علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

منذ بدء الخليقة والإنسان يبحث عن إلهٍ يعبده ويستعين به ويلجأ إليه، وهي حالة فطرية- على ما يبدو- فُطر الإنسان عليها ليبحث عن قوة تفوق قوته ليستعين بها في الشدائد ومُلمات الدهر.

لذا رأينا هذا الإنسان عبر تاريخه يبحث عن الإله في الطبيعة أولًا، متمثلًا في الشمس والقمر، وتقديس الظواهر والمنافع؛ كالنار والبقر، وصولًا إلى عصور الرسالات السماوية بجلاء دعواتها كأديان سماوية، وكذلك رموز التنوير والإصلاح ومؤسسي الأديان الوضعية كالبوذية والهندوسية وغيرها، والتي لم تخرج في تعاليمها العميقة عن جوهر الفطرة والرسالات السماوية، من حيث الدعوة إلى الصلاح والخيرية في العمل والعبادة.

ومنذ نشوء المجتمعات وتحولها من مكونات صغيرة وتشكلها إلى ما يُشبه تكتلات المجتمعات الكبيرة والدولة في القرون المتأخرة، أتتْ الحاجة إلى منظومات وقواعد بشرية تنظم العلاقات بينهم وتحفظ الحقوق لهم؛ حيث نشأت الفرضيات وتعددت النظريات لتحقيق ذلك الهدف بصورة تواكب عصر الدولة وأطوارها ومراحلها وتتناغم معه.

العالم اليوم- وخاصة بشقه الغربي- في حيرة حقيقية في بحثه عن "إلهٍ" جديد مُعاصر يُلبي متطلبات الدولة ويحافظ على حقوق الشعب، ويعصم الدولة من الانهيار في عصر العولمة وإعلام الشعوب؛ فقد اختُبرت نظريات الديمقراطية الغربية في موضعين قريبين جدًا، وهما جائحة "كورونا" و"طوفان الأقصى"؛ حيث تبين للعالم مدى هشاشة الديمقراطية الليبرالية الغربية، وحجم غياب الدولة الوطنية في مفاصلها، ومدى حاجتها للإصلاح والتغيير بعد التراجع الشعبي الكبير في الإقبال على صناديق الاقتراع واعتبارها زبونية سياسية بامتياز.

خروج الملايين من الفرنسيين إلى الشارع لأكثر من عامين لم يُغيِّر شيئًا من نهج الحكومة وسياساتها، كما كشف عن حجم الفجوة والجفوة بين الشارع والمؤسسات التي تدعي تمثيل الشعب والحرص على مصالحه والصالح العام للدولة. ثم أتى "طوفان الأقصى" ليُزلزل عروش ونظريات الديمقراطية الليبرالية في الغرب، وليظهر حجم القمع والبطش المُدخر لدى الحكومات الغربية لمواجهة المطالب التعبيرية والمعيشية الشعبية التي تندرج تحت مظلة الحقوق والحرية والديمقراطية.

البُعبُع الذي يلوح به الغرب عادة لقمع معارضي ممارسات الديمقراطية البشعة، هو العودة إلى الديكتاتورية، رغم ممارسة الساسة في الغرب لها بلا وعي؛ حيث يتجلى التفرد بالسياسات والقرار والمصير إلى حد كبير. والديكتاتورية شكل من أشكال الحكم المُطلق؛ حيث تكون سُلطات الحكم محصورة في شخص واحد أو مجموعة معينة كحزب سياسي أو دكتاتورية عسكرية. وهي حالة مطلوبة لضبط الدولة وتخطي الفلتان بعد الحروب الخارجية أو الأهلية أو تشظي الدولة وغياب هيبتها. وفي التاريخ نماذج عدة من الديكتاتورية بأنواعها المُستبِد والمُستنير، والتي بفضلها تم الحفاظ على الدولة وتحقيق القوة والتنمية بها ومن أمثال ذلك: بيسمارك في ألمانيا وستالين في روسيا وحكم العسكر في كوريا الجنوبية والجنرال فرانكو في إسبانيا، وكذلك لي كوان في سنغافورة ومهاتير محمد في ماليزيا كنماذج للديكتاتور المُستنير.

كتب العديد من المفكرين في الغرب كتب تحمل تشريح علمي للديمقراطية وما وصلت إليه من حاجة للتغيير والتطوير، ولعل من أبرزها كتاب "الديمقراطية.. الإله الذي فشل" لهانز هيرمان هوبا (وهو اقتصادي ألماني أمريكي)، والذي يصف به الديمقراطية بـ"الإله الذي فشل" في تحقيق غايات الناس والدولة العصرية.

وكذلك كتب "نهاية الديمقراطية" و"نهاية ديمقراطية تايشو" و"نهاية الديمقراطية الموجهة" و"نهاية الديمقراطية ماري جيهينو" و"الإسلام والديمقراطية" و"اختراع الديموقراطية".

العالم اليوم في مُفترق طرق حقيقي- وإن لم يُعلن عن ذلك- في بحثه عن نظريات وأدوات تواكب عصره وتلبي رغبات الشعوب وتطلعاتها نحو تحقيق العدالة والحرية والحفاظ على الدولة الوطنية بأقل التكاليف على الدولة والمجتمع مقارنة بالديمقراطيات الحالية بكافة أنواعها.

قبل اللقاء.. الشعوب اليوم لم يعد همها أن تحكم؛ بل كيف تُحكم.

وبالشكر تدوم النعم.

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نتنياهو: نمنح سكان غزة خيار البقاء أو الرحيل.. ونعمل مع ترامب على إستراتيجية أمنية مشتركة

زعم رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن حكومته لا تسعى لطرد السكان من قطاع غزة، مدعيا أن إسرائيل "تمنح الفلسطينيين حق مغادرة غزة إذا رغبوا في ذلك"، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن الهدف هو "إنهاء حكم حماس" في القطاع.

وفي تصريحات صحفية اليوم، أوضح نتنياهو أن التنسيق مع الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب مستمر بشأن الملف الفلسطيني، مشيرًا إلى أن هناك "استراتيجية مشتركة قائمة على التنسيق الكامل، وليس على ممارسة الضغوط"، بحسب تعبيره.

الكلمة العليا لمصر.. نتنياهو: لن نرحل الفلسطينيين عن غزة أو يجبرهم أحدرئيس أركان جيش الاحتلال: شروط إبرام صفقة التبادل ووقف إطلاق النار في غزة متاحة الآنعبدالعاطي: نرفض العدوان على غزة ونؤيد ضرورة تحقيق تسوية عادلةارتقاء 39 شهيدا جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة منذ فجر اليوم

وأضاف نتنياهو: "أنا والرئيس ترامب متفقان على ضرورة إطلاق سراح الرهائن، وألا تشكل غزة تهديدًا لأمن إسرائيل".
وزعم أن "إسرائيل لا تسعى لطرد أحد من غزة، والرئيس ترامب لم يقترح ذلك"، مضيفًا: "نحن فقط أعطينا سكان غزة الخيار: البقاء أو الرحيل".

وبشأن جهود التهدئة، قال رئيس وزراء الاحتلال: "نريد التوصل إلى صفقة، ولكن ليس بأي ثمن"، في إشارة إلى المفاوضات الجارية للتوصل إلى اتفاق حول غزة.

واختتم نتنياهو تصريحاته بالتأكيد على أن لإسرائيل "متطلبات أمنية واضحة"، مشيرًا إلى أن العمل يجري مع الجانب الأميركي بشكل مشترك لتحقيق هذه المتطلبات، في ظل التوترات المستمرة في القطاع.

طباعة شارك بنيامين نتنياهو طرد السكان من قطاع غزة قطاع غزة إسرائيل حكم حماس دونالد ترامب

مقالات مشابهة

  • قيادي بمستقبل وطن: مجلس الشيوخ يعزز الاستقرار ويرسخ دعائم الديمقراطية
  • بين الاستشراق والاستغراب: حين نكون موضوعًا بلا أدوات
  • رئيس الدولة ونائباه يهنئون رئيس جمهورية ساوتومي وبرينسيب الديمقراطية بذكرى استقلال بلاده
  • وفد حزب الشعوب يثمن دور نيجيرفان بارزاني بإنجاح عملية السلام في تركيا (صور)
  • ضرائب ترامب تضيق الخناق..  هل العراق أمام خيار الأسواق البديلة؟
  • الزعاق: أجواء القيظ معتدلة هذا العام وسياحة الداخل خيار مثالي .. فيديو
  • سعر الذهب في نهاية تعاملات اليوم الخميس.. بكام عيار 21؟
  • محمد بن زايد: السلام يحقق تطلعات الشعوب
  • نتنياهو: نمنح سكان غزة خيار البقاء أو الرحيل.. ونعمل مع ترامب على إستراتيجية أمنية مشتركة
  • الحكومة السورية ترحب بأي مسار مع قوات سوريا الديمقراطية من شأنه تعزيز وحدة وسلامة أراضي البلاد