يوم حرية الصحافة.. كيف يبدو واقع الصحفيين الليبيّين؟
تاريخ النشر: 3rd, May 2025 GMT
طرابلس- تقول صحفية ميدانية، فضّلت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، إن "الخط الأحمر" في ليبيا لم يعد مرتبطا بالمواضيع فحسب، بل أصبح مرادفا للأشخاص الذين يمتلكون السلطة، وما يُعتبر مقبولا في مدينة ما قد يُعد محرّما في أخرى.
واستحضرتْ الصحفية، خلال حديثها للجزيرة نت، واقعة أُوقفت فيها لعدة ساعات بعد تغطيتها حدثا ميدانيا، إذ طوقت المكان آليات أمنية تقودها عناصر مسلحة، فقط بسبب وجودها الإعلامي في الميدان.
ويوافق الثالث من مايو/أيار كل عام، اليوم العالمي لحرية الصحافة، بموجب قرار من الأمم المتحدة في 20 ديسمبر/كانون الأول 1993.
بدوره، يقول الصحفي الليبي منصور عاطي، الذي تعرّض للاختطاف والإخفاء قسرا عام 2021 على خلفية نشاطه الإعلامي والحقوقي، أنّ "الحديث عن قضايا مثل الفساد، وملف الهجرة، والحريات الفردية، والحق في الوصول للمعلومة، جميعها أصبحتْ خطوطا حمراء".
أما الصحفي أحمد السنوسي، الذي تعرّض للاختطاف واحتُجز لمدة 3 أيام على خلفية نشره وثائق تتعلّق بملفات فساد، فيرى أن "الخط الأحمر في ليبيا لا يُرسم حول المواضيع فحسب، بل يُحدَّد عند حدود فضح شبكات الفساد".
وردا على سؤال الجزيرة نت حول ما إذا كان الصحفي، بعد كل هذه التحديات، عليه أن يكتفي بنقل الخبر الآمن، قال السنوسي إن "المسألة تعتمد على الصحفي نفسه، إما أن يصطف مع السلطة وينعم بامتيازاتها، أو أن يختار الانحياز للرأي العام ويصمد في وجه القمع" حسب تعبيره.
إعلانويتفق مع هذا الطرح الصحفي ومدقق الحقائق أحمد زريق، الذي يرى أنّ مجرد التطرّق إلى ملف فساد قد يُجرّم باعتباره تحريضا أو خيانة، ويضيف "أعمل على تفنيد الأكاذيب وكشف التضليل، لكن أُواجَه بالتهميش والتضييق بدلا من الحماية " وفق قوله.
وعلى الضفة الأخرى، ترى الصحفية هند الهوني التي تعمل في الهيئة العامة للصحافة في بنغازي، أن المشهد الإعلامي شهد شيئا من الانفراج، إذ بات متاحا تناول قضايا كالفساد والنقد العام ضمن هامش يُوصف بأنه جاد، وإن ظل محكوما بسقف لا يُمكن تجاوزه.
بين التوثيق والمُساءلةورغم أن ليبيا قد شهدت تحسنا طفيفا في ترتيبها العالمي ضمن مؤشر منظمة "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة، إذ ارتفعت من المرتبة 160 عام 2010 إلى المرتبة 143 في عام 2024، فإن هذا التقدم لا يعني بالضرورة تحسنا نوعيا في البيئة الإعلامية، فخلال العقد الأخير (من 2014 إلى 2023)، وثّق المركز الليبي لحرية الصحافة 488 انتهاكا ضد الصحفيين، توزعت بين حالات اختطاف واعتقال تعسفي.
يقول رئيس قسم الرصد والتوثيق في منظمة رصد الجرائم في ليبيا أحمد مصطفى للجزيرة نت، إن المنظمة وثقت أكثر من 20 انتهاكًا لحقوق الصحفيين في تقريرها السنوي لعام 2024، شملت الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري والتهديدات، إضافة إلى المضايقات الأمنية.
وحول سؤال الجزيرة نت ما إذ كان التوثيق مجرد أرشفة أم يتخذ مسارا للضغط والمساءلة، أوضح أن "المنظمة لا يقتصر دورها على التوثيق المحلي فحسب، بل تسهم في دعم آليات المحاسبة الدولية، بتقديم تقارير وأدلة تثبت الانتهاكات وتربط الضحايا بالآليات الدولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية وفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة".
وهو ما عزّزته بدورها الباحثة ومديرة المشاريع في المركز الليبي لحرية الصحافة إيمان الدغيلي، التي أكدتْ أنّ توثيق الانتهاكات في المركز يُفعّل ضمن حملات المناصرة والضغط، مشيرة إلى أن أبرز التحديات التي تعقّد جهود التوثيق هي تردد الضحايا بالإدلاء بشهاداتهم.
يرى رئيس المركز الليبي لحرية الصحافة محمد الناجم، أن ليبيا أخفقت بشكل صارخ في مساءلة مرتكبي الانتهاكات ضد الصحفيين، إذ لم تشهد السنوات الماضية أي تحقيقات نزيهة أو جدية في حوادث القتل أو الاختطاف، وأكد ضرورة إنشاء مجلس أعلى مستقل للإعلام، يمتلك الصلاحية الكاملة بتنظيم القطاع وضمان استقلاليته عن السلطة السياسية.
إعلانفي المقابل، اعتبر أستاذ القانون العام مجدي الشبعاني، أن المشكلة في ليبيا لا تكمن في غياب الإشارة لحرية التعبير، بل في الصياغات العامة والفضفاضة، وأوضح في حديثه للجزيرة نت، أن الإعلان الدستوري الليبي لسنة 2011 -ورغم تعديله عدة مرات- اكتفى بالتنصيص على ضمان حرية الرأي والتعبير والإعلام، دون أن يتبع ذلك نصوصا تكفل الحماية من الانتهاكات.
وأضاف أن استمرار العمل بتشريعات قديمة -مثل قانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972، الذي ما يزال يُجرّم الصحافة في العديد من مواده- "يعزز بيئة قانونية غير حمائية، تتيح للسلطات التنفيذية صلاحيات واسعة للتوقيف والملاحقة، مما يجعل هذه القوانين أداة تقييد، بدلا من حماية الصحفيين".
وأشار الشبعاني إلى أن الحل يكمن في وجود إرادة سياسية وتشريعية جادة، ترفع الإعلام إلى مستوى الشريك في بناء الدولة، لا خصما يجب تحجيمه، وفي وجود نص دستوري واضح يكفل حماية الصحفيين، واستقلالية المؤسسات الإعلامية وتحريرها من التبعية السياسية.
من جانبه، أكد عضو مجلس النواب علي بوزريبة في حديثه للجزيرة نت، على انفتاح البرلمان على دراسة ومراجعة التشريعات المتعلقة بحماية الصحفيين، موضحا أن المبادرة والمسؤولية في هذا السياق تعود بالدرجة الأولى على نقابة الصحفيين، وأن "البرلمان سيولي أي مقترح الاهتمام اللازم، وسيقره في حال ثبت انسجامه مع المصلحة العامة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات لحریة الصحافة للجزیرة نت فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
مؤتمر بالدوحة يناقش حدود الصحفي الأخلاقية في ظل تطور الذكاء الاصطناعي
ناقشت جلسة "الذكاء الاصطناعي ومستقبل الإعلام" حدود الصحفي الأخلاقية في ظل موجة التغيرات التي صاحبت تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك ضمن أعمال المؤتمر الدولي بشأن الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان الذي عُقد في الدوحة يومي 27 و28 مايو/أيار الجاري.
وأكد الخبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي في شبكة الجزيرة الإعلامية ياسر المحيو أن "تربع المجال على مقياس التأثر من بين باقي المجالات يرفع من ضرورة انخراط الصحفيين وصناع المحتوى في معرفة طرق تأمين المجال من تهديدات التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الأمم المتحدة: تكلفة الكوارث الطبيعية 10 أضعاف التقديرات السابقةlist 2 of 2أونروا: اتهامات إسرائيل لنا لا أساس لهاend of listوأشار المحيو ضمن مداخلته إلى أن استخدام الصحفي تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي لأجل إعلاء قيمة المحتوى وتعزيز الكفاءة والإنتاجية يصطدم بعنصر "الهلوسة" الذي يطبع طريقة الذكاء الاصطناعي في جمع المعلومات وتقسيمها ضمن هياكل معرفية، مما يؤثر على مصداقية المحتوى الإعلامي.
وفي السياق، أوضح الأستاذ بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة حمد بن خليفة في قطر جورجيوس ميكروس أن جمع المعلومات باستخدام الذكاء الاصطناعي يتسم في أغلب الحالات بـ"العشوائية" نظرا لكمية البيانات الهائلة المتوفرة على الشبكة العنكبوتية، الأمر الذي يتطلب التوجيه المستمر من طرف الصحفي لهذه التطبيقات الذكية، مما يستدعي التدريب المكثف والمتواصل على كيفية توجيهها، وكذلك تطوير الوعي بالانزلاقات الأخلاقية التي تدعمها، حسب ميكروس.
وتعليقا على ضرورة تلقي الصحفي التدريب على استخدام وسائل الذكاء الاصطناعي، قالت مديرة الصندوق الدولي لإعلام المصلحة العامة في جنوب أفريقيا خديجة باتيل إن الأدوات التقنية الجديدة ستسهم في خلق "تفاوت معرفي" بين الصحفيين عبر العالم بسبب الفجوة التمويلية بين المؤسسات الإعلامية بخصوص توفير التدريب.
وأضافت باتيل أن "المؤسسات الصحفية في البلدان الفقيرة سيكون مآلها التخلف عن مثيلاتها في البلدان المتقدمة نظرا لنقص التمويل، سواء في ما يتعلق بدفع تكلفة التدريبات التي على الصحفيين خوضها في المجال أو بإدماج أدوات الذكاء الاصطناعي المتطورة ضمن عملها اليومي".
إعلانولفتت باتيل أيضا إلى أن وسائل الذكاء الاصطناعي قد "تؤثر على جودة المعلومات التي يعالجها الصحفي، خصوصا في ظل المساهمة السهلة لهذه الوسائل في صياغة الأخبار الزائفة وتعزيزها بالمحتويات السمعية والبصرية اللازمة".
وأكدت على أن عدم تعامل الصحفي الحذر مع هذه الوسائل قد "يجره إلى تزييف الحقائق وتشويهها وإلى التحيز وانتهاك الخصوصية".
من جهته، اتفق مساعد مدير منظمة "مالديتا" لمحاربة الأخبار الزائفة في إسبانيا كارلوس هيرنانديز إيتشيفريا مع باتيل في أن الطرق التقليدية التي يتبعها الصحفي في الوصول إلى المصادر وجمع المعلومات وتحري مصداقيتها تحقق شرط الجودة أكثر من الاعتماد المباشر على أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة.
وأوضح كارلوس أن غياب الشفافية بشأن كيفية توليد الذكاء الاصطناعي للمعلومات يطرح السؤال حول المصادر المعتمدة ومدى مصداقيتها وواقعيتها.
وأضاف أن اعتماد الذكاء الاصطناعي في التفكير على قاعدة البيانات المتوفرة أصلا في الشبكات الرقمية "يمنع من انتقاء المعلومات المتدفقة أو حتى النظر في مدى صلاحيتها للاستعمال".
بدوره، قال إيدي بورخيس-ري الأستاذ في جامعة نورث ويسترن في قطر إن "شبكات الإنترنت مكتظة بالمعلومات التي قد تحمل رسائل عنصرية وتمييزية وتدعم نشر خطاب الكراهية، وهي الرسائل التي قد تنزلق ضمن المعلومات المستخدمة من قبل الذكاء الاصطناعي"، مشيرا إلى أن الأدوات التوليدية الجديدة غير الموجهة "تبقي على المعلومات السابقة التي قد تحتوي على خروقات أخلاقية وحقوقية دون تشذيب أو تمحيص".
وخلص بورخيس-ري إلى ضرورة إرساء سياسة تحريرية رسمية خاصة بالذكاء الاصطناعي داخل المؤسسات الإعلامية، لتحري الشفافية والمصداقية خلال استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي من طرف الصحفيين، في حين ركز ياسر المحيو على أهمية التدريب المستمر للصحفيين على تحسين جودة المحتوى الإعلامي عبر التوجيه الأخلاقي والمنظم للذكاء الاصطناعي.
أما بالنسبة للأستاذ في جامعة حمد بن خليفة جورجيوس ميكروس فإن إيجاد التوازن بين الأتمتة والواجبات الأخلاقية للصحفي هو البوابة لإنقاذ المجال الإعلامي من دوامة التزييف.
إعلانبالمقابل، فضّل كل من باتيل وكارلوس تمسك الصحفي بطرقه التقليدية في جلب المعلومة، ورأى ميكروس أن "استخدام الصحفي أدوات الذكاء الاصطناعي أصبح ضروريا شريطة أن تتم الإشارة إلى أن المعلومات المستخدمة قد تم توليدها اصطناعيا حتى يحافظ الصحفي على مصداقيته وعلى شفافية المؤسسة التي يشتغل بها".
ووفق استطلاع أجرته شبكة الصحفيين الدوليين في مارس/آذار الماضي، أكد ما يقارب 49% من الصحفيين المشاركين عبر العالم أن استخدامهم الذكاء الاصطناعي تشوبه تخوفات متزايدة بشأن قيام هذه الأدوات الجديدة بخداعهم وجرهم إلى انتهاك أخلاقيات المهنة.
ويأتي المؤتمر الدولي بشأن "الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان.. الفرص والمخاطر والرؤى لمستقبل أفضل" ضمن الحاجة العالمية المتزايدة لفهم تأثير أدوات الذكاء الاصطناعي على حقوق الإنسان في مختلف المجالات ولالتماس وضع إطارات قانونية منظمة.