عربي21:
2025-12-14@07:59:43 GMT

«البابا» ترامب في الذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT

مساء الجمعة الماضي، نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب صورة له بالذكاء الاصطناعي، على حسابه الخاص في موقعه «تروث سوشيال» وهو مشابه تماماً لـ»إنستغرام»، يظهر فيها مرتدياً رداء بابوياً أبيض، وبعد نصف ساعة تمت مشاركة الصورة على حساب «إكس» الخاص بالبيت الأبيض، وحدث هذا بعد يومين على رده مازحاً على سؤال صحافي عمّن يتوقعه خلفاً للبابا فرنسيس الراحل، الذي توفي قبل نحو أسبوعين، قائلاً: إنه يرغب في أن يكون هو البابا، وإن ذلك سيكون خياره الأول.



والحقيقة أن ذلك لم يكن لا زلة لسان على طريقة سلفه جو بايدن، ولا كلمة عابرة جاءت عفو الخاطر، فالرئيس ترامب، الذي أظهر قدراً من الجدية بمشاركته شخصياً في مراسم تشييع بابا الفاتيكان، رغم ما كان قد ظهر من عدم ود بينهما من قبل، فيما لم يجرؤ فلاديمير بوتين مثلاً على المشاركة في التشييع، بسبب مذكرة المحكمة الجنائية الدولية بحقه، مثله كمثل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لكن يضاف أن الأخير، بل حتى إسرائيل بشكل رسمي وقح لم تظهر الاحترام الكافي في تقديم العزاء للفاتيكان، لكن مع أن ترامب سارع للمشاركة في العزاء، إلا أنه لم يسلم من انتقاد اختياره لملابس غير لائقة، حيث شارك في الجنازة مرتدياً بذلة زرقاء وربطة عنق زرقاء لامعة، فيما تفرض القواعد ارتداء بذلة داكنة وربطة عنق سوداء مع قميص أبيض، وحذاء أسود وجوارب سوداء، أي أن ترامب أظهر «قلة» احترام للفاتيكان رغم مشاركته في عزاء البابا الراحل.

وترامب نفسه كان أظهر استياء لم يخفه من نظيره الأوكراني حين استقبله في البيت الأبيض، فسأله بشكل استنكاري عن ملابسه غير الرسمية التي جاء مرتدياً إياها لواشنطن، وأكثر من ذلك، كان قد رد على الصحافيين قبل أيام عمّن يود أن يكون بابا الكنيسة الكاثوليكية المقبل، بالقول: إنه ليس لديه تفضيل معين، لكن هناك كاردينالاً في نيويورك وهو جيد جداً، ويبدو أن ترامب لا يعرف أنه لم يسبق أن اختير أميركي بابا للفاتيكان من قبل، فيما قال مازحاً: إنه يرغب في أن يصبح هو البابا القادم للفاتيكان خلفاً للبابا فرنسيس.

هذا التصريح الذي تكرر عبر «تروث سوشيال»، كذلك ما أثارته من جدل مشاركته في مراسم تشييع البابا فرنسيس، في رحلته الخارجية الأولى خلال ولايته الثانية، توحي وكأنه قد اختار المشاركة في التشييع لإثارة الاهتمام، بأقوال تبدو جدية، أو على الأقل توحي بأن الرجل مشغول بمستقبله بعد انتهاء العام 2028، ذلك أنه إضافة لذلك كان قد أدلى بتصريح يشير فيه إلى تعديل محتمل للدستور الأميركي ليسمح له بالبقاء في البيت الأبيض لولاية ثالثة، حيث سيكون عمره حين ذاك 82 عاما، أي أن ترامب في ولايته الحالية ما بين عامي 2025 و2029 يقضيها وهو بعمر ما بين 78 إلى 82 عاماً، وهو نفس عمر بايدن في ولايته ما بين عامي 2020 و2024، حيث كان بعمر 78 إلى 82 عاماً، والجميع يتذكر كيف كان ترامب يضمّن حملته الانتخابية استخفافاً بخصمه ارتباطاً بعمره، وكان دائماً ما يصفه «بالنعسان» في إشارة إلى بطء ناجم عن تقدمه في العمر.

الحقيقة أن ترامب لا يظهر في ولايته الحالية تقدماً في العمر وحسب، ولكنه يظهر «عنجهية» وغروراً، يصفه البعض بجنون العظمة، وذلك خلافاً لما ظهر عليه في ولايته السابقة ما بين عامي 2016 و2020، وكان حينها بعمر 70 إلى 74 عاماً، كذلك يظهر اختلافاً عن كل الرؤساء الأميركيين بإطلاقه للتصريحات الغريبة، والتي سرعان ما ينساها، ذلك أنها تبدو عابرة ومجرد أوهام، وفي أحسن أحوالها مساومات سياسية، نقصد تلك التصريحات التي أطلقها بمجرد دخوله البيت الأبيض والتي كانت كلها تقول بالسيطرة والضم، على الجيران والحلفاء، القريبين من الولايات المتحدة والبعيدين عنها على حد سواء، من الجارات بنما، كندا والمكسيك، إلى غرينلاند التي تتوسط المسافة بين أميركا وأوروبا، وتتبع الدنمارك والاتحاد الأوروبي بالتالي، وصولاً إلى غزة، و»حلمه العابر» في تحويلها إلى ريفيرا شرق أوسطية، ولكن على جثث أصحابها، بذلك فإن ترامب بقدر ما يثير الجدل في «السوشيال ميديا» يثير العديد من الأسئلة، عما سيحققه من مستقبل لأقوى وأهم دولة في العالم حالياً، بل ما سيفعله بالنظام العالمي الحالي، الذي تقوده أميركا، وهو الرجل الرئيس الذي يتمتع وفق نظام رئاسي بصلاحيات تجعل منه أقوى وأهم رجل في العالم!

والحقيقة أن ترامب لا يمكن اعتباره رجلاً هامشياً، فهو رئيس الولايات المتحدة، وهذا الرجل، سبق له أن استخف كثيراً بخصومه السياسيين في الداخل، أي على الجانب الديمقراطي، لدرجة أنه اتهم كامالا هاريس وهيلاري كلينتون السيدتين اللتين ترشحتا من قبل لمنصب الرئيس، وللمصادفة هما من هزمهما خلال ولايتيه الاثنتين، في حين هُزم حين واجه رجلاً، حتى لو كان ضعيفاً سياسياً، نقصد بايدن، كما أنه واصل الادعاء المغرور لدرجة مقيتة حين كان يتحدث عن الحرب الروسية الأوكرانية بقوله: إنها لم تكن لتقع لو كان رئيساً. وهذا صحيح من جانب، يعني أن الجمهوريين باتوا يعتمدون على دعم رجال الأعمال من مالكي صناعة البرمجيات والشركات عابرة الجنسية، فيما الديمقراطيون يعتمدون على صانعي السلاح، لذلك فتح بايدن الباب للحرب على روسيا، وقدم الدعم المخادع للحرب الإسرائيلية، بينما ترامب رغم أنه يهدد، فإن التقديرات تشير إلى أنه يدفع لإخماد الحروب وعقد الصفقات.

أبعد من ذلك، ترامب صرح بما يثير الضحك وليس الجدل وحسب، وربما يعود ذلك إلى أنه رغم كل ما أرسله من إشادة ببوتين، إلا أن الرئيس الروسي لم يهرول إلى احتضانه وتقبيل رأسه أو وجنتيه، بل على العكس سارع إلى تشديد الهجوم على أوكرانيا، مستغلاً ما أثاره ترامب من إحباط في صفوف مقاتليها وقيادتها على حد سواء، بعد كل ما أعلنه من تراجع عن الموقف الأميركي من الحرب الروسية الأوكرانية، أما تصريح ترامب الأخير المثير للضحك، فكان قوله: إن بوتين يحلم بضم أوكرانيا، لكنه يكتفي بضم ما احتله جيشه منها حتى الآن، بسبب وجود ترامب في البيت الأبيض.. يقول ترامب هذا، وكأنه هو «الغول، أو البعبع « أو حتى «أبو رجل مسلوخة»، المخيف، الذي بمجرد أن يقول كلاماً تجاه الكون كله، فإنها لا تنزل الأرض، وعلى جميع دول وملوك ورؤساء العالم، أن يقولوا: سمعاً وطاعة سيدنا ترامب!

والحقيقة أن كماً هائلاً من التصريحات والقرارات التي قالها واتخذها ترامب خلال مائة يوم فقط، مضت على وجوده في البيت الأبيض، تؤكد أننا إزاء رئيس «هزلي»، يبدو كما لو كان رئيساً جاء بانقلاب عسكري، وأنه أقرب لرؤساء ظهروا على هذه الشاكلة فيما عرف بجمهوريات الموز، ومطلب آخر وليس أخيراً كان من مصر التي وقفت بشموخ ضد خطته بتهجير سكان غزة، ووضع يده التجارية عليها، كان أن تعفي مصر البواخر الأميركية من ضرائب المرور عبر قناة السويس، هكذا بكل بساطة، ولعل أهم ما فعله وأحدث صخباً عالمياً حتى الآن، هو تلك القرارات الخاصة بما سميت التعرفة الجمركية، أو السياسة الحمائية، وتهدف إلى تقوية الاقتصاد الأميركي في مواجهة منافسيه من اقتصادات عالمية، وذلك بمحاولة عرقلة نمو تلك الاقتصادات وليس بتنمية الاقتصاد الأميركي نفسه، وهذا مع إجراءات إيلون ماسك الداخلية، تعني تحديد مسار المستقبل بالنسبة للنظام العالمي.

باختصار يمكن القول: إن صورة أميركا في عهد الرئيس ترامب صورة بائسة، أما قراراته فلن يكتب لها النجاح في كسب الحرب التجارية، وأقل ما يقال إزاءها: إن حرباً تطلق فيها السهام ضد الحلفاء مع الأعداء والخصوم هي حرب خاسرة لا محالة، وإن تعرفة ترامب تشبه إطلاق الرصاص على القدمين، لأنه في ظل العولمة باتت الشركات الأضخم في العالم عابرة للجنسية، ومتعددة الجنسية في الإنتاج والتسويق، وحتى في رأس المال في كثير من الأحيان، ولهذا يظهر ترامب كما لو كان «دون كيشوت» القرن الحادي والعشرين، الذي يحارب طواحين الهواء، بسيف، ويمتطي جواداً جائعاً، في عصر الآلة البخارية.

لذلك، فإن السؤال الأهم بات هو بالأساس كيف وصل هذا الرجل للبيت الأبيض مرتين، في دولة يفترض أنها دولة مؤسسات، تزعمت النظام العالمي منفردة بعد الحرب الباردة وقادت نصف العالم خلالها، والغريب أنها وصلت القمة على أكتاف الغرب الأوروبي، وظهرت كدولة أوروبية كانت لها جذور وصلت أميركا عبر قراصنة البحار والمستكشفين، أكثر مما ظهرت كدولة أميركية لاتينية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه ترامب البابا الفاتيكان الفاتيكان البابا ترامب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی البیت الأبیض فی ولایته أن ترامب لو کان ما بین

إقرأ أيضاً:

هل يهدد الذكاء الاصطناعي التعليم والجامعات ؟

وقع نظري مؤخرًا على مقال نشره كاتب أمريكي يُدعى «رونالد بروسر»، وهو أستاذ إدارة الأعمال بجامعة «سان فرانسيسكو». 

نُشر المقال في مجلة «Current Affairs»، وهي مجلة سياسية ثقافية تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في 1 ديسمبر 2025. 

تحدّث الكاتبُ في هذا المقال عن أزمة التعليم في ظل وجود الذكاء الاصطناعي، ويرى أن الجامعات الأمريكية عقدت الكثير من الشراكات مع شركات الذكاء الاصطناعي مثل شركة OpenAI، وأن هذا التوجّه يمثّل تهديدًا للتعليم ومستقبله، ويسهم في تفريغه من مضمونه الرئيس؛ بحيث يتحوّل التعليم إلى ما يشبه مسرحية شكلية فارغة من التفكير وصناعة الفكر والمعرفة الحقيقية. 

يرى «بروسر» أن هناك تحوّلا يدفع الطلبة إلى استعمال الذكاء الاصطناعي بشكل مكثّف وغير منضبط في إنجاز الواجبات والأعمال المنوطة إليهم، وكذلك يدفع كثيرا من الأساتذة إلى الاعتماد المفرط عليه في إعداد المحاضرات وعمليات التقويم والتصحيح، وتدفع الجامعات ـ كما يذكر «بروسر» ـ ملايين الدولارات في إطار هذه الشراكات مع شركات الذكاء الاصطناعي مثل OpenAI؛ لتوفير النُّسخ التوليدية التعليمية وتسخيرها للطلبة والأكاديميين. 

بناء على ذلك، تذهب هذه الملايين إلى هذه النظم التوليدية الذكية وشركاتها التقنية، في حين استقطعت الأموال من موازنات الجامعات؛ فأدى إلى إغلاق برامج أكاديمية في تخصصات مثل الفلسفة والاقتصاد والفيزياء والعلوم السياسية، وكذلك إلى الاستغناء عن عدد من أعضاء هيئة التدريس. 

يكشف الكاتبُ في نهاية المطاف أن الجامعات بدأت تتحول من الاستثمار في التعليم ذاته إلى تسليم النظام التعليمي ومنهجيته وعملية التعلّم إلى منصات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يقلّص الاعتماد على الكوادر البشرية وعلى المنهجيات النقدية والتفكيرية. 

كذلك يُظهر الكاتبُ الوجهَ المظلم للذكاء الاصطناعي والاستغلال الذي قامت به شركات الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع بعض الجامعات ومؤسسات البحث العلمي، ويرتبط هذا الوجه المظلم بعملية فلترة المحتوى الذي يُضخّ في نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية؛ حيث تُكلَّف فئات من البشر ـ في الغالب من الدول الأفريقية الفقيرة ـ بمراجعة هذا المحتوى وتصنيفه وحذف غير الملائم منه، مقابل أجور زهيدة جدا، وذلك بغية صناعة واجهة «آمنة» لهذه النماذج، وتقتضي هذه العملية في الوقت نفسه استهلاك كميات هائلة من الطاقة والمياه لتشغيل مراكز البيانات التي تقوم عليها هذه الأنظمة. 

كما يكشف وجها آخر للاستغلال الرقمي، ضحاياه الطلبة في بعض الجامعات الأمريكية ـ خصوصا المنتمين إلى الطبقات العاملة ـ عبر استغلالهم لصالح مختبرات شركات وادي السيليكون؛ إذ تُبرَم صفقات بملايين الدولارات بين هذه الشركات وبعض الجامعات، دون استشارة الطلبة أو أساتذتهم، في حين لا يحصل الطلبة إلا على الفتات، ويُعامَلون كأنهم فئران تجارب ضمن منظومة رأسمالية غير عادلة. 

أتفقُ مع كثير من النقاط التي جاء بها «رونالد بروسر» في مقاله الذي استعرضنا بعض حيثياته، وأرى أننا نعيش فعلا أزمة حقيقية تُهدِّد التعليم والجامعات، ونحتاج لفهم هذه الأزمة إلى معادلة بسيطة معنية بهذه التحديات مفادها أننا الآن في مرحلة المقاومة، والتي يمكن اعتبارها مرحلة شديدة الأهمية، لأنها ستُفضي في النهاية إما إلى انتصار التقنية أو انتصار الإنسان. 

مع ذلك، لا أعتقد أن هذه المعركة تحتاج إلى كل هذا القدر من التهويل أو الشحن العاطفي، ولا أن نُسبغ عليها طابعا دراميًا مبالغًا فيه. 

كل ما نحتاجه هو أن نفهم طبيعة العلاقة بيننا وبين التقنية، وألا نسمح لهذه العلاقة أن تتحول إلى معركة سنخسرها بكل تأكيد، نظرا إلى عدة عوامل، من بينها أننا نفقد قدرتنا على التكيّف الواعي مع المنتجات التقنية، ولا نحسن توظيفها لصالحنا العلمي والتعليمي؛ فنحوّلها ـ عن قصد أو بدون قصد ـ إلى خصم ضار غير نافع. 

نعود بالزمن قليلا إلى الوراء ـ تحديدا تسعينيات القرن العشرين ـ 

لنتذكّر المواجهة التي حدثت بين المنظومة التعليمية ـ من جامعات وأساتذة وباحثين ومهتمّين بالمعرفة ـ وبين موجة التهديدات الجديدة التي تزّعمها الإنترنت ومحركاته البحثية، وكان أحد أبرز هذه التهديدات ظهور ما يمكن تسميته بثقافة البحث السريع؛ حيث ابتعد الطالب والباحث عن الطرق التقليدية في البحث مثل استعمال الكتب والقراءة المطوّلة والعميقة، ولجأ إلى الإنترنت والبحث عن المعلومات في غضون ساعات قليلة، والاكتفاء بتلخيص الدراسات والكتب. 

ولّد هذا التحوّل مشكلات أخرى، من بينها تفشّي ظاهرة الانتحال العلمي والسرقات الفكرية، ولكن، لم تستمر هذه المشكلة لفترة طويلة؛ فحُلّت تدريجيا بعد سنوات، وتحديدا مع ظهور أدوات قادرة على كشف حالات الانتحال والسرقة العلمية، وظهور أنظمة تأقلمية ومعايير وقوانين تعليمية وأكاديمية عملت على إعادة تموضع الإنترنت داخل المنظومة التعليمية، وهكذا خرج النظام التعليمي والجامعات من تلك المواجهة رابحًا في بعض أجزائه وخاسرًا في أجزاء أخرى. 

لا أتصور أن مشكلتنا الحالية مع الذكاء الاصطناعي تشبه تماما المشكلة السابقة التي أحدثها ظهور الإنترنت ومحركات البحث؛ فكانت التحديات السابقة -نسبيا- أسهل، وكان من الممكن التعامل معها واحتواؤها في غضون سنوات قصيرة. أما المشكلة الراهنة مع الذكاء الاصطناعي، فتكمن في سرعته التطورية الهائلة التي لا نستطيع حتى أن نتحقق من مداها أو نتنبّأ بوتيرة قدراتها الإبداعية؛ فنجد، مثلا ، أنه في غضون سنتين أو ثلاث فقط انتقل الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل«ChatGPT» من مرحلته البدائية إلى مرحلته المتقدمة الحالية، تجاوز فيها في بعض الزوايا قدرات الإنسان العادي في المهارات اللغوية، وأصبح يشكّل تحديًا حقيقيًا كما أشرنا في مقالات سابقة. 

فيما يتعلّق بالتعليم والجامعات، وكما أشار الكاتب في المقال الذي استعرضناه؛ فنحن أمام مشكلة حقيقية تحتاج إلى فهم عميق وإعادة ترتيب لأولوياتنا التعليمية. 

نقترح أولا ألا نتجاوز الحد المسموح والمقبول في استعمال الذكاء الاصطناعي في التعليم؛ فيجب أن تكون هناك حالة توازن واعية في التعامل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية في الجامعات، وكذلك المدارس. 

وبصفتي أكاديميًا، أرى من الضروري أن نقنن استعمال الذكاء الاصطناعي داخل الجامعات عبر وضع معايير وقوانين واضحة، والسعي في الوقت ذاته إلى تطوير أدوات قادرة على كشف حالات الانتحال والسرقات العلمية المرتبطة باستعمال هذه التقنيات والنماذج الذكية، رغم صعوبة ذلك في المرحلة الحالية، ولكن من المرجّح أن يصبح الأمر أكثر يسرا في المستقبل القريب. 

رغم ذلك، فلا يعني أنه ينبغي أن نمنع استعمال الذكاء الاصطناعي منعًا تامًا؛ فجلّ ما نحتاجه أن نُشرف عليه ونوجّهه ضمن حدود معيّنة؛ لتكون في حدود تعين على صناعة الإبداع البشري؛ فيمكننا أن نوجّه الذكاءَ الاصطناعي في تنمية مهارات الحوار والتفكير والتحليل لدى الطلبة إذا استُعملَ بطريقة تربوية صحيحة. 

ولكن في المقابل يجب أن تُشدَّد القوانين والعقوبات المتصلة بحالات الانتحال والاعتماد الكلّي على النماذج التوليدية سواء في مخرجات العملية التعليمية أو في البحوث العلمية. 

كذلك من الضروري أن نُعيد التوازن إلى دور أعضاء هيئة التدريس في الجامعات؛ فمن غير المعقول أن نترك صناعة المحتوى التعليمي مرهونة بالكامل للذكاء الاصطناعي، في حين يتراجع دور الأكاديمي وإبداعه الذي يمارس التفكير والنقد والإضافة المعرفية من عنده. 

على صعيد آخر، أظهرت دراسات حديثة التأثير السلبي للاستعمال المفرط للذكاء الاصطناعي والاعتماد عليه على الدماغ البشري بشكل فسيولوجي مباشر؛ فيمكن أن يدخله في حالة من الضمور الوظيفي مع الزمن، خصوصا حال تخلّى الإنسان عن ممارسة التفكير لصالح الخوارزمية. 

 د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني 

مقالات مشابهة

  • هل يهدد الذكاء الاصطناعي التعليم والجامعات ؟
  • إدارة ترامب تسعى لإطار وطني موحد لتنظيم الذكاء الاصطناعي
  • بقيادة ترمب.. تشكيل تحالف دولي لمواجهة الهيمنة الصينية في الذكاء الاصطناعي
  • ترامب يعلن حربًا على قوانين الذكاء الاصطناعي في الولايات الأمريكية
  • لغز الضمادة على يد ترامب: البيت الأبيض يؤكد صحة الرئيس جيدة ويبرر الإصابة بـكثرة المصافحة
  • ترامب: لن نسمح للصين بالتفوق علينا في الذكاء الاصطناعي
  • كدمات على يد الرئيس.. البيت الأبيض يكشف سبب ضمادة يضعها ترامب
  • ترامب يشترط التحقق من التحيز السياسي قبل قبول مزودي خدمات الذكاء الاصطناعي
  • البيت الأبيض يُعلق على اتصال بوتين ومادورو: لا يُقلق الرئيس
  • تحذير من ضعف دقة الذكاء الاصطناعي لقياس النبض عند ارتفاعه