ذكرت فـي الحلقة السَّابقة شيئا عن ندرة الأدبيَّات السيريَّة المتعلقة بإدث هَل Edith Hull، مؤلفة رواية «الشَّيخ». غير أن ذلك الشُّح لا يمنع أحدا (إن لم يشجعه، فـي الحقيقة) من تصوُّر أنها قد حضرت واحدا (أو أكثر) من عروض لول تومَس Lowell Thomas المُصوَّرة عن لورَنس العَرَب Lawrence of Arabia، وإن ذلك قد ساهم فـي إلهام عملها الأدبي بصورة أو بأخرى.

وعلاوة على ذلك، فإنه فـي وقت سابق من إنجاز فـيلم مِلفورد Melford فـي عام 1921 كانت شخصيَّة الشَّيخ قد برزت فـي عدد من أعمال العقد الأول من القرن العشرين ومنها، على سبيل المثال، «العربي» [The Arab] (والذي يُعرف أيضا بعنوان «ليلة فـي القاهرة» [A Night in Cairo] (سِسِل بي ديميل Cecil B. DeMille، 1915)، و«الضأن البربري» Barbary Sheep (موريس ترنر Maurice Tourner، 1917)، و«شعلة الصَّحراء» Flame of the Desert (رِجِنولد باركر Reginald Barker، 1919).

غير أن هكذا أعمال لم تنل الجماهيريَّة التي حظي بها فـيلم ملفورد نتيجة لمشاركة رودولف فالنتينو Rudolph Valentino فـي دور البطولة فـي الأغلب. والحقيقة أن الملصق الترويجي لفـيلم «الشيخ» وَعَدَ المشاهدين، على نحوٍ جريء وصريح، بـ«مضاجعة للوسيم رودولف فالنتينو فـي دور الشَّيخ، وذلك فـي الاتِّقاد الكامل للتقليد الشَّرقي» (1). وكائنا ذلك ما كان، فإنه ينبغي القول بأن فـيلم «الشَّيخ» قد استهل أيقنة شخصيَّة الشيخ فـي السِّينما الأمريكيَّة (وغيرها)، وقد شهد العقد الثاني من القرن العشرين نتاجا غزيرا لسلسلة من الأفلام التي أطلق عليها مراجعو أفلام ذلك الزمان، ولاحقا نقاده السينمائيون، اسم «أفلام الشَّيخ» (2).

كما كانت تُستعمل توصيفات مُتَعاوِضَة ومتناوِبة مثل «مغامرة أزياء»، و«مغامرة رومانسيَّة»، و«دراما صحراويَّة»، و«رومانس صحراوي»، و«مغامرة صحراويَّة»، و«مغامرة عربيَّة»، للإشارة إلى نفس السلسلة من الأفلام، وقد أصبح الأمر اليوم يعد جزما جماعيَّا بين الدَّارسين السِّينمائيين والثقافـيين أن أفلام الشيخ قد توافقت واستجابت للقواعد والمُفتَرَضات الجنسيَّة المرنة التي انبثقت من مناخ «الأخلاقيَّة الجديدة» (New Morality) التي كانت تعم المجتمع الأمريكي عهد ذاك.

بيد أنه سيكون من الخطأ اختزال أفلام الشَّيخ خلال العقد الثاني من القرن الماضي إلى ذلك الجانب المحدَّد؛ إذ إن تلك الأفلام، إذا ما أُخذت بوصفها جسما متكاملا من الأعمال، لم تكن تدور حول قصص الحب ومغامراته مما تطلبته تلك المرحلة فحسب، ولكنها، فـي الحقيقة، احتوت أيضا، وبصورة خُلاصيَّة، تقريبا على كل النَّزعات الثيماتيَّة التي كان لها أن تُعَدَّل، وتُحوَّل، أو تُضَخَّم وتُقَلَّص فـي الأفلام التي أُنتجت منذ العقد الثالث من القرن العشرين ولغاية الآن. فلأضرب بعض الأمثلة على ذلك.

من الممكن اقتفاء أثر ثيمة الشَّيخ العربي المعادي لأمريكا إلى ذلك الشيخ المناصر لروسيا فـي فـيلم أنتج بعد أربع سنوات فقط من ثورة 1917 الاشتراكيَّة، وهو «مغامرات طرزان» [The Adventures of Tarzan] (روبرت هِل Robert Hill، 1921).

وفـي الآن عينه يمكن اقتفاء ثيمة الشَّيخ العربي فاحش الثَّراء ومستعبِد الرجال والنِّساء معا إلى نفس ذلك الفـيلم، أما ثيمة الوحشيَّة كما تبوح بها سرديَّات الخطف، والأسر، والتَّعذيب فـيمكن موقعتها فـي أفلام الشَّيخ التي أنتجت فـي العقد الثاني من القرن المنصرم، وما فـيلم «خيام الله» [The Tents of Allah] (تشارلز أي لوغ Charles A. Logue، 1923)، وفـيلم «ابن صحارى» [A Son of Sahara] (إدوِن كيرو Carewe Edwin، 1924)، إلا مثالين فقط. أما ثيمة الهويَّة المختلطَة (أو المخطوءة)، والازدواجيَّة، والتَّنكُّر، واللباس التَّنكُّري فإن جذورها تعود إلى أفلام مثل «الشَّيخ» [The Sheik] (جورج ملفورد George Melfor، 1921)، و«بلاد العَرَب» [Arabia] الذي يُعرف أيضا بعنوان «توم مكس فـي بلاد العرب» [Tom Mix in Arabia] (لِن رِنولدز Lynn Reynolds، 1922)، و«سيدة الحريم» [Lady of the Harem] (راؤول وولش Raoul Walsh، 1926)، و«إنها شيخ» [She’s a Sheik] (كلارِنس جي باجر Clarence G. Badger، 1927)، و«ليلة واحدة مسروقة» [One Stolen Night] (سكوت آر دَنلاب Scott R. Dunlap، 1929).

وثيمة المواجهة العسكريَّة المحدودة أو الحروب الشاملة بين أفراد أو قوى غربيَّة من ناحية، ومجموعاتٍ من العرب أو بلدان عربيَّة، من ناحية أخرى، فـيعود تأسيسها إلى أفلام مثل «تحت علمين» [Under Two Flags] (تود براوننغ Tod Browning، 1922)، و«أغنية الحب» [The Song of Love] (فرانسِس ماريَن Frances Marion، 1923). وبالطبع، تعود أصول أفلام المحاكاة التهكميَّة لشخصيَّة الشَّيخ العربي إلى فـيلم «زعقة بلاد العرب» [Shriek of Araby] (إف رِتشَرد جونز F. Richard Jones، 1923). لكن ينبغي أن يكون واضحا أن سلسلة أفلام ما يمكن تسميته بـ«الجنون بالشَّيخ» (Sheik Craze) الرومانسيَّة قد انتهت تقريبا بحلول نهاية العشرينيَّات من القرن الماضي. وفـي هذا فإن روب أدلمَن Rob Edelman يوضح، على سبيل المثال، أسباب الفشل التجاري الذي مُني به فـيلم «فاضل» [Fazil] (هوَرد هوكس Howard Hawks، 1928) عن غراميات شيخ عربي بفتاة عروض باريسيَّة بأن «فـي العام 1928 لم تعد جماهير السِّينما مهتمَّة بالأمراء العرب... بحلول الثلاثينيَّات كانت فكرة «الشَّيخ» نكتة. ولم يعد ممكنا أن يؤخذ شيوخ القبائل العرب على محمل الجد بوصفهم عشَّاقا على الشَّاشة» (3).

هوامش:

(1): انظر صورة لذلك الملصق فـي:

The Sheik poster in the Moving Picture World, 22 Oct., 1921: 831.

(2): Sarah Projansky, “The Elusive/Ubiquitous Representation of Rape: A Historical Survey of Rape in U. S. Films, 1903-1972,” Cinema Journal 41, no. 1 (Fall 2000), 79.

وإلى هذا فإن «شيخ» و«شيوخ» كانتا من التصنيفات الدائمة فـي خانة «الموضوع العام» لمواد «كاتلوغ» معهد السينما الأمريكية American Film Institute (AFI).

(3): اقتُبس فـي Shaheen, Real Bad Arabs, 196. ولا شك أنه لذي مغزى هنا أن جورج ملفورد George Melford الذي أخرج الفـيلم الأسطوري «الشَّيخ»، وأنجز «أفلام شيخ» أخرى ذات شهرة فـي فترة السِّينما الصَّامتة (مثل «الرمال الحارقة» [Burning Sands]، 1922)، قد تحول إلى مخرج أفلام من الدرجة الثانية (B films) مع مجيء حقبة السِّينما النَّاطقة.

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من القرن

إقرأ أيضاً:

مهام اللجنة المشكلة لدراسة بدائل إغلاق الطريق الإقليمي.. تفاصيل

كشف الدكتور حسن مهدي، أستاذ هندسة الطرق والنقل بجامعة عين شمس، تفاصيل ما سيتم فعله بعد توجيه الرئيس السيسي للحكومة بدراسة اتخاذ الإجراءات اللازمة لإغلاق الطريق الدائري الإقليمي.

الديهي يشيد بتوجيه الرئيس السيسي بشأن الطريق الإقليمي: حياة الناس أهمحادث الطريق الإقليمي اليوم.. كارثة جديدة بعد فتيات المنوفية وتوجيهات رئاسية عاجلةأحمد موسى يفتح النار على سائق ميكروباص تسبب في حادث الطريق الإقليمي| بث مباشرلجنة هندسية للبحث عن البدائل المتاحة حال غلق الطريق الإقليمي.. أستاذ هندسة نقل يوضح


وتابع خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي أحمد موسى، مقدم برنامج على مسئوليتي، المذاع على قناة صدى البلد، أنه سيتم دراسة أحجام الحركة المرورية الموجودة والبحث عن بدائل مرورية حال غلق اتجاه بالكامل.


وأكد  الدكتور حسن مهدي، أستاذ هندسة الطرق والنقل بجامعة عين شمس، أنه سيتم البحث عن بدائل مرورية لحركة المركبات في المسافة التي سيتم غلقها بسبب الصيانة، وذلك للمقاصد التي كانوا يصلون إليها من خلال الطريق الإقليمي.


وأوضح أن هذا سيكون حلا جذريا لعدم التزام الناس على الطرق، موضحا أن هناك لجنة هندسية مكبرة سوف تمر على الطريق الدائري الإقليمي بوجود كل الجهات المختصة منها المرور والنقل واستشاريين على مستوى جيد.


وشدد  الدكتور حسن مهدي، أستاذ هندسة الطرق والنقل بجامعة عين شمس، على أنه نال شرف الانضمام لهذه اللجنة وسوف تبدأ عملها بداية من التاسعة صباحًا، وذلك للبحث عن بدائل حال غلق أجزاء من الطريق الدائري الإقليمي.


وأردف أن اللجنة سوف تبحث هل هذه البدائل قادرة على استيعاب حركة المرور أثناء الغلق ولا الغلق سيكون شبه صعب وبالتالي ستكون هناك توصيات بمزيد من الرقابة في مراحل التنفيذ التي تم تقديم جدول زمني مضغوط بها لإنهاء أعمال الصيانة في 30 أغسطس.


ولفت  الدكتور حسن مهدي، أستاذ هندسة الطرق والنقل بجامعة عين شمس، إلى أن اللجنة تضم كل الجهات ذات الصلة وهم المرور والنقل والاستشاريين وتعد هذه اللجنة رأي فني يتم رفعه من قبل وزارة النقل لرئيس الجمهورية.


وشدد على أن غلق الطريق الدائري الإقليمي سيؤدي لزيادة مسافات النقل وزيادة الضغوط على طرق أخرى، وذلك بسبب زيادة الكثافات على محاور أخرى، موضحا أنه من حيث السلامة المهنية سوف يقضي على سوء الاستخدام للتحويلة الموجودة حاليا لأنه سيتم تشغيل الطريق بشكله الطبيعي وغلق الجزء الذي يشهد صيانة.


وأكمل الدكتور حسن مهدي، أستاذ هندسة الطرق والنقل بجامعة عين شمس، أنه ليس مستحيلا غلق الطريق الدائري الإقليمي وسيتم دراسة البدائل ومعاينتها ودراسة أحجام المرور ومعرفة نسبة النقل والملاكي.


واستطرد الدكتور حسن مهدي، أستاذ هندسة الطرق والنقل بجامعة عين شمس،أنه سيتم المرور على الطرق البديلة لمعرفة مدى قدرتها على استيعاب الكثافات الإضافية، وفي هذه الحالة تكون الأمور قد حلها بشكل نهائي وغلق الجزء الذي يشهد صيانة.
وقال إنه بعد الانتهاء من أعمال الصيانة ووقع حادث فإنه لن يكون له علاقة بالطريق تمامًا، وحال استمرار الحوادث يشير إلى أن الموضوع لا علاقة له بالإصلاحات.


وشدد حسن مهدي، أستاذ هندسة الطرق والنقل بجامعة عين شمس، على أن 64 % من مسببات الحوادث على الطرق المصرية يرجع للعنصر البشري، موضحا أن هناك تقارير دولية تشيد بجودة الطرق المصرية وزادت 100 نقطة من 118 إلى المركز 18 في جودة تنافسية الطرق.


وأكمل الدكتور حسن مهدي، أستاذ هندسة الطرق والنقل بجامعة عين شمس، أن هناك شبكة طرق جيدة وشجعت السائقين على إساءة استخدامها بما يؤدي إلى وقوع الحوادث

طباعة شارك الطريق الإقليمي اخبار التوك شو الدائري احمد موسى الطرق

مقالات مشابهة

  • تفاصيل مقتل الشيخ حنتوس التي فجرت غضبا واسعا في اليمن
  • «الحارس» يعيد هاني سلامة إلى السينما
  • بـ 318 مليون دولار.. «Jurassic World Rebirth» يتصدر شباك تذاكر السينما الأمريكية
  • هل تعكس قائمة أفضل 100 فيلم الذوق العالمي أم الانحياز الأمريكي؟
  • فيلم «في عز الضهر» يحتل المركز قبل الأخير بشباك تذاكر السينما
  • كريم عبد العزيز ينفرد بصدارة نادي الـ 100في السينما المصرية بـ 4 أفلام
  • برلماني: المنحة الإسبانية لدراسة امتداد المترو تعكس الثقة في الاقتصاد المصري
  • مهام اللجنة المشكلة لدراسة بدائل إغلاق الطريق الإقليمي.. تفاصيل
  • تدشين توزيع منحة أدوية مقدمة من منظمة “الأيادي النقية” لدعم القطاع الصحي بوادي حضرموت
  • الأوراق المطلوبة لاسترداد المصرية المتزوجة من أجنبي الجنسية