من كلّ بستان زهرة -96-
#ماجد_دودين
عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يَعقِدُ الشَّيطانُ على قافيةِ رأسِ أحَدِكم إذا هو نام ثَلاثَ عُقَدٍ، يَضرِبُ كُلَّ عُقدةٍ: عليك ليلٌ طويلٌ فارقُدْ، فإن استيقَظَ فذَكَر اللهَ انحَلَّت عُقدةٌ، فإن توضَّأ انحَلَّت عُقدةٌ، فإنْ صَلَّى انحَلَّت عُقدةٌ، فأصبح نشيطًا طَيِّبَ النَّفسِ، وإلَّا أصبح خبيثَ النَّفسِ كَسْلانَ)).
قال النَّوَويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “فأصبَحَ نشيطًا طَيِّبَ النَّفسِ” مَعناه لسُرورِه بما وفَّقَه اللهُ الكَريمُ له مِن الطَّاعةِ، ووَعَدَه به مِن ثَوابِه، مع ما يُبارَكُ له في نفسِه، وتَصَرُّفِه في كُلِّ أُمورِه، مع ما زالَ عنه مِن عُقدِ الشَّيطانِ وتَثبيطِه)
مقالات ذات صلة مشروع القانون،، ،وحاجتنا إلى الحكمة وإعادة الثقة ؟ 2025/04/14********************
القرآن الكريم
هُوَ الكِتَابُ الذِي مَنْ قام يَقْرؤُهُ … كَأنَّمَا خَاطَبَ الرَّحْمنَ بالكَلِمِ
هُوَ الصِّرَاطُ هُوّ الحَبْلُ المَتِيْنُ هو الـ … مِيْزَانُ والعُرْوَةُ الوثْقَى لِمُعْتَصِمِ
هُوَ البَيَانُ هُوَ الذِكْرُ الحِكِيْمُ هُوَ التّـ … تَفْصِيْلُ فاقنَعْ بِهِ في كُلِّ مُنْبَهِمِ
هُوَ البَصَائِرُ والذِكْرَى لِمُدَّكِّرٍ … هُوَ المَواعِظُ والبُشْرَى لِغَيْر عَمِي
هُوَ المُنَزَّلُ نُوْرًا بَيِّنًا وهُدَى … وهُو الشِفَاءُ لِمَا في القَلْب مِن سَقَمِ
لَكِنَّه لأْولِي الإِيْمَانِ إذْ عمِلُوا … بمَا أتَى فيه مِن عِلْمٍ ومِن حِكَمِ
أمَّا عَلَى مَنْ تَوَلَّى عَنْهُ فَهْوَ عَمَى … لِكَوْنِهِ عَن هُدَاهُ المُسْتَنِيْرِ عَمِي
فَمَنْ يُقِمْهُ يَكُنْ يَوْمَ المَعَادِ لَهُ … خَيْرُ الإِمَام إلى الفِرْدَوْسِ والنِّعَمِ
كَمَا يَسُوْقُ أُولِي الإعْرَاضِ عنهُ إلَى … دَارِ المَقَامِعِ والأنْكَالِ والأَلَمِ
******************
قال ابنُ القَيِّمِ: (الكُسالى أكثَرُ النَّاسِ همًّا وغَمًّا وحُزنًا، ليس لهم فرَحٌ ولا سُرورٌ، بخِلافِ أربابِ النَّشاطِ والجِدِّ في العَمَلِ)
*******************
ذُنُوبُكَ يَا مَغْرُورُ تُحْصَى وَتُحْسَبُ … وَتُجْمَعُ في لَوْحٍ حَفِيْظٍ وَتُكْتَبُ
وَقَلْبُكَ في سَهْوٍ وَلَهْوٍ وَغَفْلةٍ … وَأَنتَ عَلى الدُّنْيَا حَرِيصٌ مُعَذَّبُ
تُبَاهِيْ بِجَمْعِ المَالِ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ … وَتَسْعَى حَثِيْثًا في المَعَاصِيْ وَتُذْنِبُ
أَمَا تَذْكُرُ المَوْتَ المُفَاجِيْكَ في غَدٍ … أَمَا أَنْتَ مِن بَعْد السَّلامَةِ تَعْطَبُ
أَمَا تَذْكُرُ القَبْرَ الوَحِيْشَ وَلَحْدَهُ … بِهِ الجِسْمُ مِن بَعْدِ العمَارَةِ يَخْرُبُ
أَمَا تَذْكُرُ اليَومَ الطَّوِيْلَ وَهُو لَهُ … وَمِيْزَان قِسْطٍ لِلْوَفَاءِ سَيُنْصَبُ
تَرُوْحُ وَتَغْدُو فِي مَرَاحِكَ لاَهِيًا … وَسَوْفَ بِأَشْرَاكِ المَنِيَّةِ تَنْشُبُ
تُعَالِجُ نَزْعَ الرُّوحِ مِنْ كُلِّ مَفْصِلٍ … فَلاَ رَاحِم يُنْجِي وَلاَ ثَمَّ مَهْرَبُ
فَيَا نَفْسُ خَافِي اللهَ وَارْجِي ثَوابَهُ … فَهَادِمُ لذَاتِ الفَتَى سَوْفَ يَقْرُبُ
وَقُولِي إِلَهِي أَوْلِنِيِ مِنْكَ رَحْمَةً … وَعَفْوًا فإنَّ اللهَ لِلذَّنْبِ يُذْهِبُ
وَلا تُحْرِقَنْ جِسْمِي بِنَارِكَ سَيِّدِيْ … فَجِسْمِيْ ضَعِيفٌ وَالرَّجَا مِنْكَ أَقْرَبُ
فَمَا لِيَ إِلاَّ أَنْتَ يَا خَالِقَ الوَرَى … عَلَيْكَ اتِّكَالِيْ أَنْتَ لِلْخَلْقِ مَهْرَبُ
وَصَلِّ إِلَهِيْ كُلَّمَا ذَرَّ شَارِقٌ … عَلَى أَحْمَدَ المُخْتَارِ مَا لاَحَ كَوْكَبُ
******************
قال مُحَمَّد الخضر: (كُلُّ ساعةٍ قابِلةٌ لأن تضَعَ فيها حَجَرًا يزدادُ به صَرحُ مَجدِك ارتِفاعًا، ويقطَعُ به قَومُك في السَّعادةِ باعًا أو ذِراعًا، فإن كُنتَ حَريصًا على أن يكونَ لك المَجدُ الأسمى، ولقَومِك السَّعادةُ العُظمى، فدَعِ الرَّاحةَ جانِبًا، واجعَلْ بَينَك وبَينَ اللَّهوِ حاجِبًا)
*****************
عَلَيْكُم بِتَقْوَى اللهِ لاَ تَتْرُكُوْنَهَا … فإنَّ التُّقَى أَقْوَى وأَوْلَى وأَعْدَلُ
لِبَاسُ التُّقَى خَيْرُ الملابِسِ كُلِّهَا … وأَبْهَى لِبَاسًا في الوُجُودِ وأَجْمَلُ
فَمَا أَحْسَنَ التَّقْوَى وأَهْدَى سَبِيْلَهَا … بِهَا يَنْفَعُ الإِنسَانَ مَا كَانَ يَعْمَلُ …
فَيَا أَيُّهَا الإِنسانُ بادِرْ إِلى التُّقَى … وَسَارِع إِلى الخَيْرَاتِ مَا دُمْتَ مُمْهلُ
وَأَكْثِرْ مِن التَّقْوَى لِتَحْمِدَ غِبَّهَا … بِدَارِ الجَزَاء دَارٍ بها سَوْفَ تَنْزِلُ
وَقَدِّمْ لِمَا تُقْدِمُ عَليهِ فإِنَّمَا … غَدًا سَوْفَ تُجزَى بالّذي سَوْفَ تَفْعَلُ
وأَحْسِنْ ولا تُهْمِلْ إذا كُنْتَ قادِرًا … فَأَنْتَ عن الدُنْيَا قَرِيْبًا سَتَرْحَلُ
وأَدِّ فُرُوْضَ الدِّيْنِ وأتْقِنْ أَدَاءَهَا … كَوَامِلَ في أَوْقَاتِهَا والتَّنَفّل
وَسَارِعْ إِلى الخَيْرَاتِ لا تَهْمِلنَّهَا … فإِنَّكَ إنْ أَهْمَلْتَ مَا أنَتْ مُهْمَلُ
إِذا أَنْتَ لَم تَرْحَلْ بِزَادٍ مِن التُّقَى … أَبِنْ لِي يَومَ الجَزَا كَيْفَ تَفْعَلُ …
أَتَرْضَى بأنْ تَأْتِي القِيَامَةَ مُفْلِسًا … على ظَهْرِكَ الأَوْزَارُ بالحَشْرِ تَحْمِلُ
*******************
عجِبتُ لهم قالوا تمادَيتَ في المنى وفي المُثلِ العُليا وفي المرتقى الصَّعبِ
فاقصِرْ، ولا تجهِدْ يراعَك إنَّما ستَبذُرُ حَبًّا في ثرًى ليس بالخِصبِ
فقُلتُ لهم مهلًا، فما اليأسُ شيمتي سأبذُرُ حَبِّي، والثِّمارُ من الرَّبِّ
إذا أنا أبلغتُ الرِّسالةَ جاهِدًا ولم أجدِ السَّمعَ المجيبَ فما ذنبي
********************
وما العِلمْ إلا كالحَيَاةِ إذا سَرَتْ … بِجِسْمٍ حَيٍّ والمَيْتُ مَنْ فاتَهُ العِلْمُ
وكَمْ في كِتَابِ اللهِ مْنْ مِدْحةٍ لهُ … يكادُ بها ذُو العِلْمِ فوقَ السُّهَى يَسْمُو
وكمْ خَبَرٍ في فَضْلِهِ صَحَّ مُسْنَدَاً … عن المصطَفَى فاسْألْ بِهِ مَنْ لَهُ عِلْمُ
كَفَى شَرَفًا لِلعِلْمِ دَعْوَى الوَرَى لهُ … جَمِيعًا وَيَنْفِي الجَهْلَ من قُبْحِهِ الفَدْمُ
فَلَسْتُ بِمُحْصٍ فَضْلَهُ إنْ ذكرْتُهُ … فقدْ كَلَّ عنْ إحصائِهِ النثْرُ والنَّظْمُ
فيا رافِعَ الدُنْيا على العِلْمِ غَفْلَةً … حَكَمْتَ فلم تُنْصِفْ وَلَمْ يُصِبِ الحُكْمُ
أترْفَعُ دنُيا لا تُسَاوي بأسْرِهَا … جَنَاحَ بَعُوْضٍ عندَ ذِي العَرْشِ يا فَدْمُ
وَتُؤْثِرُ أَصْنَافَ الحُطَامِ على الذي … بهِ العِزُّ في الدارَيْن والمُلْكُ والحُكْمُ
*******************
إلهي لَكَ الفَضْلُ الذي عَمَّمَ الوَرَى … وَجُوْدٌ على كُلِ الخَلِيْقَةِ مُسْبَلُ
وَغَيْركَ لَو يَمْلِكْ خَزَائِنَكَ التي … تَزِيْدُ مَعَ الإنْفَاقِ لاَ بُدَّ يبخلُ
وإِنّي بِكَ الَّلهُمَّ رَبي لَوَاثِقٌ … وما لِي بِبَابٍ غَيرِ بَابِكَ مَدْخَلُ
وَإِنِّي لَكَ اللَّهُمَّ بالدِّينِ مُخْلِصٌ … وَهَمِّي وَحاجاتي بِجُودِكَ أَنْزِلُ
أَعوذُ بِكَ الَّلهُمَّ مِن سُوْءِ صنْعِنَا … وَأَسْأَلُكَ التَّثْبِيْتَ أُخْرَى وَأَوَّلُ
إلهي فَثَبِّتْنِيْ عَلى دِيْنكَ الذِي … رضِيْتَ بِهِ دِيْنًا وإيَّاهُ تَقْبَلُ
وَهَبْ لِي مِن الفِرْدَوْسِ قَصْرَاً مُشَيَّدًا … وَمُنَّ بِخَيْرَاتٍ بِهَا أَتَعَجَّلُ
وَللهِ حَمْدٌ دَائِمٌ بِدَوَامِهِ … مَدَى الدهْرِ لا يَفْنَى ولا الحَمْدُ يَكْمُلُ
يَزِيْدُ على وَزْنِ الخَلاَئِقِ كُلِّهَا … وأَرْجَحُ مِن وَزْنِ الجَمِيْعِ وأَثْقَلُ
وإِنّي بِحَمْدِ اللهِ في الحَمْدِ أَبْتَدِي … وأُنْهِيْ بِحَمْدِ اللهِ قَوْلِيْ وَأَبْتَدِي
صَلاةً وَتَسْلِيْمًا وَأَزْكَى تَحِيَّةً … تُعُمُّ جَمِيْعَ المُرْسَلِيْنَ وَتَشْمَلُ
وأَزْكَى صَلاة اللهِ ثُمَّ سَلاَمُهُ … عَلَى المُصْطَفَى أَزْكَى البَرِيَّةِ تَنْزِلُ
*********************
قال ابنُ الجوزيِّ: (دليلُ كَمالِ صورةِ الباطِنِ حُسنُ الطَّبائِعِ والأخلاقِ؛ فالطَّبائعُ: العِفَّةُ والنَّزاهةُ والأنَفةُ من الجَهلِ، ومباعَدةُ الشَّرَهِ. والأخلاقُ: الكَرَمُ والإيثارُ وسَترُ العُيوبِ، وابتداءُ المعروفِ، والحِلمُ عن الجاهِلِ؛ فمَن رُزِق هذه الأشياءَ رَقَّتْه إلى الكَمالِ، وظَهَر عنه أشرَفُ الخِلالِ، وإن نقَصَت خَلَّةٌ أوجبت النَّقصَ)
***************************
قالوا السَّعـادةُ فــي السُّكونِ وفي الخُمـولِ وفـي الخُمودْ
فـي العيـشِ بيـنَ الأهـــلِ لا عيشِ المهاجِـِر والطَّـريدْ
فـي لقمــةٍ تـأتـي إليــك بغيــرِ ما جُهـدٍ جَهيــدْ
فـي المشـيِ خلـفَ الرَّكـبِ في دَعـةٍ وفي خَطـوٍ وَئيـدْ
فـي أن تقــولَ كمـا يقـالُ فـلا اعتــراضَ ولا ردودْ
فـي أن تسيـرَ مـع القطيـــعِ وأن تُـقــادَ ولا تقـــودْ
فـي أن تعيـشَ كمـا يــُرادُ ولا تعيشَ كمـا تـريــدْ
قلتُ الحيـاةُ هــي التَّحرُّكُ لا السـُّكــونُ ولا الهمــودْ
وهـي الجهـادُ وهـل يجاهِدُ مَــن تعَلَّــق بالقعـــودْ
وهـي الشُّعورُ بالانتصـارِ ولا انتصــارَ بلا جهـودْ
وهـي التَّلــذُّذُ بالمتاعبِ لا التَّـلــذُّذُ بالــرُّقــودْ
هي أن تـذودَ عـن الحياضِ وأيُّ حُـــرٍّ لا يــــذودْ
هي أن تحِـسَّ بأنَّ كأسَ الذُّلِّ مـن مــاءٍ صــديــدْ
هي أن تعيشَ خليفةً في الأرضِ شــأنُك أن تســـــودْ
********************
قال ابنُ السَّمَّاكِ: (النَّاسُ ثلاثةٌ: زاهِدٌ، وصابرٌ، وراغبٌ؛ فأمَّا الزَّاهِدُ فأصبح قد خرَجَت الأفراحُ والأحزانُ من صَدرِه عن اتِّباعِ هذا الغُرورِ، فهو لا يفرَحُ بشيءٍ من الدُّنيا أتاه، ولا يحزَنُ على شيءٍ من الدُّنيا فاته، لا يبالي على عُسرٍ أصبح أم على يُسرٍ، فهذا المبَرِّزُ في زُهدِه، وأمَّا الصَّابرُ فرجُلٌ يشتهي الدُّنيا بقَلبِه، ويتمَنَّاها بنفسِه، فإذا ظَفِر بشيءٍ منها ألجَمَ نفسَه عنها، كراهةَ شَتاتِها وسوءِ عاقبتِها، فلو تَطَّلِعُ على ما في نفسِه عَجِبتَ من نزاهتِه وعِفَّتِه، أمَّا الرَّاغبُ فلا يبالي من أين أتَتْه الدُّنيا، ولا يبالي دُنِّسَ فيها عِرضُه، أو وُضِع فيه حَسَبُه، أو جُرِحَ دِينُه، فهؤلاء في غَمرةٍ يَضطَرِبون، وهؤلاء أنتَنُ مِن أن يُذكَروا!)
*****************
قال عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه: (ابذُلْ لصديقِك كُلَّ المروءةِ، ولا تبذُلْ له كُلَّ الطُّمَأنينةِ، وأعطِه من نفسِك كُلَّ المُواساةِ، ولا تُفْضِ إليه بكُلِّ الأسرارِ).
*****************
ما أَحسَنَ الدُنيا وَإِقبالَها إِذا أَطاعَ اللَهَ مَن نالَها
مَن لَم يُؤاسِ الناسَ مِن فَضلِهِ عَرَّضَ لِلإِدبارِ إِقبالَها
كَأَنَّنا لَم نَرَ أَيّامَها تَلعَبُ بِالناسِ وَأَحوالَها
إِنّا لَنَزدادُ اغتِراراً بِها وَاللَهُ قَد عَرَّفَنا حالَها
نَغضَبُ لِلدُنيا وَنَرضى لَها كَأَنَّنا لَم نَرَ أَفعالَها
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: فی الم
إقرأ أيضاً:
موضوع خطبة الجمعة لـ وزارة الأوقاف.. «لله درُّكَ يا ابن عباس»
حددت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان: «لله درُّكَ يا ابن عباس».
وأشارت الوزارة إلى أن الهدف المنشود من هذه الخطبة والمراد توصيله للجمهور هو توعية الجمهور بخطورة التعامل مع الفكر الضال، وبيان حكمة الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن عباس حبر الأمة، وترجمان القرآن، في التعامل مع الخوارج، التي كانت سبيلًا لانتشال الأمة من هُوَّةِ الشِّقَاقِ وَالْخِلَافِ، وبيان سبل مواجهة هذا الفكر بالعلم الراسخ، والفهم العميق، والحوار الهادئ، والبيان الشافي، بعيدًا عن الغلظة والشدة.
وأضافت بضرورة فهم النص الشرعي في سياقه، ومعرفة أسباب النزول والورود، والرجوع إلى كليات الشريعة ومقاصدها، لتحصين المسلم من الوقوع في شراك الغلو والتطرف، علمًا بأن الخطبة الثانية تتناول أهمية يقظة الضمير في إصلاح المجتمع.
نص الخطبة:الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شَاءَ رَبُّنَا مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، هَدَى أَهلَ طَاعتِهِ إلى صِرَاطهِ المُسْتَقيمِ، وَعَلِمَ عَدَدَ أَنْفَاسِ مَخْلُوقَاتِهِ بِعِلْمِهِ القَديمِ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَتَاجَ رُؤُوسِنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا وَبَهْجَةَ قُلُوبِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فإننا نَقِفُ الْيَومَ وَقْفَةَ تَأَمُّلٍ عِنْدَ حَادِثَةٍ عَظِيمَةٍ، وَمُنَاظَرَةٍ فَرِيدَةٍ، سَطّرَهَا التَّارِيخُ الإسْلَامِيُّ بِمِدَادٍ مِنْ نُورٍ، إنَّهَا مُنَاظَرَةُ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ حَبرِ الْأُمَّةِ، وَتُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ، عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ لِلْخَوَارِجِ، تِلْكَ الْحادِثَةُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مُجَرَّدَ سِجَالٍ عَقْلِيٍّ، بَلْ كَانَتْ رَحْمَةً مِنَ اللهِ، وَنَمُوذَجًا يُحْتَذَى بِهِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْفِكْرِ الضَّالِّ، وَسَبِيلًا لِانْتِشَالِ الْأُمَّةِ مِنْ هُوَّةِ الشِّقَاقِ وَالْخِلَافِ، لَقَدْ خَرَجَ الخَوَارِجُ عَنْ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ، شَقُّوا عَصَا الطَّاعَةِ، وَكَفَّرُوا بِالمَآلِ، وَاسْتَحَلُّوا الدِّمَاءَ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، وَأَنَّهُمْ عَلَى الحَقِّ الْمُبِينِ، عَمِيَتْ أَبْصَارُهُمْ عَنْ فَهْمِ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ، وَتَحَجَّرَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ سَمَاعِ صَوْتِ الْحِكْمَةِ، يَفْهَمُونَ الظَّوَاهِرَ وَيَغْفُلُونَ عَنِ الجَوَاهِرِ، يُرَكِّزُونَ عَلَى الْحَرْفِ وَيَتْرُكُونَ الرُّوحَ، وقد نَتَجَ عَنْ ذَلِكَ أَنْ قَامَتِ التَّيَّارَاتُ الفِكْرِيَّةُ فِي زَمَانِ سَيِّدِنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما بِتَكْفِيرِ الْمُجْتَمَعِ وَحَمْلِ السِّلَاحِ فِي وَجْهِهِ.
أيهَا الكرامُ، يشاءُ اللهُ أن يُقيمَ سيدَنا عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ، رضيَ اللهُ عنهما، في زمانهِ نموذجًا ملهمًا في الجرأةِ والوضوحِ في مواجهةِ هذا الفكرِ المنحرفِ، فقامَ رضيَ اللهُ عنهُ يناقشُهم ويُفندُ باطلَهم، ويردُّ عليهم في كلِّ النقاطِ التي يتطرفون فيهَا، من مسائلِ الحاكميةِ، والولاءِ والبراءِ، والتكفيرِ، واستحلالِ الدماءِ، والغلظةِ في الفهمِ، وقد ضربَ رضيَ اللهُ عنهُ مثلاً للعالِمِ الذي لا تأخذُه في اللهِ لومةُ لائمٍ، والذي لا يتركُ الساحةَ للفكرِ المتشددِ حتى يعيثَ فيها فسادًا، لقد بيّن لهم، قولًا وفعلاً، أن فكرَ التطرفِ في حقيقتِه قبحٌ شديدٌ، قبحٌ يعتدي على كلِّ ما في الشريعةِ من نورٍ ورحمةٍ وسعةٍ وجمالٍ، وأنّ ما يحملُه هذا الفكرُ من عنفٍ في المظهرِ، وغلظةٍ في الفهمِ، وضيقٍ في الأفقِ، لا يمتُّ إلى هديِ الإسلامِ بصلةٍ، وإنما هو غلوّ مردودٌ، تُحصّن المجتمعاتُ من شرّه بالعلمِ والحوارِ والبيانِ.
أيها الناس، ُ هذه رِسَالَةٌ إِلَى أَصْحَابِ الْفِكرِ الْمُنحَرِفِ، هَلْ أَنتُمْ حَقًّا تَفْهَمُونَ حُكْمَ اللهِ؟ سُؤَالٌ إِلَى خَوَارِجِ العَصْرِ، هَلْ سَأَلتُمْ أَنفُسَكُمْ حَقًّا: هَلِ الرَّحمَةُ تَتَجَسَّدُ فِي قَتلِ الأَبْرِيَاءِ، وَتَدْمِيرِ الأَوْطَانِ، وَإِشاعَةِ الخَوفِ وَالرُّعبِ بَيْنَ النَّاسِ؟ أَلَمْ يَقُلْ رَبُّ العِزَّةِ في كِتابِهِ الكَرِيمِ: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ".
أيَّتُهَا الأُمَّةُ المَرْحُومَةُ، لقد امْتَدَّ هَذَا الإِشْكَالُ إِلَى وَاقِعِنَا المُعَاصِرِ، فَقَامَتْ سَائِرُ التِّيَارَاتِ المُتَطَرِّفَةِ فِي زَمَانِنَا نَتِيجَةَ هَذَا الْفَهْمِ بِتَكْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ، مِمَّا يُوصِلُنَا إِلَى أَنْ نُصْبِحَ أَمَامَ مَنْهَجَيْنِ، مَنْهَجٌ فِكْرِيٌّ مُسْتَقِيمٌ وَمُسْتَنِيرٌ يُقَابِلُهُ مَنْهَجٌ فِكْرِيٌّ سَقِيمٌ وَمُضْطَرِبٌ، مَفْعَمٌ بِالتَّشَنُّجِ، غَاضِبٌ وَمُنْدَفِعٌ وَعُدْوَانِيٌّ، عِنْدَهُ حَمَاسُ الفَهْمِ لِلإِسْلَامِ دُونَ فِقْهٍ وَلَا بَصِيرَةٍ وَلَا أَدَوَاتٍ لِلْفَهْمِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سِمَاتِهِ وَخَصَائِصِهِ الثَّابِتَةِ، وَهُوَ يَظْهَرُ عَبْرَ الزَّمَانِ عَلَى هَيْئَةِ مُوجَاتٍ مُتَتَالِيَةٍ، وَكُلَّمَا مَضَتْ عِدَّةُ أَجْيَالٍ بَرَزَتْ مِنْهُ مُوجَةٌ جَدِيدَةٌ، بِهَيْئَةٍ مُغَايِرَةٍ، وَتَحْتَ شِعَارٍ وَاسْمٍ جَدِيدَيْنِ، لَكِنَّهَا تَسْتَصْحِبُ طَرِيقَةَ التَّفْكِيرِ بِعَيْنِهَا، وَتُعِيدُ نَفْسَ الْمَقُولَاتِ وَالنَّظَرِيَّاتِ بِعَيْنِهَا، وَتَرْتَكِبُ الْأَخْطَاءَ الْفَادِحَةَ فِي فَهْمِ الْوَحْيِ بِعَيْنِهَا.
أَيُّهَا الكِرامُ، قَدْ أثْمَرَتْ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ الْمُبَارَكَةُ ثِمَارًا عَظِيمَةً، حَيْثُ رَجَعَ مِنْهُمْ مَا يُقَارِبُ أَلْفَيْنِ أَوْ أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمائَةِ رَجُلٍ، وَهُوَ عَدَدٌ هَائِلٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الْحُجَّةِ، وَصَفَاءِ الْمَنْهَجِ، وَتَوْفِيقِ اللهِ لِمَنْ قَامَ بِوَاجِبِ الْبَيَانِ، فَكَيْفَ وَاجَهَ ابْنُ عَبَّاسٍ التَّطَرُّفَ فِي زَمَانِهِ؟ وَاجَهَهُ بِالْعِلْمِ الرَّاسِخِ، وَالْفَهْمِ الْعَمِيقِ، وَالْحِوَارِ الْهَادِئِ، وَالْبَيَانِ الشَّافِي، بَعِيدًا عَنِ الْغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ فِي بَدَايَةِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا بِالحُجَّةِ الَّتِي تُقِيمُ الدَّلِيلَ وَتُوَضِّحُ السَّبِيلَ، لِيَعْلَمَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا دُرُوسًا بَلِيغَةً فِي مُوَاجَهَةِ التَّطَرُّفِ فِي أَيِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَأَنَّهُ لا يُوَاجَهُ بِالشِّدَّةِ وَالْعُنْفِ إِلَّا بَعْدَ اسْتِنْفَادِ كُلِّ وَسَائِلِ الْحِوَارِ وَالْبَيَانِ، فَلِلَّهِ دَرُّكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ.
نص الخطبة الثانيةالحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنا محمدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، وبعدُ:
أيها المؤمنونَ، إنَّ الضميرَ جوهرٌ روحانيٌ، وواردٌ قلبيٌ، يحكمُ تصرفاتِ الإنسانِ وتفكيرَه، ويدلُّه اللهُ به على الخيرِ والشرِ، ويرشدُه به إلى رضاه، لذلك سعى الإسلامَ إلى تربيةِ المسلمِ على يقظةِ الضميرِ، والخوفِ من اللهِ ومراقبتِه، وتذكيره في كلِّ أحوالِه بأنَّ هناك رَبًّا -جَلَّ شأنُه-، لا يَغْفُلُ، ولا ينامُ، ولا ينسى، وإلى هذا الحالِ قد أشارَ سيدُنا النبيُ صلى الله عليه وسلم في حديثِ جبريلَ- عليه السلامُ: «قال فَمَا الإِحْسَانُ؟ قال: أنْ تعبدَ اللهَ كأنك تراهُ، فإن لم تكنْ تراهُ فإنه يراكَ».
عبادَ اللهِ، اعلموا أَنَّ منهجَ الإسلامِ في تربيةِ الضميرِ، وتقويةِ الوازعِ الدينيِّ في نفوسِ الناسِ ضمانٌ لسعادةِ الأفرادِ والمجتمعاتِ والدولِ، وأنه بغيابِ الضميرِ لنْ يكونَ إلا الشقاءُ، والفشلُ إداريًّا واقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وسياسيًّا، لأنَّهُ مهما تَطورتِ الأممُ في قوانينِها ودساتيرِها، وطرقِ ضبطِها للجرائمِ، وإدارةِ شؤونِ الناسِف، لا بدَّ من سببِ النجاحِ في ذلك كلِّه، ألا وهو: «يقظةُ الضميرِ»، في الأقوالِ، والأفعالِ، بلْ وحتى في المشاعرِ وأعمالِ القلوبِ.
أيها الناس، ازرعوا في قلوبِ أولادكِم أنَّ الضميرَ هو المانعُ لكلِّ وجوهِ الفسادِ، فهو المانعُ للموظفِ أن يرتشيَ، أو يسرقَ، أو يختلسَ، والكاتبِ أن يُزوِّرَ ويدلسَ، والطبيبِ أنْ يهملَ في علاجِ مريضِه، والمعلمِ أن يقصرَ في واجبِه، والمرأةِ أن تفرطَ بواجبِها، والتاجرِ من أن يغشَّ، ويحتكرَ، ويدلسَ في تجارته، وهكذا في كلِّ مجالٍ، إذا حيا الضميرُ تكونُ السعادةُ والإصلاحُ، وإذا غابَ الضميرُ، يكونُ الفشلُ والفسادُ.
اللهم أصلحْ فسادَ قلوبِنا
وانشرْ في بلادِنا بساطَ الأمنِ والرخاءِ والسكينةِ والإخاءِ.
اقرأ أيضاً«لله درك يا ابن عباس».. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة 11 يوليو 2025
«السَّلَامُ رِسَالَةُ الإِسْلَامِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم بمساجد الجمهورية
خطبة اليوم الجمعة 27 يونيو.. «بداية جديدة وأمل جديد»