل ومجازر لا تتوقف للعام الثاني على التوالي.

وأشار مدير «صحة غزة» إلى أن الأوضاع الصحية في القطاع بلغت حدًا خطيرًا، مع نفاد الأدوية الأساسية ووجود نقص حاد في الغذاء والمياه الصالحة للشرب، مؤكدًا أن القطاع الصحي بحاجة ماسة إلى دعم عاجل لإنقاذ الجرحى والمرضى.

مشهد يفضح العالم

من جهته، أكد رئيس مكتب الإعلام الحكومي في غزة، سلامة معروف، أن عيد الفطر يأتي هذا العام وسط واقع لا يكفي معه تعبير «شديد القسوة»، حيث يعيش سكان غزة تحت وطأة قصف متواصل، ودمار لم يترك منزلًا دون أن يصيبه، وأزمة إنسانية غير مسبوقة.

وأضاف، لـ«عُمان»: «في ظل هذا الوضع، تزداد معاناة المدنيين الذين يدفعون ثمن العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 17 شهرًا. مشددًا على أن «فقدان المنازل، وانهيار الاقتصاد المحلي، وتوقف الخدمات الأساسية، يجعل الحياة في القطاع أشبه بكابوس لا ينتهي».

ومن الناحية السياسية، أوضح: «لا يبدو أن هناك حلًا قريبًا يلوح في الأفق، فالدعوات لوقف إطلاق النار لم تجد طريقها للتنفيذ، والمجتمع الدولي لا يزال عاجزًا عن اتخاذ موقف حاسم ينهي هذه المعاناة. ومع استمرار الحصار، واستمرار الاعتداءات، يبقى العيد في غزة مناسبة مشوبة بالحزن، حيث تصبح الأحلام البسيطة رفاهية لا يملكها الكثيرون».

واختتم حديثه بالقول: «العيد في غزة لم يعد يومًا للفرح، بل صار يومًا يضاف إلى قائمة الأيام التي يغيب فيها الأمل وتكسر فيها القلوب. وبينما يتبادل العالم التهاني والتبريكات، يبقى أهل غزة تحت الركام، يبحثون عن بصيص حياة، عن هدنة تمنحهم فرصة لالتقاط أنفاسهم، وعن عيد لا يكون فيه الموت ضيفًا دائمًا على موائدهم».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قطاع غزة لـ ع مان لم یکن لم یعد فی غزة

إقرأ أيضاً:

فوائد واسعة لـالبابونج.. هل هناك أضرار في حال تناوله يوميا؟

يُعدّ البابونج من أكثر الأعشاب الشعبية استخداماً في المنطقة العربية. ويرتبط النبات بمجموعة واسعة من الاستخدامات العلاجية تشمل تحسين النوم، تهدئة القولون، تخفيف التوتر، إضافة إلى دوره في صحة البطن والتنحيف والشعر.

فوائد البابونج العامة
يمتاز البابونج باحتوائه على مركّبات فعّالة أبرزها الأبيجينين، وهي مادة تعمل على مستقبلات في الدماغ تساعد على الاسترخاء وتخفيف القلق. كما يحتوي على مضادات أكسدة قوية ذات خصائص مضادة للالتهاب، ما يجعله مشروبًا ذا تأثير شامل على الجهازين العصبي والهضمي.

فوائد شاي البابونج للنوم والاسترخاء
يُعدّ شاي البابونج واحداً من أشهر العلاجات المنزلية لتحسين جودة النوم، وقد أظهرت دراسات طبية أن تناوله قبل ساعة من النوم يساعد على:
تقليل الأرق الخفيف والمتوسط
تهدئة نشاط الجهاز العصبي
خفض مستويات التوتر
تحسين جودة النوم لدى كبار السن والنساء بعد الولادة
ويُنصح بتناوله دافئًا دون إضافات، مع تجنّب المحلّيات الصناعية لتفادي اضطراب الجهاز الهضمي.

البابونج للقولون: هل يفيد فعلاً؟
أثبتت التجارب السريرية أن شاي البابونج قد يساعد على تهدئة القولون العصبي عبر:
تخفيف الانتفاخ والغازات
تقليل التشنّجات العضلية في الأمعاء
خفض الالتهاب داخل جدران القولون
دعم حركة الأمعاء وتنظيمها
لا يُعتبر البابونج علاجًا للقولون العصبي، لكنه عامل مساعد ممتاز للتهدئة اليومية، خصوصًا عند تناوله بعد الوجبات الثقيلة أو عند الشعور بالغازات.

فوائد البابونج للبطن والجهاز الهضمي
يعالج البابونج مجموعة من الأعراض المرتبطة بالبطن، مثل:
اضطرابات الهضم
الغثيان الخفيف
المغص
عسر الهضم الناتج عن التوتر
الألم الخفيف المصاحب لالتهاب المعدة
كما أن تأثيره المهدئ يُعتبر مفيدًا في حالات التهيّج الهضمي الناتج عن الضغوط النفسية.

البابونج للتنحيف وخسارة الكرش
لا يساعد البابونج مباشرة على حرق الدهون، لكنه يساهم في عملية التنحيف بشكل غير مباشر عبر:
تحسين الهضم مما يقلل من بروز البطن
تخفيف احتباس الغازات
تحسين النوم (وهذا مرتبط مباشرة بالوزن والهرمونات)
تقليل الشهية الناتجة عن التوتر
لذلك، فهو ليس "مشروبًا سحريًا"، لكنه عامل مساعد مهم في نظام غذائي صحي.

البابونج والضغط: هل يرفع أم يخفض؟
يُعتبر البابونج من الأعشاب التي تميل إلى:
خفض ضغط الدم بشكل طفيف
وذلك بسبب تأثيره المريح للأوعية الدموية والمهدئ للجهاز العصبي.
لكن:
لا يُنصح بالإفراط فيه لمرضى الضغط المنخفض
يجب استشارة الطبيب إذا كان المريض يتناول أدوية ضغط قوية
إجمالًا: البابونج لا يرفع الضغط، بل قد يساعد في خفضه بدرجة بسيطة.

فوائد البابونج للشعر (تفتيح اللون طبيعيًا)
يُستخدم البابونج منذ عقود لتفتيح لون الشعر بطرق طبيعية، خصوصًا للشعر الأشقر أو البني الفاتح، حيث يعمل على:
إظهار خصلات أفتح بدرجة إلى درجتين
زيادة اللمعان
تقليل تهيج فروة الرأس
تهدئة القشرة البسيطة
طريقة الاستخدام:
يُغلى كوبان من الماء مع 3–4 ملاعق بابونج، ثم يترك ليبرد ويُرشّ على الشعر في الشمس لنتيجة أفضل.

طريقة تحضير شاي البابونج الصحية
للحصول على الفائدة الطبية الكاملة:
اغلي كوب ماء واتركه يبرد قليلاً (لا يُسكب على العشبة وهو يغلي).
ضع ملعقة كبيرة من البابونج الطبيعي أو كيس شاي.
اتركه 10 دقائق ليتم استخلاص المواد الفعالة.
يُشرب دون سكر أو مع سكر خفيف جداً.
يُفضّل تناوله مرة إلى مرتين يومياً.

أضرار البابونج: ما الذي يجب الانتباه له؟
على الرغم من فوائده العديدة، إلا أن البابونج قد يسبب:
حساسية لدى الأشخاص الذين يعانون من حساسية من عائلة الأقحوان
النعاس عند شربه بكميات كبيرة
تفاعلًا مع بعض أدوية المهدئات
انخفاضًا بسيطاً في الضغط لدى مرضى الضغط المنخفض
اضطرابًا بسيطًا في المعدة إذا تم تناوله بتركيز عالٍ
كما لا يُفضّل الإفراط به للحامل دون استشارة طبية.

أسئلة شائعة عن البابونج:
1. هل شرب البابونج يومياً آمن أم له أضرار؟
نعم، شرب البابونج يوميًا آمن لمعظم الناس، بشرط عدم الإفراط به. وقد يسبب مشاكل فقط لمن لديهم حساسية أو ضغط منخفض شديد.

2. هل يساعد البابونج فعلاً في علاج القولون العصبي والغازات؟
نعم، البابونج يساعد بشكل واضح في تهدئة القولون وتخفيف الغازات، لكنه لا يعتبر علاجًا جذريًا بل عاملًا مهدئًا ومساندًا.

3. ما هو أفضل وقت لشرب شاي البابونج (قبل النوم أم على الريق)؟
على الريق: ممتاز للهضم والقولون.
قبل النوم: الأفضل لتحسين النوم والاسترخاء.

4. هل البابونج يرفع ضغط الدم أم يخفضه؟
البابونج غالبًا يُخفض الضغط بشكل طفيف، ولا يرفعه.

5. هل يمكن للحامل والمرضع شرب البابونج بأمان؟
يمكن للحامل والمرضع شربه بكميات معتدلة جدًا، لكن الأفضل استشارة الطبيب لتجنب أي تداخل دوائي.

6. كيف يستخدم البابونج لتفتيح لون الشعر طبيعيًا؟
يُستخدم عبر رش ماء البابونج البارد على الشعر وتركه تحت الشمس، ويكرر 2–3 مرات أسبوعياً.

مقالات مشابهة

  • مصطفى بكري: هناك رموز ستختفي والحكومة ستتغير بعد الانتخابات.. فيديو
  • ماراثون مصر الخير بالأقصر.. احتفالات العيد القومي تتجمل بروح التطوع
  • صحيفة إسرائيلية: إسرائيل وافقت على تحمل تكاليف إزالة الركام بغزة
  • الخرطوم تنهض من تحت الركام
  • من يتحمل تكاليف رفع الركام من غزة.. إعلام عبري يكشف مفاجأة
  • اعلام عبري: إسرائيل وافقت على تحمل تكاليف إزالة الركام بغزة
  • إعلام عبري: واشنطن طالبت إسرائيل بتحمل تكاليف إزالة الركام في غزة
  • فوائد واسعة لـالبابونج.. هل هناك أضرار في حال تناوله يوميا؟
  • نحو 100 قتيل في هجوم الإنتقالي على حضرموت.. ومعلومات تكشف حجم الإنتهاكات التي ارتكبتها مليشياته هناك
  • بلدية غزة: نحتاج إلى معدات ثقيلة للتعامل مع أطنان الركام بالقطاع