أحمد حسن رمضان يكتب: نحن بخير .. إلى أن نلتقي
تاريخ النشر: 28th, April 2025 GMT
في غزة، حيث لا تزال البيوت تنام على صوت الخطر، وتصحو على نورٍ عنيد، يمشي براء وحسام فوق ركام الحصار كما يمشي المطر فوق الأرض العطشى، بخفّة الرجاء ووزن الحكاية.
هما طفلان… لكن قلبيهما مدنٌ من صبر، وخطاهما قوافل من ضوء.
وجه براء صفحة من فجرٍ لم يكتمل، يحدّق في السماء كمن يبحث عن دفءٍ يعرفه جيدًا، عن حضنٍ اعتاد أن ينتظره بعد المدرسة، ويطوي له الوجع في كفّيه.
أما حسام، ففي صمته صوت الأم… وفي ابتسامته شجاعة تُربك الغيم، وتهمس للريح: "بلّغيها، نحن ما زلنا على العهد."
بعيدان عن أمٍ لا تنام، لكنها كلّ مساء تشعل في قلبها قنديل الدعاء، وتفرش لهما تحت الجفون سجّادة أمل.
هي لا تكتب الرسائل، لكنها ترسل إليهم من روحها بريدًا لا تراه العيون…
ترتّب الغيم ليمرّ فوق رؤوسهم، وتوصي القمر ألا يغيب عن شباكهم، وتهمس في وحدتها:
"اللهم إنهم عندك، فاحفظهم كما تحفظ الأمهات القلوب."
وبراء، حين تقترب الغيوم، يبتسم ويقول: “أمي تراقبنا الآن من بين الغيمات.”
وحسام، حين يشتد الليل، يشدّ يد أخيه ويقول: "لا نخاف… فقد تعلّمنا منها أن الصبر سلاح، وأن الانتظار دعاء لا يُرد."
ضحكتهما تشبه نايًا في عزّ الحرب،
كأنهما يكتبان للكون بلغة الأطفال رسالة واحدة:
"نحن بخير… لأننا نؤمن أن اللقاء قادم."
وعندما يُسأل الأمل عن موطنه، يجيب:
"أنا في قلب أمٍّ بعيدة، لا يعرف أحد كم تُخبّئ من خوف وحنين،
وفي طفليها… اللذين يحولان الخوف إلى أمل، والدمعة إلى وعد."
وإليها… إلى تلك الأم التي تختزن الحياة في اسمين، وتكتم الارتجاف خلف دعاءٍ لا ينقطع، نقول: اصبري فهما بخير،كما علمتِهما أن يكونا. وكما وعداكِ سيعودان إليكِ، أقرب مما تتخيّلين.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: غزة الحرب قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
خالد عامر يكتب: من الفائز؟ أمريكا ـ إسرائيل .. أم إيران؟
بعد انتهاء الحرب، كيف لكل الأطراف الاحتفال بالنصر؟
إيران أعلنت عن احتفال رسمي في ساحة الثورة بمناسبة الانتصار، وفي نفس التوقيت تعلن إسرائيل عن احتفال كبير بمناسبة النصر على إيران في ميدان رابين وسط تل أبيب.
إذا كان طرفا الصراع يحتفلان بالنصر، إذن من الخاسر؟
حتى الولايات المتحدة، الحليف والداعم الأول لإسرائيل، تتعامل مع الموقف على أنه انتصار سياسي لها.
للإجابة عن كل هذا، يجب معرفة نسبة تحقيق أهداف كل دولة شاركت في الحرب، أو ما تحقق من هذه الأهداف.
أهداف إسرائيل التى بدأت بها الحرب على إيران هي القضاء على البرنامج النووي الإيراني، وإسقاط النظام بالكامل، وتدمير قدرات الدفاع والهجوم الصاروخي لدى الدولة الإيرانية.
فهل تحققت؟
قولًا واحدًا: لا.
إسرائيل هاجمت إيران ودمرت أهدافًا كثيرة، وقصفت عددًا كبيرًا من مواقعها النووية، واغتالت علماء نوويين مهمين جدًا وقادة عسكريين في الحرس الثوري، ودمرت منصات صواريخ كثيرة، إلا أنها في النهاية لم تحقق هدفًا من أهدافها في الحرب.
وهنا نقول إنها لم تحقق أهداف الحرب، لأن إيران لم تتأثر كما يُقال في الإعلام الإسرائيلي والغربي، بل استفاد النظام الإيراني، الذي كان يعاني من تراجع شعبي كبير قبل الاعتداء الإسرائيلي، وبعد الاعتداء أصبح النظام يتمتع بدعم شعبي، كما حدث بعد سقوط نظام الشاه.
أطياف الشعب جميعًا، حتى المعارضة، اجتمعت خلف المرشد.
حتى القادة والعلماء النوويون الذين تمت تصفيتهم، يوجد غيرهم الكثير والكثير.
فالنظام يظهر على الواجهة في بعض الأوقات من لا يحكم ولا ينتج، لكن صناعة القرار الحقيقي تتم في العمق، داخل منظومة تُتقن توزيع الأدوار وتعمل بهدوء، دون أن تربط مصيرها بشخص مهما علا شأنه.
فكل شخص في الواجهة يقف خلفه صفوف جاهزون تم إعدادهم ليكملوا الطريق.
وأكبر دليل أن المرشد الإيراني نفسه فوّض الحرس الثوري للقيام بأعماله في حال تم اغتياله.
إيران عندها عشرات، بل مئات من العلماء النوويين، موجودون ضمن البرامج النووية.
ومفاعل فوردو ونطنز، اللذان تم قصفهما، يمكن إصلاحهما خلال شهور.
تصريح وكالة الطاقة الذرية بعدم قدرتها على معرفة المكان الذي تم نقل اليورانيوم المخصب إليه، والذي يُمكّن إيران من إنتاج ما لا يقل عن 10 رؤوس نووية ويزيد خلال شهور قليلة، يؤكد لنا أن هدف إسرائيل في القضاء على برنامج إيران النووي بالكامل، ومنع امتلاك إيران للقنبلة النووية، أيضًا فشل.
على الجانب الآخر، إيران ردت على الاعتداء الإسرائيلي بصواريخ فرط صوتية تجاوزت الدفاعات الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية، ووصلت إلى قلب تل أبيب، ودمرت مدن الاحتلال بقوة لم يتوقعها أحد.
كما تم تدمير المنشآت البحثية مثل معهد وايزمان، ومعهد إسرائيل للأبحاث البيولوجية، وبداخلهما أبحاث وعينات مهمة، وتم استهداف مصافي النفط، ومحطات الكهرباء وإخرجها عن العمل لفترة.
كل هذه الخسائر، ونتنياهو يحتفل بنصر كاذب!
فهو من بدأ الحرب للهروب من المشاكل الداخلية، والاتهامات التي تلاحقه بالفساد وجرائم الحرب، بعد حصاره وتدميره غزة.
لكن الرد الإيراني كشف أن إسرائيل لم تكن مستعدة للحرب، ولا للاستمرار في الحرب.
وبقراءة المشهد، تجد أن خسائر إسرائيل في تحقيق أهدافها تُحسب لصالح إيران، وبالتالي يصبح الفائز هو النظام الإيراني، لأنه حافظ على اليورانيوم، ورد الضربة لإسرائيل بشكل قوي وغير متوقع، والتعامل مع البيت الأبيض والرئيس الأمريكي بالطريقة التي يحب أن يظهر بها الرئيس ترامب.
السماح بقصف مواقع نووية إيرانية محسوبة بدقة، ورد إيراني مرسوم باحترافية.
لم يكن الهدف من الضربات تدمير أحد الأطراف، سواء ترامب أو النظام الإيراني، فكلاهما يعلم ماذا يريد.
ضربات محسوبة بين ترامب والمرشد.
الجولة الأولى من الحرب انتهت فعليًا لصالح إيران، لكن إسرائيل كانت ولا تزال تريد تدمير إيران بالكامل، وإسقاط نظامها.
الحرب بدأها نتنياهو.. ولا يريدها أن تتوقف، لن يستطيع النوم وهو تحت التهديد بالعزل والملاحقات القضائية الداخلية ولا في المحاكم الدولية.. الأيام المقبلة أتمنى أن لا تشهد اختراقًا لوقف إطلاق النار من قِبل مجهولين.