بعد الإفراج عن الأسير المقدسي أحمد مناصرة، من بيت حنينا بالقدس المحتلة، في العاشر من شهر أبريل/نيسان الجاري، وملاحظة مدى تدهور صحته النفسية بعد سنوات من تشخيصه بمرض "الفصام"، تسلط الجزيرة نت الضوء -من خلال مختصين- على المستويات النفسية التي يخرج بها المحررون من سجون الاحتلال، وما يحتاجونه في كل مستوى من متابعة أو علاج.

فبالإضافة لمناصرة؛ تحرر عدد من الأسرى بوضع نفسي صعب، ولا يمكن التطرق لأسماء هؤلاء بسبب تحفظ ذويهم على ذلك، ولأن المجتمع ينأى عن وضع الأسير في هذه الخانة، ولا يدرك كثيرون مدى خطورة تجاهل التوجه إلى المختصين، مما يؤدي إلى تفاقم الحالة النفسية للأسير في أفضل الأحوال، أو فقدان وجوده بشكل كامل بعد تحرره في أسوأ السيناريوهات، وفق مختصين تحدثوا للجزيرة نت.

الخواجا: أكثر ما دمّر الأسرى نفسيا هو اقتحام زنازينهم وهم نيام والشروع بقمعهم وضربهم مما أَشعرهم بانعدام الأمان (الجزيرة)

الجزيرة نت سألت الطبيب محمد الخواجا، اختصاصي علاج الأمراض النفسية ومشاكل الإدمان، عن الحالة النفسية التي يخرج بها الأسرى بشكل عام، وقال إنهم يتوزعون على أربع مستويات:

القسم الأول: هم أولئك الذين يعانون من أعراض "ذُهانية"، وهؤلاء يتوجهون للعيادة النفسية عند تحررهم عادة، خاصة بعد اندلاع الحرب الأخيرة وتعرض كافة الأسرى للعنف المفرط المتمثل بالضرب والإهانة والتجويع والسهر.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2قيادي بالنهضة: تونس تشهد تراجعات خطيرة وعشرات المعارضين يخضعون للاعتقال التعسفيlist 2 of 2تحذير أممي من تداعيات تدفق اللاجئين الكونغوليين إلى بورونديend of list إعلان

"لمستُ من خلال مَن ترددوا على عيادتي أن أكثر ما أثّر عليهم ودمرهم نفسيا هو اقتحام زنازينهم وهم نيام والشروع بقمعهم وضربهم مما أَشعرهم بانعدام الأمان، لأن الأسير وهو في زنزانته يعرف المعاناة وهي واضحة بالنسبة إليه، لكن المشكلة أن قمعهم خلال نومهم أثر عليهم سلبا وأدخلهم في حالة ترقب مستمرة" يقول الخواجا.

ووصف المستوى الأول بالأصعب وهو الذي تحرر به أحمد مناصرة وغيره، وهؤلاء يصِلون للعيادة النفسية بعد معاناتهم من الأعراض "الذُهانية" كالأوهام والخربطات والانفصال عن الواقع، واضطراب الانفصام الذي يجعلهم عرضة للإصابة بمرض "الفصام".

وفي هذا المستوى يشكل المحرر خطرا على نفسه ومحيطه، وتتأثر إنتاجيته وعلاقاته لأنه ينعزل عن الناس تماما ولا يتفاعل معهم، "باختصار نخسره كإنسان وهذا أصعب شيء وهؤلاء يأتون إلينا لأن حياتهم تكون صعبة جدا".

أعراض متشعبة

المستوى الثاني: هم المحررون الذين يعانون من أعراض "الاكتئاب"، كفقدان المتعة في الحياة وانعدام الدافعية، وعدم الرغبة في لقاء الآخرين، وتأثر النوم والتركيز والشهيّة للطعام، وهؤلاء لا يتوجهون للعيادة النفسية عادة رغم أنهم يعانون من "اضطراب ما بعد الصدمة"، ويحلمون عادة بالكوابيس ويشعرون بالخوف والتوجس الكبيرين، وقد يتعرضون لفقدان الذاكرة والانفصال عن الواقع، وهذه أعراض متعبة ومزعجة ويلزمها علاج، وعلى هؤلاء المحررين بالتحديد التوجه للعيادة النفسية لأن "الاكتئاب" مرض يُعالج، ويجب عدم تجاهل أعراضه.

المستوى الثالث: هم الأسرى الذين "يُكابرون"، وينكرون تأثرهم بتجربة السجن رغم وجود أعراض تستوجب زيارة طبيب نفسي. وهنا "يقول هذا الأسير لنفسه أنا رجل ولا أتأثر ويجب أن أقاوم وألّا أشكو لأن الشكوى تظهرني ضعيفا".

وتكون معاناة هذا المستوى من الأسرى خفيّة وفقا للخواجا، فهم يتظاهرون بأنهم يعيشون حياة طبيعية لكنهم من الداخل متعبون، وهذه مخاطرة "لأن الجرح الصغير يكبر ويتفاقم على المدى البعيد إذا لم تتم معالجته والتعامل معه، وتتأثر علاقات المحرر وتصرفاته في المستقبل، وتنشأ مشكلات بينه وبين عائلته أو زوجته.

إعلان

المستوى الرابع:  هم المحررون الذين لم يتأثروا بتجربة السجن القاسية بالفعل، لأن لديهم جَلَدا ومرونة وحصانة نفسية عالية، وموضوع العقيدة والإيمان القوي ساعدهم بدرجة كبيرة داخل الأَسْر، وعند تحررهم خرجوا بمعانٍ كبيرة حمتهم من المعاناة.

عبد النبي: حبس الشخص بين جدران يمنع خلايا الدماغ من التفاعل وهذا يؤثر على الجهاز العصبي بشكل سيئ وسلبي (الجزيرة) تأثير على الدماغ

المعالج والأخصائي الاجتماعي ومدرب تطوير الذات محمود عبد النبي استهلّ حديثه للجزيرة نت بالتطرق إلى تأثير السجن على صحة الإنسان النفسية قائلا إن حبس الشخص بين جدران يمنع خلايا الدماغ من التفاعل والانكشاف للعالم الخارجي، وهذا يؤدي لتغيير في كيمياء الدماغ ويؤثر على الجهاز العصبي بشكل سيئ وسلبي.

وبالتالي تبدأ بعض الأعراض بالظهور على الشخص المسجون كالقلق ونوبات الذعر واضطرابات الشخصية كزيادة العدوانية والانطوائية وعدم الرغبة بالتواصل مع العالم الخارجي، وتتطور أعراض "ما بعد الصدمة" ويعاني الشخص من اضطرابات النوم والكوابيس.

وفي إطار تأثير السجن على الناحية الاجتماعية للأسرى المحررين قال الأخصائي المقدسي إنه إذا لم يكن الشخص يتمتع بحصانة نفسية يبدأ ببناء حواجز بينه وبين المجتمع والأسرة بسبب فقدانه لمهارة الاتصال والتواصل داخل السجن، وتتطور لديه بعض الأعراض كالشك والخوف وعدم الثقة بالمحيط لشعوره بأن الآخرين يريدون إيذاءه.

في يوم الأسير الفلسطيني، 17 أبريل/نيسان، يبلغ عدد أسرى مدينة القدس من حملة الهوية الزرقاء 420 مقدسيا، بينهم 9 محكوم عليهم بالسجن المؤبد مدى الحياة، بالإضافة إلى 66 طفلا دون سن ال18، بالإضافة إلى أسيرة واحدة.
صاحب أعلى حكم هو الطفل محمد الزلباني، والمحكوم بالسجن 18 عاما، يليه… pic.twitter.com/tw4d86e9Sk

— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) April 17, 2025

إعلان التفريغ مهم

وبخصوص الأعراض التي تنذر بالخطر وتستوجب على ذوي الأسير المحرر اصطحابه لأخصائي اجتماعي أو نفسي، لخّصها عبد النبي بممارسة السلوك الخطير كإيذاء النفس أو التهديد بالانتحار أو العزلة الشديدة المتمثلة برفض التواصل مع الآخرين، وظهور بعض الأعراض "الذُهانية" كالهلوسة والأوهام كتهيؤ سماع أصوات وأفكار داخلية تُملي على الشخص القيام بأعمال معينة غير واقعية، بالإضافة لإهمال النظافة الشخصية.

وفي حال إهمال هذه الأعراض تحدث المعالج المقدسي عن الخطورة التي يمكن أن يشكلها المحرر على نفسه ومحيطه قائلا إنها تكمن في تفاقم الاضطرابات النفسية كالقلق والخوف والاكتئاب واتباع السلوك الخطِر والعدوانية تجاه الأسرى أنفسهم داخل السجن أو المجتمع الخارجي بعد التحرر.

وعند سؤاله عن الاضطرابات أو الأمراض التي قد تتسبب بها السجون للأسرى، وكيف يتعامل الأخصائيون معها أجاب أن المحررين الذين يعانون من أعراض "ذُهانية" تستوجب حالتهم زيارة طبيب نفسي ليعالجهم دوائيا، ويترافق هذا العلاج مع جلسات تفريغ مع أخصائي اجتماعي.

أما إن اقتصرت الأعراض عند التحرر على اضطرابات ما "بعد الصدمة" مثل نوبات الذعر والقلق والخوف واضطرابات النوم "فيمكن أن نتعامل معها كأخصائيين من خلال علاجات عدة كالبرمجة اللغوية العصبية أو العلاج السلوكي المعرفي الذي يقوم على تعديل الأفكار السلبية وبناء الثقة واستعادتها من جديد".

ومن المهم أيضا وفقا للأخصائي محمود عبد النبي دعم المحيط كالأسرة عبر التعزيز والاحتواء، ومحاولة دمج المحرر في المجتمع بإشراكه في برامج إعادة التأهيل التعليمية أو التدريبية أو المهاراتية.

وختم حديثه للجزيرة نت بالتطرق إلى أهمية التفريغ للأسير المحرر من خلال الجلسات قائلا إنه من الضروري عدم كبت المشاعر، لأن كبتها يؤدي إلى تخزينها في اللاوعي، وظهور الأعراض من جديد عند أي موقف صغير أو تجربة سلبية، وبالتالي هناك ضرورة لإعادة هيكلة الأفكار وتعديلها ووضعها في إطارها الصحيح، لاستعادة الثقة بالنفس وبنائها مع الآخرين وترميم الحصانة النفسية.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات حريات یعانون من عبد النبی من خلال

إقرأ أيضاً:

موجة الانفجار.. الخطر الصامت في الحرب الإسرائيلية الإيرانية

مع استمرار الحرب الدامية بين إسرائيل وإيران لليوم الثامن على التوالي، وانخراط الطرفين في تبادل مكثف للضربات الصاروخية، يسلط خبراء الأمن والدفاع الضوء على جانب قاتل من الصراع غالبا ما يغفل الحديث عنه: "موجة الانفجار"، التي تعد من أكثر نتائج التفجيرات دمارا وخطورة، وقد تفوق في فتكها خطر الشظايا أو الصاروخ ذاته.

فرغم الاعتقاد السائد بأن التهديد الرئيسي عند وقوع انفجار يكمن في الشظايا المعدنية أو النيران، إلا أن الحقيقة الصادمة، كما يؤكد متخصصون عسكريون وتقارير صحفية، أن موجة الانفجار هي العامل الأكثر تسببا في الوفيات والإصابات البالغة.

وفي هذا الصدد، قال الدكتور عبد الله نعمة، المحلل السياسي اللبناني، إن إيران تمارس حقها الطبيعي والقانوني والمشروع في الدفاع عن نفسها، في مواجهة ما وصفه بـ"الهجمات الإسرائيلية الجنونية وغير القانونية".

وأضاف نعمة- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن إسرائيل كانت سبق وشنت اعتداء مباشرا على الأراضي الإيرانية، دون أن تنتظر نتائج المفاوضات النووية الجارية حينها بين واشنطن وطهران، الأمر الذي يعكس تجاهلا واضحا للقوانين الدولية والمعايير الدبلوماسية.

وأشار نعمة ، إلى أن إيران، التي طالما استخدمتها الولايات المتحدة كورقة ضغط لتهديد دول الخليج العربي، باتت اليوم في موقع الضحية، تتعرض لهجوم منهجي يستهدف بنيتها الدفاعية ومكانتها الإقليمية.

وتابع المحلل السياسي اللبناني، أن الهدف من هذا التصعيد كان واضحا منذ البداية، ويتمثل في توجيه ضربة عسكرية لإيران بمساعدة أمريكية مباشرة أو غير مباشرة، وذلك من خلال استهداف قيادات في الجيش الإيراني، بهدف إضعاف قدراتها الدفاعية والعسكرية. 

وأوضح أن هذا المسار التمهيدي يأتي في إطار استراتيجية تهدف لاحقا إلى الإعلان بأن إيران لا تمتلك أسلحة نووية، وبالتالي لا تشكل تهديدا فعليا للمنطقة.

وتوقع أن المرحلة المقبلة ستشهد إعلان إسرائيل "الانتصار" في حربها ضد إيران، وستسعى إلى الترويج لفكرة نجاحها في القضاء على المشروع النووي الإيراني. 

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست"، فإن كل انفجار ناتج عن صاروخ أو عبوة ناسفة، سواء وقع في الهواء أو على الأرض، يطلق كمية هائلة من الطاقة، وهذه الطاقة تؤدي إلى دفع الهواء المحيط بقوة عنيفة، مكونة ما يعرف بـ"موجة الضغط" أو "موجة الانفجار"، التي تنتشر في جميع الاتجاهات بسرعة تفوق سرعة الصوت.

وتتحرك موجة الانفجار بسرعة مذهلة قد تتجاوز 2000 كيلومتر في الساعة، مما يجعلها قادرة على تدمير كل ما يعترض طريقها، بما في ذلك البشر والمباني والمركبات وحتى الأشجار، ولا يتطلب الأمر تماسا مباشرا مع الصاروخ أو الشظايا كي يصاب الشخص، فمجرد التواجد بالقرب من موقع الانفجار يكفي لتعرضه لإصابات خطيرة نتيجة قوة الضغط وسرعة تدفق الهواء.

آثار مدمرة على الجسم البشري

تتسبب موجة الانفجار في سلسلة من الإصابات الخطيرة، تختلف في شدتها تبعا لقرب الشخص من مركز الانفجار، فكلما كان الشخص أقرب إلى البؤرة، ازدادت احتمالات وقوع أضرار جسيمة. 

ومن أبرز هذه الإصابات:

 - تمزق طبلة الأذن، وما يرافقه من فقدان سمع مؤقت أو دائم.

 - كسور في العظام ناجمة عن قوة الضغط المفاجئ.

 - تمزق أو تلف الأعضاء الداخلية، لا سيما الرئتين والكبد.

 - في الحالات القصوى، قد تؤدي الموجة إلى انهيار الرئة بالكامل أو حدوث نزيف داخلي قاتل نتيجة تهتك الأنسجة الداخلية.

وتنتشر موجة الانفجار على شكل دوائر متسعة، وتتناقص شدتها تدريجيا كلما ابتعدت عن مركز التفجير، لكنها تظل تشكل خطرا فعليا حتى على مسافات بعيدة، حيث يمكن أن تلحق أذى بالغا بالجهاز العصبي، وتسبب اضطرابات طويلة المدى في عمل الأعضاء الحيوية.

إسرائيل : الضربات على إيران أخّرت برنامجها النووي سنواتبوتين: اتفاق مع إيران لبناء مفاعلين نوويين إضافيين في بوشهرالتصعيد العسكري مستمر رغم الدعوات للتهدئة

وبينما يتواصل التصعيد العسكري، دعت الإدارة الأمريكية على لسان الرئيس السابق دونالد ترامب إيران إلى القبول بـ"الاستسلام غير المشروط" وفتح باب التفاوض، إلا أن طهران رفضت هذا الطرح، مؤكدة أنها لن تدخل في مفاوضات تحت الضغط أو التهديد.

والجدير بالذكر، أن تستمر بذلك حالة الاستنفار والتوتر في المنطقة، وسط مخاوف من اتساع رقعة الدمار لتشمل مدنيين ومناطق غير عسكرية، لا سيما مع تجاهل بعض الأطراف لتبعات موجات الانفجار التي لا تميز بين هدف عسكري ومدني. 

العربي للدراسات: إيران زعزعت استقرار إسرائيل والرد كان مفاجئًا وموجعًاإيران تبدأ موجة جديدة من الهجمات الصاروخية على إسرائيل طباعة شارك إسرائيل إيران الولايات المتحدة الاحتلال السلاح النووي

مقالات مشابهة

  • هيئة الأسرى: 500 أسيرة/ة حُرموا من زيارة المحامين ونُحمّل الاحتلال المسؤولية
  • كليتك تنهار بصمت .. 5 أعراض لازم تاخد بالك منها
  • طلاب "تجارة عين شمس" يوظفون أدوات التسويق العاطفي لرفع وعي الشباب بالصحة النفسية
  • كان الجحيم تحت البدروم لقاء مع ناجي من سجون المليشيا
  • صحة غزة: ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي إلى 55,908 شهداء
  • موجة الانفجار.. الخطر الصامت في الحرب الإسرائيلية الإيرانية
  • متحور كورونا الجديد 2025.. إذا كنت تعاني من هذه الأعراض عليك زيارة الطبيب فورًا
  • الدويري: المقاومة تعمل بعمق قوات الاحتلال وحرب إيران لا تؤثر على غزة
  • 1000 أسير.. إنجاز عملية تبادل جديدة للأسرى بين روسيا وأوكرانيا
  • روسيا تعلن إنجاز عملية تبادل جديدة للأسرى مع أوكرانيا