عُمان والجزائر.. شراكة استراتيجية بجذور تاريخية
تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT
اختتم حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- زيارة تاريخية ناجحة إلى الجزائر. وقد أسفرت الزيارة عن توقيع شراكات اقتصادية استراتيجية، تمهّد لمرحلة جديدة من التعاون البناء بين البلدين الشقيقين اللذين يملكان الكثير من المقومات الاجتماعية والمعرفية التي تمكنهما من فتح مسارات تعاون اقتصادي تعزز التقارب الاجتماعي والثقافي.
وعكس البيان المشترك في ختام الزيارة مضامين سياسية واقتصادية عميقة، يمكن عبرها قراءة أهمية الزيارة واستشراف مستقبل التعاون بين البلدين بدءا من آلية تمويل واستراتيجية عمل «الصندوق الجزائري العُماني للاستثمار» الذي سيعمل على تعزيز المشاريع الاقتصادية الكبرى، إلى التوافق على مواقف إقليمية حساسة مثل القضية الفلسطينية والحرب الظالمة على قطاع غزة، وصولا إلى إشادة الجزائر بالدور الكبير الذي تقوم به سلطنة عمان في تهيئة حوار بناء بين واشنطن وطهران، وهو ما يعكس إدراكا مشتركا بأهمية الدبلوماسية الهادئة كوسيلة لصنع الاستقرار في منطقة تمور بالقلاقل.
بهذا المعنى يمكن قراءة الزيارة بأنها تتويج للمسار المتنامي في العلاقات بين عُمان والجزائر الذي بدأ مع زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون لمسقط في أكتوبر 2024، ومرّ بانعقاد اللجنة المشتركة في يونيو من العام نفسه، ليصل اليوم إلى مرحلة «تكثيف الشراكة الاستراتيجية» في قطاعات حيوية تشمل الطاقة، وصناعة السيارات، والدواء، والأسمدة، وغيرها. وفي وقت تتقلص فيه آفاق التكامل الاقتصادي العربي، تشكّل هذه المشاريع نموذجا واقعيا لما يمكن أن تفعله الإرادة السياسية إذا ما توافرت الرؤية والاتساق.
لكن ثمة ما يتجاوز ما تقوله البيانات والتصريحات الرسمية: وهو الإصرار المشترك من البلدين على تحويل الإرث التاريخي من التقارب الثقافي والاجتماعي، بل والمعرفي، إلى رافعة سياسية واقتصادية تدعم مستقبل الشراكة. أما على الصعيد السياسي، فتتقارب مواقف البلدين في معظم الملفات العربية والدولية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. ويشددان معا على ضرورة أن يتحمل المجتمع الدولي، وفي مقدمته مجلس الأمن، مسؤولياته في حماية القانون الدولي ومنع انزلاق النظام العالمي نحو الفوضى، ويظهر ذلك جليا في البيان الذي لم يكتف بالتنديد، بل طالب صراحة بوقف فوري للعدوان، ودعم حل الدولتين، ودعوة مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته كاملة.
اقتصاديا، يعمل البلدان على تنويع مصادر الدخل والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، عبر التوجه إلى مشاريع الطاقة المتجددة والصناعات التحويلية، بما يعزز مناعتهما الاقتصادية ويؤسس لاقتصاد مستدام يتجاوز تقلبات السوق العالمية. ولم يغب عن البيان الإشادة المتبادلة بالدور الذي تلعبه كل من عُمان والجزائر في ملفات استراتيجية؛ فأشادت الجزائر بمساعي عُمان في التقريب بين واشنطن وطهران، وهو اعتراف صريح بثقل دبلوماسي ناعم باتت سلطنة عمان تحققه بعيدا عن الضجيج. في المقابل، ثمّنت سلطنة عمان الجهود الجزائرية في الدفاع عن فلسطين داخل مجلس الأمن.
هذه الزيارة، وإن بدت آنية في توقيتها، إلا أنها امتداد طبيعي لمسار طويل من الثقة السياسية والروابط التاريخية بين عُمان والجزائر. وتقدم الدولتان في هذا الوقت بالتحديد نموذجا مختلفا يتسم بالكثير من العقلانية وبالشراكات البناءة، ولعل الرسالة الأعمق التي تنبع من هذه الزيارة أن العمل العربي المشترك لم يمت ولكنه ينتظر فقط إرادة صادقة ورؤية رشيدة تعيد إليه نبضه المفقود.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مشروعات ومبادرات عمانية واعدة تدعم الطاقة والنقل الأخضر
تواصل سلطنة عُمان سعيها الحثيث نحو تبنّي مفاهيم الاستدامة في مختلف القطاعات، وفي مقدمتها قطاعا النقل والطاقة.
ويأتي أسبوع عُمان للاستدامة ليكون منصة وطنية فاعلة تسلط الضوء على أبرز المبادرات والمشروعات التي تجسد التزام سلطنة عمان برؤية "عُمان 2040"، من خلال شراكات استراتيجية تجمع بين القطاعين الحكومي والخاص لدعم الاقتصاد الأخضر والتقنيات الصديقة للبيئة.
وقد شهد الأسبوع مشاركة واسعة من الجهات الحكومية والشركات الرائدة، أبرزها وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، التي أعلنت عن إطلاق حزمة مبادرات لتعزيز والنقل الأخضر، إلى جانب جهود شركة نفط عمان للتسويق عبر ذراعها “إيفو” في نشر بنية تحتية متطورة لشحن المركبات الكهربائية، واستعراض أول دراجة وشاحنة كهربائية عمانية بالكامل. كما برزت شركة “صان إنيرجي” العُمانية بابتكارها وحدات طاقة شمسية متنقلة مخصصة للإنارة والمراقبة في المواقع الصناعية، كحلول مبتكرة تعزز كفاءة التشغيل وتقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وقالت جهينة بنت سعيد الشامسي، أخصائية حياد صفري بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات: "تأتي مشاركة الوزارة في أسبوع عُمان للاستدامة تأكيدًا على التزامها بدعم مشروعات النقل المستدام والتنقل الأخضر، حيث شهد اليوم الأول من الفعاليات تنظيم حفل توزيع جوائز، من أبرزها جائزة التنقل الأخضر التي أطلقتها الوزارة في نسختها الثانية هذا العام، وهي مخصصة للمبادرات الرائدة في مجال النقل النظيف حيث يعد التكريم على هذه المنصة حافزًا للشركات والجهات المعنية بقطاع الطاقة لتبني أحدث الابتكارات والتقنيات لإنتاج الطاقة المستدامة".
وأضافت الشامسية أن الوزارة تسهم من خلال جناحها في المعرض بعرض أبرز ممارساتها في هذا المجال، بما في ذلك التعريف بمكونات المركبات الكهربائية والتشريعات و التسهيلات الداعمة لاستخدامها تحقيقًا لرؤيتها المتمثلة في دعم الحلول الذكية في مجال الطاقة النظيفة و المستدامة، حيث وقعت مذكرة تفاهم بين شركة “إيفو عمان” التابعة لشركة نفط عمان وبالتعاون مع شركة "طلبات" لتوصيل الطعام، لتنفيذ مشروع توصيل الطعام باستخدام دراجات كهربائية صديقة للبيئة، والذي ينطلق مرحليًا في منطقة بوشر تعزيزًا لتبني مشروعات الطاقة النظيفة والمستدامة في ظل الاهتمام العالمي بهذا القطاع لما له من انعكاسات اقتصادية مستدامة وقابلة للتطبيق على مدى أوسع.
خدمات التوصيل
من جهتها قالت فاطمة بنت سالم الجردانية، مدير التنمية المستدامة بشركة نفط عمان “تُعد شركة “إيفو” إحدى الشركات التابعة لشركة النفط العُمانية للتسويق، وهي متخصصة في توفير البنية الأساسية لشواحن المركبات الكهربائية وتعزيز حلول التنقل الأخضر في سلطنة عُمان. حيث تمتلك الشركة حاليًا حوالي 133 شاحنًا موزعًا على 66 موقعًا في سلطنة عمان، بما يشمل الطرق السريعة، والفنادق، والمجمعات التجارية.
كما وقعت اتفاقية مع شركة “طلبات” وبالتعاون مع وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات لإطلاق مشروع رائد لتوصيل الطعام باستخدام الدراجات الكهربائية، والتي دشنت رسميا خلال أسبوع عُمان للاستدامة، حيث شاركت إيفو بأول دراجة كهربائية متخصصة لهذا الغرض، بهدف تقليل الانبعاثات وتعزيز النقل المستدام في خدمات التوصيل.
وأضافت الجردانية: إن "إيفو" لا تكتفي بدعم المركبات الكهربائية فحسب، بل بدأت أيضًا مؤخرًا في دخول مشروعات الطاقة البديلة، من بينها الهيدروجين، في إطار استراتيجية شاملة للتحول نحو الطاقة النظيفة. ومن أبرز إنجازات الشركة كذلك، عرض أول شاحنة كهربائية عُمانية 100%، صنعت محليا وتعمل حاليًا ضمن مشروع إنشائي في محافظة مسندم، في خطوة تمهّد لدخول قطاع النقل الثقيل في منظومة الطاقة النظيفة، حيث بدأت بالتشغيل فعليًا في شهر يناير 2025.
وأوضحت الجردانية أن هناك مناقشات مع الجهات المعنية لاستكشاف فرص توسع الشركة في دول الخليج، خاصة مع امتلاك نفط عُمان فرعًا لها في المملكة العربية السعودية. وأشارت إلى مبادرة لافتة قامت بها الشركة في 2023، تمثلت في تنفيذ أول رحلة كهربائية من دبي إلى صلالة باستخدام سيارات كهربائية بالكامل، لتسليط الضوء على جاهزية البنية التحتية لشحن المركبات الكهربائية على امتداد الطريق.
صديقة للبيئة
وأكدت أن هناك تعاونًا وثيقًا مع وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، ويجري العمل حاليًا على مشروعات مشتركة لتعزيز قطاع التنقل الأخضر وتطوير منظومة النقل المستدام في سلطنة عمان.
كما صرحت شركة “صان إنيرجي” العُمانية، المتخصصة في حلول الطاقة الشمسية مستعرضة منتجاتها في وحدات مبتكرة تستخدم الطاقة الشمسية وتُعد الأولى من نوعها في سلطنة عمان، مخصصة لإنارة ومراقبة المواقع الإنشائية والنفطية. تتميز هذه الوحدات بكونها صديقة للبيئة، حيث تعمل دون انبعاثات كربونية، وبدون ضوضاء أو استهلاك للوقود، مما يجعلها مثالية للاستخدام في المناطق النائية والصناعية.
وفي تصريح للمتحدثة باسم الشركة، أكدت أن هذه الوحدات تمثل نقلة نوعية في مجال الطاقة المتجددة، إذ توفر حلًا عمليًا ومستدامًا لتلبية احتياجات الإنارة والمراقبة في المواقع التي تفتقر للبنية التحتية الكهربائية التقليدية. وأضافت أن الوحدات تعمل بكفاءة عالية تصل إلى أكثر من 20 ساعة تشغيل متواصلة، دون الحاجة إلى صيانة دورية، مما يقلل من التكاليف التشغيلية ويزيد من موثوقية الأداء.
تأتي هذه المبادرة في إطار التوجه الوطني لسلطنة عُمان نحو تعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة، تماشيًا مع رؤية “عُمان 2040” التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. وتسعى “صان إنيرجي” من خلال هذه الخطوة إلى دعم جهود سلطنة عمان في تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، والإسهام في تقليل الانبعاثات الكربونية، خاصة في القطاعات الحيوية مثل النفط والغاز.
وتُعد هذه الوحدات إضافة مهمة إلى مشروعات الطاقة المتجددة في سلطنة عمان، مثل محطتي “منح 1” و”منح 2” للطاقة الشمسية، اللتين تم افتتاحهما مؤخرًا بسعة إنتاجية تبلغ 1000 ميجاواط، وتستخدمان أكثر من مليوني لوح شمسي كهروضوئي ثنائي الوجه، مما يعزز توليد الكهرباء النظيفة ويخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 1.4 مليون طن سنويًا.
حلول تنقل ذكية و اكثر استدامة
من جهته أكد عمر بن سالم الريامي، مدير عام الاستدامة بشركة أوكيو لشبكات الغاز، أن الشركة تلعب دورًا رياديًا في دعم التحول نحو الطاقة النظيفة، من خلال مبادرات استراتيجية تشمل تسريع استخدام الهيدروجين الأخضر وتطوير بنية تحتية متقدمة لنقل الكربون.
وأشار إلى أن الشركة تتعاون مع وزارة الطاقة والمعادن و"هايدروم" لتوفير شبكات متكاملة لنقل الهيدروجين من مواقع الإنتاج إلى مراكز التصدير، ما يعزز مكانة سلطنة عُمان كمركز عالمي للطاقة النظيفة.
وأضاف أن 50% من محطات التحكم في الغاز تعمل بالطاقة الشمسية، وتُجرى حاليًا دراسات لتوسيع استخدام الطاقة المتجددة، في إطار خطة شاملة تدعم جهود السلطنة لتحقيق الحياد الكربوني.
استدامة
فيما أكد متحدث باسم شركة "مواصلات" أن الشركة وقّعت اتفاقية تعاون مع أسبوع عُمان للاستدامة لتوفير خدمة نقل صديقة للبيئة باستخدام مركبات تعمل بخلايا وقود الهيدروجين في خطوة تعكس التزام سلطنة عُمان بالاستدامة وخفض الانبعاثات،
علما انه تم تشغيل هذه المركبات لنقل الزوار خلال الفعاليات بتزويد من محطة “شل” للهيدروجين الأخضر ضمن شراكة استراتيجية بين شل ومواصلات ونماء، وأوضح المتحدث أن المبادرة تأتي ضمن استراتيجية "مواصلات" لتعزيز حلول التنقّل الذكية والمستدامة، وتدعم أهداف الحياد الكربوني بحلول 2050، مشيدًا بالتكامل بين القطاعين العام والخاص لتحقيق الاستدامة.