لجريدة عمان:
2025-06-13@13:35:58 GMT

الغياب.. لحظات إنسانية قابلة للتأمل !

تاريخ النشر: 10th, April 2025 GMT

مرّ ذلك العيد بجانبنا مختلفًا عن أعيادنا الماضية؛ دفاتر الحضور والغياب أثبتت بأن الأحياء هم وحدهم من يتألمون ويتجرعون مرارة الفقد والفراق، ففي لحظة التذكّر بمن كان جانبنا في المرة الماضية، تتعمق في نفوسنا معاناة جديدة لا يشعر بها جميع من حولنا، إلا من لامسهم ذلك الغياب قبلنا.

في هذا العيد، كم بلغ شعور الألم بنا وبغيرنا ممن فقدوا عزيزًا عليهم، بقيت أماكن جلوسهم خالية لا يعوّضها أحد من الحضور، بينما النسيان، حتى هذه اللحظة، لم يبدأ مفعوله السحري في تطييب جراح الفقد.

في كل عيد، كنا نخرج من المصلى لنتجه مباشرة نحو منازل متقاربة في البنيان، تمامًا مثلما تتقارب أرواحنا مع أرحامنا وأقاربنا. نستمتع كثيرًا عندما نترجّل سيرًا على الأقدام بين بيوت الحارة وشوارعها وسواقيها وبساتينها التي لا تحدها سوى أسوار المحبة. أحيانًا، عندما كان الصيف حاضرًا في أعيادنا الماضية، كان لا بد لنا من ركوب السيارة التي تنطلق بنا إلى أماكن أبعد مما نصلها ونحن نسير على أقدامنا. نتنقّل في العيد رغبةً منّا، وتقليدًا تراثيًا قديمًا، نقدّم فيه أجلّ عبارات السلام والاطمئنان على الأهل والأحبة والأصحاب، وخاصةً ممن بلغ الكبر بهم مبلغه.

في هذا العيد، كان الوضع مختلفًا تمامًا عن ماضٍ قديم؛ هذه المرة كانت الوجهة الأولى منذ خروجنا من مصلى العيد نحو «المقابر»، حيث أصبح لدينا شخص عزيز يتوسد الثرى. وكان لا بد لنا من زيارته من جهة، وتذكير لنا بالآخرة والمآل الذي ينتظرنا، وأيضًا هذه الزيارة ترقيق للقلوب القاسية التي غرتها مباهج الحياة وزخرفها. وربما مشهد القبور المتراصة مع بعضها البعض يكون رادعًا لنا ولغيرنا عن المعاصي، وطريقًا نحو الزهد في الدنيا الفانية، وتهوينًا لما قد يلقاه المرء منا من مصائب الحياة وفواجعها التي لا تنتهي.

جمعٌ من الناس أتى إلى ساحة المقبرة، كلٌ يقف بجانب قبر عزيز عليه. فالساحة الممتدة تظهر أسماء كثيرة وتواريخ قديمة وحديثة على شواهد القبور، هدفها تذكير الناس بمن رحلوا واحدًا بعد آخر. في القرب من قبر ميّتنا، هناك قبر جديد لا تزال معالمه واضحة، يذكّر بأن القدر لم يُمهل صاحبه فرصة العيش معنا في هذا العيد. في مثل هذه المواقف، يستحضر في ذهني أن كل هؤلاء الموتى الذين تتحلل أجسادهم في قبورهم ينتظرون الدعاء لهم بالعفو والمغفرة.

رغم أن الكم كبير من الناس في المكان، إلا أن الصمت كان يتسيّد الموقف. أشخاص جالسون بصمت، وآخرون يقفون يتأملون ويستذكرون كيف أصبح حال من كان بالأمس يذكّرهم بأن الموت حق وقدر محتوم، ويأمل أن يكون معهم في فرحة هذا العيد.

أمام ذلك القبر الذي يأوي من نحب، لا شيء يُجدي غير الدعاء والتضرع إلى الله بالرحمة لميّتنا وأموات المسلمين. كم هو مؤلم أن ينتزع القدر منك شيئًا غاليًا، رغم أنك مؤمن تمامًا بأنه واقع لا محالة على كل إنسان، لكن لم تتخيله يأتي بهذه السرعة. تحاول أن تكفكف الدمع خوفًا من أن يعلو صوتك فتقع في المحظور، لذا عليك أن تلتزم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم» - وأشار إلى لسانه -، ولما مات ابنه إبراهيم قال عليه الصلاة والسلام: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون».

رغم أن البكاء لا يُجدي ولا يُرجِع من رحل، لكن الله تعالى يسمع أعمق صرخات قلوبنا التي يعتصرها الألم، ويجزي كل صابر على قدر صبره، ولذا يبشّر الله تعالى كل صابر محتسب الأجر والثواب بقوله تعالى: «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ».

انقضى الوقت وعدنا إلى منازلنا التي كانت عامرة بالناس في العيد، عندما كان ذلك العزيز يتجلى في وسط مجلسها. انفضّ الناس من حولنا، ولم يأتِ أحد كعادة كل عيد قد مضى، عندما كنا نحاول أن نتهرب من المجلس الذي يعج بالناس، ونتذمر كثيرًا عندما كان أحد المهنئين يمكث طويلًا في حديث ممتد يشعرنا بالملل. في هذا العيد، بقيت الأبواب مفتوحة، لكن عتباتها عانت فقدان خُطى المهنئين أو القادمين للتهنئة، كما كانت في الأعياد الماضية.

ويبقى الدعاء هو ما يوصلنا بمن نحب من الآباء والأمهات والإخوان وعامة الناس، فاللهم اغفر لتلك الأرواح التي لا تُعوّض، وأنفسنا النقية التي فارقتنا، وتركت لنا في القلب حنينًا لا يفارقنا أبدًا.

اللهم ارحم تلك الوجوه الطيبة التي فارقت الدنيا وانتقلت إلى جوارك، اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وتجاوز عنهم، واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة يا رب العالمين.

اللهم واجمعنا وإياهم برفقة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في علّيّين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی هذا العید

إقرأ أيضاً:

برلمانية: الدولة تتحرك بمسؤولية إنسانية تجاه غزة وتضع أمن مصر القومي في المقدمة

أكدت النائبة فاطمة سليم، عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، دعمها الكامل للموقف الرسمي الذي عبّر عنه بيان وزارة الخارجية بشأن تنظيم زيارات الوفود الأجنبية إلى المنطقة الحدودية المحاذية لقطاع غزة ، مشيدة بالنهج المصري المتوازن الذي يجمع بين الدعم الإنساني الثابت للشعب الفلسطيني، والحفاظ على أمن الدولة واستقرارها في ظل الظروف الدقيقة التي تشهدها المنطقة.

وقالت سليم في بيان لها إن مصر تتحرك منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة بدافع إنساني راسخ، وبمسؤولية إقليمية وقومية لا تقبل المزايدة، حيث كانت الدولة الأولى التي فتحت معبر رفح لاستقبال الجرحى والمساعدات، وواصلت جهودها على كل المستويات السياسية والدبلوماسية من أجل وقف إطلاق النار، ورفع الحصار، وفتح المسارات الإنسانية.

نواب تشيد ببيان الخارجية حول ضوابط زيارة الحدود مع غزة.. ويؤكدون: مصر استخدمت حقها للدفاع عن أمنها القوميوزير الخارجية يبحث تطورات غزة ونووي إيران مع المبعوث الأمريكي للشرق الأوسطجيهان مديح : مصر توازن بين الأمن القومي والواجب الإنساني في دعم غزةسليمان وهدان يعلن دعم الدولة بشأن تطورات الأوضاع في غزة

وشددت على أن الالتزام بالضوابط التنظيمية المعلنة هو أمر ضروري لضمان سلامة الوفود الزائرة ومنع أي محاولات استغلال سياسي أو إعلامي قد تُضر بالقضية الفلسطينية ذاتها، مشيرة إلى أن من أراد دعم الشعب الفلسطيني بحق، عليه أن يحترم السيادة المصرية، ويتحرك من خلال القنوات الرسمية المعتمدة.

واختتمت سليم بيانها بالتأكيد على أن دعم مصر لفلسطين لم يكن يومًا موقفًا طارئًا، بل هو خيار استراتيجي وشعبي راسخ، وأن لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب تتابع بقلق بالغ الانتهاكات المستمرة في القطاع، وتُجدد الدعوة للمجتمع الدولي للتحرك الجاد لوقف جرائم الاحتلال، وإنهاء الحصار فورًا، والسماح بالنفاذ الإنساني من جميع المعابر.

طباعة شارك النائبة فاطمة سليم بيان وزارة الخارجية الوفود الأجنبية المساعدات القضية الفلسطينية

مقالات مشابهة

  • برلمانية: الدولة تتحرك بمسؤولية إنسانية تجاه غزة وتضع أمن مصر القومي في المقدمة
  • خاطرة(بيان وتبيين)
  • أول لقاء لحميدان التركي مع عائلته وأحفاده بعد 20 عامًا من الغياب.. صور
  • عضو رابطة علماء اليمن العلامة الحسين السراجي لـ “الثورة “: لا تكتمل فرحة العيد إلا بمواساة المحتاجين وأسر الشهداء والجرحى
  • كرامة مستمرة بعد التقاعد.. حقوق غير قابلة للتنازل لكبار السن في قانون جديد
  • يوسف فوزي بأول ظهور بعد سنوات من الغياب: «أنا تعبان.. وادعولي لما أموت»|خاص
  • هل صحيح أن الهدية لا تهدى؟ .. حقيقة مقولة منتشرة بين الناس
  • مواطنون من مختلف المحافظات:الظروف المعيشية التي خلفها العدوان والحصار زادتنا تراحماً وألفة في العيد
  • د.حماد عبدالله يكتب: " عدم إنسانية " الطاقة الحيوية !!
  • برادة : الباكلوريا المغربية غير قابلة للتزوير والإمتحانات لم تتعرض للتسريب