في أيام العتق.. من يعتق غزة؟!
تاريخ النشر: 31st, May 2025 GMT
د. ابراهيم بن سالم السيابي
بعد أيام، سيتجه ملايين المسلمين إلى عرفات، في المشهد السنوي الذي يُراد له أن يكون ذروة التعبير عن وحدة الأمة: هناك، على الجبل الذي صار رمزًا للوقوف بين يدي الله، سترتفع الأيدي، وتغمر الدموع الوجوه، وتُردّد الأدعية بمختلف اللهجات، لحظة نادرة تختلط فيها الأرواح، وتبدو وكأنها خارج الزمن.
لكن خلف هذا المشهد، ثمَّة مرارة يصعب تجاوزها، وسؤال معلّق في الهواء: ما معنى هذا الوقوف إن لم يعد فينا من يقف لشيء؟ ففي هذا العام، يقف الحجيج والدم جارٍ، لا من جرحٍ بعيد، بل من غزة.
عشرون شهرًا من العدوان والقتل والقصف المتواصل، والغبار لم ينقشع، والأنقاض لم تبرد. أكثر من خمسين ألف قتيل، معظمهم من النساء والأطفال، وأكثر من مليون نازح يطاردهم الموت من زاوية لأخرى، في مدينة أُخرجت من الجغرافيا، ومن ضمير العالم في آن.
فلا شيء يشبه خذلان هذا العام فغزة لا تُقتل فقط، بل تُحاصر، تُعطّش، تُجوّع، ثم يُحمّل أهلها وزر بقائهم أحياء.
الخسارة هذه المرة أخلاقية قبل أن تكون سياسية أو عسكرية، لأنَّ الهزيمة الحقيقية ليست في الموت، بل في أن ترى شعبًا يُباد أمامك، وتملك كل أدوات الغضب، ثم تختار الصمت.
ففي أيام العتق، لا أحد يعتق غزة، نقف على عرفات نرجو أن نُعتق من النار، ونُعتق من الذنوب، لكننا لا نمدّ يدًا واحدة تعتق إخوتنا من حصارهم، نتلو أدعية العتق بصوتٍ متهدّج، بينما نعجز عن تحرير جائع من جوعه، أو مُحاصر من خوفه، أي انفصام هذا بين الروح والعمل؟ بين التعبّد والضمير؟
ماذا نقول في أيام الحج، حين تُذبح أمة كاملة ولا تهتز القلوب؟ أي رحمة نرجوها من الله، ونحن لا نُبدي أدنى رحمة في مواقفنا؟
هل نذهب إلى عرفات لنغسل ذنوبنا، بينما لم نحرك ساكنًا من أجل أناس يُقتلون ويُروعون ويتضورون جوعًا تحت رايتنا، وباسمنا؟
هل نمارس المناسك كأن شيئًا لم يكن، وكأنَّ غزة بلد على كوكب آخر، لا علاقة له بهذه الأمة، ولا بهذه الكعبة التي نطوف حولها؟
الأسئلة لا تُطرح على الشعوب وحدها، بل على القيادات، وعلى الشيوخ والمنظمات التي وضعت غزة في أسفل أولوياتها، بينما تملأ خطبها بالحديث عن "الوسطية" و"تجديد الخطاب الديني".
لقد صار من الصعب التوفيق بين خطاب الرحمة ومشهد البرودة، بين منابر تبكي من مشهد مصوّر، وواقع يُذبح فيه النَّاس ولا يرفّ لأحد جفن.
ما الذي حدث حتى تحولت قضايانا الكبرى إلى "محتوى"؟ ما الذي أصابنا حتى نحج دون أن نشعر، ونتعبد دون أن نتوجع؟ هل أصبح الدين عادة موسمية؟ مناسك تُؤدى، ودماء تمر بجانبها كأنها مشهد عابر؟ كيف نحتفي بوحدة الشكل ونتغافل عن عمق التمزق؟ كيف نؤمن بالقول بأننا "خير أمة أُخرجت للناس" ونحن في أدنى درجات الهوان؟ أمة باتت لا تُخشى، ولا يُحسب لصمتها أو غضبها حساب. نملك الأعداد، ولا نملك الإرادة، نُتقن البكاء، ونفشل في اتخاذ المواقف.
ما أقسى أن نرى تاريخًا بهذا الاتساع، يُختصر اليوم في شعور بالعجز، وقلة الحيلة، وانطفاء الكلمة. نشتعل في وسائل التواصل، ثم ننطفئ عند أول جدار حقيقي. حتى الصمت لم يعد نابعًا من الحكمة، بل من التبلد، أو التواطؤ، أو الخوف من خسارة شيء ما. لكن ماذا تبقى لنا
ليس المطلوب أن يحمل الجميع سلاحًا، لكن أقل الإيمان أن تبقى الكلمات حيّة، وألا نموت من الداخل، فمن العار ان تخرج الشعوب في أوروبا ويرفض قادتها هذا الوضع الذي تجاوز الوصف في غزة، وهم من كانوا الحليف والصديق لهذه الكيان المجرم الغاصب ونحن نقف صامتين؛ فالأمم لا تسقط فجأة، بل حين تصبح المأساة عادية، والخذلان حكمة، والصمت نجاة.
وحدهم المظلومون سيحفظون أسماء من خذلوهم، كما يحفظون من ناصروهم.
ووحده الله يعلم من يقف على جبل عرفات وقلبه مغسول من الشعور، ومن يقف هناك وعيونه تذهب إلى غزة: إلى الشهداء، والمشرّدين، والماء الذي لم يُسق، والخبز الذي لم يُؤكل، والدعاء الذي لم يُرفَع أصلاً.
اللهم في هذه الأيام المُباركة، التي سوف تعلو فيها الأصوات على صعيد عرفات، لا تجعلنا من الذين غفلوا عن إخوانهم، وتخلّفوا عن نصرتهم، وتهاونوا في قول الحق.
اللهم أحيِ في قلوبنا الغضب الشريف، ولا تجعلنا من القانعين بالضعف، الراضين بالهوان. اللهم فرّج عن أهلنا في غزة، وانصرهم على من ظلمهم، وكن لهم سترًا وحصنًا وأملاً لا يخيب، اللهم اسقِ جائعهم، وآوِ مشردهم، وارحم شهيدهم، واشفِ جريحهم، وطمئن أمّهاتهم، وخفف عن أطفالهم، وكن لهم كما لا يكون أحد لأحد. وآخر دعوانا أن تجعل اللهم من عرفات هذا العام بدايةً لصحوةٍ لا تعود بعدها هذه الأمة كما كانت. اللهم آمين..
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
د.عرفات الديسي يحاضر في عمان الأهلية
#سواليف
استقبل الأستاذ #الدكتور_ساري_حمدان، رئيس #جامعة_عمان_الأهلية، #الدكتور_عرفات_الديسي، استشاري جراحة الركبة والمنظار والمتخصص في الإصابات الرياضية، وذلك بحضور عميد كلية العلوم التربوية الأستاذ الدكتور محمد مبيضين، حيث قدم له درع الجامعة تكريماً لجهوده البارزة في مجال الطب الرياضي.
جاء ذلك خلال الندوة المتخصصة التي نظمتها كلية العلوم التربوية في الجامعة، بعنوان “إصابات الركبة”، والتي قدّم خلالها الدكتور الديسي محاضرة علمية شاملة، بحضور عدد كبير من طلبة الكلية ، إلى جانب المهتمين من باقي كليات الجامعة.
وقد أدار الندوة الدكتور محمد مطاوع من قسم التربية البدنية والصحية، حيث استعرض الدكتور الديسي خلالها أبرز التطورات في علاج إصابات الركبة، مدعماً محاضرته بصور وفيديوهات توضيحية، وموضحاً أحدث الأساليب العلاجية، مثل استخدام المناظير الحديثة والخلايا الجذعية لعلاج الأربطة والغضاريف.
وفي ختام الندوة، أجاب الدكتور الديسي على أسئلة الحضور من أعضاء الهيئة التدريسية والطلبة، والتي عكست اهتماماً معرفياً واسعاً وثقافة رياضية متميزة لدى المشاركين.