يواصل جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- سلسلة زياراته الرسمية إلى عدد من الدول الشقيقة والصديقة في إطار ترسيخ أواصر التعاون والشراكات الاقتصادية ووضع بلادنا سلطنة عمان كمنصة اقتصادية واستثمارية في المنطقة والشرق الأوسط، ولعل الزيارة السلطانية التاريخية، التي اختتمها جلالته -حفظه الله- إلى جمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية الشقيقة ولقاءه المثمر مع أخيه فخامة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون تعد من الزيارات المهمة التي كان لها صدى سياسي وإعلامي كبير.

وتربط سلطنة عمان بالشقيقة الجزائر علاقات راسخة وقيم مشتركة كبلدين عربيين وأيضا جزء من المنظومة الإسلامية ولديهما مرتكزات واضحة على صعيد الدبلوماسية وحل الخلافات والصراعات بالطرق السلمية، ولعل ما نتج عن الزيارة السلطانية من توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية تدخل تلك العلاقات المميزة في مسار جديد ومهم خاصة على صعيد الطاقة المتجددة والتعدين وفي مجال الاستثمار المشترك من خلال تأسيس الصندوق المشترك وأيضا في المجال الزراعي والتعليمي وغيرها من المجالات الحيوية.

إنَّ لدى البلدين الشقيقين مقومات طبيعية كبيرة يمكن من خلال الشراكة الاقتصادية أن يكونا نموذجا للتعاون العربي العربي، وأن يشكلا معا نموذجا مميزا للتعاون في المجالات المختلفة خاصة وأن البلدين والشعبين لديهما من المقومات الحضارية والتاريخية وأواصر المحبة بين الشعبين الشقيقين ما يحفز تلك الشراكة على الانطلاق نحو آفاق واعدة. ومن هنا كانت زيارة «دولة» لجلالته -حفظه الله ورعاه- على مستوى الحدث خاصة وأنها تأتي بعد أكثر من ٥٢ عامًا من آخر زيارة قام بها السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- عام ١٩٧٣ خلال قمة دول عدم الانحياز.

إن الزيارات السلطانية تهدف كما أشرنا في مقالات عديدة إلى ترسيخ الشراكات الاقتصادية في ظل رؤية سلطنة عمان ٢٠٤٠ التي تعتمد على تعدد الخيارات التي تمكن بلادنا من إيجاد اقتصاد متنوع ومستدام وديناميكي لا يعتمد على مصدر وحيد كالنفط الذي أصبح أقرب إلى السلعة السياسية، حيث تضارب المصالح والضغوط من الدول الكبرى خاصة في ظل السياسات المتناقضة للرئيس الأمريكي ترامب والذي سوف يزور المنطقة خلال الأسبوع القادم.

إن الملف الاقتصادي هو الشغل الشاغل لجلالته -حفظه الله ورعاه- منذ تقلده مقاليد الحكم في الحادي عشر من يناير ٢٠٢٠ إدراكا من جلالته بأن قوة الاقتصاد لأي دولة يجعلها قادرة على التعامل بشكل مريح مع كل التحديات الوطنية وأيضا يجعلها قادرة على ترسيخ قرارها المستقل في ظل الظروف السياسية المعقدة والصراعات والمشاريع المشبوهة التي تنال من الأوطان وديمومة استقرارها والدخول في نسيجها الاجتماعي، وعلى ضوء ذلك سجلت سلطنة عمان خلال السنوات الخمس الماضية تقدما لافتا في عدد من المؤشرات الدولية وآخرها إحرازها المركز التاسع عالميا في مؤشر البيانات وهذا إنجاز وطني مهم.

إن صدور عشرات القوانين والتشريعات الوطنية من خلال المراسيم السلطانية سوف يطور من المنظومة التشريعية بحيث تتناغم مع المتغيرات الوطنية والدولية، وعلى ضوء ذلك فإن الشراكات الاقتصادية تعد على جانب كبير من الأهمية، كما أن من الأمور الأساسية التي لا بد من حدوثها هو التخلص من البيروقراطية والتي تعد الحاجز الأكبر نحو الإنتاجية والتطوير. كما أن على مسؤولي الحكومة أن يحرصوا خلال تصريحاتهم الإعلامية أن يكونوا أكثر موضوعية بعيدًا عن أي عبارات غير إيجابية في ظل المتابعة المجتمعية وهذا شيء مهم، كما أن قرارات اقتصادية على وجه الخصوص لا بد أن تدرس بعناية كبيرة حتى لا تؤثر سلبا على قطاع الأعمال خاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كما هو الحال مع قرارات وزارة العمل.

إن العلاقات العمانية الجزائرية تدخل مرحلة مهمة وحيوية في ظل تبادل الزيارات الرسمية بين قيادتي البلدين والوفود الرسمية، ومن هنا فإن المشهد الوطني يتطلب الآن التحرك السريع لتنفيذ الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية من خلال اللجنة العمانية الجزائرية المشتركة، ومن خلال غرف التجارة والصناعة في البلدين وكل الآليات التي من شأنها نقل التعاون والشراكة الاقتصادية والتجارية بين البلدين والشعبين الشقيقين إلى مرحلة متقدمة تعود بالخير والنفع على البلدين الشقيقين.

وكمراقبين للزيارات السلطانية فقد أدّى الإعلام الجزائري والعماني دورًا مميزًا في إبراز وجهود البلدين وأيضا ملامح من العلاقات التاريخية التي تجمع سلطنة عمان وجمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية، كما أن الاستقبال الرسمي والشعبي لجلالته -حفظه الله ورعاه- والوفد المرافق كان مميزا علاوة على المحادثات الرسمية بين جلالته -حفظه الله ورعاه- والرئيس الجزائري مما يعكس عمق العلاقات الأخوية وتطورها في المجالات المختلفة خاصة التي كانت محور المحادثات والتي تم التوقيع على عدد منها.

إن الدبلوماسية العمانية والجزائرية لديهما تاريخ مشهود في إيجاد حلول سياسية من خلال المصداقية والطرح الموضوعي، وما زلنا نتذكر دور الجزائر المهم في حل مشكلة الدبلوماسيين الأمريكيين المحتجزين في السفارة الأمريكية في طهران بعد اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام ١٩٧٩ بقيادة الإمام الراحل آية الله الخميني علاوة على دور الدبلوماسية الجزائرية في حركة عدم الانحياز وأيضا على صعيد حل عدد من الملفات في إفريقيا.

كما برزت الدبلوماسية العمانية في مجال التوسط لإيجاد حلول سلمية بين المتخاصمين خاصة في المفاوضات الأمريكية - الإيرانية والتي انتهت إلى التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني عام ٢٠١٥ في فيينا بعد جهود دبلوماسية عمانية كبيرة أشاد بها المجتمع الدولي. كما أن سلطنة عمان أدّت دورًا كبيرًا على صعيد إنهاء الكارثة في اليمن من خلال الهدنة وتواصل دورها الدبلوماسي والإنساني لصالح اليمن الشقيق وشعبه من أجل الأمن والاستقرار.

وتواصل الدبلوماسية العمانية من جديد كوسيط في المفاوضات الأمريكية الإيرانية لنزع فتيل أي حرب قد تندلع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وعقدت ثلاث جولات ناجحة في مسقط وروما وأخيرا في مسقط وفي انتظار انطلاق الجولة الرابعة وعلى ضوء تميز الدبلوماسية العمانية والجزائرية في مجال الحوار فإن ذلك يعطي البلدين مناخا إيجابيا للتعاون وترسيخ الشراكات الاقتصادية بما يعود بالمصلحة على البلدين الشقيقين. حفظ الله جلالة السلطان المعظم في حله وترحاله.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الدبلوماسیة العمانیة حفظه الله ورعاه سلطنة عمان على صعید من خلال کما أن عدد من

إقرأ أيضاً:

الشعراوي يكشف اسم القرية التي نزل عليها مطر السوء.. ماهي؟

في خواطره حول تفسير سورة الفرقان، تناول الشيخ محمد متولي الشعراوي قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا﴾، مفسرًا الآية الكريمة بأنها تشير إلى مشهد واقعي مرّ به كفار مكة خلال أسفارهم، حيث كانوا يمرون على ديار الأقوام الذين عذبهم الله، ورأوا آثار الهلاك، ومع ذلك لم يعتبروا.

وأوضح الشيخ الشعراوي، أن القرية المقصودة في الآية هي سدوم، قرية قوم لوط عليه السلام، التي أنزل الله عليها "مطر السوء"، أي عذابًا مهلكًا، في صورة حجارة من سجيل كما ورد في آيات أخرى. 

وأضاف: ومع ذلك، فإن الكفار كانوا يرون هذه الديار، ويعلمون بما حل بها، لكنهم لم يتفكروا أو يعتبروا لأنهم لا يرجون نشورًا، أي لا يؤمنون بالبعث ولا بالحساب بعد الموت.

رسالة مؤثرة للشعراوي لكل شخص ذاق طعم الخذلان من أحبابهأسرع دعاء لقضاء الحاجة.. أوصى به الشيخ الشعراويمن المضطر الذي لا يرد الله دعاءه؟.. الشيخ الشعراوي يُجيب

ونوه الشعراوي بأن هذه الآثار التي مرّوا عليها ليست مجرّد قصص تُروى، بل شواهد حقيقية على انتقام الله من الظالمين، وقد رأوها في رحلاتهم، كما أكد القرآن في موضع آخر بقوله: ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.

وتابع: الغريب أن هؤلاء الكفار كانوا في حياتهم يتصدّون للظلم، كما كان الحال في حلف الفضول بمكة، حيث اجتمعوا لنصرة المظلوم، ومعاقبة الظالم، فإذا كانوا يقرون بعدالة القصاص في الدنيا، فكيف ينكرون وجود دار للجزاء في الآخرة، يُجازى فيها الظالم والمظلوم، خاصة أن كثيرًا من الظالمين ماتوا دون أن يُعاقبوا؟!

وختم الشيخ الشعراوي تفسيره مؤكّدًا أن الإيمان بالبعث والجزاء هو الضمان لتمام العدالة، مشيرًا إلى قول أحدهم: "لن يموت ظالم حتى ينتقم الله منه"، فاعترض عليه آخر وقال: "لكن فلانًا الظالم مات ولم يُنتقم منه"، فردّ عليه قائلًا: "إن وراء هذه الدار دارًا، يُحاسب فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته".

طباعة شارك الشيخ محمد متولي الشعراوي خواطر الشعراوي تفسير سورة الفرقان قرية مطر السوء

مقالات مشابهة

  • 30.6 مليار ريال الإجمالي التراكمي للاستثمارات الأجنبية المباشرة في سلطنة عمان
  • السفير العُماني ورئيس اتحاد الناشرين الأردنيين يبحثان مشاركة السلطنة بمعرض عمان الدولي للكتاب
  • العيسوي: الأردن بقيادة الملك يواجه تحولات الإقليم بثوابت راسخة ويواصل مسيرته كصوت للحق
  • سلطنة عمان تبحث مع روسيا والصين ضرورة وقف حرب إسرائيل وإيران
  • الشعراوي يكشف اسم القرية التي نزل عليها مطر السوء.. ماهي؟
  • مفاوضات سرية بين إيران وأمريكا في سلطنة عمان لاحتواء التصعيد
  • بالفيديو: لم تظهر بعد.. قوة خاصة لـحزب الله
  • عاجل | إيران تنفي إرسال وفد تفاوضي إلى سلطنة عمان
  • ‌‏رويترز: وفد تفاوض إيراني وصل إلى عُمان
  • حماقة.. أسلوب رد إيران على تهديد ترامب بـقتل خامنئي يشعل ضجة