د. غادة كمال
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

في هذا التوقيت الصعب، والعالم يتجه نحو الحروب وانتشار الفوضى من غزة ولبنان إلى اليمن، وأوكرانيا، والسودان، وتهب رياح الحرب الباردة من جديد، وتتعزز التحالفات والتكتلات في آسيا وأوروبا، ويشتد الصراع في أفريقيا، وتهتز أسس الاقتصاد العالمي، وتتسع الفجوة بين الطبقات، ويبدو وكأن العالم على حافة حرب عالمية جديدة، إن حدثت، لن يتعافى منها قبل مئات الأعوام.


وتأتي أهمية "مبادرة الحضارة العالمية" التي تهدف إلى استرداد مفاهيم التعايش السلمي، ومنع الحروب، وتخفيف التوتر الدولي الحالي. وهي نداء لتعزيز الحوار بين الشعوب، والتبادل الثقافي والفكري بين الحضارات، والتمسك بالقيم، وتفهُّم تقاليد وأنماط الحضارات المختلفة واحترامها، وتبادل المصالح، واحترام حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم تدخل دولة في شؤون دولة أخرى أو فرض هيمنتها عليها، وبناء التوافق السياسي، وتعزيز التعاون والمواءمات الاستراتيجية التي تحقق آمال الشعوب، وإرساء أسس سليمة لبناء تقدم الحضارات، وتعزيز الاستفادة المتبادلة بين مختلف الثقافات.
ولا شك أن مبادرة الحضارة العالمية والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية خطوة هامة نحو تعظيم التقارب والتفاهم بين الثقافات المختلفة.

1. الصين والدول العربية

تمثل العلاقات الصينية العربية نموذجًا مهمًا في إطار العلاقات الخارجية لكل من بكين والدول العربية، حيث تتشابه الصين مع العالم العربي في انتماء كل منهما إلى أمة ذات حضارة تاريخية عريقة. وقد دعا الجانبان إلى تعزيز الحوار بين مختلف الحضارات والشعوب، ويجري التعاون بينهما في أنشطة متنوعة في مجالات التبادل الإنساني والثقافي من خلال منصات وآليات مثل منتدى التعاون الصيني-العربي ومنظمة التعاون الإسلامي، مما عزز التفاهم والصداقة بين الشعوب في العالم العربي والإسلامي والصين.
وقد شهدت العلاقات تطورًا كبيرًا خلال العقدين الأخيرين، إذ تواصل الصين والدول العربية تعزيز التعاون الاستراتيجي في كافة المجالات، حيث تدعم الدول العربية الجهود التي تبذلها الصين للحفاظ على مصالحها الجوهرية، وتلتزم دائمًا بمبدأ الصين الواحدة. في المقابل، تدعم الصين جهود الدول العربية لتعزيز الاستقلال الاستراتيجي والحفاظ على السيادة وتسوية النزاعات بالحوار.
لذا، أصبح تعزيز التعلم المتبادل بين الحضارتين الصينية والعربية أمرًا بالغ الأهمية لدفع الاستقرار والتنمية في الجنوب العالمي، وتحقيق ازدهار الحضارات. كما أن الحوار الحضاري والثقافي بين الجانبين ضرورة عصرية، ووسيلة لتحقيق المنفعة المشتركة بعيدًا عن منطق الهيمنة والمصلحة الضيقة.

2. آليات التعاون بين الحضارتين الصينية والعربية

شهدت مجالات التعاون تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خاصة في المجالات الثقافية والتعليمية والتكنولوجية. ومنها:

• منتدى التعلم والاستفادة المتبادلة

عُقد "منتدى أعمال الحوار الحضاري لخطة التعاون 10+10 بين الجامعات الصينية والعربية" في أكتوبر 2024 بجامعة شانغهاي، كأحد مخرجات الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي، وأكّد عليه الرئيس الصيني شي جين بينغ.
ويُعد المنتدى قرارًا استراتيجيًا يهدف إلى تعميق التعاون الأكاديمي والثقافي والابتكار والتنمية المستدامة، لمواجهة التحديات العالمية، وتعزيز بناء مجتمع المصير المشترك.

• منتدى التعاون العربي-الصيني

يُعد المنتدى إطارًا فعالًا للحوار والتعاون في مختلف المجالات (السياسية، الاقتصادية، الثقافية). ويضم 19 آلية، منها المؤتمرات الوزارية والحوارات الاستراتيجية، وأصدر 85 وثيقة لتعزيز التعاون المشترك، خاصة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية، مع توقيع اتفاقيات تبادل العملات مع دول عربية.
كما يشهد الجانبان نشاطًا كبيرًا في تعليم اللغتين الصينية والعربية، مما يعزز التفاهم الثقافي المتبادل.

• مبادرة الحزام والطريق

تمتد جذور التواصل الحضاري بين العرب والصينيين منذ طريق الحرير القديم، وتواصلت عبر "مبادرة الحزام والطريق"، التي نفذ الجانبان في إطارها أكثر من 200 مشروع تعاون.
ورغم الطابع الاقتصادي للمبادرة، إلا أنها تشمل أبعادًا ثقافية واستراتيجية عميقة، تعزز الاحترام المتبادل والترابط الحضاري بين الشعوب.

3. العلاقات المصرية-الصينية "نموذجًا"

العلاقات بين مصر والصين تاريخية، تعود إلى طريق الحرير القديم، واليوم تشهد هذه العلاقات نقلة نوعية في ظل شراكة استراتيجية شاملة.
وُقعت اتفاقيات متعددة تشمل التعاون الإعلامي والثقافي والتعليمي والاقتصادي، وتم تضمين اللغة الصينية في المناهج الدراسية المصرية، بجانب تبادل الزيارات، والبرامج الثقافية، وتوقيع برامج تنفيذية مشتركة.
تجسد هذه العلاقة نموذجًا للتعاون الثقافي بين الصين والدول العربية، وشراكة تسهم في بناء مجتمع المصير المشترك.

التحديات

صعوبة التواصل اللغوي.

ضعف الدراسات الأكاديمية عن الصين.

ضعف حركة الترجمة.

قلة الباحثين المتخصصين.

ضعف التعاون الإعلامي والثقافي.

اعتماد الإعلام على مصادر غربية.

التوصيات

تشجيع الترجمة بين اللغتين.

إنشاء آلية تواصل فعالة.

تنفيذ مشروعات بحثية مشتركة.

إنشاء قاعدة بيانات للخبراء.

تفعيل المراكز الثقافية وزيادة المنح الدراسية.

تنويع وسائل الإعلام وتبادل الوثائق والرؤى.

ختامًا

تمثل "مبادرة الحضارة العالمية" والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية خطوة ضرورية لبناء عالم أكثر فهمًا وتسامحًا، وتُعد دعوة لمواجهة خطابات الكراهية، وإرساء أسس السلام. وهو ما يستدعي إيجاد صيغة ملائمة للتعاون بين جميع الشعوب لصناعة مستقبل أكثر استقرارًا وإنسانية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: والدول العربیة الحوار بین

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية: الوضع في غزة وصل إلى حد الكارثة وإسرائيل تغلق المعابر من الجانب الفلسطيني

أكد وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج الدكتور بدر عبد العاطي أن مصر تواصل جهودها الحثيثة لوقف العدوان على قطاع غزة والإسراع بإنفاذ المساعدات الإنسانية، خاصةً في ظل تدهور الأوضاع بالقطاع التي وصلت إلى حد الكارثة.

وقال الوزير-في تصريح لقناة النيل للأخبار اليوم /السبت/- إن ميناء رفح البري مفتوح على مدار الساعة من الجانب المصري، وأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي هي التي تغلقه من الجانب الفلسطيني، نافيا جملةً وتفصيلًا الشائعات التي تروجها بعض الجماعات التحريضية حول إغلاق مصر لميناء رفح.

وحول العلاقات مع المملكة العربية السعودية أكد عبد العاطي متانة العلاقات المصرية السعودية، واصفًا إياها بأنها "قوية وراسخة" مشيرًا إلى أن البلدين يشكلان جناحي الأمة العربية والإسلامية.

وأكد عبد العاطي أن أي محاولات من أطراف غير مسؤولة أو من جماعات أو تنظيمات غير مسؤولة للنيل من هذه العلاقات هي محاولات فاشلة وبائسة ولا يمكن أن تحقق أي شئ ولا تنال من هذه العلاقة بين البلدين.

وأوضح الوزير أن جولته الإفريقية التي شملت ست دول جاءت بتوجيهات من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في إطار الدور التاريخي لمصر لدعم الأشقاء الأفارقة وتعزيز التعاون في مختلف المجالات، معتبرًا أن هذه الزيارات خضعت للتخطيط المسبق ودراسة الاحتياجات الفعلية للدول التي تضمنتها الزيارة.

واستشهد الوزير بنموذج التعاون المصري الإفريقي المتمثل في سد جوليوس نيريري بتنزانيا الذي شُيد بالكامل بالخبرات والكفاءات المصرية، كمثال على نجاح هذا التعاون.

وأكد أن مصر لديها علاقات سياسية متميزة مع كل الدول الإفريقية وتاريخية وراسخة، ولكن هذا لم يعد كافيا لكي ننظر إلى الأمام، لافتا إلى أنه لابد من خلق مصالح مشتركة ومستدامة تخدم هذه الدول ومصر بما يجعل الإرث التاريخي وأيضا العلاقات السياسية المتميزة بمثابة أرضية صلبة يمكن منها الانطلاق إلى آفاق أرحب تقوم على مبدأ تحقيق المكاسب للجميع.

مقالات مشابهة

  • سفير سلطنة عُمان لدى المملكة العربية السعودية يقدم أوراق اعتماده لدى منظمة التعاون الرقمي
  • وزير المعادن يبحث مع وفد روسي تعزيز التعاون في قطاع التعدين
  • مصر وبريطانيا نحو شراكة استراتيجية.. وعبد العاطي يطالب لامي بضغط دولي لوقف عدوان غزة
  • الصحة : تطبيق مبادرة Angels العالمية لتجهيز وحدات السكتة الدماغية في 20 مستشفى
  • وزير الخارجية السعودي: مبادرة السلام العربية أساس لأي حل عادل بالمنطقة
  • الولايات المتحدة تعيد تموضعها بشمال إفريقيا.. شراكة مع الجزائر في الطاقة والأمن
  • وسيم السيسي: السنتروافريكان مخطط لتزييف التاريخ تقف وراءه الصهيونية العالمية
  • وزير الشئون النيابية يستقبل سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية مصر العربية
  • العبدلي يطلق أول محطة شحن كهربائي متطورة بالشراكة مع Grasen العالمية و”الوطنية العربية للسيارات”
  • وزير الخارجية: الوضع في غزة وصل إلى حد الكارثة وإسرائيل تغلق المعابر من الجانب الفلسطيني