صحيفة الاتحاد:
2025-05-29@14:46:12 GMT

محمد كركوتي يكتب: صناعة الفضاء تحلق

تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT

لن يهدأ التنافس في صناعة الفضاء على مستوى العالم، بل على العكس تماماً، يتصاعد الحراك في هذا المجال، سواء من ناحية الابتكارات الفنية الداعمة، أو من جهة الإنفاق المتسارع، ولاسيما في البنية التحتية لصناعة لم تكن موجودة قبل 70 عاماً تقريباً. الساحة الدولية تنتظر الكثير من النشاط الفضائي، فالطلب على الخدمات يرتفع بسرعة «ضوئية».

 
ولأن الأمر كذلك تنضم دول جديدة إلى هذا السباق، خصوصاً تلك التي تتمتع بالحد الأدنى المطلوب للانطلاق في فضاء لا حدود له، وفي صناعة باتت جزءاً أصيلاً من مجموع الميادين الإنتاجية الأرضية. 
فالخدمات التي يوفرها هذا القطاع متنوعة وتشمل الاتصالات التقليدية المعروفة، وشبكات الإنترنت، ومراقبة التحولات البيئية للأرض، فضلاً عن التنبؤ بالكوارث الطبيعية المحتملة، والعمل على التقليل من آثارها، إلى عمليات الإنقاذ المختلفة، وتوفير المعلومات للملاحة الجوية والبحرية، وغير ذلك من الاحتياجات.
وبرغم المصاعب التي مر بها الاقتصاد العالمي في العامين الماضيين، ولا تزال آثارها باقية حتى اليوم، نما ما بات يعرف بـ«اقتصاد الفضاء» 8% على المستوى العالمي، مسجلاً في العام الماضي 546 مليار دولار، بحسب وكالة «سبيس فاونديشن» Space Foundation، والتوقعات تشير إلى أن نمو الصناعة سيبلغ 41% في السنوات الخمس المقبلة، ما يعني أن القيمة الإجمالية قد تصل إلى 1000 مليار دولار بنهاية العقد الحالي. 
صحيح أن قطاع الفضاء تعرض للتباطؤ في سياق الأزمة التي يمر بها الاقتصاد العالمي، لكن الصحيح أيضاً وتيرة التباطؤ نفسها لم تكن قوية، مع ارتفاع نسبة الجهات الاستثمارية الخاصة الداخلة إلى هذا الميدان المتنامي. 
فعلى سبيل المثال، بلغ العدد الإجمالي لعمليات الإطلاق إلى مدار الكرة الأرضية في العام الماضي (أقمار صناعية وروبوتات وغيرها) 186 رحلة، مرتفعاً من 145 رحلة في العام 2021. وتم ذلك حتى في ظل التباطؤ المشار إليه.
اللافت هنا، أن عدد عمليات الإطلاق التجارية بلغ 81 من الإجمالي العام للعمليات، ناهيك عن مخططات لبناء قواعد قمرية بما فيها الخطة الصينية الجاهزة بالفعل للتنفيذ. 
ولا شك في أن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى التوسع المتواصل في صناعة الفضاء، تراجع تكاليف التشغيل. فتكلفة إطلاق قمر صناعي في المدار، تتراجع كل عام منذ أن بدأت عمليات الإطلاق. وهذه التكاليف تختلف بالطبع بحسب أحجام وقدرات هذه الأقمار. 
كما أن الابتكارات المعززة للصناعة، ساهمت في خفض التكاليف في العقد الماضي، ومن المتوقع أن تتراجع أكثر بنهاية العقد الحالي. 
كل هذا، وغيره من العوامل، ساعدت على النمو في تمويلات الصناعة الفضائية، بما في ذلك ارتفاع الميزانيات المخصصة من الحكومات حول العالم التي تسعى لأن تكون لبلدانها مكانة في هذا الميدان. ومن النقاط اللافتة أيضاً، أن ثلث الإيرادات يأتي حالياً من البنية التحية التي تدعم أنشطة الفضاء، ما يؤكد أن المسار نحو استكمال هذه البنية يحتاج إلى وقت لن يكون قصيراً، ويتطلب مزيداً من الإنفاق في المرحلة المقبلة.

أخبار ذات صلة محمد كركوتي يكتب: إمدادات الغذاء في دائرة الخطر محمد كركوتي يكتب: المخاطر المصرفية والفائدة مرتفعة

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: كلام آخر محمد كركوتي فی العام

إقرأ أيضاً:

د. محمد بشاري يكتب: من فقه الفتوى إلى فقه البناء.. نحو اجتهاد تركيبي يؤصل المقصد ويوازن الواقع

ظلّ الفقه الإسلامي، عبر تاريخه الطويل، يتراوح بين اتجاهين متكاملين في الأصل: فقه الفتوى، الذي يُعنى بإنتاج الأحكام الشرعية التفصيلية من أدلتها، وفقًا للوقائع المستجدة، وفقه البناء، الذي يتجاوز ذلك إلى صياغة رؤية اجتهادية شاملة تُؤسس لمقاربة منظومية تُراعي مقاصد الشريعة، وتحوّل الفتوى من مجرد جواب إلى لبنة في هندسة المجتمع. هذا التحوّل المنهجي لا يعني نقض فقه الفتوى، وإنما ترشيده وتكميله في أفق فقهي أكثر اتساعًا وشمولًا.

لقد تميزت بعض المدارس الفقهية – وفي مقدمتها المدرسة المالكية – بهذا التوجه البنائي الذي ينظر إلى الاجتهاد باعتباره أداةً لصياغة العمران البشري، وضبط النظام القيمي، وإنتاج خطاب ديني راشد، يراعي مقاصد الشريعة، ويضبط تنزيل النصوص ضمن بنيات الواقع المتشابكة.

الفرق الجوهري بين فقه الفتوى وفقه البناء لا يتوقف عند اختلاف المنهج أو المقاربة، بل يمتد إلى مستوى الرؤية الحضارية. فبينما ينشغل الأول بسؤال الحكم الشرعي في واقعة معينة، ينشغل الثاني بجملة من التساؤلات المعيارية: ما موقع هذا الحكم في النسق القيمي الإسلامي؟ هل يُسهم في ترسيخ العدالة الاجتماعية؟ هل ينسجم مع مقاصد الشريعة الكلية؟ هل يساعد في بناء أنظمة تشريعية تستوعب التعقيد الحضاري للعصر؟ في ضوء هذه الأسئلة، يصبح الحكم الفقهي عنصرًا في مشروع إصلاحي متكامل، لا مجرد فتوى منعزلة.

إنّ فقه البناء يُلزم الفقيه باجتهاد مركب، يقوم على فقه الواقع، وتحقيق المناط، واستيعاب المآلات، وتقدير المصالح والمفاسد ضمن توازن مقاصدي، لا تغيب فيه الكليات ولا تُهمّش فيه الجزئيات. في هذا السياق، يتحول الفقيه من ناقل لأقوال السابقين إلى مهندس للقيم، ومُشرّع يوازن بين النص والواقع، بين الاستدلال والتدبير، في ضوء حكمة المقصد وكليّة الشريعة.

والواقع المعاصر يكشف هشاشة الاقتصار على فقه الفتوى، إذ نواجه اجتهادات تفتقر إلى الرؤية، وفتاوى عاجزة عن تحقيق التماسك الاجتماعي، أو معالجة القضايا المعقدة في الاقتصاد، والطب، والسياسة، والهجرة، والذكاء الاصطناعي. فحين تُفتي المؤسسة الدينية في قضايا الطب أو السوق أو الدولة، دون استشارة لأهل الخبرة أو إدماج للسياق المؤسسي، فإنها تُعرّض خطابها للفقدان التدريجي للثقة والمشروعية.

من هنا، فإننا بحاجة إلى استئناف فاعل لفقه البناء، بوصفه مسارًا لإعادة تأسيس الاجتهاد الإسلامي، من خلال التكوين العلمي للفقيه، ومناهج التعليم الشرعي، ومشاريع المجامع الفقهية. فلا يكفي أن نُلقّن الطالب قواعد الاستدلال، بل ينبغي أن نُهيّئه لفهم تركيب الوقائع، وتحليل السياقات، وبناء الأحكام ضمن شبكة متكاملة من القيم والمقاصد. كما يجب أن تعيد المؤسسات الاجتهادية ترتيب أولوياتها، فتركّز على "السياسة الشرعية الوقائية" بدلًا من "فتاوى الانفعال اللحظي".

وإذا كان فقه الفتوى يتطلّب الدقة والورع، فإن فقه البناء يتطلب الحكمة والنظر المقاصدي العميق، ويحمّل الفقيه مسؤولية المشاركة في ضبط التوازن الاجتماعي، وتفعيل الوظيفة العمرانية للشريعة، وترسيخ الأمن الروحي والمعنوي للأمة.

لقد آن أوان التحوّل من اجتهاد التلقي إلى اجتهاد التأسيس، من منطق السؤال إلى منطق المشروع، ومن فقه الجواب إلى فقه البناء. فهذا وحده هو السبيل إلى استعادة الفقه الإسلامي لرسالته التاريخية، وفاعليته الحضارية، في زمن تتعاظم فيه التحديات وتتشابك فيه الوقائع.

طباعة شارك الفقه الإسلامي فقه الفتوى الأحكام الشرعية فقه البناء

مقالات مشابهة

  • 25.2 مليون ريال صافي أرباح مجموعة عُمران العام الماضي
  • وزير السياحة: 70 ألف سائح صربي استقبلتهم مصر العام الماضي
  • أكثر من ملياري دولار إيرادات بيع النفط إلى إيطاليا العام الماضي
  • حرب إسرائيل على غزة تكلفها 40 مليار دولار حتى نهاية العام الماضي
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب.. منظومة مكافحة الفساد
  • سبب وفاة نعيمة بوحمالة الفنانة المغربية – ويكيبيديا
  • استطلاع: ظواهر سلبية في الفضاء العام تحتاج إلى تدخلات قبل استضافة مونديال 2030
  • د. محمد بشاري يكتب: من فقه الفتوى إلى فقه البناء.. نحو اجتهاد تركيبي يؤصل المقصد ويوازن الواقع
  • الفلاحين: أسعار الأضاحي أقل من مثيلاتها العام الماضي
  • المحافظ الشغدري يؤكد أن طريق صنعاء – الضالع – عدن مفتوحة من طرف واحد منذ العام الماضي