أوجلان والكلمة التي أنهت حربا
تاريخ النشر: 12th, July 2025 GMT
آخر تحديث: 12 يوليوز 2025 - 7:24 صبقلم: فاروق يوسف تخلى حزب العمال الكردستاني عن خيار الكفاح المسلح معلنا نزع سلاحه. فهل يعني ذلك اعترافا بالهزيمة؟كان عبدالله أوجلان زعيم الحزب واضحا في كلامه. الاستمرار في ذلك الخيار يعني المشي في طريق مسدودة.لقد سبق للزعيم الكردي الذي تم اعتقاله عام 1999 في سياق صفقة سياسية مبتذلة على المستوى الأخلاقي أن دعا غير مرة من سجنه إلى طي صفحة الحرب.
كان من الصعب على الحزب الذي تأسس عام 1984 أن يطوي تلك الصفحة التي انطلق منها من غير أن تتغير المعادلات السياسية في تركيا. تلك المعادلات المتحجرة التي كانت قائمة على عدم الاعتراف بوجود الأكراد جزءا من التركيبة الوطنية في تركيا.
لقد أنهى أوجلان الحرب بكلمة. غير أن تلك الكلمة ما كان لها أن تكون بذلك التأثير لولا أن الواقع السياسي التركي قد قدّم لها كل أسباب القوة قاوم الأكراد تحجّر العقل السياسي التركي بطريقة تعبّر عن معرفة عميقة بتعثر إمكانية الحوار تحت مظلة وطنية جامعة. فبغض النظر عن نوع النظام الحاكم في أنقرة، دينيا كان أم مدنيا فإن الاعتراف بحقوق الأكراد القومية كان خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، حتى أن تركيا لم تكن تعترف بوجود الأكراد قومية مستقلة وكانت تسمّيهم بأتراك الجبل.
وعلى الرغم من أن الحرب على الساحة الكردية قد كلفت تركيا خسائر بشرية ومادية هائلة فإن دولة أتاتورك كانت مستعدة لخرق القانون الدولي واحتلال أجزاء من سوريا والعراق من أجل مطاردة المتمردين الأكراد.كان خيار السلم على الأراضي التركية التي يقيم فيها الأكراد مُستبعدا حتى بعد اعتقال أوجلان. ذلك لأن حزب العمال وقد وجد له حاضنة في شمال العراق كان يأبى أن ينضم إلى زعيمه في معتقله ويستسلم. وإذا ما كان حزب العمال قد استفاد من الاستقلال النسبي للإقليم الكردي في شمال العراق فإنه استفاد أيضا من الظرف الإقليمي المضطرب بحيث كانت تركيا حائرة في أن تحارب على أيّ جبهة، في سوريا أم في العراق أم في الداخل التركي.ولا يخفى على تركيا وهي الضليعة بمؤامرات الناتو التي هي جزء منه ما تخطط له الولايات المتحدة وهي تعمل على تأثيث وجودها في المنطقة بأسلوب استعماري جديد. كل تفكير بتركيا قوية يبدو ساذجا في ظل استضعافها محليا من خلال المسألة الكردية. ولأن تركيا بدت عاجزة عن حل مشكلة محلية فقد بات الحل الدولي قريبا. فعلى الرغم من أن تركيا كانت حاضرة في المعالجة الدولية للمسألة السورية فإن ذلك لم يضمن لها انحياز الجانب الأميركي.يملك الأكراد اليوم تمثيلا قويا في الحياة السياسية التركية. ذلك ما يعني أن تركيا قد تغيّرت. ولأن تركيا قد تغيّرت فقد آن للأكراد أن يتغيّروا.من المهم أن أنبه هنا إلى أن أكراد تركيا على الرغم مما عانوه من تهميش وعزل وازدراء إلا أنهم لم يطالبوا إلا بحقوقهم المدنية وهي حقوق المواطنة المتوازنة والسوية من المؤكد أن أكراد حزب العمال لم يتخلوا عن خيار الكفاح المسلح إلا بعد أن ضمنوا أن هناك حياة وطنية عادلة في انتظارهم.
من المهم أن أنبه هنا إلى أن أكراد تركيا على الرغم مما عانوه من تهميش وعزل وازدراء إلا أنهم لم يطالبوا إلا بحقوقهم المدنية وهي حقوق المواطنة المتوازنة والسوية. وكما يبدو فإن تركيا تغيرت عبر الزمن. لذلك صار على الأكراد أن يتغيّروا ويغيّروا نهجهم وطريقتهم في التلويح بمطالبهم. والأهم من ذلك أن مبدأ الكفاح المسلح لم يعد مقنعا للكثير منهم، أولئك الذين انخرطوا في الحياة السياسية التركية من خلال الأحزاب التي صار لها صوت في الشارع. كان عبدالله أوجلان حكيما ورجلا مسؤولا حين صارح شعبه بأهمية الاستجابة لتلك التغيّرات والتفاعل معها بطريقة إيجابية. فالمهم بالنسبة إليه وإلى شعبه أن يكون الهدف الذي اختاروا من أجله اللجوء إلى الكفاح المسلح قد تحقق أو في طريقه إلى أن يكون واقعا وليس الكفاح المسلح هدفا في حد ذاته. هنا تكمن واحدة من أهم صفات الزعيم العاقل. ليس من المعلوم حتى الآن ما هي الصفقة التي تخلّى حزب العمال بموجبها عن سلاحه منهيا الحرب التي أضرّت بالأكراد مثلما أضرّت بتركيا.لكن اللافت هنا أن رجلا لا يزال قيد الاعتقال منذ أكثر من ربع قرن كان قادرا على أن يقول كلمة النهاية. وهو ما يعني أن الطرفين، الكردي والتركي، يثقان بذلك الرجل الذي وهب شعبه الجزء الأكبر من عمره.لقد أنهى أوجلان الحرب بكلمة. غير أن تلك الكلمة ما كان لها أن تكون بذلك التأثير لولا أن الواقع السياسي التركي قد قدّم لها كل أسباب القوة.المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: الکفاح المسلح حزب العمال على الرغم أن ترکیا
إقرأ أيضاً:
المعلم.. منارة العلم التي أطفأها الإهمال
انضم إلى قناتنا على واتساب
شمسان بوست / كتب: عوض المجعلي
لا يختلف اثنان على أن الثورات قامت وكان من أبرز أهدافها القضاء على الجهل، باعتباره السبب الأول للتخلف وقلة الوعي.
لكن ما يؤسف له أن بعض البلدان ابتُليت بقيادات كان آخر همّها تحرير شعوبها من الجهل، فكانوا بحق نكبةً على الأمة.
كيف لا، وقد تعمّدوا تهميش محور العملية التعليمية، المعلم، الذي تُبنى به العقول، وتُربى به الأجيال، وتُصاغ به الأفكار. وكأنهم لا يدركون فضل المعلم حتى عليهم هم أنفسهم!
شوقي وحافظ.. حكاية مع المعلم
لقد خلد التاريخ مساجلة شعرية شهيرة بين أحمد شوقي وحافظ إبراهيم حول مهنة التعليم.
فحين أنشد شوقي قصيدته الخالدة في مدح المعلم قال:
> قم للمعلم وفِّه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
قصيدة رائعة أصبحت شعارًا خالداً لكل من يقدّر رسالة التعليم. لكن صديقه حافظ إبراهيم، المعروف بخفة دمه، أراد أن يمازحه فقال:
> شوقي يقول وما درى بمصيبتي
قم للمعلم وفِّه التبجيلا
أقعد فديتُك هل يكون مبجَّلًا
من كان للنشء الصغار خليلا؟
ومازحه أيضًا بقوله: لو جرّب شوقي التدريس ساعةً واحدة، لعرف كم هي شاقة وصعبة حياة المعلم!
ذكريات لا تُنسى
كل واحد منا يحمل في ذاكرته أسماء معلمين خلدوا في وجدانه، كانوا مصابيح نور في العلم والتربية والخلق.
ففي المرحلة الابتدائية، لا أنسى أستاذيَّ الفاضلين: شيخ علي محمد – حفظه الله – وسالم العبد باعزب – رحمه الله – بابتسامتهما التي لم تفارق ذاكرتي.
كما أتذكر معلمةً فلسطينية تُدعى انتصار، درّستني اللغة العربية، وكانت تردد لي دائمًا: “أنت لديك تعبير متميز”، بكلمة مشجعة جعلتني أعشق الكتابة والتعبير.
ولا أنسى أيضًا المربين الكبار: الوالد سعيد عثمان عشال رحمه الله، والأستاذ موسى القمادي، والأستاذ الناصري، والمربي الجليل عبدالله علي مشدود – رحمه الله – الذي لم يبخل عليّ بوقته، يشرح لي النحو والعلوم الشرعية.
من زمن التكريم إلى زمن الإهمال
كان زمنًا جميلاً… زمن يُكرَّم فيه المعلم على مستوى الجمهورية سنويًا، وتُختار نماذج من المتميزين تكريمًا لعطائهم.
أما اليوم، فقد باتت أمنيتي أن يُكرم المعلم في يوم عيده، 5 أكتوبر، بصرف راتبه على الأقل، وبحفظ كرامته أمام أطفاله وأصحاب المحلات.
لكن واقع الحال أن القيادة الحالية لا تجيد الاحتفال إلا بالجباية والنهب والارتزاق، أما النداءات والمناسبات التعليمية فهي خارج جدول اهتماماتها.
كلمة أخيرة
سيبقى المعلم منارة الأمة مهما حاول الإهمال أن يطفئ نوره، فالعقول التي أنارها لا تُطفأ.
وقد قال الشاعر:
> أسمعتَ لو ناديت حيًّا
ولكن لا حياة لمن تنادي