مشروع التوسع الإسرائيلي يهدد أمن العالم
تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT
عندما «اقترح» الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على سكان غزّة تركها علّل ذلك بأنه يسعى لإحلال السلام في الشرق الأوسط. بينما رآه الكثيرون خطوة على طريق يؤدّي لإفراغ القطاع من سكانه تمهيدا لاقتطاعه من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وقال ترامب أنه يريد من مصر والأردن استقبال الفلسطينيين من القطاع. «نتحدث عن مليون ونصف مليون شخص لتطهير المنطقة برمتها.
فالمشاهد التي اكتظت بها شاشات التلفزيون في الشهور الأخيرة التي تظهر التوحش الإسرائيلي وعقلية التدمير غير المحدودة وما يمثله ذلك من تحد لأبسط قواعد الاشتباك التي يفترض أن الغربيين قد أقرّوها بعد الحرب العالمية الثانية، قلّصت من احترام العالم للسياسة الغربية. فما حدث لا يعكس قوّة حقيقية بقدر ما يعمّق الشعور بهيمنة المشاعر الشيطانية بالغلبة المادّيّة على حساب الالتزام الأخلاقي.
وهذه الحقيقة تضعف ثقة المواطن الغربي نفسه في مدى ما يمكن أن يتمتع به من أمن مستقبلي. فالحريق الذي يشب في حظيرة الجيران يمكن أن يعبر السواتر والحدود، فمن يضمن عدم تكرار مشاهد غزّة في مدن غربية أخرى فيما لو نشب نزاع مع حكام «إسرائيل» مستقبلا؟ فالنزعات الشيطانية المختزنة في عقولهم لا تختلف عن عقلية هتلر التي عاثت في أوروبا دمارا.
لقد أصبح واضحا أن الحرب الشرسة التي شنّتها قوات الاحتلال الإسرائيلية على القطاع منذ عام ونصف كانت تهدف لتحويله إلى منطقة دمار شامل لا يمكن إعادة بنائه. وما أكثر ما ردّد السياسيون الغربيون القول باستحالة إعادة إعمار غزّة. بل ادّعى بعضهم أن ذلك يحتاج لثلاثين عاما.
ولكن سرعان ما طرحت مقولات أخرى تؤكد أن إعادة البناء لن تستغرق أكثر من ثلاث سنوات، وقالت تقارير عن بعض أطراف الأمم المتحدة أن الركام ملوث بمادة الأسبستوس.
ومن المعروف أن بعض مخيمات اللاجئين التي دُمرت أثناء الحرب قد بُنيت بهذه المادة. ومن المحتمل أن يكون الحطام محتويا على أشلاء بشرية لأن الدمار الذي أحدثته «إسرائيل» شامل وغير مسبوق، ولا تنحصر أهدافه بالانتقام والقتل فحسب، بل أن من خطّط للعدوان كان يهدف لجعل المنطقة مستعصية على إعادة البناء والتأهيل للاستخدام البشري. ومع التكاليف الباهظة لذلك والفترة الزمنية التي يحتاجها إعادة الإعمار، وتشجيع أكثر من مليون ونصف من سكان غزة على النزوح إلى مناطق وبلدان أخرى، يصبح مشروع إخلاء المنطقة من السكان أمرا ممكنا، في نظر المحتلّين وداعميهم.
ليس معلوما بعد أبعاد الخطّة التي تعتبر استكمالا لما حدث في 1948 و 1967 من احتلال الأرض وإقصاء أهلها. ولكن يبدو أن تصريحات الرئيس الأمريكي ساهمت في إفشالها. فما أن أطلق تصريحاته حتى ارتفعت أصوات الشجب والاستنكار من حكومات كثيرة ومنظمات حقوقية وإنسانية عديدة. ومع أن ترامب شخص عنيد يصرّ على موقفه ولا يتنازل عادة، ولكن يبدو أنه لم يتوقع حدوث ردّة فعل بالحجم الذي حدث.
ولا شك أن صمته خلال العدوان الإسرائيلي، وربما مشاركة القوات الأمريكية في القصف والتدمير يوحي بوجود خطة معدّة سلفا لإكمال مشروع الاحتلال. هذا المشروع انطلق بالتدمير الشامل لقطاع غزة بشكل فاق ما حدث في الحرب العالمية الثانية من دمار، بحيث تبدو الدعوة لإخلائه من الفلسطينيين أمرا مقبولا، بل ربما يوحي باهتمام إنساني يتجاوز الأطماع السياسية.
برغم ما يدّعيه الغربيون من تماسكهم إزاء التحديات الأمنية التي تتحداهم من خارج عالمهم، فإن قضية فلسطين بقيت، على مدى ثلاثة أرباع القرن، شاهدة على عجزهم وتراجعهم الإنساني والأخلاقي
ويبدو كذلك أن المشروع حظي بقبول عام لدى الأوساط الغربية، ولكنه كان من البشاعة بمكان بحيث دفع الحكومات العربية لرفضه جملة وتفصيلا لأنه كان فاقعا، نضح بدماء أكثر من 46 ألفا من سكان القطاع.
كما حدث إدراك مهم بأن الانصياع للخطة الأمريكية ـ الإسرائيلية ستمهّد لتطورات أخطر، وأن الأردن سيكون المحطة الأخرى التي يتضمنها مشروع توسيع الاحتلال الإسرائيلي. كما اتضح للكثيرين أن خطّة احتلال غزة بداية لتنفيذ مشروع «إسرائيل الكبرى» الذي سوف يزداد توسعا ويشمل بلدانا عربية أخرى وحدودا تصل إلى العراق.
برغم ما قيل، ليس هناك ما يؤكد توقف المشروع الاستيطاني الجديد عند هذا الحد، وأن المحتلّين سوف يستمرون في استهداف المناطق التي يسعون لضمها لمشروع التوسع والاستيطان الإسرائيلي.
وليس من المنطقي كذلك افتراض ان الضخّ الأمريكي والأوروبي لكيان الاحتلال سوف يتوقف في المستقبل المنظور. ولكن السؤال: ما مصلحة الغربيين من توسع «إسرائيل» بلا حدود؟ ما مصلحة الغربيين من انتشار القوات الإسرائيلية داخل الحدود السوريّة لتدمير كافة ما لدى ذلك البلد من إمكانات عسكرية وتحويلها إلى بلد منزوع السلاح؟ لقد أصبحت القوات الإسرائيلية تسيطر على مساحات واسعة وأصبحت على مقربة من دمشق. فهل هذا يخدم الأمن والسلم الدوليين؟ وماذا عن روسيا؟ لا شك أنها فقدت قدرا كبيرا من نفوذها في الشرق الأوسط بسقوط بشار الأسد، فما الذي بقي لديها من نفوذ بعد العراق وسوريا؟ الواضح أن روسيا في العقود الأخيرة لم تعد الاتحاد السوفياتي الذي كان في حالة توازن مع الناتو في ذروة الحرب الباردة.
ومع تطور العلاقات الشخصية بين ترامب وبوتين تراجعت حدّة التنافس بين الشرق والغرب، حتى أن أزمة أوكرانيا التي كان بالإمكان أن تتحول إلى حرب عالمية ثالثة، تراجعت كثيرا، ولم تعد أمريكا متحمسة لدعمها من أجل التخلص من النفوذ الروسي. إنها واحدة من حوادث القدر على صعيد التوازن الدولي حيث لم تعد هناك أجواء منافسة ساخنة، خصوصا مع توسع نفوذ لاعبين آخرين، واستمرار أمريكا في رفع نفقات التسلح برغم تراجع نفوذها الاقتصادي في مقابل توسع النفوذ الاقتصادي الصيني.
وهكذا أصبح شبح الحرب أمرا مقلقا يسعى الجميع لمنع وقوعه نظرا لما لذلك من مخاطر غير محسوبة. بل أن أمريكا نفسها، برغم الضوضاء السياسية حول إيران وإرسال طائرات بي 2 إلى الشرق الأوسط، هرعت لتبريد نقطة التماس الوشيكة مع إيران، وبدأت حوارا استراتيجيا مع طهران في العاصمة العمانية، مسقط. فمع ما يبدو من تصاعد احتمالات الحرب بدأ الحوار مع ترسخ قناعة الغربيين بأمرين: أولهما استحالة وقف المشروع النووي الإيراني، وثانيهما عدم وجود ما يؤكد توجه إيران لإنتاج أسلحة نووية.
لا شك أن فسيفساء التوازنات السياسية والعسكرية في المنطقة تزداد تعقيدا، ولكن يخفف من مخاطر ذلك التنوع شعور الأطراف جميعا بضرورة منع وقوع الحروب خصوصا في ضوء عجز العالم عن احتواء الأزمة الأوكرانية من جهة، أو احتواء مخاطر التوتر المتواصل في الشرق الأوسط من جهة أخرى. كما أن العجز عن احتواء أزمة السودان التي أصبحت تتحدى البشرية مع انتشار بوادر مجاعة كبرى تضيف بعدا آخر لتراجع الإرادة السياسية لدى زعماء «العالم الحر» وتداعي حماسهم للتعاطي مع تحديات من هذا النوع. هذا يظهر أن إشعال الحروب والخلافات خيار سهل، ولكن إنهاءها ليس متيسرا، بل أن القضايا الكبرى بقيت عالقة منذ أن بدأت.
وتزداد الأمور تعقيدا بتهميش دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. فأمريكا التي تسعى لإضعاف العمل الدولي المشترك لم تثبت قدرتها على التصدّي بقدر من الحياد للقضايا الكبرى، بل كثيرا ما كانت طرفا مباشرا فيها. ولم تسفر تدخلاتها في الصراعات عن حلول ناجعة، الأمر الذي يستدعي ضرورة بروز جهة دولية فاعلة لسد الفراغ القيادي الذي أحدثه تهميش الأمم المتحدة.
ربما يعتقد بعض زعماء الغرب أن البلطجة الإسرائيلية تساهم في كبح جماح القوى الإقليمية التي قد تحتضن نزعات للتمرد على الهيمنة الغربية. ولكنهم مخطئون في ذلك. فهم بذلك يخلقون عفريتا آخر ويكررون قصة «فرانكشتاين» المرعبة. أما المنطق الأقرب للحكمة والواقع فيدعوهم لانتهاج سياسات أخرى أكثر توازنا وعدلا، وأقل عداء للعرب والمسلمين. وبدون ذلك التغيير في النهج السياسي الغربي وتجاهل حقوق البشر في بلدان مثل فلسطين والسودان والعراق، سيصبح العالم متوجها نحو مصير مجهول يتداخل فيه سيل الدماء مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والأخلاقية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة التوسع غزة تهديد دولة الاحتلال التوسع مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشرق الأوسط ما حدث ة التی
إقرأ أيضاً:
تحرك استيطاني جديد.. الائتلاف يضغط لرفع العلم الإسرائيلي شمال غزة
قدّم وزراء وأعضاء كنيست من أحزاب الائتلاف اليميني المتطرف، اليوم الخميس، طلبًا جديدًا يعكس تصعيدًا سياسيًا منظّمًا، موجَّهًا إلى وزير الأمن يسرائيل كاتس، للموافقة على إقامة فعالية استيطانية كبرى لرفع العلم الإسرائيلي شمالي قطاع غزة .
وطالب مقدّمو الطلب بتنظيم الفعالية خلال عيد "الأنوار" (حانوكا) في موقع مستوطنة "نتسانيت"، التي أُخليت عام 2005 ضمن خطة "فك الارتباط"، وذلك بالتزامن مع ما وصفوه بأنه "عودة إسرائيل إلى مستوطنات غوش قطيف". وأوضحوا أن توقيت هذا الحدث يأتي بعد عامين على هجوم السابع من أكتوبر، مؤكدين أن الحرب الطويلة "لم تصل إلى تعريف واضح للنصر"، وأن الوضع الميداني "لا يعكس استعادة الردع أو القضاء على قوة حماس ".
وجاء في الرسالة أن "حماس تخرق التفاهمات مرارًا، وأن قوتها لم تُدمَّر بل تتزايد مع مرور الوقت"، في حين تتحدث المؤسسة الأمنية – بحسب وصفهم – عن إزالة التهديد وعودة سكان الغلاف، وهي رواية اعتبرها مقدّمو العريضة غير دقيقة. وأضافوا أن الحرب أثبتت أن الحسم العسكري وحده غير كاف، وأن استمرار العمليات "لا يضمن النصر"، مؤكدين أن "عامين من القتال وسقوط مئات الجنود يثبتان أن النصر لا يتحقق بالسلاح فقط".
وانتقد الوزراء وأعضاء الكنيست ما قالوا إنه "محاولات دولية لفرض ترتيبات على قطاع غزة" ضمن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب، معتبرين أن غزة "جزء من ميراث الآباء، النقب الغربي". وشددوا في رسالتهم على أن الطريق الوحيد لتحقيق النصر – وفق رؤيتهم – يتمثّل في السيطرة الكاملة على الأرض وضمّها إلى إسرائيل، قائلين: "النصر يتحقق فقط عندما تُؤخذ الأرض".
اقرأ أيضا/ حمـاس ترفض وتستهجن التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية
وأضافوا أن "خطوة من هذا النوع، تقوم على أخذ الأرض وتحويلها إلى منطقة يهودية مزدهرة، ستُحدث ردعًا طويل المدى ضد جميع أعدائنا، وسترسّخ في الواقع وفي وعي العدو والعالم بأسره أن إسرائيل انتصرت في الحرب، والأهم من ذلك أنها ستُثبّت الانتماء الأبدي لأرض إسرائيل للشعب اليهودي".
وتابعوا: "لقد حان الوقت لنقول بوضوح: غزة جزء من أرض إسرائيل، وهي ملك حصري للشعب اليهودي، ويجب ضمّها فورًا إلى دولة إسرائيل"، مشددين على أن "الوضع القائم اليوم لا يستوفي تعريف النصر في الحرب".
وأوضح موقعو الرسالة أن حركة "نحالاه" الاستيطانية تعمل على تنظيم فعالية واسعة خلال "حانوكا"، تتمحور حول رفع العلم الإسرائيلي بشكل جماهيري فوق أنقاض "نتسانيت"، مطالبين الحكومة بالمصادقة على الحدث "دون تأخير".
وجاء في ختام الرسالة: "نطلب الموافقة على إقامة الفعالية في موقع نتسانيت هذا العام، باعتبارها خطوة رمزية وسيادية تعكس انتصار الشعب الإسرائيلي وتُثبّت الانتماء الأبدي لأرض إسرائيل".
ووقّع على الرسالة عدد من أبرز وزراء الحكومة الإسرائيلية، بينهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير الاقتصاد نير بركات، ووزير الرياضة ميكي زوهار، إلى جانب وزراء آخرين مثل زئيف إلكين، إيلي كوهين، ميري ريغيف، عيديت سيلمان، بالإضافة إلى رئيس الائتلاف.
وشارك أيضًا نحو 33 عضو كنيست من أحزاب اليمين واليمين المتطرف، من بينهم تالي غوتليب، دافيد بيتان، تسفيكا فوغل، ليمور سون هار ميلخ، يتسحاق غولدكنوف، غاليت ديستل، أرئيل كالينر، وأوشر شكّليم.
المصدر : عرب 48 اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية مكان: ضغط مصري على إسرائيل لفتح معبر رفح في كلا الاتجاهين العاصفة "بيرون" تضرب إسرائيل بقوة وتحذيرات من فيضانات خطرة كشف تفاصيل عملية سرّية إسرائيلية بغزة قبل يوم من هجوم 7 أكتوبر الأكثر قراءة زيارة أم البنين كاملة PDF حماس: استشهاد 3 أسرى بسجون الاحتلال يؤكد سياسة القتل المتعمدة لجنة الانتخابات تعلن المدد القانونية للانتخابات المحلية 2026 شهيدة وإصابات برصاص الاحتلال شرق غزة عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025