افتقرت المصادر التاريخية لتفاصيل كافية عن المقام الذي يقع في قرية النبي روبين الواقعة جنوبي غرب الرملة، وعلى بعد 14 كيلو مترًا تقريبًا من مدينة يافا، على الضفة الجنوبيَّة لنهر روبين، والذي عرف في مواضع عدَّة من الوثائق الفلسطينية باسم وادي صرار أو سوريك، ويبدأ النَّهر مسيرته من منطقة القدس، حيث تتجمَّع مياه الأمطار فتشكّل مجموعة من الأودية، وتسير حوالي ستة وعشرين كيلو مترًا حتى تصب في البحر الأبيض المتوسط، وإلى الشرق من المقام هناك بعض المباني التابعة لوزارة الأوقاف العثمانيَّة.
يُعتقد أن في القرية قبر النبي روبين الابن البكر ليعقوب من زوجته ليئة، أول من ذكر ذلك هو الرحّالة المسلم المعروف في القرن الثاني عشر، أبو حسن الهروي، الذي ذكر أثناء مروره في مدينة الرملة عام 1173: "خارج مدينة الرملة، غرب البحر الميت وعلى مقربة منه، يقع قبر روبين".
ومن الصعب فهم كيف ولدت هذه القناعة لدى الهروي؛ بأن روبين النبي هو الذي يرقد في القبر! إذ من غير المعروف من أين نبع مصدر التقليد فيما يتعلق بمكان دفن روبين.
علاوة على ذلك، فقد قدمت بعض المصادر الإسلامية عددًا من الاحتمالات لمكان دفن النبي روبين، من بينها أنه دُفن في جنوب يافا، مكان وجود المقام، والاحتمال الثاني أنه دُفن في قرية كابول في الجليل الغربي، والاحتمال الثالث أنه دُفن في مقبرة في جبل المقطم بمصر.
إعلانعلى أي حال، فقد تبنى اليهود المقام وأعلنوه مكان دفن روبين، على الرغم من عدم وجود تقليد يهودي يتضمن أي ذكر لموقع دُفن فيه روبين.
كما أنه لم تظهر في الحفريات الأثرية أي دلائل قادرة على تحديد مكان معين واعتباره مكان دفن روبين، أيضًا فقد وجد الباحثون صعوبة في الاتفاق بينهم على الفترة الأثرية التي تتوافق وتربط بين جغرافية فلسطين، وشخصيات «الكتاب المقدس». ما دفع عالم الآثار الأميركي المتخصص بالتاريخ «الكتابي»، وليم ج. ديفر (William G. Dever)، إلى القول دون مواربة: "لقد تخلينا عن الآباء، فتلك أصبحت قضية ميتة".
مصدر التقليدمن الصعب فهم كيف وُلدت القناعة فيما يتعلق بمكان دفن روبين، دون الرجوع إلى التراث المحلي الذي كان يقدس بعض الأماكن قبل الإسلام، ومع انتقال السكان المحليين من معتقداتهم الوثنية إلى التوحيد، نقلوا معهم القدسية الملازمة للمقامات المقدسة القديمة؛ كي تتكيّف مع الأوضاع الاجتماعية والسياسية والدينية المتغيّرة.
فمن المُعتقد أن مقام النبي روبين أقيم في موضع هيكل كنعاني، وبقي السكان يحملون لهذه البقعة التقديس والاحترام، بعد أن استبدلوا ديانتهم، إلا أنهم حولوا ذلك التقدير بما يناسب معتقداتهم الدينية الحديثة.
فقد تبنَّى الإسلام الشعبي شخصيات "الكتاب المقدس" سياسيًا، عندما أدرك الحكام المسلمون أنها يمكن أن تساعد على حشد الدعم الشعبي الكبير الذي يحتاجون إليه في الحرب ضد الفرنجة.
ضمن هذه السياسة، أصدر الأشرف خليل بن قلاوون أوامره بين العامين 1291- 1293 إلى حاكم غزة تمراز الأشرفي لإقامة مبنى فوق ضريح النبي روبين.
ويشير د. محمود يزبك، كبير المحاضرين في جامعة حيفا، إلى أنه تم العثور على نقش، في سنة 1933، كان متضررًا جدًا، على لوح رخام مثبت فوق باب المدخل في المقام، ونقرأ فيه ما يلي: «سعادة سيف الدين… تمراز المؤيدي الأشرفي، حاكم غزة، الآمر ببناء هذا القبر المبارك لنبي الله، رو[بين]، ع[ليه] السلام… ».
إعلان "يا بتروبني، يا بتطلقني"!أصبح المقام، على مر الأجيال، موقع زيارة موسمية للسكان المسلمين في السهل الساحلي الفلسطيني، بما في ذلك للمدن القريبة مثل: يافا، والرملة، واللد، ويبدأ موسم النبي روبين مع بداية الشهر القمري بين أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول، ويستمر شهرًا كاملًا.
كان السكان يتوافدون إلى المقام من يافا، واللد، والرملة، ومن قرى المنطقة. وكانوا ينشدون الأناشيد الدينية والدنيوية الشعبية، ويرقصون الدبكة، ويقيمون الأذكار، ويشاهدون سباقات الخيل والألاعيب السحرية، ويستمعون إلى الوعاظ أو إلى الزجالة.
وكان المشاركون في هذه الأنشطة يقيمون في خيام يضربونها حول الموقع، وتقدّم لهم المرطبات من مقاهٍ ومطاعم مؤقتة. وكانوا يشترون البضائع من أكشاك تقام هناك لهذه الغاية.
ولموسم النبي روبين شهرة بين النساء اللواتي يركزن على ارتياده، حيث تطلب المرأة من زوجها وبإلحاح زيارة المقام وتخيره بين الذهاب والطلاق إذا رفض. فيقلن لأزواجهن "يا بتروبني، يا بتطلقني".
استمر موسم النبي روبين كل عام حتى نكبة عام 1948، فقام العدو الصهيوني بالاستيلاء على الموقع والقرية الصغيرة المجاورة له. ويذكر المؤرخ الصهيوني بِني موريس أن سكانها طُردوا في 1 يونيو/ حزيران 1948، قبل ثلاثة أيام من إجبار سكان يبنة المجاورة على مغادرة منازلهم.
وكانت عمليات الطرد هذه تنسق مع ممارسات لواء غفعاتي بقيادة شمعون أفيدان، ومع خطة دالت التي وضعتها الهاغاناه.
في سنة 1949، أنشأ الصهيونيون "كيبوتس بلماحيم" على أراضي القرية المحاذية للساحل، جنوبي مصب نهر روبين. كما أنشؤُوا على أراضي القرية مستعمرة "غان سوريك" في سنة 1950، على بعد 3 كيلومترات تقريبًا إلى الغرب من المقام.
تبنى الكيان الصهيوني المقام، وأعلنه مكان دفن روبين، بناء على هوية الاسم دون النظر إلى تاريخ تشييد البناء، وأسباب التشييد، ومن هو الراقد بداخله!
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات روبین ا د فن فی
إقرأ أيضاً:
مستشفى الشفاء وغزة ساوند مان يعززان رصيد الجزيرة 360 من الجوائز العالمية
حققت منصة الجزيرة 360 إنجازا جديدا يضاف إلى سجلها الحافل بالجوائز العالمية، حيث حصد فيلمان وثائقيان من إنتاجها جوائز مرموقة في مهرجان لاتيتيود السينمائي ببريطانيا. فقد فاز فيلم "مستشفى الشفاء" بالجائزة الفضية، بينما توج فيلم "غزة ساوند مان" بالجائزة الذهبية، في تأكيد جديد على جودة وتميز المحتوى الذي تقدمه المنصة وقدرتها على المنافسة في المحافل الدولية.
وفي هذا السياق، صرح جمال الدين الشيال، مدير إستراتيجية المحتوى بمنصة الجزيرة 360، قائلا: "إن فوز فيلمي "مستشفى الشفاء" و"غزة ساوند مان" بهذه الجوائز المرموقة هو شهادة على التزامنا الراسخ بتقديم قصص إنسانية مؤثرة تسلط الضوء على القضايا الهامة، وخاصة القضية الفلسطينية. نحن نؤمن بقوة السرد القصصي في إحداث التغيير وزيادة الوعي، وسنواصل جهودنا في إنتاج محتوى عالي الجودة يعكس الواقع ويمنح صوتا لمن لا صوت لهم. هذه الجوائز هي تقدير لجهود فريق عمل مبدع ومخلص، وهي دافع لنا للمضي قدما في رسالتنا الإعلامية".
ويقدم فيلم "مستشفى الشفاء"، الذي نال الجائزة الفضية، توثيقا بصريا مؤثرا للأحداث التي شهدها مجمع الشفاء الطبي في غزة خلال العدوان الإسرائيلي. ويروي الفيلم قصصا إنسانية للطواقم الطبية والمرضى الذين عاشوا تحت الحصار والقصف، مسلطا الضوء على التحديات الهائلة التي واجهوها وصمودهم الأسطوري في وجه الظروف القاسية. ويعد الفيلم شهادة حية على حجم المعاناة والدمار الذي لحق بالقطاع الصحي في غزة، ودعوة قوية للمجتمع الدولي للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني.
إعلانأما فيلم "غزة ساوند مان"، الحائز على الجائزة الذهبية، فيأخذ المشاهد في رحلة فريدة من نوعها عبر عالم مهندس الصوت "محمد ياغي"، الذي يوثق من خلال عمله أصوات الحياة والموت في غزة. يرصد الفيلم أصوات القصف والدمار، ولكنه في الوقت نفسه يلتقط أيضا أصوات الصمود والأمل والحياة التي لا تزال تنبض وسط الركام، ما يعكس أهمية الصوت كأداة توثيقية قادرة على نقل المشاعر والقصص الإنسانية بصدق وعمق.
ويعد مهرجان لاتيتيود السينمائي منصة دولية مرموقة تحتفي بصانعي الأفلام المستقلين من جميع أنحاء العالم، وتهدف إلى تسليط الضوء على الأعمال التي تتميز بالأصالة والإبداع. وتكتسب جوائز المهرجان أهمية كبيرة نظرا لتنوع الأعمال المشاركة وقوة المنافسة، مما يجعل فوز "الجزيرة 360" إنجازا مهما على الساحة الوثائقية الدولية.
ويأتي هذا الفوز ليعزز رصيد "الجزيرة 360" من الجوائز العالمية، إذ سبق للمنصة أن نالت جوائز مرموقة مثل "تيللي" العالمية، وجائزة "أنهار" في مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان، وجوائز "بيبودي"، وجائزة "شورتي"، وغيرها، ما يعكس التزامها الدائم بتقديم محتوى إعلامي هادف وعالي الجودة يعالج قضايا جوهرية تهم الجمهور العربي والعالمي.