صدر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في العاصمة القطرية الدوحة، كتاب "الوعي الأخلاقي الشقي: تنازع الإنسي والديني في تراث الإسلام" من تأليف شفيق محمد اكّريكّر، أستاذ الفلسفة ومناهج التدريس بالمدرسة العليا للأساتذة في جامعة المولى إسماعيل بالمغرب، وباحث زائر في جامعة فاندربيلت بالولايات المتحدة ضمن زمالة فولبرايت.



الكتاب، الذي يتوزع على 424 صفحة ويضم ملخصًا تنفيذيًّا وسبعة فصول موزعة على ثلاثة أقسام واستنتاجات عامة، يقدم دراسة معمقة للوعي الأخلاقي في التراث الإسلامي، مسلطًا الضوء على التوتر المزمن بين البعد الإنساني الكوني والأفق الديني الخاص بالقرية الإسلامية.

المفهوم المركزي.. الوعي الأخلاقي الشقي

يسمي اكّريكّر هذا التوتر بـ "الوعي الأخلاقي الشقي"، وهو حالة انقسام داخل النفس المسلمة بين:الانقياد للأمر الديني وامتثال الطاعة، مع التركيز على خصوصية المِلّة، الاستقلالية العقلية والالتزام بالقيم الإنسانية الكونية، مثل الفضيلة والسعادة والمروءة.

هذا الانقسام يعكس صراعًا مستمرًا بين القيم الأخلاقية العقلية المستقلة وبين المعايير الدينية المشرعة، ويجعل الضمير المسلم يعيش حالة من التردد والحيرة بين الالتزام الديني والانفتاح الأخلاقي العالمي.

ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام أساسية:

1 ـ التمهيد التاريخي: منذ الدعوة المحمدية وحتى سيطرة الشرعانية، حيث يظهر تشكل الوعي الأخلاقي داخل بنية دينية صارمة.

2 ـ نماذج وتجليات: دراسة شخصية عبد الله بن المقفع، وابن أبي الدنيا، وأبي حامد الغزالي، كمحطات توضح محاولات التوفيق بين الأخلاق والدين.

3 ـ الحل التاريخي والمقاربة العقلية: عرض لفكر المعتزلة ومحمد بن زكريا الرازي، الذين أكدوا على استقلالية العقل والأخلاق الإنسانية.

الأخلاق والدين بين الكونية والخصوصية

يوضح اكّريكّر أن: الأخلاق في جوهرها قيم إنسانية عقلية، تسعى إلى الكمال والفضيلة والسعادة، الدين يقوم على أوامر وتشريعات إلهية تجعل الأخلاق وسيلة للعبادة والطاعة، لا غاية مستقلة، الصراع يظهر في مسائل الإثم والفضيلة، وفي مدى قابلية الأخلاق للكونية مقابل الالتزام بالخصوصية المليّة.

يقدم كتاب "الوعي الأخلاقي الشقي" قراءة فلسفية تاريخية عميقة للوعي الأخلاقي الإسلامي، مستعرضًا جذوره الفكرية والنفسية والاجتماعية، ومؤكدًا أن تحقيق الاستقلالية الأخلاقية للفرد هو شرط ضروري لتحقيق استقلالية الأمة سياسيًّا ومجتمعيًّا.يستعرض الكتاب مساهمات مفكرين كـ: ماجد فخري: التمييز بين أخلاقيات سمعية وأخلاقيات فلسفية، جورج حوراني: استقلالية العقل في الحكم الأخلاقي مقابل الالتزام الديني، محمد عابد الجابري: تصنيف القيم في التراث العربي وفق الأنظمة الخمسة (السعادة اليونانية، الطاعة الفارسية، الفناء الصوفي، المروءة العربية، المصلحة الإسلامية).

يشدد الكتاب على أن التوتر بين الأخلاق والدين لم يزل حاضرًا في السياق المعاصر:كيف يمكن للمسلم أن يقيم حوارًا أخلاقيًا عالميًا مع الآخر؟ كيف يُبنى وعي أخلاقي قائم على استقلالية الفرد مع الاحتفاظ بالقيم الدينية؟ كيف يؤثر هذا التوتر على السياسة والديمقراطية والممارسة المدنية في العالم الإسلامي؟

يقدم كتاب "الوعي الأخلاقي الشقي" قراءة فلسفية تاريخية عميقة للوعي الأخلاقي الإسلامي، مستعرضًا جذوره الفكرية والنفسية والاجتماعية، ومؤكدًا أن تحقيق الاستقلالية الأخلاقية للفرد هو شرط ضروري لتحقيق استقلالية الأمة سياسيًّا ومجتمعيًّا.

هذا الكتاب يمثل إضافة قيمة لكل من يسعى لفهم العلاقة المعقدة بين الأخلاق والدين، بين الفرد والمجتمع، وبين التراث والفكر المعاصر في سياق الإسلام، ويعيد طرح الأسئلة الجوهرية حول الفضيلة، والحرية، والعدالة، والاستقلالية الإنسانية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب الذاكرة السياسية تقارير كتب القطرية كتاب عرض قطر كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

المبدعون والذكاء الاصطناعي تحديات وعيوب.. ندوة باتحاد الكتاب

عقدت لجنة الأدب الرقمي والذكاء الاصطناعي برئاسة د. جميل عبد المجيد، ندوتها الشهرية باتحاد كتاب مصر، تحت عنوان "المبدعون والذكاء الاصطناعي".
تحدث في الندوة التي أقيمت تحت رعاية الدكتور علاء عبد الهادي رئيس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر والأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، كل من الشاعر والإعلامي د. جمال الشاعر، بحضور الشاعر والإعلامي السيد حسن نائب رئيس النقابة العامة، وأعضاء اللجنة أ. السيد الهادي نائب رئيس اللجنة، ود. عصام محمود، ود. رشا الشهابي، إضافة إلى مشاركة كوكبة من الأدباء والشعراء والإعلاميين، قدمها د. جميل عبدالمجيد. 
بداية تحدث د. جميل عبد المجيد، عن مشوار الإعلامي جمال الشاعر، المهني والإبداعي، واللذين حققا شهرة واسعة، ففي المجال الإعلامي كانت برامجه: صباح الخير يا مصر، والجائزة الكبرى، وغيرهما من البرامج الجماهيرية الناجحة، ثم انتقل د. جميل للحديث عن تأسيس الشاعر  لقناة النيل الثقافية ورئاسته لها، وعن مساهماته الفاعلة من خلال منصبه كنائب لرئيس التليفزيون المصري الأسبق، كما تحدث عن انتقال الشاعر من الإعلام التقليدي إلى الإعلام الحديث، مثنيا على براعته في الجمع بين تقديم المحتوى القيمي  الهادف مع التواصل الجماهيري الجيد، وهو أمر  ليس سهلا ويحتاج لإعلامي يمتلك مواصفات خاصة. 
استهل د. جمال الشاعر كلمته متحدثا عن أهمية العلم والعمل والبناء والعمران، وكيف أن المؤمن مأمور باكتساب العلم والعمل، وذكر أننا كعرب نعد في لحظة وجودية، تتطلب منا الاستعداد الكامل لما يدبر لنا، منتقلا للحديث عن غزة، وصمود المقاومة.
ثم تناول الشاعر الحديث عن الحروب الحديثة، والمقصود بها الحروب الرقمية التكنولوجية التي تستوجب منا المعرفة الكاملة بكيف تدار تلك الحروب عبر المنصات الإلكترونية، عارجا على الحديث عن كتاب "المتلاعبون بالعقول" ، وعن تخصص إسرائيل في الأمن السيبراني، واستحواذ اليهود على منصات العالم، مؤكدا  أننا كعرب أمام مصير خطير وعلينا إما أن نتجدد ونعي ما يدور حولنا في العالم، وإما الفناء.
كما تحدث عن موارد مصر وثرواتها الطبيعية، متسائلا هل نحسن استغلال مواردنا بصورة سليمة؟! 
ثم تحدث عن خطورة استغراقنا في استهلاك التكنولوجيا للدرجة التي حولتنا إلى مستعمرات رقمية، وذكر أننا لا نتابع بشكل جيد حركة الانفجار المعرفي الآن، وأكد ضرورة إعادة صياغة العقل العربي، ومعرفة Ai وغيره من الوسائل المعرفية، وأهمية عمل بنية تكنولوجية صناعية معرفية، والدراية الكاملة بالاقتصاد الأبيض أو اقتصاد المعرفة.
وعن الفارق بين الصناعات الثقافية والصناعات التقليدية أوضح الشاعر أن الصناعات الثقافية قائمة على الفكر والإبداع والابتكار، وتساءل هل فكرنا في حدود Ai، مؤكدا أننا أمام واقع جديد، وأن موضوع الرقمنة لم يعد اختيارا، وأن التقدم مذهل ولابد من مواكبته، مؤكدا أننا يمكن أن نستفيد من هذا التطور الرقمي لو أحسنا استخدامه، وأقمنا العديد من الورش والتطبيقات العملية.
واختتم د.جمال الشاعر حديثه مؤكدا أن الروح الإنسانية ستظل تضفي بحيويتها على العملية الإبداعية مهما حدث من تطور رقمي وتكنولوجي. 
فيما أكد الشاعر والإعلامي السيد حسن في كلمته أن جمال الشاعر حالة بالغة الخصوصية في الإعلام المصري؛ فهو كمذيع وشاعر لابد وأن يصادق المشاهد والقارئ، وكان لديه قدرة على الإدهاش ببساطة وسلاسة، وأن حالته المتفردة تلك تذكره بيحيى حقي في أنشودة البساطة، ثم عقب على قصيدة قرأها الشاعر أمام جمهور الندوة بأنه يحدثنا عمن نعرف وما نعرف بطريقة جديدة مدهشة، وأنه يهتم بشكل واضح بالمواكبة والمعاصرة، وأشاد بثقافة الشاعر وحضوره اللافت مما جعل منه نجما إعلاميا.
ثم استطرد السيد حسن متحدثا عن موقفنا من الذكاء الاصطناعي، والوسائل التكنولوجية الحديثة، وتذكر كلمات د. أحمد مستجير في أحد حواراته معه بأن ما ينقصنا هو الإرادة وليس القدرة، وأنه ليس لدينا إيمان صادق بقيمة البحث العلمي، وأنه على الدولة أن تؤمن بأهمية البحث العلمي، وأنه ليس ترفا؛ لأنه وسيلتنا الحقيقية للتقدم، وتحدث عن فكرة القيمة المضافة، وأهمية التمسك بالجذور ، وطالب حسن بأهمية عودة القصيدة المغناة، وإنتاج الدراما الجيدة، وتقديم برامج للأطفال بلغة سلسة بسيطة.
واختتم حديثه بقوله: دعونا نؤمن بالقدرة حتى نستطيع المواجهة. 
وبفتح باب المداخلات، تحدث الإعلامي د. أحمد يوسف مؤكدا أنه أول مذيع في الوطن العربي تحدث عن المذيع الافتراضي، متنبئا بظهور المذيع الافتراضي، وتحدث عن تجربته في تأسيس إعلام المستقبل والإعلام العلمي، مؤكدا أننا لا نعيش في عصر الذكاء الاصطناعي بل نحن في نظام عالمي جديد، يتطلب منا وعيا كبيرا بخطورة ما يدور حولنا، كما حذر من خطر تعمق مصر في العولمة، وذكر أن لروسيا والصين مشاريعهما وأهدافهما الخاص ، متناولا القطبية الإعلامية الجديدة في العالم، مؤكدا أن الذكاء الاصطناعي مرتبط بعلوم أخرى، وأنه لابد من الاستثمار في العلم.
ثم توالت المداخلات والاستفسارات حول توطين الصناعة وعلاقة الذكاء الاصطناعي بالفن التشكيلي، وأهمية العودة للتراث ليكون المرجعية.
وفي ختام اللقاء قدم د. جميل عبد المجيد شهادة تقدير باسم النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر تكريما للدكتور جمال الشاعر.

مقالات مشابهة

  • البحوث الإسلامية يطلق قافلة دعوية لواعظات الأزهر إلى واحة سيوة لنشر الوعي الديني والأسري
  • في ذكرى انتصارات أكتوبر.. جامعة المنيا تُنظِّم ندوة وطنية بعنوان الانتماء والمواطنة والهوية الوطنية
  • المبدعون والذكاء الاصطناعي تحديات وعيوب.. ندوة باتحاد الكتاب
  • كتاب يُعيد تعريف اللغة والمنطق بوصفهما جوهر الوجود الإنساني
  • نواب يقترحون تعديل قانون الضمان الاجتماعي لتعزيز استقلالية الصندوق وآلية استثمار أمواله
  • حسن يحيى: الأزهر يبني جسور الحوار مع الشباب ويحصّن عقولهم من الفكر المنحرف
  • بعد شكاوى نقص الكتاب المدرسي… «تعليم الدبيبة» تحمل اللوجستيات والوقود المسؤولية
  • الأزهر يعلن أسماء الفائزين في مسابقة الإنشاد الديني بالإسماعيلية
  • شكاوى من نقص في الكتاب المدرسي ودعوات لتوفيره