اليمنيون يفتقدون للعيد وتعز تموت عطشا والحروب العابرة تعد بالمزيد من الخراب
تاريخ النشر: 8th, June 2025 GMT
لا شيء أكثر مرارة في اليمن هذه الأيام من العجز عن الشعور بالفرح في أقدس أعياد المسلمين وأعظمها على الإطلاق، عيد الأضحى المبارك.. لا يتعلق الأمر بانسداد الأفق السياسي أو باستمرار التوتر الأمني والاشتباكات المتقطعة وانفجارات الألغام والقنص المميت والاعتقالات فقط، ولكن هناك مظاهر لها علاقة مباشرة بعجز السلطة الشرعية وقوى ما دون الدولة المهيمنة في البلاد، وتتفاقم بشكل مخيف؛ لعل أكثرها خطورة شح المياه الذي يضرب مدينة مليونية مثل مدينة تعز ومحافظة ملاينية مثل محافظة تعز، والفقر الشديد جدا الذي يضرب البلاد كلها.
لقد تحول عيد الأضحى المبارك بالنسبة لسكان مدينة تعز وأجزاء من ريفها إلى جحيم حقيقي، إذ يقضي سكان المدينة ليلهم ونهارهم في طوابير طويلة للحصول على المياه التي يعاني معظمها من الملوحة، واقعين تحت تأثير الحصار المائي الذي تفرضه جماعة الحوثي من خلال سيطرتها على حقلين رئيسيين كانا يزودان المدينة بالمياه قبل العام 2014، والواقعين إلى الشمال منها، وانحسار قدرة الشبكة المغذية لسكان المدينة بالمياه إلى ما دون الـ10 في المائة.
وحتى في الآبار الواقعة تحت سيطرة السلطة المحلية الشرعية للمحافظة يواجه السكان مشكلة في الوصول إليها، نتيجة كلفتها العالية الناجمة عن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية اللازمة لتشغيل صهاريج نقل المياه، في وقت يعاني سكان المدينة من شح مالي كبير نتيجة انقطاع المرتبات منذ نحو شهرين، وعدم كفايتها حتى لو صُرفت للموظفين والمعلمين بانتظام.
مظاهر الفشل العام تهيمن على البلاد، وتتجلى في العجز المخيف في قدرة اليمنيين سياسيا واقتصاديا ومعيشيا، وهو عجز يحول دون تمكنهم من العيش بما يليق بكرامتهم الإنسانية، في ظل استشراء الفوضى، والحروب الوظيفية، وجبروت قوى ما دون الدولة وارتباطاتها السيئة بأجندات خارجية شديدة الخبث والمكر والطوية السيئة تجاه اليمن
تمثل مدينة تعز أنموذجا صارخا للمدن الكبيرة العطشى في هذا العالم، ويزيد من مأساتها أنها تعيش في ظل عجز سياسي واستراتيجي واقتصادي وفقر مائي وضغط سكاني هائل وفقر شديد، كلها صنعت مشكلة بالغة التعقيد لا يمكن حلها إلا عبر توفر تمويل استثماري كبير، يحتاج بالضرورة إلى استنهاض الشرعية ودورها، وحدوث تحول عجزي في سلوك مجلس القيادة الرئاسي ورئيسه، لأنه يدرك أكثر من غيره مأساة تعز التي ينتمي إليها وكان يشغل منصب مدير الأمن فيها حتى العام 2006.
مظاهر الفشل العام تهيمن على البلاد، وتتجلى في العجز المخيف في قدرة اليمنيين سياسيا واقتصاديا ومعيشيا، وهو عجز يحول دون تمكنهم من العيش بما يليق بكرامتهم الإنسانية، في ظل استشراء الفوضى، والحروب الوظيفية، وجبروت قوى ما دون الدولة وارتباطاتها السيئة بأجندات خارجية شديدة الخبث والمكر والطوية السيئة تجاه اليمن ودوره وموقعه ووحدته وقوته الجيوسياسية الكامنة.
أمام هذا الثقل الهائل من المعاناة والدمار المعيشي والعجز الحاد، يبدو أن القوى الخارجية المهينة قررت أخذ قسط طويل من الراحة مستأنسة بحالة الاستسلام المهينة للقوى اليمنية، في حين تفقد الأمم المتحدة فضيلة ترتيب الأولويات في ضمن أجندتها المكلفة ماليا، إذ ينصب اهتمام المنظمة ومبعوثها إلى اليمن ومعهما مجلس الأمن على قضية واحدة يُراد لها أن تصرف الأنظارَ عما سواها، وهي قضية احتجاز الحوثيين لعدد من العاملين في المنظمات الدولية في صنعاء، وهي قضية إنسانية في غاية الأهمية، لكنها تبقى فرعية أمام مظاهر الفشل الذي أصاب الجهد الأممي، وأبقى اليمن وشعبه في وضع أمني واقتصادي ومعيشي لا يمكن احتماله، في وقت تراجعت فيه التمويلات الدولية لجهود الاستجابة للاحتياجات المعيشية الضرورية لليمنيين.
دور الأمم المتحدة ومبعوثها يتراجع بصورة كبيرة، وباتا يقتاتان على فرص الهدوء المتقطعة التي تطل بعد كل هدنة تفرضها واشنطن أو حرب عابرة للحدود
لا نبالغ إذا قلنا إن دور الأمم المتحدة ومبعوثها يتراجع بصورة كبيرة، وباتا يقتاتان على فرص الهدوء المتقطعة التي تطل بعد كل هدنة تفرضها واشنطن أو حرب عابرة للحدود. فبعد توقف الضربات الأمريكية، باشر المبعوث هانس غروندبيرغ في إجراء لقاءات في كل من الرياض ومسقط؛ شملت حتى مسؤولين إيرانيين كانوا متواجدين في العاصمة العمانية، أصدر بعدها بيانات أوحت بأن هذا الحدث سيكون له ما بعده وأن عجلة العمل من أجل العودة إلى خارطة الطريق باتت متاحة الآن.
في تقديري أن هذا الجهد لا معنى له إذا كان يطمح إلى عودة الجميع إلى خارطة الطريق التي فرضها بايدن، وأغرقها بالمنح السخية لجماعة الحوثي على خلفية علاقة متوترة له ولحزبه آنذاك مع القيادة السعودية. وعليه، فإن الأمم المتحدة ومبعوثها يخفيان حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية أوقفت عملا عدائيا واحدا فقط، وأبقت على أعمال عدائية أخرى شديدة التأثير وعلى رأسها العقوبات.
صحيح أن تلك الأعمال موجهة ظاهريا ضد جماعة الحوثي وتخصم من مكاسبها، خصوصا المكاسب التي كانت تنطوي عليها خارطة الطريق على المستويات السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، لكن العقوبات يبدو أنها تؤثر في جانبها الاقتصادي والمالي على قطاع واسع من اليمنيين، حتى أولئك الواقعين خارج سيطرة جماعة الحوثيين، ويتجلى ذلك بوضوح في العقيدات التي يواجهها اليمنيون في الداخل والخارج فيما يخص المعاملات المالية والتحويلات.
وثمة حرب مفتوحة طرفها الآخر الكيان الصهيوني الذي تحدث قادته مؤخرا عن توفر معطيات استخبارية ميدانية في اليمن، قد تُبقي عدوان هذا الكيان مفتوحا، ضمن مواجهة استدعتها الحرب الوظيفية للحوثيين.
x.com/yaseentamimi68
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه اليمن الشرعية تعز الحوثي اليمن العيد تعز الشرعية الحوثي سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأمم المتحدة ما دون
إقرأ أيضاً:
حياة "الفقر" في الصومال أفضل للاجئين من "بطالة" اليمن
في أرجاء عدن الخاضعة للقوات الحكومية اليمنية ترتفع نسبة البطالة بصورة حادة، ويمكن رؤية مهاجرين أفارقة هائمين في الشوارع أو يعملون في مهن بسيطة كتنظيف السيارات أو حتى يبحثون عن طعام في صناديق القمامة.
في بيوت عشوائية تفتقد أبسط الأساسات وتربط بينها طرق ترابية تحيطها القمامة، يعيش آلاف الصوماليين مع أطفالهم في فقر مدقع في حي البساتين في عدن، مما دفع كثراً منهم إلى اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم.
اليمن ليس مقصداً للهجرة بحد ذاته، لكن عدداً كبيراً من الحالمين ببلوغ دول الخليج الثرية، يجد نفسه عالقاً في أفقر بلدان شبه الجزيرة العربية الغارق في الحرب بسبب صعوبة اختراق حدود الدول الأخرى.
بين هؤلاء المهاجرين الصوماليين عبدالله عمر الذي وضع زوجته وأطفاله العام الماضي في مركب هجرة غير شرعية مقابل 500 دولار، ظناً منه أنه سيجد مستقبلاً أفضل.
وقال عمر (29 سنة) بإحباط شديد "يوم نأكل، ويوم على الله، هذه هي الحياة"، ويعمل عمر في غسل السيارات مقابل ألف إلى ألفي ريال يمني (بين 0,6 و1,2 دولار)، ويجني يومياً نحو 6000 ريال (3,7 دولار).
ونشأ عمر في اليمن رفقة والديه خلال حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي أطاحته ثورة شعبية إبان انتفاضة الربيع العربي في 2011، وحين صار شابا، قرر كآلاف الأفارقة الانتقال إلى السعودية، لكنه لم يتمكن من دخولها.
وروى لوكالة الصحافة الفرنسية "ذهبت إلى السعودية عبر التهريب في 2017، حرس الحدود السعودي أوقفوني وأعادوني للصومال، حيث تزوجت وأنجبت ثلاثة أطفال".
بعد سبع سنوات من العمل في قطاع البناء في مقديشو، حيث كان يكسب يومياً نحو 25 دولاراً، عاد عمر إلى اليمن المقسوم بين مناطق يسيطر عليها المتمردون الحوثيون وأخرى تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، ليواجه شظف العيش والبطالة.
وأضاف الرجل الذي رزق مولوداً رابعاً قبل ثلاثة أشهر "اعتقدت أن اليمن أفضل من الصومال"، البلد الفقير غير المستقر في القرن الأفريقي، لكن "لا عمل ولا مال ولا دراسة للأطفال".
في أرجاء عدن الخاضعة للقوات الحكومية اليمنية، ترتفع نسبة البطالة بصورة حادة، ويمكن رؤية مهاجرين أفارقة هائمين في الشوارع أو يعملون في مهن بسيطة كتنظيف السيارات أو حتى يبحثون عن طعام في صناديق القمامة.
في حي البساتين المسمى "مقديشو عدن"، تجلس أمهات يائسات أمام بيوتهن وحولهن أطفالهن الذين تبدو عليهم بوضوح علامات سوء التغذية، فيما خرج الرجال للبحث عن فرصة عمل.
وسجلت المنظمة الدولية للهجرة وصول نحو 17 ألف شخص إلى اليمن انطلاقاً من جيبوتي والصومال في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بزيادة مقدارها 99 في المئة عن الشهر السابق له.
"هنا لا أملك شيئاً"
منذ 2014 يشهد اليمن نزاعاً مدمراً سيطر خلاله المتمردون المدعومون من إيران على مناطق شاسعة في شمال البلاد، بينها العاصمة صنعاء.
وفي العام التالي تدخلت السعودية على رأس تحالف عسكري دعماً للحكومة اليمنية، وأوقع النزاع مئات آلاف القتلى، وأدت الحرب إلى إغراق البلاد في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وفق الأمم المتحدة.
ويحتاج نحو 19,5 مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان إلى مساعدات إنسانية في 2025، بمن فيهم 4,8 مليون نازح داخلي، بحسب أرقام الأمم المتحدة.
ويعيش عمر في غرفة صغيرة من دون أثاث، إلا من مرتبتين رقيقتين للغاية، داخل بيت مشترك من طابق واحد ومن دون باب، ويدفع إيجاراً شهرياً يبلغ 35 ألف ريال يمني (نحو 21 دولاراً)، وتتشارك أسرته حماماً ومطبخاً مع أسرتين أخريين.
وقال عمر "هنا لا أملك شيئاً، سأعود لبلادي لأوفر مصاريفي وحياة لأبنائي، في الأقل أشتري لهم أحذية وملابس".
ولا يزال الصومال نفسه يعاني ويلات الحرب الأهلية، وتسيطر حركة "الشباب" على مساحات شاسعة من البلاد، إلا أن السلام النسبي الذي شهدته العاصمة مقديشو في السنوات الأخيرة حقق قدراً من الاستقرار، وسمح بطفرة بناء في أجزاء من المدينة، وهو ما يأمل عمر بأن يستفيد منه.
"إذا تحقق السلام"
ومنذ لقائه مع وكالة الصحافة الفرنسية استقل عبدالله وأسرته نهاية أكتوبر الماضي رحلة إلى مقديشو نسقتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ضمن برنامج العودة الطوعية للاجئين الذي انطلق في 2017، وأعاد مذاك أكثر من 9 آلاف لاجئ صومالي لبلادهم.
ويشكل الصوماليون نحو 63 في المئة من أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء في اليمن البالغ عددهم رسمياً أكثر من 61 ألفاً، بحسب أرقام المفوضية، لكن الأرقام الحقيقية قد تكون أكبر بكثير.
وأرجع 56 في المئة من الصوماليين الذين أعادتهم الأمم المتحدة لبلادهم سبب عودتهم إلى "عدم وجود فرص لكسب الدخل" في اليمن، وفق استطلاع رأي للمفوضية.
وقال القائم على برنامج العودة الطوعي عويس الوزان إن البرنامج يساعد "عدداً كبيراً من اللاجئين الراغبين في العودة للصومال دون أن يكون لديهم سبيل للعودة بالتهريب أو دفع قيمة تذكرة".
وشرح الوزان أنه "إضافة إلى إعادتهم مجاناً، نوفر لكل فرد من الأسرة 250 دولاراً قبل السفر، وفي الصومال، توفر المفوضية 200 دولار لكل لأسرة لإعادة الاندماج بالمجتمع".
وأجلت الأمم المتحدة أكثر من 500 صومالي هذا العام، وستطلق ثلاث رحلات أخرى حتى نهاية العام يتوقع أن تقل نحو 450 شخصاً.
ومن بين هؤلاء المقاول الصومالي أحمد أبو بكر مرزوق (58 سنة) الذي جاء إلى اليمن قبل 25 عاماً وتزوج مرتين وأنجب 15 طفلاً.
قبل الحرب كان مرزوق يعيش حياة كريمة مكنته من إرسال المال لأهله بالصومال وبناء منزلين في مقديشو.
وقال مرزوق بحزن "لا يوجد عمل منذ ثلاث أو أربع سنوات، بناتي يعملن كخادمات"، وعن الصومال قال "أشقائي هناك يعملون بالزراعة، إذا تحقق السلام أعود إلى اليمن".