معارك ما بعد الحرب هزيمة الفراغ وإعادة الإعمار
تاريخ النشر: 22nd, April 2025 GMT
معارك ما بعد الحرب هزيمة الفراغ وإعادة الإعمار
لم تنتهِ الحرب بعد، لكن المعارك تغيّرت. لم تعد كلها تُخاض بالسلاح والنار، بل صار بعضها داخليًا صامتًا، يدور في صدور الرجال والنساء الذين فقدوا وظائفهم ومصادر دخلهم، وفقدوا معها الإحساس بالجدوى. واحدة من أخطر هذه المعارك الآن هي معركة الفراغ. الفراغ ليس مجرد وقت فائض، بل حالة خانقة تتضخم فيها الأحاسيس، ويكبر فيها الإحباط، وتتآكل فيها النفس ببطء.
“على المرء أن يبقى مشغولاً للحد الذي يلهيه عن تعاسته”
وقال غازي القصيبي: “العمل لا يقتل مهما كان شاقًا، ولكن الفراغ يقتل أنبل ما في الإنسان”.
ما بين هاتين العبارتين مساحة واسعة من المعاناة السودانية اليوم.
من فقدوا أعمالهم لم يفقدوا المال فقط، بل فقدوا أيضًا الشعور بأنهم مفيدون، منتجون، قادرون على العطاء. باتوا فريسة لأفكار قاتمة، وهاجمتهم الوحدة بأسوأ صورها. وكما كتب ستيفان زفايغ في روايته لاعب الشطرنج :
“لم نتعرض لأي تعذيب جسدي، بل أسلمونا ببساطة إلى فراغٍ مطلق، ومن البديهي أن لا شيء في العالم يعذّب النفس البشرية أكثر من الفراغ.”
في واقعنا، هذا هو حال كثير من السودانيين اليوم. الفراغ يضغط على الروح، يُضاعف الحزن، ويُفقد المرء اتزانه. أما الذين ما زالوا مشغولين — حتى في أبسط المهام — تجدهم أكثر تماسكًا، لأنهم ببساطة لا يملكون وقتًا للانهيار.
وإذا كنا، لسبب أو لآخر، لم نلعب دورًا حين كانت المعارك تدور بالرصاص أمامنا، فها هي الفرصة اليوم لنلعب دورًا في معارك إعادة الإعمار، بنشر الأمل، ومقاومة الإحباط، والانضمام إلى فرق ترميم الأحياء، ولو بالرأي والمشورة. فإعادة البناء لا تحتاج فقط إلى الأيادي، بل إلى العقول والقلوب أيضًا. نحتاج اليوم أن نعيد تعريف النجاة: النجاة ليست فقط في البقاء على قيد الحياة، بل في أن نحافظ على إنسانيتنا، على قيمنا، على إحساسنا بأن لنا دورًا نؤديه. وهذا الدور قد يكون في التعليم، في التطوع، في دعم الجيران، أو حتى في خلق مساحة صغيرة من الفرح وسط الركام.
كل لحظة نقاوم فيها الفراغ، نكسب فيها جولة جديدة في معركة ما بعد الحرب. معركة إعادة الإعمار لا تبدأ من الطوب والحجر، بل من داخل النفوس. من قرار الإنسان أن ينهض، ويُشارك، ويُقاوم الفراغ قبل أن يقضي عليه. ولن يكون هناك نصر حقيقي ما لم نربح هذه المعركة أيضًا. الحرب سرقت من الناس أشياء كثيرة، لكن لا نسمح لها أن تسرق أرواحنا ونحن أحياء.
بقلم: عميد شرطة (م) عمر محمد عثمان
٢٠ أبريل ٢٠٢٥م
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
رمضان الرواشدة يدعو إلى “ملء الفراغ الإعلامي”
صراحة- دعا الكاتب السياسي رمضان الرواشدة إلى عدم تركِ الفضاءِ الإلكترونيِّ للرواياتِ الّتي تشكّكُ في الأردن، مطالبا بتطبيق نظرية” ” ملء الفراغ”، حيث إنَّ غيابَ المعلومةِ والروايةِ الأردنية من الحكومةِ ومسؤولي الإعلام، سيعطي المجالَ لغيرِنا بإغراقِ وسائل الإعلام الخارجية ومواقع السوشال ميديا برواياتِهم المُضلِّلة.
وقال الرواشدة في محاضرة له في إربد بعنوان “دور الإعلام في توجيه الفكر الوطني الأردني ” بدعوة من حزب التنمية الوطني مساء الاثنين” مع تنامي قوّةِ السوشال ميديا، واعتبارها بديلاً عن الإعلامِ التقليديِّ، يستقي الناسُ منها معلوماتِهم، فقد شهدنا محاولاتٍ كثيرةً لدولٍ وتنظيماتٍ عابرةٍ للحدودِ، وحساباتٍ حقيقيّةً وأخرى وهميّةً؛ لبثِّ رواياتِهم للإساءةِ للدولةِ الأردنيّةِ، قيادةً وحكومةً وشعباً، وقد تصدّى لهم الإعلامُ الأردنيُّ برواياتٍ حقيقيّةٍ أردنيّةٍ لمواقفِ الدولةِ؛ لتبديدِ كلِّ هذه الهجماتِ والإشاعات.
وأضاف الرواشدة “إنَّ هذا التطوّرَ يقتضي من الدولةِ، ومن كلِّ مؤسّساتِها وأذرعِها الإعلامية تقديم ِروايةٍ اردنية ذاتِ محتوىً ومعلوماتٍ، وبأدواتٍ فنّيّةٍ مُبهِرةٍ، حيث يلعب الفيديو والصورةُ والرسومُ المتحرّكةُ والغرافيك دوراً في جلبِ الجمهورِ إلى منصّاتِ التواصلِ الاجتماعيّ؛ لقراءةِ ومشاهدةِ المحتوى الّذي يتضمّنُ الروايةَ الأردنيّةَ، سواءٌ كانَتْ للأحداثِ الداخليّةِ أو عن المواقفِ السياسيّةِ الخارجيّةِ ممّا يجري حولَنا، ومن بينها الموقفُ الأردنيُّ المُشرِّفُ قيادةً وشعباً، في الوقوفِ مع الشعبِ الفلسطينيِّ الّذي يعاني الاحتلالَ والقتلَ والإبادةَ الجماعيّةَ والتهجيرَ في غزّةَ والضفّةِ الغربيّة.
وأكد الرواشدة “نملُكُ الإرادةَ السياسيّةَ العليا، ونملُكُ الأدواتِ الإعلاميّةَ للدفاعِ عن فكرِ الدولةِ الأردنيّةِ ومواقفِها من كلِّ القضايا ذاتِ الصلةِ بالأردنّ، وأوّلُها القضيّةُ الفلسطينيّةُ، ومثلما يُعتبَرُ الجيشُ والمخابراتُ والأجهزةُ الأمنيّةُ الأداةَ الحقيقيّةَ للدفاعِ عن حدودِ الوطنِ وسلامةِ مواطنيه، فإنَّ الإعلامَ يُعتبَرُ خطَّ الدفاعِ المساندَ لهم بالكلمةِ والصورةِ والفيديو وغيرِها”.
وقال الرواشدة ” إنّ الدولَ اليومَ تحاربُ بأدواتِها الإعلاميّةِ في الحروبِ الّتي لا تحتاجُ إلى جيوشٍ عسكريّةٍ جرّارة، وقد تمكّنت القوى العالميّةُ الاستعماريّةُ من التغلغلِ وهدمِ بُنيانِ العديدِ من دولِ العالمِ الثالثِ، من خلالِ تدفّقِ بثِّ المعلوماتِ المُضلِّلةِ عنها عبرَ استخدامِ الإعلامِ بشقّيه التقليديّ والحديث، مثلِ منصّاتِ التواصلِ الاجتماعيّ”.
وأكد الرواشدة على الدور الكبير الذي تلعبه وسائل الإعلام الأردنية في الدفاع عن الأردن وقال ” لقد واكبَ الإعلامُ الوطنيُّ الأردنيُّ كلَّ الأحداثِ المفصليّةِ الّتي واجهَتْها الدولةُ، والحقيقةُ الثابتةُ للجميع أنّه إعلامٌ وطنيٌّ بحقّ، وكان في طليعةِ المدافعينَ عن منظومةِ الأمنِ الوطنيّ الشامل، وخيرُ شاهدٍ على ذلك ما كانَتْ تلعبُهُ الإذاعةُ الأردنيّةُ والصحفُ في الستّينيّات والسبعينيّات؛ ردّاً على الحملاتِ الّتي استهدفَتِ الدولةَ: القيادةَ والشعب وثمة تلازمٌ وعلاقةٌ تشاركيّةٌ مهمّةٌ بينَ الرسالةِ الإعلاميّةِ الّتي يحملُها الإعلامُ الأردنيّ في الدفاعِ عن قيمِ الدولةِ وأفكارِها الوطنيّة، وبينَ منظومةِ الأمنِ الوطنيّ الشامل، وهذا يجعلُ منها وسائلَ إعلامٍ ذاتَ مصداقيّةٍ في نظر الشعبِ والدولِ المحيطةِ بنا.
وفي ختام الندوة التي أدارها أمين عام الحزب الدكتور ناظم عبابنة أجاب الرواشدة على أسئلة الحضور.