صحيفة التغيير السودانية:
2025-10-15@02:58:24 GMT

المجد للذهب

تاريخ النشر: 14th, October 2025 GMT

المجد للذهب

التقي البشير الماحي

خلال فترة رئاسة حمدوك للجهاز التنفيذي تم تشكيل لجنة اقتصادية أُسندت رئاستها إلى الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) وهو تعيين أثار جدلاً واسعًا تركز معظمه حول مؤهلات الرجل لقيادة لجنة تُعد في ظاهرها فنية بحتة.

غير أن من له إلمام بطبيعة الدولة السودانية في تلك المرحلة يدرك تمامًا سبب هذا الاختيار، وإن اختلف الناس حوله.

الحقيقة أن الدولة التي تنتهج النظام الرأسمالي أو اقتصاد السوق الحر تُعرف بـ”الدولة الحارسة”، وتتركز مهامها الأساسية في مجالات الأمن والدفاع والعدالة. ومن هذا المنظور، فإن مؤهلات حميدتي لم تكن أكاديمية أو اقتصادية بل تنبع من امتلاكه قوة عسكرية واسعة الانتشار في معظم مناطق السودان وهي القوة الوحيدة القادرة على ضبط المساحات الشاسعة من المنافذ التي تُهرّب عبرها السلع والمواشي والذهب إن أراد وكانت له الرغبة في ذلك.
لذلك جاء اختياره لرئاسة اللجنة منطقيًا من زاوية الأمن والسيطرة خصوصًا أن قيادات الجيش لم تكن راغبة في تولي هذا الدور لأسباب عدة أهمها ما يتصل بمحاولات وأد الفترة الانتقالية وقد كان.

إن التغبيش المتعمّد لمسألة التعيين كان الغرض منه فقط النيل من شخوص الفترة الانتقالية. غير أن من ينتقد تعيين حميدتي يغفل أو يتغافل أن الرجل هو الثاني في سلم القيادة السيادية للدولة وقبلها هو فريق أول وقائد عام لقوات الدعم السريع. فشخص بهذه الألقاب لا يمكن المزايدة على من عيّنه رئيسًا للجنة هي في الأصل نقطة في بحر مهامه ومسؤولياته.

ما دفعنا للعودة إلى هذا الموضوع هو الجدل المثار حول الخلاف بين شعبة المصدّرين بسند من وزارة المالية ومحافظ بنك السودان بشأن صادر الذهب ذلك المورد الذي من أجله غزا محمد علي باشا السودان واليوم يُغزى من الداخل فهذا زمان المجد للبندقية.

محافظ بنك السودان يترأس مؤسسة من صميم مهامها رسم السياسات النقدية التي تساعد على استقرار الاقتصاد الوطني. فالبنوك المركزية عادةً ما تُعدّ مستشار الحكومة المالي في ما يتصل بالسياسات العامة وتعمل على استقرار سعر الصرف.
كثيرًا ما تحدث تقاطعات بين وزارة المالية والبنك المركزي، لذلك يتمتع الأخير في النظم السليمة باستقلالية تتيح له أداء مهامه دون تدخل سياسي.

لكن في ظل الأنظمة الدكتاتورية تتلاشى هذه الاستقلالية إذ يصبح من عيّنك هو من يأمر فيُطاع وتقيد مساحة حركتك بمصلحة الحاكم لا الدولة.

ويحضرنا في هذا السياق تصريح السيد ياسر العطا الذي ذكر فيه أن حميدتي قام بتصدير أو تهريب سبعين طنًا من الذهب وعندما كان يفعل ذلك كان جزءًا من النظام وخصمًا على الدولة لذلك غض الفريق ياسر الطرف للمحافظة على النظام لا الدولة.

إن الواقع لن يتغير في كل الأحوال ولو مُنحنا مال قارون ما لم يحدث التغيير الشامل ذلك التغيير الذي يخاطب جذور الأزمة السودانية المؤجلة منذ الاستقلال ويعالج أسبابها العميقة لا مظاهرها السطحية.

الوسومالتقي البشير الماحي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

كيمياء النكران

صراحة نيوز-بقلم: جهاد مساعده
في مختبرات المجد، لا تُقاس القيمة بعدد الذرّات، بل بوزن الأخلاق. وبين أنابيب الكيمياء وموازين الوفاء، ظهر نوعٌ جديد من التفاعلات… كيمياء النكران؛ تفاعلٌ ينتج ضوءًا باهرًا، لكنه يخفي وراءه رائحة الخذلان. لقد اخترع الكيميائي موادّ تمتصّ الغازات، لكنه لم يكتشف بعد المركّب الذي يمتصّ الجحود، لأنه – في النهاية – اكتشف أن الجحود نفسه هو المركّب الذي صنعه بيديه، وخلّده باسمه.
كان يُتقن معادلات العناصر، لكنه أخفق في معادلة الضمير. حلّل المادة إلى ذرّات، ونسِي أن الوفاء للوطن مادةٌ لا تُختزل، وعنصرٌ نبيلٌ لا يُباع ولا يُنسى. ظنّ أن المجد يولد في الأنبوب لا في التراب، وأن الهوية مجرّد تفاعلٍ جانبيٍّ يُصنع في الخارج. بلغ من العلم ما جعله يطفو فوق الأرض، لكنه فقد من التواضع ما كان يثبّته فيها.
في الكيمياء، كلّ تفاعلٍ يحتاج إلى محفّز، أمّا في الحياة فالمحفّز هو الضمير. ومن دون ضمير، تتحول المعادلات إلى رماد.
بلغ ذلك الكيميائي القمّة، لكنه نسي الطريق إلى الوطن. تحدّث عن الشرف العلمي وتناسى شرف الاعتراف، ونسي أن القمم لا تصنع العظمة، بل تكشفها. وما أشدّ مفارقة أن يكتشف تركيب الهواء وينسى تركيب الانتماء.
الأوطان لا تطلب من أبنائها أن يحملوا صورها في جيوبهم، بل أن يحملوها في قلوبهم وكلماتهم حين يتحدّثون. غير أن بعض العقول، حين تشتدّ حرارة الشهرة، تتبخر منها جزيئات الوفاء، وتتحول ذرات الذاكرة إلى غبارٍ عالقٍ في الفراغ. إنها كيمياء خطيرة اسمها كيمياء النكران؛ ينتج عنها بخار الغرور، ويُعطَّل بها تفاعل الانتماء.
أيها الكيميائي، يا من تفكك المادة وتجهل تركيب نفسك، إن الغازات التي احتجزتها في مختبرك لن تنقذك من ذاكرة التاريخ. فالذاكرة لا تُفلتر، والوفاء لا يُقاس بالمول. ومن يبتكر كيمياءً للنكران، سيكتشف متأخرًا أن المجد بلا وطنٍ ليس سوى فقاعة هواءٍ مضغوطة، ترتفع لحظة ثم تنفجر في صمتٍ مخزٍ. لقد ظننت أنك أضفت إلى العلم مركّبًا جديدًا، فإذا بك تضيف إلى التاريخ مركّبًا آخر: مركّب الجحود، أثبتَّ به أن الإنسان قد يكون أدهى من العنصر، وأقسى من التفاعل نفسه.

لكنّ الوطن أعمقُ من أن تهزَّه معادلةُ نكران. إنه المختبرُ الأبديُّ للحياة، يُخرِجُ من ترابه العقولَ كما يُنبتُ القمح، ويصهر القلوبَ كما تُصهر المعادن، ويعلمُ أن الذهبَ ليس ما يلمعُ في الصخور، بل ما يبقى من وهجٍ في قلبٍ يذكُر.
فيا باغي الخيرِ أقبِل، ويا باغي الشرِّ أَقصِر، فالوطنُ لا يكره أبناءه، لكنه يُميّزهم؛ يعرفُ من أنضجتْه التجربةُ، ومن أحرقتْه الشهرة، ومن بقي — رغم المسافات — وفيًّا لأولِ ضوءٍ انبثق من ترابه.

مقالات مشابهة

  • الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي..رجل الدولة الذي سبق عصره
  • الرئيس «راجولينا» يهرب من القصر.. ما الذي يجري في مدغشقر؟
  • يراقب المرء بأسى التدهور العقلي الذي اصاب كاتب رصين مثل النور حمد
  • انتشار السلاح.. تحدي السلام أمام الفوضى في السودان
  • التمكين… حين تحول الدين إلى غطاء للفساد السياسي
  • محافظ بنك السودان برعي الصديق غادر قاعة الاجتماعات مغاضباً
  • «كوشيب» مرآة منظومة الإنقاذ في السودان
  • كيمياء النكران
  • ما الذي سيدمّر أميركا في صراع النظام العالمي الجديد؟