نساءُنا خارج مرمى النيران: ليس دفاعا عن أميرة قرناص بل عن منظومة قيمنا الانسانية
تاريخ النشر: 4th, May 2025 GMT
في مقاله الموسوم "قرناص: عار الدولة ولذّة الطاعة", انزلق الدكتور الوليد مادبو، وهو من أصحاب القلام القادرة على المزاوجة بين التحليل السياسي واللغة الفلسفية، إلى منزلق خطير من حيث لا يدري؛ حين اتخذ من امرأة سودانية - أيًا كانت خلفيتها السياسية أو الوظيفية - رمزًا لكامل جهاز الدولة، وأداةً للاتهام الأخلاقي المُغلف ببلاغة تهكمية، تنضح بالرمزية الموحية، لكنها تفتقر إلى النزاهة المفهومية التي تميز بين نقد السلطة وتحقير الأفراد.
لقد جرى في هذا المقال توظيف صورة المرأة كأداة لإدانة الدولة ومؤسساتها، عبر ربط وجودها في مواقع المسؤولية بإشارات لا تخفى دلالاتها الجندرية والأخلاقية، كأنما المرأة السودانية لا تُستحضر إلا بوصفها جسدًا أو مجالًا للامتياز الرمزي لا كفاعل مدني أو سياسي أو مهني. وهنا يكمن جوهر الخلل: إذ إن المقال لم يسقط فقط في فخ التشييء، بل استند إلى ذلك التشييء ذاته ليبني حجته السياسية، ضاربًا عرض الحائط بإحدى أعزّ القيم في الوجدان السوداني:
حرمة نسائنا واحترام خصوصيتهن في القول والفعل والرمز.
ما نراه هنا ليس نقدًا بنّاءً للدولة، بل إعادة إنتاج لصورة المرأة بوصفها أداةً في يد السلطة، أو رمزًا لفشلها، بلغة تتوسل التحليل الاجتماعي، لكنها تقع في محظور أخلاقي وثقافي لا يجوز التغاضي عنه. ففي ثقافة أهل السودان وإن تعددت مشاربهم، ظلّت المرأة محل توقير، لا تُستباح سيرتها، ولا تُستغل صورتها، لا في المدح ولا في الذم، لا في الولاء ولا في الخصومة.
والمفارقة المؤلمة أن هذا الخطاب الذي يدّعي الانحياز لقيم التحرر من البنية السلطوية، قد وقع في قلبها: إذ أسند للمرأة وظيفة رمزية، انتزع منها إنسانيتها، وحرّكها ككائن وظيفي في سرده، تمامًا كما تفعل الأنظمة التي يدينها الكاتب.
ومتى كان تحرير المجتمعات يتم على جثة السُمعة الأخلاقية لامرأة، أياً كانت؟ أليس ذلك ضربًا من إعادة إنتاج السلطوية بوجه معكوس؟
إن الممارسة الفكرية الجادة، خاصة حين تنزع إلى النقد، لا بد أن تُحكّم معيار العدالة، لا أن تنزلق إلى التعميم أو الترميز الموحش. النقد ليس مسرحًا تُلقى فيه التهم بمجازات متخمة بالإيحاء، بل هو مقام التفكيك والتعرية الحصيفة التي تُفصل القول وتردّ الأمور إلى أصولها. والمرأة ليست وسيلة في هذا السياق، بل إن استدعاءها في غير موضع الفعل والمسؤولية المباشرة، يُعد خيانة مضاعفة للعدالة والضمير، وخرقًا للستر الذي يُعد في ثقافتنا مبدأً لا تكتيكًا.
كما أن تحويل العلاقة الزوجية إلى "أمر عمليات" كما ورد في المقال، ليس فقط تشويهًا لحياة أفراد، بل تطبيع ضمني مع خطاب النيل من المرأة كلما بدت طرفًا في منظومة السلطة أو ذُكر اسمها في جهاز الدولة.
هذا التصور يستبطن نزعة طهرانية تميز الذكر وتُدين الأنثى، وتُحمّلها رمزيًا مسؤولية الانهيار الأخلاقي، وهي ممارسة تتناقض جوهريًا مع أي خطاب يدّعي الانحياز للعدالة والوعي التاريخي.
إننا في لحظة تاريخية فارقة، تتطلب من المثقف أن يكون منارةً لا مرآةً للهوى السياسي، وأن يسمو بلغته عن التورط في أشكال جديدة من التسلّط الرمزي. وإن المرأة السودانية، بما تمثله من عمق ثقافي وامتداد اجتماعي يجب أن تكون خارج مرمى النيران، سواء أكانت تلك النيران صادرة من فوهات البنادق أم من أقلام المفكرين.
ليس من الشرف في شيء أن تُختزل الكرامة النسوية في صراع رمزي مع الدولة، ولا أن تُحشر في قوالب الإدانة بوصفها تجسيدًا للفشل، أو امتدادًا للفساد.
بل إن النضال الحقيقي يبدأ من احترام الأفراد، نساءً ورجالاً، وتحرير اللغة من التواطؤ مع التنميط والاستسهال.
في الختام، نحتاج في هذا الزمن المضطرب إلى أخلاقيات مقاومة قبل أن نحتاج إلى بلاغات هجائية. والنقد الجادّ لا يُشهر بالنساء، بل يُقيم الحجة على النظام، ويصون القيم لا يعيد تفكيكها.
ولعلّ من حسن الخاتمة أن نذكّر أنفسنا بما كان أهل السودان يتواصون به في الملمات: "لا تُمسّ امرأة لا بقول ولا بفعل." فهل نعي هذا الميثاق، أم أننا نُبدده باسم الجرأة والبلاغة؟
[email protected]
زهير عثمان
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مركز تنسيق العمليات الانسانية يوجه تحذير اخير للمجتمع البحري!
فيما يلي نص الإشعار:
نود أن نبلغكم أن القوات المسلحة اليمنية قد أعلنت في بيان لها يوم 27 يوليو 2025 عن بدء المرحلة الرابعة من الحصار البحري على كيان العدو الإسرائيلي الغاصب، وتضمن البيان الآتي:
نظراً للتطورات المتسارعة في فلسطين المحتلة وتحديداً في قطاع غزة، من استمرار لحرب الإبادة الجماعية، واستشهاد الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق جراء العدوان والحصار المستمر منذ أشهر وفي ظل صمت عربي وإسلامي وعالمي مخزن.
فإن اليمن وأمام استمرار هذه المجازر المروعة والوحشية وغير مسبوقة في تاريخنا المعاصر يجد نفسه أمام مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية تجاه المظلومين الذين يتعرضون وبشكل يومي وعلى مدار الساعة للقتل والتدمير والقصف الجوي والبري والبحري، والتجويع والتعطيش جراء الحصار الخانق والشديد في غزة الصامدة والأبية وهو مالا يمكن أن يقبله أي إنسان فكيف بالعرب والمسلمين؟!.
وعليه، قررت القوات المسلحة اليمنية، تصعيد عملياتها العسكرية الاسنادية والبدء في تنفيذ المرحلة الرابعة من الحصار البحري على العدو الإسرائيلي منذ 27 يوليو 2025م الساعة 23:51 مساءً بتوقيت صنعاء، الذي يعادل 27 يوليو 2025م الساعة 20:51 مساءً بالتوقيت العالمي (UTC) وتشمل هذه المرحلة استهداف كافة السفن التابعة لأي شركة تتعامل مع موانئ العدو الإسرائيلي وبغض النظر عن جنسية تلك الشركة، وفي أي مكان تطاله أيدي القوات المسلحة اليمنية.
تحذر القوات المسلحة اليمنية كافة الشركات بوقف تعاملها مع موانئ العدو الإسرائيلي ابتداءً من ساعة إعلان هذا البيان، مالم فسوف تتعرض سفنها وبغض النظر عن وجهتها للاستهداف في أي مكان يمكن الوصول إليه او تطاله صواريخنا ومُسيراتنا.
تدعو القوات المسلحة اليمنية كافة الدول بأن عليها إذا ارادت تجنب هذا التصعيد الضغط على العدو لوقف عدوانه ورفع الحصار عن قطاع غزة فلا يمكن لاي حر على هذه الأرض أن يقبل بما يجري.
إن ما تقوم به القوات المسلحة اليمنية يعبر عن التزامنا الأخلاقي والإنساني تجاه مظلومية الشعب الفلسطيني الشقيق وإن كافة عملياتنا العسكرية سوف تتوقف فوق وقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها.
وبناءً على ما سبق، وفي إطار حرص مركز تنسيق العمليات الإنسانية (HOCC) على سلامة سفنكم وطواقمها، ننصح بشدة شركات الشحن وكافة السفن بعدم التعامل مع موانئ كيان العدو الإسرائيلي الغاصب.
نأمل تفهُّمكم لهذا الإجراء الإنساني والأخلاقي والديني، وندعوكم جميعًا إلى الوقوف صفًا واحدًا لوقف جرائم الإبادة الجماعية والتجويع والحصار الخانق المفروض على السكان المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ، من أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، ولضمان الدخول العاجل وغير المقيّد للغذاء والماء والدواء.