المجد فقط لشهداء ديسمبر في الأعالي يا برهان
صلاح شعيب

تحدثنا كثيراً بأن الحرب أوقدها الكيزان بمعاونة البرهان لقبر ثورة ديسمبر. وحاولنا بقدر الإمكان أن نعزز الفهم بأن حرب الكرامة مجرد تمثيلية دموية مخرجها علي كرتي.
ولكن لا حياة لمن تنادي في ظل ماكينة الإعلام الحربي الذي غسل أدمغة كثير من العامة، وحزمة من المثقفين، وقليل من الثوريين.


واضح أن تصريحات البرهان الجديدة – بعد عودته من القاهرة ترسم ملامح لعهده الجديد في التعامل مع السودانيين. إنه يريد أن يبداً سياسة حكم لتمديد حلمه في زمن الحرب، سواء بالإسلاميين، أو بإبعادهم كما قد تجيء التوصيات الخارجية لاحقاً.
حين يقول البرهان إن المجد للبندقية فهو صادق في وهمه. فالبندقية هي التي جعلته يعرقل الثورة بالانقلاب، والحرب، ولكن إلى حين.
فلو كانت البندقية وحدها تحافظ على “مجد الحكم الديكتاتوري” لما أصبح رئيساً للسيادي. وهو قد أتى لهذا المنصب بالثورة التي استخدمت فقط اللساتك، والهتاف، والمواكب.
إن البرهان أسوأ من أنتجتهم السلطات الديكتاتورية في العالم. بالبندقية تعاون مع الكيزان لتدمير السودان، وشردوا أهله حول العالم. وما يزال مقتنعاً أنه سيبني مجداً بها، وهو في سدة الحكم بلا شرعية.
من بلاهته، وكذبه، أنه في كل مرة ينكر علاقته بالكيزان في دعم الانقلاب، وإشعال الحرب. يعتقد أنه سيقنع السودانيين بهذا الكذب. ولكن هيهات.
المجد لشهداء ديسمبر الذين هزموا بندقية الجيش، والدعم السريع، وجهاز الأمن، والدفاع الشعبي، وكتائب الظل، وآخرين يعرفون جسارة، وصمود، وصلابة، ثوار اللساتك. وهؤلاء وحدهم سطروا بسلميتهم الملاحم، وصنعوا ثورة أخذت بألباب العالم.
ولذلك جاء القدر بالبرهان ليكون على رأسها السيادي حتى يؤدي الأمانة لحكومة منتخبة. ولكن أنانيته المفرطة، وروحه الدموية، سولت له الاعتماد على حاضنة الكيزان ليكون رئيساً لوضع جديد يسترد لهم من خلاله مجدهم الاستبدادي الآفل.
ولما عجز في توطيد دعائم حكمه خرج له ثوار ديسمبر فحصدهم بالرصاص ليكسر عزيمتهم. ولم تفتر همته من الارتواء بدماء البندقية فراوغ حتى أوقد مع حاضنته الكيزانية الحرب.
ومع ذلك لم يتعظ من هذا الدمار الذي وضع بلاده على حافة الانهيار بعد أن عشنا هذا التمزق غير المسبوق في نسيج المجتمع.
والآن وحده يلمح لإنهاء ثورة ديسمبر بعد ان توهم بنصره في الحرب.
إن هذه الروح الشريرة التي تقتات على البندقية، وتعدها علامة للمجد ينبغي أن يتعامل معها كل الناس بجدية.
فالبرهان سوف ينهي وجود البلاد بعقليّته الخربة إذا استمرّ في هذا الهذيان السلطوي، والشبق نحو الحفاظ على السلطة. ذلك حتى لو أراق مع الكيزان كل الدماء.
حسبنا الله، ونعم الوكيل.

الوسومالبرهان الشهداء الثورة المجد صلاح شعيب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: البرهان الشهداء الثورة المجد صلاح شعيب

إقرأ أيضاً:

كيمياء النكران

صراحة نيوز-بقلم: جهاد مساعده
في مختبرات المجد، لا تُقاس القيمة بعدد الذرّات، بل بوزن الأخلاق. وبين أنابيب الكيمياء وموازين الوفاء، ظهر نوعٌ جديد من التفاعلات… كيمياء النكران؛ تفاعلٌ ينتج ضوءًا باهرًا، لكنه يخفي وراءه رائحة الخذلان. لقد اخترع الكيميائي موادّ تمتصّ الغازات، لكنه لم يكتشف بعد المركّب الذي يمتصّ الجحود، لأنه – في النهاية – اكتشف أن الجحود نفسه هو المركّب الذي صنعه بيديه، وخلّده باسمه.
كان يُتقن معادلات العناصر، لكنه أخفق في معادلة الضمير. حلّل المادة إلى ذرّات، ونسِي أن الوفاء للوطن مادةٌ لا تُختزل، وعنصرٌ نبيلٌ لا يُباع ولا يُنسى. ظنّ أن المجد يولد في الأنبوب لا في التراب، وأن الهوية مجرّد تفاعلٍ جانبيٍّ يُصنع في الخارج. بلغ من العلم ما جعله يطفو فوق الأرض، لكنه فقد من التواضع ما كان يثبّته فيها.
في الكيمياء، كلّ تفاعلٍ يحتاج إلى محفّز، أمّا في الحياة فالمحفّز هو الضمير. ومن دون ضمير، تتحول المعادلات إلى رماد.
بلغ ذلك الكيميائي القمّة، لكنه نسي الطريق إلى الوطن. تحدّث عن الشرف العلمي وتناسى شرف الاعتراف، ونسي أن القمم لا تصنع العظمة، بل تكشفها. وما أشدّ مفارقة أن يكتشف تركيب الهواء وينسى تركيب الانتماء.
الأوطان لا تطلب من أبنائها أن يحملوا صورها في جيوبهم، بل أن يحملوها في قلوبهم وكلماتهم حين يتحدّثون. غير أن بعض العقول، حين تشتدّ حرارة الشهرة، تتبخر منها جزيئات الوفاء، وتتحول ذرات الذاكرة إلى غبارٍ عالقٍ في الفراغ. إنها كيمياء خطيرة اسمها كيمياء النكران؛ ينتج عنها بخار الغرور، ويُعطَّل بها تفاعل الانتماء.
أيها الكيميائي، يا من تفكك المادة وتجهل تركيب نفسك، إن الغازات التي احتجزتها في مختبرك لن تنقذك من ذاكرة التاريخ. فالذاكرة لا تُفلتر، والوفاء لا يُقاس بالمول. ومن يبتكر كيمياءً للنكران، سيكتشف متأخرًا أن المجد بلا وطنٍ ليس سوى فقاعة هواءٍ مضغوطة، ترتفع لحظة ثم تنفجر في صمتٍ مخزٍ. لقد ظننت أنك أضفت إلى العلم مركّبًا جديدًا، فإذا بك تضيف إلى التاريخ مركّبًا آخر: مركّب الجحود، أثبتَّ به أن الإنسان قد يكون أدهى من العنصر، وأقسى من التفاعل نفسه.

لكنّ الوطن أعمقُ من أن تهزَّه معادلةُ نكران. إنه المختبرُ الأبديُّ للحياة، يُخرِجُ من ترابه العقولَ كما يُنبتُ القمح، ويصهر القلوبَ كما تُصهر المعادن، ويعلمُ أن الذهبَ ليس ما يلمعُ في الصخور، بل ما يبقى من وهجٍ في قلبٍ يذكُر.
فيا باغي الخيرِ أقبِل، ويا باغي الشرِّ أَقصِر، فالوطنُ لا يكره أبناءه، لكنه يُميّزهم؛ يعرفُ من أنضجتْه التجربةُ، ومن أحرقتْه الشهرة، ومن بقي — رغم المسافات — وفيًّا لأولِ ضوءٍ انبثق من ترابه.

مقالات مشابهة

  • الدولة البتتشكّل بعد الحرب حاليّا في بورتسودان ليست ما كنّا نطمح إليه في ديسمبر
  • المجد للذهب
  • الصليب الأحمر يتوجه إلى منطقة كيسوفيم لتسلم جثامين لشهداء فلسطينيين
  • البيت الأبيض ينشر فحوى وثيقة الضمانات التي وقعها الوسطاء في شرم الشيخ
  • القدس.. الحرب التي لا تنتهي!
  • عاجل | فحوى الوثيقة التي وقعها الوسطاء في شرم الشيخ: ندعم جهود الرئيس ترمب لإنهاء الحرب وتحقيق سلام دائم
  • باسم الجمل: قمة شرم الشيخ للسلام برهان جديد على ريادة مصر في ترسيخ الأمن والاستقرار العالمي
  • أنهينا 8 حروب - ترامب من الكنيست: الفوضى التي ابتليت بها المنطقة انتهت تماما
  • كيمياء النكران
  • طبيب غزاوي للوموند: هذه هي المعركة التي تنتظرنا بعد انتهاء الحرب