معركة عمرها 33 سنة.. رفاهية ترامب في مواجهة مياه الكوكب
تاريخ النشر: 15th, April 2025 GMT
وكأنها نكتة سياسية أو مشهد من مسرحية ساخرة، ظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يوقع على قرار يسمح بإعادة تعريف "رأس الاستحمام"، وهو القطعة التي تركب أعلى "الدُّش"، متحدثا وهو يضحك عن أنه تضرر كثيرا على المستوى الشخصي من هذه القطع المتوفرة بالأسواق، والتي لا تسمح بتدفق أقوى للمياه، مما يضطره للوقوف مدة لا تقل عن 15 دقيقة حتى تصل المياه إلى شعره.
ورغم الأجواء الساخرة التي أسبغها ترامب على هذا المشهد، فإن خبراء تحدثوا للجزيرة نت، عن أن القضية أعمق من محاولة تمريرها عبر بوابة إعادة الرفاهية المفقودة للمواطن الأميركي، حيث تختبئ خلف هذا القرار معركة قديمة بين التوجهات البيئية والسياسات الشعبوية، وفلسفة الحكم التي تفضل "التوجهات المنفردة" على حساب القوانين الاتحادية.
وتعود جذور هذه المعركة إلى عام 1992 مع صدور قانون الطاقة الفدرالي، والذي كان يقضي في أحد بنوده، ألا تتجاوز كمية المياه التي تضخها تلك القطع أكثر من 2.5 غالون (9.5 لترات) في الدقيقة، في محاولة لترشيد استهلاك المياه والطاقة.
ولاحظت إدارة الرئيس باراك أوباما تحايل بعض المصنعين على القانون، بأن يحتوي رأس الاستحمام الواحد على عده فوهات، فكانت كل فوهة تعطي ما حدده القانون، لكن في المجمل كان يحدث هدر كبير للمياه بسبب تعدد الفوهات، فتم في عهد أوباما تشديد معايير تطبيق القانون، بحيث إذا احتوى رأس الاستحمام على عدة فوهات، فإن الحد الأقصى (2.5 غالون/دقيقة) يطبق على المجموع الكلي لكل الفوهات، وليس على كل فوهة على حدة.
إعلانوفي نهاية الفترة الرئاسية الأولى لترامب في عام 2020، انتقد هذه القيود التي وضعتها إدارة أوباما، والتي تمنعه من الحصول على ماء كافٍ لغسل شعره، وأمر بتعديل اللوائح للسماح لكل فوهة بضخ 2.5 غالون/دقيقة، ما يعني أن رأسا بـ3 فوهات مثلا يمكنه ضخ 7.5 غالونات في الدقيقة.
ومع تولي جو بايدن للرئاسة، تم إلغاء تعديل ترامب، والعودة إلى تعريف أوباما الأكثر صرامة، ووصفت إدارة بايدن حينها معايير ترامب بأنها إضعاف لحماية البيئة، وأكدت أن المواطنين لا يحتاجون لتلك الكمية الكبيرة من المياه.
وقبل أيام أحيا ترامب خلال فترة رئاسته الثانية القضية مجددا، وأعلن إلغاء تعريف إدارة أوباما لرؤوس الاستحمام والعودة للتعريف الأصلي في قانون 1992، والذي يسمح للمصنعين بتصنيع رؤوس تضم أكثر من فوهه، تحقق كل منها ما اشترطه القانون وهو "2.5 غالون في الدقيقة"، ووصف الإجراءات السابقة بأنها جزء من "أجندة خضراء متطرفة"، وأضاف ساخرا "أحتاج إلى 15 دقيقة فقط لأبلل شعري الجميل".
رسائل متخفيةولا يعد اهتمام ترامب بهذه القطع البلاستيكية أمرا معزولا عن توجه سياسي أوسع يصور اللوائح البيئية على أنها تجاوزات بيروقراطية، ومن خلال انتقاده لما وصفه بالقيود "المتطرفة" على هذه الأشياء، تواصَل مع الناخبين الذين سئموا من الرقابة الفدرالية.
ويقول الدكتور بيتر جليك، خبير سياسات المياه والمؤسس المشارك لمعهد المحيط الهادي، وهو مركز أبحاث أميركي مستقل يُعنى بدراسة قضايا المياه والبيئة والتنمية المستدامة، للجزيرة نت "على المدى القصير، قد تنجح إدارة ترامب في جذب الاهتمام الجماهيري لهذا التوجه الشعبوي الذي يضعف الحماية البيئية، لكن على المدى الطويل، أشعر بالثقة في أن هذه الحماية ستستمر في الحصول على دعم من عامة الناس".
ويشارك خبراء البيئة بيتر جليك رأيه في أن التراجع في حماية البيئة قد يكون محدود النطاق بسبب القرار الأخير، لكنهم اتفقوا على أنه يُرسل رسالة خاطئة.
إعلانويقول بيل ماكيبين، الناشط المناخي البارز والمؤسس المشارك لمنظمة "350 دوت أورج"، وهي حركة دولية معنية بمكافحة التغير المناخي تأسست عام 2008، للجزيرة نت: "يُعتبر الإجراء الأخير لترامب صغيرا نسبيا في قائمة الأشياء غير الضرورية التي يقوم بها الرئيس لرفع درجة حرارة الكوكب، لكن مهما كان صغيرا، فإنه يُسبب ضررا".
ويخشى ماكيبين من أن "توجيه الوعي نحو هذه القضايا الصغيرة، قد يسلب الاهتمام من القضايا الوجودية الخطيرة مثل الاحتباس الحراري، تماما كما لو أن شخصا مريضا بالسرطان، ولكن أكثر ما يشغله هو رائحة فمه".
ووفقا لكاثرين هايهو، كبيرة العلماء في منظمة الحفاظ على الطبيعة (منظمة بيئية عالمية غير ربحية) فإن تغير المناخ يُفاقم بالفعل ندرة المياه، وتقول للجزيرة نت إنه "مع ازدياد فترات الجفاف وشدتها، وزيادة التبخر، أصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى الحفاظ على المياه أينما أمكننا".
وتشير الدراسات والتقارير الحديثة إلى أن تغير المناخ يفاقم بشكل كبير من مشكلة ندرة المياه في الولايات المتحدة، خاصة في المناطق الغربية، فقد حذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن بحيرتي "ميد" و"باول"، وهما من أكبر خزانات المياه في البلاد، وصلتا إلى مستويات منخفضة خطيرة بسبب الجفاف المستمر وتغير المناخ، مما يهدد إمدادات المياه والكهرباء لملايين السكان في 6 ولايات غربية والمكسيك .
كما أظهرت دراسة نُشرت في دورية "نيتشر كلايمت تشينج" أن الجفاف الحالي في الجنوب الغربي الأميركي هو الأشد منذ 1200 عام، وأن تغير المناخ ساهم في زيادة شدته بنسبة 42% بين عامي 2000 و2021 ، وهذا الجفاف أدى إلى انخفاض مستويات المياه في نهر كولورادو، الذي يُعد مصدرا حيويا للمياه لأكثر من 40 مليون شخص، مما اضطر السلطات إلى فرض تخفيضات إلزامية على كميات المياه المخصصة لبعض الولايات.
إعلانويُحذر الدكتور جليك من أن إلغاء معايير رؤوس الاستحمام قد يزيد من تكاليف الاستهلاك ويُفاقم نقص المياه في المناطق القاحلة من أميركا، كل ذلك مقابل مكاسب هامشية قصيرة الأجل.
ويضيف أن "معايير كفاءة الطاقة والمياه الحالية في الولايات المتحدة فعالة للغاية في خفض التكاليف على المستهلكين وتقليل الطلب على كل من الطاقة والمياه، والتراجع عن هذه المعايير سيكون خطأ فادحا".
ولا يعتقد خبراء قانونيون أن هذا القرار سيصمد طويلا، إذ يُرجح أن الرئيس ترامب قد تجاوز حدود صلاحياته.
ويوضح مايكل جيرارد، مدير مركز سابين لقانون تغير المناخ، في حديثه للجزيرة نت، أن "إعلان الرئيس ترامب بشأن رؤوس الاستحمام يتجاهل المبادئ الراسخة منذ زمن طويل في القانون الإداري بالولايات المتحدة، حيث يلزم قانون الإجراءات الإدارية لعام 1946 الوكالات الفدرالية باتباع إجراءات موسعة تشمل الإعلان عن التعديلات وإتاحة الفرصة للتعليق العام، قبل أن تتمكن من تبني أو إلغاء أو تعديل أي لوائح تنظيمية".
ويستطرد "لكن الرئيس ترامب يقول الآن إنه يستطيع القيام بكل هذا بمفرده، دون الحاجة إلى المرور بأي من هذه الإجراءات، وهذا الادعاء بامتلاك هذه السلطة، سواء في سياق رؤوس الاستحمام أو أي موضوع آخر، سيُواجَه بالتأكيد بالطعن أمام المحاكم".
ويضيف "لا أعتقد أنه سينجح، لكني لست متأكدا تماما، وإذا نجح، فإن ذلك سيمكن ترامب من إلغاء مجموعة واسعة من البرامج واللوائح التنظيمية، ونظرا لأن ترامب يُعد أكثر رئيس معاد للبيئة في تاريخ الولايات المتحدة، فإن هذا قد يكون ضارا للغاية".
أما فيما يخص قوانين الولايات وتأثير القرار عليها، فيقول "إن هذا الإعلان لا يؤثر كثيرا على القوانين المحلية أو قوانين الولايات، لكن ترامب أصدر أمرا تنفيذيا آخر هاجم فيه العديد من هذه القوانين، ومع ذلك، فهو لا يملك السلطة لإلغائها من طرف واحد، وإذا كان يملكها، فسيكون ذلك أشد خطورة حتى من إلغاء اللوائح الفدرالية بمفرده، ولا أعتقد أن المحاكم ستسمح له بذلك".
إعلان مياه أكثر.. فواتير أعلىوحتى لو صمد الأمر التنفيذي أمام التدقيق القانوني الذي أشار إليه جيرارد، فمن غير المرجح أن يستمر طويلا، ويقول جليك "أشك في أن المُصنعين سيسارعون إلى تصنيع تجهيزات غير فعالة، وحتى لو فعلوا ذلك، سيستغرق تبني المستهلكين لها سنوات".
وقبل المستهلكين، فإن خبراء في تكنولوجيا الأجهزة المنزلية، يرون أن معظم المُصنعين لن يعودوا إلى التصاميم القديمة.
وقال أحد مصادر الصناعة، طلب من الجزيرة نت عدم نشر اسمه "دورات التصميم طويلة، والسوق يُقدر الكفاءة بشكل متزايد، وإذا زاد تدفق المياه، فستكون التكلفة حقيقية، ماليا وبيئيا".
ويحذر جليك قائلا "قد يشهد المستهلكون ارتفاعا في فواتير المياه والطاقة، خاصة في المناطق التي تعاني بالفعل من شح المياه".
إذن، فالأميركيون لن يشعروا فجأة بأن مياه الاستحمام تتدفق كالشلالات، كما يريد ترامب، وإن حدث ذلك مستقبلا، يثق الخبراء أنه "مع تفاقم الجفاف، وارتفاع الفواتير، وارتفاع درجة حرارة المناخ، قد يتساءل الأميركيون عما إذا كان سعي رجل واحد للحصول على شعر أفضل يستحق التكلفة البيئية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة تغیر المناخ للجزیرة نت المیاه فی أکثر من
إقرأ أيضاً:
هذا هو عقاب هارفارد والجامعات التي خانت طلابها
تبنّت وسائل الإعلام والجامعات والحزب الديمقراطي والليبراليون فكرة "معاداة السامية المتفشية"، فمهّدوا الطريق لهلاكهم بأنفسهم. جامعتا كولومبيا وبرينستون، حيث درّست، وجامعة هارفارد، التي درستُ فيها، ليست حواضن للكراهية تجاه اليهود.
وصحيفة نيويورك تايمز، التي عملت بها لمدة خمسة عشر عامًا، والتي يصفها ترامب بأنها "عدو الشعب"، تخضع طوعًا للرواية الصهيونية. ما تشترك فيه هذه المؤسسات ليس معاداة السامية، بل الليبرالية. وهذه الليبرالية، بعقيدتها القائمة على التعددية والشمول، مستهدفة من نظامنا السلطوي للمحو التام.
إن الخلط بين الغضب من الإبادة الجماعية ومعاداة السامية هو حيلة دنيئة لإسكات الاحتجاج، وإرضاء المتبرعين الصهاينة، وطبقة المليارديرات والمعلنين.
هذه المؤسسات الليبرالية، من خلال تسليح مصطلح "معاداة السامية"، قمعت وطردت النقّاد، وحظرت مجموعات طلابية مثل "الصوت اليهودي من أجل السلام"، و"طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، وسمحت للشرطة باعتقال المئات من المحتجين السلميين في الحرم الجامعي، وفصلت أساتذة، وتذللت أمام الكونغرس. استخدم مصطلحات مثل "أبارتهايد" أو "إبادة جماعية"، وسيتم فصلك أو تشويهك.
في هذه الرواية الخيالية، يُصوَّر اليهود الصهاينة كمضطهدين. أما اليهود الذين يحتجون على الإبادة الجماعية، فيُشوَّهون ويُعاقبون. هناك "يهود جيدون" و"يهود سيئون". فئة تستحق الحماية، وأخرى تُقدّم للذئاب. هذا الانقسام الكريه يفضح المسرحية كلها.
إعلانفي أبريل/ نيسان 2024، أدلت رئيسة جامعة كولومبيا، نعمت شفيق، بشهادتها أمام لجنة التعليم في مجلس النواب الأميركي، برفقة عضوين من مجلس الأمناء وأستاذ قانون. قبلت شفيق فرضية أن معاداة السامية تمثّل مشكلة كبيرة في كولومبيا ومؤسسات التعليم العالي الأخرى.
وعندما قال ديفيد غرينوالد، الرئيس المشارك لمجلس أمناء كولومبيا، إن شعارات مثل "من النهر إلى البحر" و"تحيا الانتفاضة" معادية للسامية، وافقته شفيق، وقامت بالتخلي عن الطلاب والأساتذة، بمن فيهم البروفيسور يوسف مسعد.
في اليوم التالي لجلسة الاستماع، أوقفت شفيق جميع الطلاب المشاركين في الاحتجاجات، واستدعت شرطة نيويورك (NYPD)، التي اعتقلت ما لا يقل عن 108 طلاب. كتبت شفيق في رسالتها للشرطة: "لقد قررت أن المخيم والاضطرابات المرتبطة به تمثل خطرًا واضحًا ومباشرًا على الوظيفة الأساسية للجامعة".
لكن رئيس شرطة نيويورك، جون تشيل، قال للصحافة: "الطلاب الذين تم اعتقالهم كانوا سلميين تمامًا، ولم يُبدوا أي مقاومة، وكانوا يعبّرون عن آرائهم بطريقة سلمية".
في الجلسة، سألت النائبة إليز ستيفانيك: "ما الإجراء التأديبي الذي اتُخذ ضد تلك الأستاذة؟"، مشيرة إلى أستاذة القانون كاثرين فرانكي. فأجابت شفيق بأن فرانكي، وهي يهودية وقد درّست في كلية القانون 25 عامًا، طُلب منها مغادرة منصبها، وأنها، إلى جانب أساتذة آخرين، تخضع للتحقيق.
وأشارت كذلك إلى البروفيسور الزائر محمد عبدو، وقالت إنه "تم فصله"، وتعهدت بأنه "لن يُدرّس في كولومبيا مرة أخرى". عبدو يقاضي الجامعة بتهم التشهير والتمييز والتحرش والخسائر المالية والمهنية.
كتب مركز الحقوق الدستورية عن خيانة فرانكي: "في هجوم صارخ على حرية الأكاديميا والدعوة لحقوق الفلسطينيين، دخلت جامعة كولومبيا في "اتفاق" مع كاثرين فرانكي لمغادرة منصبها التدريسي بعد مسيرة حافلة استمرت 25 عامًا. هذه الخطوة -بحسب فرانكي- كانت فصلًا تم تغليفه بعبارات مقبولة".
إعلانوقد ارتكبت "جريمتها"، حين أعربت عن قلقها من فشل الجامعة في التصدي لتحرشات طلاب إسرائيليين قادمين من الخدمة العسكرية بمؤيدين لحقوق الفلسطينيين، بعد أن رش الإسرائيليون المتظاهرين بمادة كيميائية سامة.
على إثر ذلك، تم التحقيق مع فرانكي بتهمة التحرش، وتقرر أنها انتهكت سياسات كولومبيا. السبب الحقيقي لإقصائها كان قمع المعارضة في الجامعة عقب احتجاجات تاريخية ضد إبادة الفلسطينيين في غزة. وقد تم حسم مصير فرانكي عندما تخلّت عنها شفيق خلال شهادتها الجبانة أمام الكونغرس.
رغم خضوعها للوبي الصهيوني، استقالت شفيق بعد عام وبضعة أشهر من توليها المنصب. لكن القمع استمر؛ تم اعتقال نحو 80 شخصًا، وتعليق أكثر من 65 طالبًا في أوائل مايو/ أيار بعد احتجاج في مكتبة الجامعة. رئيسة الجامعة المؤقتة، الصحفية السابقة كلير شيبمان، أدانت الاحتجاج بقولها: "لن يتم التسامح مع أي تعطيل للأنشطة الأكاديمية.. كولومبيا تدين بشدة العنف في حرمها، ومعاداة السامية وكل أشكال الكراهية والتمييز".
بالطبع، الاسترضاء لا ينفع. لم تكن هذه الحملة، سواء تحت إدارة بايدن أو ترامب، قائمة على حسن النية. بل كانت تهدف لقطع رؤوس منتقدي إسرائيل، وتهميش الطبقة الليبرالية واليسار. إنها مدفوعة بالأكاذيب والتشهير، التي لا تزال هذه المؤسسات تتبناها.
مشاهدة هذه المؤسسات الليبرالية، التي تعادي اليسار، وهي تُشهر بها إدارة ترامب بتهم "الماركسيين المجانين" و"اليساريين المتطرفين" و"الشيوعيين"، تكشف فشلًا إضافيًا لهذه الطبقة. كان بإمكان اليسار إنقاذ هذه المؤسسات أو على الأقل تزويدها بالتحليل والشجاعة لاتخاذ موقف مبدئي. اليسار على الأقل يسمّي الأبارتهايد أبارتهايد، والإبادة الجماعية إبادة جماعية.
تنشر وسائل الإعلام مقالات وآراء تقبل دون تمحيص مزاعم طلاب وأكاديميين صهاينة. لا تميز بين اليهودي والصهيوني، وتشيطن المحتجين، ولا تغطي المخيمات الطلابية بصدق، حيث اتحد يهود ومسلمون ومسيحيون من أجل قضية واحدة. شعارات مناهضة للصهيونية ومؤيدة للتحرر الفلسطيني تُصنّف باعتبارها خطاب كراهية أو معاداة للسامية أو سببًا لشعورالطلاب اليهود بعدم الأمان.
إعلان أمثلة من الصحف: نيويورك تايمز: "لماذا تُقلق الاحتجاجات في الحرم الجامعي؟"، "أنا أستاذ في كولومبيا. ما يحدث ليس عدالة"، "ما الذي يجعل احتجاجًا معاديًا للسامية؟". واشنطن بوست: "سمّوا الاحتجاجات الجامعية كما هي"، "اعذروا الطلاب، لا الأساتذة". ذي أتلانتيك: "المخيمات الاحتجاجية غير أخلاقية"، "مشكلة كولومبيا مع معاداة السامية". سلايت: "متى تتجاوز الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين حدود معاداة السامية؟". فوكس: "موجة متصاعدة من معاداة السامية في الجامعات خلال احتجاجات غزة". ماذر جونز: "كيف أشعلت الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين معاداة السامية في الجامعات؟". ذا كت: "مشكلة احتجاجات فلسطين في الحرم الجامعي". ديلي بيست: "طفرة في معاداة السامية خلال احتجاجات الجامعات الأميركية".ووفقًا لمذكرة داخلية حصل عليها موقع ذا إنترسبت، طلبت صحيفة نيويورك تايمز من مراسليها تجنّب استخدام كلمات مثل: "مخيمات اللاجئين"، "الأراضي المحتلة"، "مجزرة"، "ذبح"، "إبادة جماعية"، و"تطهير عرقي" عند الحديث عن فلسطين. بل إنها تثني عن استخدام كلمة "فلسطين" في النصوص والعناوين.
في ديسمبر/ كانون الأول 2023، أرسلت حاكمة نيويورك الديمقراطية كاثي هوشول رسالة لرؤساء الجامعات تحذر فيها من الفشل في إدانة معاداة السامية، متوعدة بعقوبات شديدة.
وفي أكتوبر/ تشرين الثاني 2024، قالت في مناسبة تأبينية: "هناك قوانين – قوانين حقوق إنسان، قوانين فدرالية وولائية – سأطبقها إذا سمحتم بالتمييز ضد طلابنا، حتى باستخدام عبارات مثل: "من النهر إلى البحر"، فهي دعوات صريحة لإبادة اليهود".
وضغطت هوشول بنجاح على جامعة مدينة نيويورك لإلغاء وظيفة دراسات فلسطينية بسبب مصطلحات مثل: "استعمار استيطاني"، و"إبادة جماعية"، و"أبارتهايد".
في كتابه الجديد؛ "معاداة السامية في أميركا: تحذير"، يقود زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر حملة الحزب الديمقراطي لإدانة المحتجين على الإبادة الجماعية باعتبارهم يمارسون "افتراء دمويًا ضد اليهود". ويكتب: "بغض النظر عن وجهة نظرك بشأن الحرب في غزة، لم تكن سياسة الحكومة الإسرائيلية أبدًا إبادة الشعب الفلسطيني"، متجاهلًا مئات التصريحات من مسؤولين إسرائيليين تدعو إلى محو الفلسطينيين.
إعلانلكن الحقيقة؛ الوحشية مختلفة تمامًا، ومعترف بها من مسؤولين إسرائيليين أنفسهم. قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش: "نحن نفكك غزة، ونتركها كأنقاض، دمار شامل لا سابقة له عالميًا. والعالم لا يوقفنا". وقال عضو الكنيست زفي سوكوت للقناة 12: "قتلنا نحو 100 فلسطيني الليلة الماضية… ولا أحد يهتم. تعوّد العالم على قتل 100 فلسطيني في ليلة واحدة خلال الحرب دون أن يكترث أحد".
الاستمرار في ترويج خرافة معاداة السامية المنتشرة- التي توجد، ولكن لا تُغذى أو تُشجع من هذه المؤسسات- ورفض قول الحقيقة الموثقة على الهواء مباشرة، حطّم ما تبقى من سلطة أخلاقية لتلك المؤسسات والليبراليين، ومنح مصداقية لمساعي ترامب لتدمير مؤسسات الديمقراطية الليبرالية.
يحيط بترامب متعاطفون مع النازيين الجدد، وفاشيون مسيحيون يدينون اليهود لأنهم صلبوا المسيح. لكن معاداة السامية من اليمين تمرّ دون مساءلة لأن هؤلاء "المعادين الجيدين للسامية" يدعمون المشروع الصهيوني الاستيطاني للإبادة: مشروع يرغب هؤلاء الفاشيون في تطبيقه على السود والملونين باسم "نظرية الاستبدال العظيم". ويروج ترامب لفكرة "إبادة البيض" في جنوب أفريقيا. وفي فبراير/ شباط، وقّع أمرًا تنفيذيًا يُسرّع هجرة الأفريكانيين (البيض الجنوب أفريقيين) إلى الولايات المتحدة.
جامعة هارفارد، التي تحاول إنقاذ نفسها من هجوم إدارة ترامب، كانت متواطئة تمامًا في هذه الحملة. فقد أدانت رئيسة الجامعة السابقة كلودين غاي شعار: "من النهر إلى البحر" بوصفه يحمل "دلالات تاريخية محددة توحي لكثيرين بإبادة اليهود".
وفي يناير/ كانون الثاني 2024، شدّدت الجامعة قواعد الاحتجاجات، وزادت الوجود الأمني، ومنعت 13 طالبًا من التخرج، ووضعت أكثر من 20 آخرين في "إجازة قسرية"، وطردت بعضهم من السكن الجامعي.
إعلانهذه السياسات انتشرت في جامعات أخرى. ورغم كل هذه التنازلات والقمع لحرية التعبير والنشاط المؤيد لفلسطين منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لم تسلم الجامعات من الهجوم.
منذ تولي ترامب منصبه، تم تعليق أو تجميد ما لا يقل عن 11 مليار دولار من المنح والعقود الفدرالية البحثية، بما في ذلك 3 مليارات لهارفارد، و400 مليون لكولومبيا، و175 مليونًا لجامعة بنسلفانيا، و6-7.5 ملايين سنويًا لجامعة برانديز.
وفي 22 مايو/ أيار، صعّدت إدارة ترامب من هجومها على هارفارد بإلغاء قدرتها على تسجيل طلاب دوليين (يشكّلون نحو 27% من عدد الطلاب).
قالت كريستي نويم، وزيرة الأمن الداخلي، على منصة إكس: "هذه الإدارة تحاسب هارفارد على تحريضها على العنف، ومعاداة السامية، وتنسيقها مع الحزب الشيوعي الصيني في حرمها". وأضافت: "ليكن هذا تحذيرًا لجميع الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في البلاد".
لقد أساءت هارفارد، مثل كولومبيا والإعلام والحزب الديمقراطي والطبقة الليبرالية، قراءة موازين القوة. ومن خلال رفض الاعتراف بالإبادة الجماعية في غزة، واضطهاد من يفعل، قدمت الذخيرة لجلاديها.
وها هي تدفع ثمن غبائها وجبنها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline