الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية.. معانٍ للفرادة المؤسسية والاعتزاز بالوطن
تاريخ النشر: 11th, May 2025 GMT
#الاستراتيجية #الوطنية للحماية الاجتماعية.. معانٍ للفرادة المؤسسية والاعتزاز بالوطن.
ا.د #حسين_طه_محادين*
(1)
برعاية ملكية سامية مقدرة مُثلت بحضور دولة رئيس الوزراء مندوبا عن جلالته، حيث اطلقت امس وزارة التنمية الاجتماعية من قصر الحسين للمؤتمرات، الإستراتيجية الوطنية المُحدثة للحماية الاجتماعية
2025-2033 والتي جاءت لتشكل المحور الرابع والحاضن لمجمل عملية التحديث السياسي للدولة الاردنية الاقتصادية والسياسية والادارية لارتباطها بالحد من الفقر والبِطالة وتجويد مِكنة الراسمال الاجتماعي الاردني وزيادة فعاليته اذ تساهم هذه الاستراتجية العلمية تشاركيا في تنويع استراتجيات التمكين الاقتصادي والسياسي والاداري وفي ظروف السِلم واثناء الازمات عبر جرس انذار مبكر لدى مؤسسات الدولة ومن قِبل مختلف شرائح المجتمع الاردني النبيل.
(2)
ولعل من اللافت هنا ايضا؛ هو ان هناك مشاورات وجلسات عمل حوارية قبلية قد شملت كل محافظات الوطن قبيل اشهار هذه الاستراتجية التي تمثل نهجا اداريا ورقابيا امثل للاستثمار في الموارد البشرية والمالية راهنا وفي المستقبل ؛حيث انطلقت بعيد حفل الاطلاق للاستراتجية جلسات حوارية متوازية شارك فيها وبالافتتاح ممثلون عن كل من :- مجلس الوزراء، النواب،الاعيان، واللجنة التوجيهية العليا، مؤسسات المجتمع المدني ، اعضاء ورؤساء الجمعيات الخيرية والتطوعية والحزبية والاعلامية المتنوعة وبحضور نوعي مشارك للضيوف الاجانب في الاردن كل من :-
السفير رئيس الاتحاد الأوروبي، ممثل منظمة اليونسيف ،الممثل المقيم للبنك الدولي والذين اكدوا في جلسة الافتتاح الحوارية امام المؤتمرين على ريادة الاردن في هذه الاستراتجية كأنموذج سيُحتذى به من قِبل الدول الاخرى جراء تميز صياغته أهداف العلمية والميدانية وبالطرق التشاركية مع مختلف الوزارات والهيئات المدنية ومع استراتجية المركز الوطني للازمات ولارتباطها بمعايير معلنة لقياس الاداء المؤسسي لمحاورها وترابطا مع مراحل التنفيذ المفتوحة على تقبل وتعديل مراحل التنفيذ وفقا للتغذية الراجعة المستوحاة من معطيات الميدان.
(3)
تقوم الاستراتجية على محاور اربع متكاملة هي:-
أ- كرامة؛ ويُعنى بحفظ كرامة المحتاجين
والمستحقين فعلا للمساعدة افرادا وأسر ووفقا للعديد من المؤشرات الدقيقة التي تسعى لتحقيق العدالة وتقديم الدعم لمستحقيه فعلا حيث اصبحت تصلهم المساعدات الدورية او الطارئة عبر شبكة دفع الكتروني مربوطة بأنظمة متجددة التحديث للاسماء التي يتغير بعضها بين شهر وأخر الكترونيا وفقا للمؤشرات المعتمدة من قبل صندوق المعونة الوطنية.
ب- تمكين؛ ويعنى بالراسمال الاجتماعي اي الانسان النازع نحو الاعتماد على قدراته في العمل والانتاج ،أذ رغم استمرار تقديم المساعدات المالية،والصحية، والتعليمية لهذه الشريحة من المحتاجين الا ان برامج التدريب والتاهيل لأفراد واسر المنتفعين تؤدى بالتوازي مع الدعم المادي سعيا للوصول بهم وبأبنائهم الى حالة من القدرة على الاستقلال الذاتي وفق برامج خاصة مرتبطة بحاجة السوق الوطني لها بالتعاون مثلا مع الشركة الوطنية للتدريب.
ج- فرصة، وتُعنى وفق برامج توعية وتقويم مستمرين نحو تعديل اتجاهات المنتفعين نحو قيم العمل المنتج والمبادرات النوعية لتوفير بيئة عمل متوازنة في ظل سوق عمل وطني وعالمي قائم على الريادة والمنافسة في آن؛ اي ان الفرص فيه للمؤهلين فعلا للحصول على فرص عادلة للتوظيف وبعيدا عن الاعتمادية على الاخرين وتدني مؤهلات المتنافسين.
د- صمود ؛ هو محور جديد ولاول مرة يصاغ في استراتجية وطنية ،اذ تم استلهامه والتأكيد على ضرورة ربطه ضمن الاستراتجية المحدثة، ويسعى الى صياغة وتنفيذ نظام حماية اجتماعية استباقي /وقائي مرن قادر عبر التشبيك مع مختلف الوزارات ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية..الخ الاستجابة لاي طارىء /ازمة على مستوى اي من المحافظات او على مستوى الوطن من حيث القدرة السريعة لاستجابة عند التعامل مع الكوارث الطبيعية او تحديات الهجرات الوافدة جراء الحروب او الكوارث في اقليمنا الملتهب مثلا.
اخيرا…هنيئا للوطن على هذا الانجاز، والتقدير العميم لكافة المساهمين في صياغة هذه الاستراتجية النوعية ولأسرة وزارة التنمية الاجتماعية ولفريق العمل الوطني الذي عمل لمدة عام ونصف تقريبا على إنضاجها بقيادة معالي الاستاذة وفاء بني مصطفى وزيرة التنمية الاجتماعية…وحمى الله اردننا الحبيب.
قسم علم الاجتماع -جامعة مؤتة -الأردن.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الوطنية
إقرأ أيضاً:
الهزيمة الاستراتيجية للكيان الصهيوني للمرة الثانية
يوم السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ تلقى الكيان الصهيوني إحدى أهم الهزائم في تاريخ مواجهاته منذ احتلال فلسطين عام ١٩٤٨. وكان ذلك اليوم كارثة عسكرية واستراتيجية ونفسية، وانتهاء لهيبة الكيان الصهيوني على أيدي المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس.
ورغم الإبادة الجماعية التي قام بها نتنياهو وحكومته المتطرفة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ إلا أن الكيان الصهيوني سجل فشلا كبيرا؛ حيث لم يستطع حتى استعادة الأسرى إلا من خلال المفاوضات، ولا يزال هناك أكثر من ٥٠ أسيرا إسرائيليا في قبضة المقاومة الفلسطينية. كما فشل الجيش الإسرائيلي رغم فارق الإمكانيات العسكرية والأمنية في القضاء على المقاومة الفلسطينية، بل إن جيش الاحتلال يتلقى ضربات ومزيدا من القتلى والجرحى في صفوف جيشه المنهار.
ورغم الدعم الأمريكي والغربي للكيان الصهيوني على مدى ١٨ شهرا لم يستطع جيش الاحتلال أن يحقق أهدافه، وهو يواصل عملياته القذرة في قتل الأبرياء من المدنيين، وتدمير القطاع الصحي في قطاع غزة.
من هنا جاءت الهزيمة الاستراتيجية للكيان الصهيوني التي تحدثنا عنها في مقال سابق، وهذا يشير إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يستطيع أن يواصل حرب استنزاف مكلفة عسكريا واقتصاديا. وفي إطار همجية نتنياهو قام بالعدوان العسكري على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الثاني عشر من شهر يونيو الجاري بعد خطة متكاملة واستعداد على مدى عقدين -كما أشار إلى ذلك نتنياهو نفسه-، وكان الهدف الاستراتيجي للهجوم الإسرائيلي هو إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية من خلال شل مفاصل الدولة، واغتيال كل مسؤولي الدولة من عسكريين ومدنيين، وخلق فوضى عارمة. هذا هو الهدف الاستراتيجي الأهم. أما مسألة القضاء على البرنامج النووي الإيراني فهو تحصيل حاصل بعد تغيير النظام، ووجود نظام موال للكيان الصهيوني.
ولا شك أن الهجوم الإسرائيلي على إيران كان كبيرا ومباغتا لكل المراقبين والدول، خاصة وأن المفاوضات الأمريكية - الإيرانية كانت متواصلة؛ حيث كانت الاستعدادات تجري لانطلاق الجولة السادسة في عاصمة الوطن مسقط، وكانت جهود الدبلوماسية العمانية كبيرة في تقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن، خاصة في الموضوع الأساسي وهي مسألة التخصيب. وأبدت إيران مرونة للدفع بنجاح المفاوضات، والتوقيع على اتفاق ملزم وعادل للطرفين، ويجنب المنطقة كوارث الحروب والصراعات التي عانت منها المنطقة لعقود. ويبدو أن الخطة الإسرائيلية الأمريكية كانت تدار في الغرف المغلقة في ظل رئيس أمريكي مهزوز لا يعي خطورة الحروب علاوة على تنفيذه أجندة الصهيونية العالمية من خلال دعم اللوبي الصهيوني في واشنطن؛ حتى يفوز في الانتخابات الأمريكية الأخيرة. ومع ذلك فإن مسار العلاقات الدولية ينبغي أن يبنى على قواعد السلوك السياسي القويم، واحترام مسار المفاوضات.
ومن هنا فإن الهجوم العسكري الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد ضرب مسار المفاوضات في مقتل. وتسبب سلوك ترامب في نشوب حرب بين الكيان الصهيوني والجمهورية الإسلامية الإيرانية وفق المخطط الإسرائيلي الأمريكي. وكانت تلك خطوة تقوض السلام والاستقرار في منطقة الخليج العربي.
وقد استطاعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تستوعب الصدمة الكبيرة؛ حيث فقدت عددا من القيادات العسكرية والأمنية. ومع ذلك بدأ مسار الحرب يتخذ منحى مختلفا مع دخول الصواريخ الباليستية المعركة. وفي تصوري أن الكيان تلقى أكبر عملية تدمير خلال صراعه المرير مع العرب منذ عام ١٩٤٨؛ حيث التدمير الكبير لمدن الكيان الصهيوني الأساسية وهي تل أبيب وحيفا، وضرب المنشآت العسكرية والأمنية والاقتصادية، ومركز وايزمان للأبحاث العسكرية وهو أحد أهم المراكز للكيان. كما أن الاقتصاد الإسرائيلي ضُرب في مقتل. ولعل من أهم الخسائر التي سوف تبقى عالقة في الأذهان انتهاء هيبة جيش الاحتلال، والسردية التي تقوم على التفوق والسطوة الصهيونية في الشرق الأوسط.
لقد سقط مشروع الشرق الأوسط الذي روج له نتنياهو عند بداية الحرب على إيران، ولم تتحقق أهدافه. حتى موضوع الهجوم العسكري الأمريكي المتهور على المفاعلات الإيرانية حوله كلام كبير من المصادر الأمريكية والغربية. وعلى ضوء محددات أي حرب ونتائج ملامحها فإن الكيان الصهيوني تلقى هزيمة استراتيجية ثانية وفق المعطيات المشار إليها.
منظومة الصواريخ الباليستية لا تزال تواصل العمل حتى آخر لحظة قبل قرار وقف إطلاق النار. ويبدو لي أن ترامب شعر من خلال أجهزة الاستخبارات الأمريكية بأن قدرات الكيان الصهيوني لا تحتمل حرب استنزاف، وهذه مسألة في غاية الأهمية، علاوة على أن الهجرة المعاكسة لليهود تتواصل، كما أن الاقتصاد الإسرائيلي ضرب في مقتل خاصة بعد توقف مصفاة حيفا، وتوقف الميناء، وإغلاق مطار بن غوريون، وهذا يظهر هشاشة الكيان الصهيوني رغم الإمكانات العسكرية التي قدمتها وتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية المنحازة للكيان الصهيوني منذ ١٩٤٨.
لقد سقطت مصداقية الإدارة الأمريكية ومصداقية ترامب، وأصبحت الصحافة الأمريكية تتحدث عن تناقضات الرجل، وتركيزه على الاستعراض، وعدم قدرته على استيعاب المشهد السياسي الإقليمي والدولي. ومن هنا فإن هناك دروسا كبيرة يمكن للجمهورية الإسلامية الإيرانية الخروج بها لعل في مقدمتها وجود ثغرة أمنية خطيرة؛ وجود شبكات تجسس داخل إيران تعمل لصالح الكيان الصهيوني منذ سنوات، بل أصبحت لتلك المجموعات قواعد للطيران المسيّر، وأجهزة اتصالات ومراقبة، والقضاء على هذه الثغرة الأمنية الخطيرة يحتاج إلى جهود كبيرة. وأيضا من الدروس الكبيرة ليس فقط لإيران، ولكن لكل الدول المعرضة للمخاطر أهمية وجود قوة ردع جوي ودفاع جوي؛ لحماية الأجواء خلال الحرب، وهذه مسألة في غاية الأهمية، علاوة على الحرب السيبرانية التي في تصوري أن لإيران قدرات جيدة فيها من خلال أحداث الحرب؛ فهناك كوادر إيرانية يشار لها فيها بالبنان.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية محاصرة اقتصاديا وتقنيا منذ عام 1979، وفي تصوري أن أي دولة لن تتحمّل هذا الحصار والعقوبات الاقتصادية القاسية على مدى عقود خاصة وأن هناك عدد سكان كبيرا في إيران يقترب من ١٠٠ مليون إيراني، ومع ذلك فإن القدرات الوطنية لإيران، وإنتاجها المحلي، والصناعات المختلفة، والثروات الزراعية والسمكية خففت إلى حد ما من تلك العقوبات الاقتصادية القاسية التي نأمل أن تنتهي من خلال تواصل المفاوضات على أسس حقيقية بعيدا عن الخداع الاستراتيجي، والتضليل الصهيوني الأمريكي.
إن الصناعة العسكرية الإيرانية كانت واجهة إيجابية خاصة في مجال الصواريخ الباليستية التي روعت الكيان الصهيوني على مدى ١٢ يوما، وهذا درس كبير للدول العربية بضرورة الاهتمام بالصناعات العسكرية؛ لأن الحرب التي انتهت أمس بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني ليست آخر الحروب طالما خطط المشروع الصهيوني العالمي متواصلة، وطالما القضية الفلسطينية بقيت دون حل. ومن هنا فإن أخذ الدروس من الحروب هو أمر حيوي، ومن ضرورات الأمن الوطني. كما أن الكيان الصهيوني أثبت مدى عدوانيته، وكراهيته للسلام والاستقرار للمنطقة وشعوبها؛ حيث إن الكيان الصهيوني منذ قيامه غير القانوني عام ١٩٤٨ لا يعيش إلا في ظل الصراعات والحروب وإدخال المنطقة العربية في أتون التدمير والمشكلات، وهذه رسالة واضحة للدول المطبعة مع الكيان الإسرائيلي الذي أصبح مكروها حتى من داخل إسرائيل.
لقد أفشلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية المخطط الإسرائيلي في زعزعة استقرارها وأمنها، وهو الهدف الاستراتيجي الأهم لحكومة الكيان المتطرفة؛ حيث أثبت الإيرانيون صلابة وحدتهم الداخلية حتى الذين لهم آراء مخالفة للحكومة الإيرانية وقفوا مع وطنهم وهو يتهدده العدوان الصهيوني، وهذه هي قيمة الوطنية؛ فعندما تتهدد الأوطان يقف الجميع في خندق واحد. إذن الدروس كبيرة ومهمة لإيران والمنطقة، وإن الكيان الصهيوني لن يقف عند حد؛ حيث سوف تتواصل مخططاته الخبيثة لزعزعة أمن المنطقة، وزرع الفتن بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ومع ذلك فإن العلاقات الطيبة بين دول المنطقة على ضفتي الخليج هي علاقات تاريخية واجتماعية وإسلامية يجمع بينها الجغرافيا والدين والتاريخ المشترك والمصير الواحد.
وهذه دعوة صادقة لتجاوز آثار الحرب وتداعياتها، والتركيز على علاقات وشراكات خليجية إيرانية تجسد تلاحم دول الإقليم؛ لأن الكيان الإسرائيلي لا يريد خيرا بالمنطقة وشعوبها، وهو كيان تعوَّد على الكراهية، ويريد السيطرة وتسيّد المشهد السياسي والاقتصادي والاستخباراتي في المنطقة. وعلى ضوء ذلك تبقى المراجعات الوطنية مهمة لمثل أحداث كبرى كهذه لأخذ العبرة والدروس.
ولعل وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ووقف الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني يكون إحدى نتائج هذه الحرب، وهذا يعتمد على الطرف الأمريكي الذي يستطيع أن يضغط على الكيان؛ لوقف المجازر اليومية التي تُرتكب بحق الأبرياء. لقد حققت الجمهورية الإسلامية الإيرانية نصرا استراتيجيا على الكيان الصهيوني، وفشل المخطط الإسرائيلي والأمريكي لزعزعة الاستقرار في إيران. وتبقى هذه الحرب وما حدث فيها أسرارا سوف تكشف عنها الأيام.