المريخ الذي لا يشبه نفسه.. أمطار وثلوج تكشف ماضيا مختلفا
تاريخ النشر: 17th, May 2025 GMT
كشفت دراسة حديثة أعدها فريق من علماء الجيولوجيا في جامعة كولورادو عن تصور جديد للمريخ القديم مغاير تماما لما استقر في الأذهان لعقود.
فبدلا من أن يكون كوكبا متجمّدا وقاحلا كما نعرفه اليوم، تشير النتائج إلى أن المريخ كان، في حقبة سحيقة، أكثر اعتدالا ووفرة بالمياه، حيث كانت الأمطار أو الثلوج تهطل من السماء باستمرار، وتتدفق الأنهار عبر الأودية لتغذي مئات البحيرات.
وقد نُشرت نتائج هذه الدراسة مؤخرا في دورية "جورنال أوف جيوفيزيكال ريسيرتش: بلانتس"، وقادتها الباحثة أماندا ستيكل، التي نالت درجة الدكتوراه في علوم الجيولوجيا عام 2024 من جامعة كولورادو الأميركية.
وأفادت ستيكل بأن الأدلة الجيومورفولوجية على سطح المريخ تُظهر تشابها لافتا مع تضاريس مناطق على كوكب الأرض، مثل ولاية يوتا الأميركية. ويعزز هذا الطرح الفكرة القائلة بأن المناخ القديم للمريخ لم يكن جليديا فحسب، بل ربما شهد فترات دافئة رطبة لعبت دورا محوريا في تشكيل سطحه.
والجيومورفولوجية علم يهتم بدراسة أشكال سطح الأرض، مثل الجبال والوديان والأنهار، وتحليل كيفية تشكلها وتغيرها عبر الزمن نتيجة للعوامل الطبيعية كالرياح والمياه والزلازل.
اعتمد الفريق البحثي في تحقيقاته على نموذج محاكاة رقمي لتطور التضاريس، طوّره سابقا علماء لدراسة سطح الأرض.
إعلانوقد استخدم الباحثون هذا النموذج لمحاكاة تضاريس قريبة من خط الاستواء المريخي، حيث جرى اختبار سيناريوهين مختلفين: الأول يفترض ذوبان القبعات الجليدية، والثاني يفترض هطول الأمطار أو الثلوج. وعلى مدى آلاف إلى مئات الآلاف من السنين في المحاكاة، دُرست الكيفية التي أثرت بها المياه على تكوين الأودية ورؤوس الجداول.
وظهرت النتائج جلية على النحو التالي، ففي حالة ذوبان الجليد، ظهرت رؤوس الأودية في نطاقات ضيقة من الارتفاعات، متوافقة مع حواف الكتل الجليدية.
أما في سيناريو الهطول، فقد ظهرت رؤوس الأودية في مجموعة واسعة من الارتفاعات، تراوحت من دون متوسط مستوى السطح المريخي وصولا إلى ارتفاعات تتجاوز 3.5 كيلومترات، ويشير هذا التنوع إلى أن شبكة الأودية لا يمكن تفسيرها بالكامل بذوبان الجليد، بل يرجّح أن تكون نتيجة هطولات منتظمة ومتفرقة.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية الحديثة للمريخ بصمات مائية واضحة، قنوات متفرعة عند خط الاستواء تتدفق من المرتفعات نحو بحيرات، وربما نحو محيط قديم.
وتدلّ الرواسب الضخمة التي عُثر عليها في فوهة "جيزيرو"، حيث يعمل الآن المسبار "بيرسيفيرنس"، على تدفق أنهار قوية وعميقة في تلك المنطقة إبان "الحقبة النواخية"، قبل أكثر من 3.7 مليارات سنة.
وعلق براين هاينيك، الباحث الرئيس المشارك في الدراسة وأحد علماء مختبر فيزياء الغلاف الجوي والفضاء في جامعة، قائلا: "لترسيب تلك الكتل الصخرية، تحتاج إلى مياه جارية بعمق أمتار". وأضاف أن المريخ، ومنذ توقف عمليات التعرية المائية، بدا وكأنه تجمد في الزمن، ليحتفظ بصورة مدهشة عن الأرض في عصورها الأولى، قبل أن تتغير معالمها بفعل العوامل الجيولوجية والبيولوجية المعقدة.
هل المريخ اليوم مرآة لماضي الأرض؟تشير الدراسة إلى أن المريخ، على الرغم من غرابته، قد يشكّل نافذة تطل على ماضٍ سحيق للأرض نفسها. فبينما أدى الغلاف الجوي الرقيق للكوكب الأحمر إلى تجميد ملامحه، تحتفظ تضاريسه بخصائص جيومورفولوجية تشبه ما كان موجودا على كوكبنا قبل 3.5 مليارات سنة.
إعلانوهذه الفرضية تمنح العلماء فرصة نادرة لفهم مراحل مبكرة من تكوّن الأنظمة الهيدرولوجية والكيميائية التي سبقت الحياة على الأرض.
وتُعد النماذج الرقمية التي طوّرها الفريق أداة حاسمة لفهم تلك الحقبة الغامضة، إذ تتيح مقارنات مباشرة مع البيانات الحقيقية التي جمعتها بعثات وكالة ناسا، مثل "مارس أوديسي" و"مارس غلوبال سرفاير".
ورغم توافق نتائج الدراسة مع أنماط الأودية المرصودة على سطح المريخ، يظل أحد الأسئلة الأساسية دون إجابة واضحة: كيف احتفظ الكوكب بحرارة كافية تسمح بهطول الأمطار أو ذوبان الثلوج، رغم أن الشمس في تلك الحقبة كانت أضعف بنسبة 25% مما هي عليه اليوم؟ لا تزال الآليات التي سمحت بتدفئة الغلاف الجوي محل جدل واسع بين العلماء، لكن هذه الدراسة تضع الأساس لمزيد من الاستكشافات في هذا السياق.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
الزلازل الصامتة.. كيف تكشف همسات الأرض عن الكوارث القادمة؟
فجر الأربعاء 14 مايو/أيار، شعر مصريون بهزة أرضية أفزعت قلوب الكثير، كانت من أثر زلزال مركزه في اليونان، بقوة حوالي 6.4 على المقياس.
لكن الزلازل لا يتوقف أثرها على وقت الزلزال ونطاق الشعور به فقط. ففي أعماق الأرض، حيث لا تصل ارتجافات الزلازل المعتادة ولا تسمع أصوات تكسير الصخور، تحدث حركات زلزالية غريبة من نوعها، بطيئة وصامتة، لكنها قد تحمل في طياتها إنذارات مبكرة لأضخم الزلازل التي قد تضرب العالم.
هذا ما توصلت إليه دراسة جديدة أجراها فريق من الباحثين في "مختبر الزلازل" بجامعة كاليفورنيا في سانتا كروز، ونشرت نتائجها الأربعاء 14 مايو/أيار في "مجلة ساينس أدفانسز" وتسلط الدراسة الضوء على ما يعرف بالزلازل البطيئة أو "الهزات الصامتة"، التي لا يشعر بها البشر عادة، لكنها تحدث في عمق الأرض وتصدر عنها تموجات تشبه الهمس.
بعكس الزلازل التقليدية، لا تسبب هذه الحركات الزلزالية البطيئة تدميرا للمباني ولا تصيب الناس بالذعر، لكنها تحدث غالبا قرب أماكن تعرف بنشاطها الزلزالي الكبير، مثل "منطقة كاسكاديا" على الساحل الغربي للولايات المتحدة وكندا، وهي المنطقة نفسها التي يعتقد أنها ستشهد في المستقبل زلزالا هائلا يشبه في قوته زلزال اليابان عام 2011.
تقترح الدراسة أن هذه الهزات الهادئة قد تكون بمثابة رسائل من باطن الأرض تكشف كيف يتراكم الضغط على الصدوع الزلزالية الكبيرة، مما يسمح للعلماء بفهم آلية نشوء الزلازل الكارثية بشكل أفضل.
ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة "غاسبار فارج" وهو باحث ما بعد الدكتوراه في مختبر الزلازل بجامعة كاليفورنيا في سانتا كروز، في تصريحات لـ"الجزيرة نت": "الصدوع التي تنتج عنها هذه الهزات البطيئة أكثر حساسية مما كنا نظن. حتى الزلازل الصغيرة، التي تقع على بعد عشرات الكيلومترات، يمكن أن تؤثر على نمطها وسرعتها".
إعلانتظهر الدراسة أن الزلازل الصغيرة التي تحدث في المناطق المجاورة قد تتسبب في تشويش الهزات البطيئة وتغيير توقيتها، إما بتسريعها أو تأخيرها. فعندما تبدأ قطعة من الصدع بالانزلاق ببطء، فإنها عادة ما تحرك جيرانها، ما يؤدي إلى موجة منتظمة من الاهتزازات. لكن موجات الضغط القادمة من الزلازل الصغيرة يمكن أن تقطع هذا التناغم وتخلق فوضى في النظام الزلزالي.
ويضيف "فارج": "هذا يفسر لماذا تظهر بعض المناطق نمطا منتظما من الزلازل البطيئة، بينما تعاني مناطق أخرى من فوضى زلزالية كاملة. الأرض لا تعمل فقط كآلة جيولوجية بل كجهاز عصبي حساس يتأثر بكل ما حوله".
كاسكاديا.. مختبر طبيعياستعان الفريق بمنطقة كاسكاديا الممتدة من شمال كاليفورنيا وحتى كندا كنموذج للدراسة. ففي ولاية أوريغون مثلا، تسير الأمور بسلاسة حيث تحدث الزلازل البطيئة بشكل دوري كل عام ونصف. لكن في شمال كاليفورنيا، تتداخل الزلازل الصغيرة من منطقة "كيب ميندوسينو" مع هذا النمط، مما ينتج هزات غير منتظمة وعشوائية.
ويساعد هذا التباين العلماء على فهم كيف يتأثر النشاط الزلزالي ليس فقط بطبيعة الصخور تحت الأرض، بل أيضا بالتغيرات الديناميكية المستمرة التي تسببها الزلازل الصغيرة، والتي غالبا ما يتم تجاهلها.
وتشير النتائج إلى أن ما كنا نعتبره "ضجيجا زلزاليا غير مهم" قد يحمل في الواقع مفاتيح لفهم الطريقة التي تتراكم بها الضغوط على الصدوع، وفقا للمؤلف الرئيسي للدراسة.
ويقول "فارج" إن الزلازل الصغيرة لا يجب أن تهمل، إذ إن فهم كيف تتفاعل هذه الزلازل الصغيرة مع الزلازل البطيئة، يمكن أن يقود إلى رسم خريطة للتوترات الخفية في باطن الأرض، وربما التنبؤ بمكان وزمان الزلازل الكبرى قبل وقوعها.
ويؤكد الباحث أن الزلازل الكبيرة لا تتشكل بفعل قوى ضخمة فقط، بل قد تبدأ من "همسة" جيولوجية بالكاد تسمع. "إذا استطعنا قياس تأثير الزلازل الصغيرة على الصدوع الكبرى، فقد نتمكن من معرفة المناطق الأكثر عرضة للزلازل المتكررة، وتلك التي تحمل مفاجآت مدمرة قادمة" كما أضاف "فارج".
إعلان