ميليشيات الحوثي تستهدف المؤيدين لإضراب المعلمين
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
(عدن الغد)متابعات:
بدأت الميليشيات الحوثية في اليمن حملة إرهاب استهدفت الكتاب والنشطاء المساندين لمطالب صرف رواتب الموظفين المنقطعة منذ سبعة أعوام، وبالتزامن مع دخول إضراب المعلمين الشهر الثاني.
الحملة الحوثية بدأت باعتداء خمسة مسلحين بالضرب على أحد الصحافيين، وامتدت إلى تهديد أحد النواب بالقتل، وتهديد أربعة آخرين بالعقاب مع تصاعد مطالبات الموظفين في مناطق سيطرة الجماعة بالرواتب.
وكشف النائب البرلماني المعارض أحمد سيف حاشد عن تلقيه تهديداً بالقتل من قبل أحد القادة العسكريين لميليشيات الحوثي بسبب انتقاده فسادها ومطالبته بصرف رواتب المعلمين، وتأكيده أن الجبايات التي يتم جمعها كافية لصرف رواتب جميع الموظفين في مناطق سيطرة الجماعة.
في حين أكد نشطاء في صنعاء أن منتحلاً صفة قائد «اللواء 17 مشاة» المحسوب على الميليشيات الحوثية علي ناصر داحش هو من أرسل التهديد بقتل حاشد، لأن الأخير قال إن الميليشيات تفخخ عقول الناس بالدورات الطائفية.
ونشر النائب المعارض الرسالة النصية التي وصلته وتضمنت تهديداً بالقتل، وقال حاشد إن ما يحدث هو إرهاب وتحريض مدعوم هروباً من استحقاقات صرف رواتب الموظفين، متهماً ميليشيات الحوثي بإرهاب من ينادي بها، وأكد أن المطالبة بالرواتب لن يستطيع أحد إخمادها مهما فعل.
من جهته، وضع إعلامي في الميليشيات ويدعى فيصل مدهش قائمة بالمستهدفين من قبلهم وهم أبرز المؤيدين لمطالب المعلمين بصرف رواتبهم. وقال إن منشورات النائب حاشد والصحافي مجلي الصمدي والقاضي عبد الوهاب قطران والصحافي مجدي عقبة والناشط وليد العمري، مسيئة لما أسماها للثوابت الوطنية والدينية ولعوائل قتلى الجماعة وجرحاها ونصحهم «بأخذ الحيطة والحذر حفاظاً على حياتهم من أي ردة فعل من أي شخص غير منضبط، وتقديم الاعتذار ولو شكلياً».
اعتراف حوثي
كان القيادي الحوثي حسين العزي المعين نائباً لوزير الخارجية في حكومة الانقلاب غير المعترف بها أقر صراحة بوقوف الميليشيات وراء الاعتداء بالضرب المبرح على الصحافي مجلي الصمدي مالك إذاعة «صوت اليمن» التي أغلقتها الميليشيات وصادرت أجهزتها، وقال إن مواطنين فهموا منشوره المطالب بالرواتب على عكس ما قصد، واقترح عليه حذف المنشور حتى لا يبقى عرضة للخطر.
هذا الأمر أكد عليه الإعلامي الحوثي نصر الدين عامر المعين رئيس لتحرير وكالة «سبأ» في نسختها الحوثية، حيث قال إن الصمدي يكتب ثم يطالبهم بحمايته «من الشعب المضحي»، وأقسم أن أتباعهم يخافون فقط من ردة فعل المسؤولين، وإلا فإنهم سيقومون بسحله (الصمدي) في الشوارع هو وأمثاله، وجزم أن سلطة الميليشيات ليست قادرة على توفير حماية لمن وصفهم بـ«قليلي الأدب».
في غضون ذلك، أكد القيادي السابق فيما تسمى اللجنة الثورية الحوثي محمد المقالح ضلوع الميليشيات في حادثة الاعتداء على الصمدي، وقال إنه ورغم مظلومية الرجل جراء نهب ومصادرة إذاعته من قبل الحوثيين «فإنه أمنهم ومشى وحيداً وراجلاً في أحد شوارع صنعاء ظناً منه أنها مدينة آمنة كما يقولون».
تنديد نقابي وحكومي
من جهتها، دانت نقابة الصحافيين اليمنيين الاعتداء على الصحافي الصمدي وحملت سلطة الأمر الواقع في صنعاء كامل المسؤولية عن حياته وسلامته وما يتعرض له من مخاطر أو أذى، ودعت كافة المنظمات المعنية بحرية الرأي والتعبير وفي مقدمها اتحاد الصحافيين العرب والاتحاد الدولي للصحافيين للتضامن مع الصمدي والضغط لاسترداد حقوقه وتوفير الحماية له ولأسرته ولجميع الصحافيين والإعلاميين.
إلى ذلك، دانت الحكومة اليمنية حملات الإرهاب التي يتعرض لها النشطاء الحقوقيون في مناطق سيطرة الميليشيات، واستنكرت على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني حملات الإرهاب الممنهج التي تشنها ميليشيا الحوثي بحق البرلماني والحقوقي أحمد سيف حاشد، والقاضي عبد الوهاب قطران، التي كان آخرها تهديد قيادات تابعة للميليشيات بالاعتداء المباشر عليهما، بهدف التأثير على مواقفهم، وثنيهم عن تبني قضايا الناس ومطالبهم.
وذكر الإرياني على منصة «إكس» أن حملة التهديد، التي تستهدف حاشد وقطران «جاءت بعد يوم واحد من جريمة الاعتداء بالضرب على الصحافي مجلي الصمدي مالك ومدير إذاعة (صوت اليمن) بينما كان في طريقه لمنزله في العاصمة المختطفة صنعاء، وذلك بعد تهديد مباشر وعلني من القيادي في الميليشيات المدعو حسين العزي».
وأكد وزير الإعلام والثقافة اليمنى أن هذه الاعتداءات والتهديدات تكشف حالة الهستيريا التي أصابت ميليشيا الحوثي الإرهابية، جراء تنامي الغضب الشعبي وارتفاع الأصوات المنددة باستمرار نهبها للإيرادات العامة للدولة ورفضها صرف مرتبات الموظفين، وسياسات الإفقار والتجويع، وجرائمها وانتهاكاتها بحق المدنيين في المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها.
وطالب الإرياني المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمبعوث الأممي ومنظمات حقوق الإنسان والاتحاد الدولي للصحافيين وكل الحقوقيين والنشطاء في العالم بإدانة هذه الممارسات الإجرامية، وإصدار تضامن واضح مع حاشد، وقطران، والضغط على ميليشيا الحوثي لوقف جرائمها وانتهاكاتها بحق الصحافيين والإعلاميين والحقوقيين، وملاحقة المتورطين في تلك الجرائم وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
المصدر: عدن الغد
إقرأ أيضاً:
الريع المسلح: كيف يمكن تفكيك الميليشيات فعلا!؟ 2
في الجزء الأول كان الحديث عن الميليشيات التي تحوّلت إلى بنى راسخة متغلغلة في مفاصل الدولة، تشكّل ما يشبه النظام الموازي القائم على مزيج من العنف والاقتصاد والسلطة.
وقد راج في الخطاب السياسي والإعلامي مصطلح “تفكيك الميليشيات” كحل سحري، لكن المقالات والتحليلات التي تتناول هذا الشعار غالبًا ما تكتفي بوصف المعضلة، دون الغوص في آليات بقائها أو فهم منطق ديمومتها.
تشوش الرؤية… واضطراب الإجراء
ولهذا، فإن أي مقاربة جادة لفهم الظاهرة لا بد أن تنطلق من تحليل “الاقتصاد السياسي للميليشيات” باعتباره البعد الأكثر حسمًا في تفسير استمراريتها وامتناعها عن الزوال.
فالميليشيات الليبية لم تعد عبئا أمنيا على الدولة فقط، بل أصبحت مشروعا اقتصاديا قائمًا بذاته، يدر ارباحاً ضخمة على قادتها وشركائهم في أجهزة الدولة الرسمية، وعلى شبكات أوسع تمتد أذرعها إلى الإقليم والخارج.
إنها ليست مجرد قوة عسكرية، بل باتت تشتغل بمنطق الشركات، وتخوض صراعات النفوذ من أجل حماية استثماراتها، وإعادة توطينها ضمن بنى الدولة نفسها.
وهذا ما يفسّر فشل كل مبادرات التفكيك السابقة، التي تجاهلت أن المطلوب ليس فقط نزع السلاح، بل تفكيك البنى الاقتصادية التي تمنح هذه الكيانات أسباب الحياة.
أول ما يجب فهمه هو أن هذه الميليشيات تعمل ضمن شبكات معقدة من المصالح، تبدأ من القيادات الميدانية، مرورا بموظفين مدنيين ومسؤولين في المؤسسات الرسمية، وصولا إلى رجال أعمال، وسماسرة دوليين، وشركات نقل وموانئ ومصارف.
هناك من يربح من استمرار الفوضى، بل إن بعض هؤلاء الفاعلين باتت مصلحتهم في الإبقاء على الوضع كما هو، لأنهم تحولوا من مستفيدين إلى شركاء في صناعة القرار، بشكل مباشر أو غير مباشر.
اقتصاد الحماية
لا يمكن إذا الحديث عن “حل أمني” دون تفكيك هذه الشبكات التي لا تعمل فقط داخل ليبيا، بل تمتد إلى الخارج عبر التهريب، والمصارف، والتحويلات، والاعتمادات المصرفية، وصفقات السلاح، وغسيل الأموال.
الجانب الآخر يتمثل في ما يمكن تسميته “اقتصاديات الحماية”، وهي آلية قامت بها الميليشيات لتعويض غياب الدولة وتقديم نفسها كبديل عنها.
فبدل أن تكون مجرد جماعات مسلحة تسعى للبقاء، باتت تفرض رسوم حماية على الشركات، وتؤمّن طرق النقل، وتدير الموانئ والمطارات، وتتحكم في توزيع الوقود، وحتى في إصدار التصاريح الرسمية. بل باتت ادارات هذه الشركات نفسها، من هذه القوى المسلحة أو محسوبة عليها مباشرة.
وبذلك تحولت من عنصر عبثي إلى فاعل “منظم”، يتقن منطق السوق ويحسن التفاوض، ويفاوض على نصيبه من الكعكة مع الدولة لا ضدها.
في الواقع، كثير من هذه الميليشيات لم تعد على هامش الدولة، بل أصبحت الدولة نفسها في بعض المناطق، وهذا ما يجعلها أكثر تعقيدًا من مجرد مجموعات مسلحة يمكن تفكيكها بضغطة زر.
أما على مستوى التمويل، فالصورة أكثر خطورة. فالميليشيات اليوم لا تعتمد فقط على الدعم المحلي، بل صارت تمتلك منظومة تمويل متنوعة تشمل عائدات النفط، والتهريب، والجباية غير الرسمية، بل وحتى الاستثمار في القطاعات الشرعية مثل العقارات والتجارة والسياحة.
الاقتصاد…. كلمة السر!!
كما تستخدم أدوات غسيل الأموال لتحويل الأموال القذرة إلى مشاريع نظيفة، مما يعقّد عملية تتبّع الأموال، ويمنحها شرعية زائفة في عيون المجتمع المحلي والدولي.
بل إن بعض الميليشيات تمكّنت من بناء واجهات تجارية محترفة تدير الفنادق وشركات الصرافة والمقاولات، بما يجعل التفريق بين المسلّح والتاجر أمرًا شبه مستحيل.
كل هذه العناصر تؤكد أن استمرار الميليشيات ليس فقط نتيجة لانهيار الدولة، بل لأنه بات بديلا عن الدولة، أو نموذجًا منافسًا لها.
وبالتالي، فإن أي محاولة لمعالجة هذا الوضع يجب أن تبدأ بتفكيك البنية الاقتصادية التي تمنح هذه الكيانات مقومات البقاء.
لا يمكن تفكيك الميليشيا إذا بقيت أرباحها قائمة، وشبكات تمويلها آمنة، وعلاقاتها الاقتصادية محمية. التفكيك يبدأ من الاقتصاد، لا من السلاح، ومن المحاسبة المالية لا من الحسم العسكري.
ومن هنا تأتي أهمية هذا المحور باعتباره الجواب الحقيقي على السؤال الكبير الذي يطرحه المقال: إذا كان تفكيك الميليشيات وهمًا، فما هو البديل؟
البديل هو تفكيك شبكات المصالح التي تقوم عليها هذه الجماعات، واستهداف البنية الاقتصادية التي تمكّنها، وفرض رقابة صارمة على الاعتمادات والتحويلات والأسواق، وتجفيف منابع تمويلها، وربط الإصلاح الأمني بالإصلاح الاقتصادي، لا التعامل معهما كملفين منفصلين.
الاقتصاد السياسي للميليشيات هو المفتاح الذي يمكن أن يحول الخطاب من مجرد صرخة تحذير إلى خريطة طريق حقيقية، تتعامل مع الظاهرة في عمقها، وتفهم أسباب نشأتها وآليات بقائها، وتطرح مسارات عملية لتفكيكها.
فلا حرية بدون أمن، ولا أمن بدون اقتصاد، ولا دولة بدون كسر منظومة الريع المسلح التي تحكم ليبيا من خلف الستار.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.