جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-12@19:49:39 GMT

غزة.. انتصار الكرامة وتوحد الإنسانية

تاريخ النشر: 12th, October 2025 GMT

غزة.. انتصار الكرامة وتوحد الإنسانية

 

 

 

صالح بن سعيد الحمداني

 

ها هي غزة تلك البقعة الصغيرة على خارطة العالم تعود من تحت الركام شامخة كعهدها تحمل في ملامحها حكاية أمةٍ تنبض من جديد في عروقها الكرامة والإيمان ولم تمت، توقفت أصوات القنابل وخفت دويّ الصواريخ، لكنّ صوت النصر ارتفع من بين أنقاض البيوت ومن صدور الأمهات والآباء والأطفال، يُعلن أن غزة العزة لم تنكسر، وأنَّ المقاومة سطّرت صفحة جديدة من تاريخ الصمود العربي والإسلامي والإنساني.

لقد عمّت الفرحة المدن العربية والإسلامية وتسابقت القلوب قبل الكلمات في التعبير عن الفخر والاعتزاز بما أنجزه أبطال المقاومة في وجه آلة الدمار التي أرادت أن تطفئ نور الحياة في غزة لكنها لم تدرك أنَّ هذا الشعب الذي عاش على وقع الحصار والحرمان لسنوات طويلة لا يعرف الانحناء ولن يعرفه لأنهم أحفاد أبطال سطروا التاريخ بدمائهم وكرامتهم وبطولاتهم التي تغذي جيلًا بعد جيل معنى كل هذه المعاني السامية.

لم يكن انتصار غزة فرحة تخص الفلسطينيين وحدهم ولكنه عيد تتقاسمه الأمة بأسرها فرحة عمَّت القلوب في شوارع كل مدينة عربية وإسلامية بل والعالم أجمع، حيث الأحرار الذين سطروا للإنسانية صورًا مشرقة بمظاهراتهم ووقفاتهم، عمت الفرحة كل مدينة وخرجت الأصوات بالدعاء والتهليل رافعة راية المقاومة مشيدة ببطولة أولئك الذين واجهوا الموت بصدورهم العارية وإيمانهم الراسخ، في الأزقة الشعبية كما في الجامعات والمقاهي كانت غزة حديث الناس ومصدر إلهامٍ للأجيال الجديدة التي رأت في المقاومة درسًا في الكرامة والسيادة والإصرار. أما في العواصم الإسلامية فقد امتزجت الدموع بالفرح؛ إذ شعر المسلمون بأن جرح فلسطين هو جرحهم، وأن نصرها نصر لهم، وأن كل طلقة صمود أطلقت في وجه العدوان كانت دفاعًا عن عقيدة وعن أمةٍ بأكملها.

حتى أولئك الذين قد يكونون بعيدين عن الجغرافيا، لم يكونوا بعيدين عن الوجدان، فكُل إنسان حُر في هذا العالم أحسّ أن غزة لا تدافع عن نفسها فقط، وإنما عن قيمة الإنسان عن حقه في الحياة والكرامة وعن معاني العدالة التي حاولت القوى الظالمة طمسها لعقود طويلة، لقد أثبتت المقاومة الفلسطينية- بكل فصائلها وتنوعها- أن الإرادة أقوى من السلاح وأن العدل أقوى من الطغيان وصمدت في وجه أعتى الجيوش وأحدث التقنيات العسكرية لكنها كانت تمتلك ما لا يمكن قياسه بالمقاييس المادية الإيمان، إيمانٌ بعدالة القضية وبأنَّ النصر وعدٌ من الله لا يتحقق إلا بالصبر والثبات.

سقط الشهداء نعم، لكنهم ارتقوا وهم يرسمون ملامح مستقبلٍ جديدٍ للأمة، قادةٌ تركوا خلفهم وصاياهم بأن لا تُرفع راية الاستسلام ونساءٌ قدمن أبناءهن فداءً للوطن وشيخٌ يبتسم وسط الركام لأنه يعلم أنَّ الدم الطاهر لا يذهب سدى. أما الأطفال الذين حملوا حجارتهم الصغيرة في وجه الدبابات فقد علموا العالم كله أن الطفولة في غزة تولد وهي تعرف معنى البطولة، لقد تعلمنا من أولئك الأطفال الأبطال معنى الشجاعة وقول كلمة الحق وعدم الخنوع والجبن والعار.

إنَّ هذا النصر لم يكن عسكريًا فحسب، لقد كان نصرًا للروح والإيمان والإنسانية؛ إذ أعاد التوازن إلى الضمير العالمي وأجبر كثيرًا من الإعلام المُضلِّل على أن يُراجع روايته بعدما رأى الملايين حول العالم الحقيقة كما هي شعبٌ أعزل يقاتل من أجل حريته في مواجهة احتلالٍ لا يعرف سوى لغة القوة والعقاب الجماعي، وعندما توقفت الحرب تنفست الأمهات في غزة الصعداء، لكن الدموع لم تتوقف فقد كانت دموعًا من نوعٍ آخر دموع الفرح المشوب بالحزن والاعتزاز الممتزج بالحنين إلى الشهداء.

في كل بيتٍ غزّي، حكاية فخر وفي كل شارعٍ لوحة من بطولاتٍ لا تُحصى، وتحت وأسفل كل ركام جثث ما زالت تنتظر الدفن والإكرام، كل شبر في غزة يتحدث عن بطولات وظلم وعربدة وبطش، ولكن كان هناك رب يحفظ عباده، وعباد تمسكوا بوعد ربهم؛ فنالوا الكرامة؛ فالشهيد عند ربه مُكرَّم، والبطل يعيش ملامح النصر، ولا عزاء لكل صهيوني ملعون.

أما في العالم العربي والإسلامي، فقد كان وقف الحرب بمثابة لحظة صحوة، شعر الكثيرون أن الأمة لا تزال حيّة، رغم محاولات التشويه وإشاعة اليأس، وأن فلسطين لا تزال البوصلة التي يمكن أن توحد الصفوف، مهما تفرقت السياسات واختلفت الأجندات. لقد جاءت فرحة النصر في غزة لتوقظ الضمائر، ولتذكِّرنا أنَّ العروبة ليست شعارًا، لكنها موقف، وأن الإسلام ليس طقوسًا فحسب، وإنما قيم عدل ورحمة ونصرة للمظلوم. ولذا رأينا كيف تفاعل الناس من كل الأديان والألوان من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية مع مأساة غزة، وكيف تحوّلت المعاناة إلى منصةٍ عالمية للحق والحرية، فكان انتصار الإنسانية قبل السياسة.

ما حدث في غزة لم يكن مجرد نصر عسكري أو سياسي، وإنما نصر أخلاقي وإنساني بكل المقاييس. لقد فضحت الحرب القيم الزائفة التي ترفعها بعض الدول تحت شعارات "حقوق الإنسان"، بينما كانت تتواطأ بالصمت أو الدعم للعدوان. وفي المقابل أضاءت غزة وجه الإنسانية الحقيقي، حين توحدت الشعوب الحرة من المسلمين والمسيحيين واليهود الأحرار والملحدين في رفض الظلم والمطالبة بوقف القتل، فكُل لافتة رُفعت في لندن أو نيويورك أو جوهانسبرج، كانت تقول بصوت واحد "غزة ليست وحدها".

لقد انتصرت الإنسانية حين رأى العالم أن هناك من لا يبيع مواقفه، وأن الضمير الإنساني لا يزال قادرًا على الحياة، رغم كل محاولات التزييف. غزة اليوم تتحول من وجع الحصار إلى فجر الكرامة، وستبقى غزة رمزًا للكرامة العربية وصوتًا لا يخبو في ذاكرة الأمة؟ لقد علَّمت غزة الجميع أن النصر لا يأتي من قصور السياسة، ولا من موائد المفاوضات؛ بل من الميدان ومن صبر الأمهات ومن سواعد المقاتلين ومن دماء الشهداء التي تكتب التاريخ بمدادٍ من العزة. وها هو العالم اليوم يرى أن الواقع قد تغيّر. لقد أثبتت المقاومة أنها رقمٌ صعب لا يمكن تجاوزه وأن إرادة الشعوب أقوى من أي تطبيعٍ أو تواطؤٍ أو خذلان، وأن نصر غزة هو نصر لكل حُر ولكل قلبٍ ما زال يؤمن أن الحق لا يموت مهما طال ليله.

 

وبعد عامين من المذابح والتهجير والجوع والعطش والحرمان والحصار، نعيش فرحة وقف الحرب وانتصار المقاومة لا نحتفل بنهاية معركة فقط، وإنما ببداية وعيٍ جديد.. وعيٌ بأن الأمل لا يموت، وأن الشعوب الحرة قادرة على صنع التاريخ، متى ما آمنت بعدالة قضاياها وتمسكت بوحدتها. غزة لم تنتصر وحدها، فقد انتصرت الأمة فيها، وانتصر الإنسان في كل مكان، وستظل كلماتها خالدة في وجداننا "هنا صمدنا وهنا قاومنا وهنا انتصرنا لأننا آمنا بالله أولًا وبأن الحرية لا تُمنح؛ بل تُنتزع بدماء الأحرار".

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

335 مسيرة حاشدة في حجة تحت شعار “طوفان الأقصى.. عامان من الجهاد والتضحية حتى النصر”

الثورة نت /..

شهدت محافظة حجة اليوم، 335 مسيرة حاشدة تحت شعار “طوفان الأقصى.. عامان من الجهاد والتضحية حتى النصر”.

وعبر المشاركون في المسيرات عن الفخر والاعتزاز بالصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية الباسلة في غزة التي أجبرت الكيان الصهيوني على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بعد عامين من الملاحم البطولية التي سطرها رجال الرجال.

وأكدوا في المسيرات التي تقدمها أمين عام المجلس المحلي بالمحافظة إسماعيل المهيم، ومسئول التعبئة حمود المغربي، أن الاتفاق بشأن غزة أكبر دليل على فشل الكيان الصهيوني وداعمه الأمريكي في تحقيق الأهداف التي أرادوا حسمها.

وأعلن أبناء المحافظة الاستمرار في التعبئة والتحشيد للدورات العسكرية واكتساب المهارات لأن الصراع مع الأعداء أزلي ومستمر.

وبارك بيان صادر عن المسيرات لأبناء الشعب الفلسطيني وأبناء غزة ولأبطال المقاومة صمودهم العظيم وصبرهم منقطع النظير وتضحياتهم التي فاقت التوقعات، وبرغم جسيم التضحيات إلا أن العدو في النهاية فشل في تحقيق أهدافه التي أعلنها منذ اليوم الأول.

وأكد أن المقاومة الشجاعة المجاهدة ومعها الشعب الفلسطيني بقيت بثقتهم العظيمة بالله، وصبرهم وصمودهم وثباتهم على موقفهم لم يتزعزعوا ولم يخضعوا ولم يتراجعوا وقدموا درساً للأمة وللعالم في انتصار الحق مع الوعي والصبر، وإن قل نصيره، وانكسار الظلم والطغيان وإن عظم نفيره.

وعبر البيان عن “الحمد والثناء لله سبحانه وتعالى على توفيقه لنا بهذا الموقف التاريخي وغير المسبوق والاستثنائي على مستوى العالم كله، مترحما على شهدائنا العظماء في هذه المعركة وفي كل مسيرة جهادنا، ومباركا لقائد مسيرتنا القرآنية العظيمة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الذي أنعم الله به علينا، ورفع الله قدرنا بمواقفه وثباته وشجاعته وحكمته”.

وجدد العهد لقائد الثورة كما عاهد الأجداد الأنصار جده الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا” يا قائدنا لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنَّا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله”.

وبارك البيان لكل الأوفياء الصادقين الذي ضحوا مع غزة وبذلوا وثبتوا وصبروا وفي مقدمتهم الاخوة في حزب الله في لبنان الذين ضحوا أعظم التضحيات وكانوا الأوفياء في وعدهم لغزة وفلسطين والقدس، وكذا الجمهورية الاسلامية في إيران الثابتة على النهج، والداعم والسند لغزة والمقاومة دون تراجع، وكذا للإخوة في المقاومة في العراق الذين كان لهم حضورهم في الاسناد.

كما بارك لكل الأوفياء الصادقين الذين ضحوا مع غزة وبذلوا وثبتوا وصبروا وفي مقدمتهم الاخوة في حزب الله في لبنان الذين ضحوا أعظم التضحيات وكذا الجمهورية الاسلامية في إيران والإخوة في المقاومة في العراق.

وأكد البيان أن الخزي والعار والحسرة في الدنيا قليل على من خان وتآمر مع العدو من الأنظمة العربية والاسلامية والحركات والقوى والأحزاب الذين وقفوا ضد المقاومة أو ضد من يقف معها ويساندها، وأن ينتظروا فوق ذلك الهزيمة والخسارة في الدنيا والحسرات والخزي والعار والعذاب الأليم في نار جهنم وبئس المصير.

وخاطب المتخاذلين والجبناء الذين اعتقدوا أن الموت والحياة بيد أمريكا وإسرائيل” ما يحدث أمامكم هي شواهد وعبر لكم لتعرفوا بأن الله وحده الذي هو على كل شيء قدير وأن الحياة بيده والموت بيده وأن النصر من عنده وهو صادق الوعد فثقوا به وتوكلوا عليه”.

وأكد البيان استعداد أبناء حجة للتحرك الشامل في مواجهة أي تصعيد عدواني إجرامي إسرائيلي أو أمريكي أو غيره، سواء استمرت هذه الجولة من الصراع أو في غيرها من الجولات، وكذا اليقظة الدائمة لكل مخططات الأعداء تجاه بلدنا أو بلدان المنطقة لإغراقها من جديد في أي صراعات تصرفها عن قضيتها الأساسية والمركزية والاستعداد لمواجهتها وإفشالها في كل المجالات.

كما أكد للإخوة في فلسطين التمسك المستمر بالقضية الفلسطينية، والوقوف الدائم والصادق والجاد معهم حتى تحرير فلسطين، وزوال الكيان المغتصب المؤقت الإجرامي بإذن الله.

مقالات مشابهة

  • مبادرة ترامب.. سلام مُفخخ على حساب الكرامة
  • غزة.. أسطورة الصمود التي كسرت هيبة الاحتلال وأعادت للحق صوته
  • تفكيك شبكة إسرائيلية كانت تستعد لتفجيرات واغتيالات
  • الموسوي: سنحمل راية المقاومة حتى تحقيق النصر الكامل
  • لجنة اعتصام المهرة تبارك انتصار المقاومة الفلسطينية وتدعو لوحدة الصف العربي والإسلامي
  • 335 مسيرة حاشدة في حجة تحت شعار “طوفان الأقصى.. عامان من الجهاد والتضحية حتى النصر”
  • حجة: 335 مسيرة حاشدة بعنوان طوفان الاقصى.. عامان من الجهاد والتضحية حتى النصر
  • حركة فتح الانتفاضة:وقف اطلاق النار وتبادل الأسري انتصار للمقاومة الفلسطينية
  • اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.. انتصار للشعب الفلسطيني وتفوق استراتيجي للمقاومة وانكسار للعدو