العيد بين الأمس واليوم.. ذاكرة الأجداد بعدسات هواتف الأبناء
تاريخ النشر: 8th, June 2025 GMT
كان العيد يبث صدى التكبيرات عبر صوت المذياع، الذي يبشر بصباح يوم جديد من أيام العيد، وتفوح روائح الطيب والبخور في حضور بارز لأفخر أنواع البخور واللبنان الذي تمتاز به سلطنة عُمان، مع ارتداء زي العيد الجديد، دشداشة بيضاء للرجال، وثوب كثير الألوان والزركشة للنساء، ليبدأ اليوم بصلاة العيد، وتتلوه لقاءات أفراد المجتمع ببعضهم البعض، مع وافر من المحبة والألفة، وبساطة طاغية واضحة في كل مظاهر العيد.
ومع دخول التلفاز انتقل اجتماع أفراد العائلة الواحدة، لمشاهدة صلاة العيد، ومظاهر الفرح والسرور في مختلف المحافظات العُمانية، مع حضور الأغاني الوطنية والرقصات الشعبية، وقصص من التراث واللقاءات الدينية، ليبقى المشهد الإعلامي حاضرا في كل بيت عُماني مع اختلاف الشكل وبقاء الوسيلة، وكأن العيد هو صورة إعلامية تبرز فيها مشاعر الوطن، وتقاليد ثابتة وراسخة لا يمكن التنازل عنها مهما مضى الزمان.
اليوم تغيرت الوسيلة، فأصبحت تهاني العيد تنتقل عبر رسالة "واتساب" تبعث بشكل إلكتروني، وأصوات التكبيرات تعلو عبر صوت الهاتف النقال، ولقاءات الأحبة يكتفى بها من خلال رسائل في مجموعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو صور منشورة عبر قصص وحالات تختفي بعد 24 ساعة، وأصبحت مظاهر العيد بعيدة عن البساطة، متكلفة وكثيرة البهرجة، تزايدت فيها التكاليف، وطغى عليها مقياس المفاضلة بالتنافس أيها سيكون الأميز والأبرز، كل ذلك لأجل صورة أو مقطع فيديو ينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعيدا عن اللقاءات المملوءة بالمحبة والوئام.
الإعلام يوثق الاحتفال بالعيد
رغم هذا التحول بقى للإعلام حضوره، في نقل مظاهر العيد، وطقوس الاحتفال، من خلال بث مباشر تلفزيوني كان أو عبر المنصات الرقمية، وصوت التكبيرات حاضرا عبر مكبرات الصوت في مصليات العيد، وصوت مبثوث في الهاتف والتلفاز، وأصبحت أصوات العيد حاضرة كإرث لا يمكن الاستغناء عنه في ذاكرة وحاضر كل عُماني.
ومع كل التقدم الرقمي، إلا أن وسيلة تبادل التهاني عبر قنوات الإذاعة المختلفة، وبرامج العيد المباشرة لا تزال حاضرة حتى يومنا هذا، وكأن ولاء المستمع والمشاهد ما زال باقيا رغم كل تقدم رقمي، ولكن السؤال هل هذا سيظل باقيا مع الأجيال القادمة؟ أم أنه سيقل وربما ينقرض مع حضور تحول رقمي، وترندات تدخل في كل موسم، قد تطغى بحضورها على كل وسيلة تقليدية؟
صورة العيد مهما اختلفت بقيت
لم تكن للعيد إلا صورة جماعية يلتقطها أفراد العائلة الواحدة، عبر عدسة الكاميرا، يتم الاحتفاظ بها في ألبوم عائلي مطبوع، تصفحه يشكل استعادة لذكريات ومشاعر الفرح مهما عبرت الأزمان والأيام، إلا أن الصورة اليوم تنوعت وتشكلت بحضور "الفلاتر" التي تغير الملامح والأشكال، فردية أكثر منها جماعية، يتنافس فيها كل شخص بأن تكون اللقطة أكثر إثارة للانتباه وخروجا عن الواقعية، ومع دخول الذكاء الاجتماعي أصبحت الصورة بأسلوب رسومي كما حصل في ترند عيد الفطر الماضي، تلاحق المستخدمون واحدا تلو الآخر ليكون صورة من صور لا تمت للواقع بأي شكل من الأشكال.
تغير المظاهر.. واستمرار الاحتفالات
ورغم الاختلاف في بعض مظاهر العيد، إلا أننا في سلطنة عُمان مازلنا أكثر المجتمعات المحافظة على مظاهر العيد بشكلها التقليدي، بداية من وجود الهبطات، وصلاة العيد الجماعية في الساحات المفتوحة، وتبادل التهاني واللقاءات الودية بعد الصلاة مباشرة، إلى الزيارات العائلية الممتدة خلال أيام العيد، وفرحة الأطفال بالتطواف حول البيوت لجمع العيدية، إلى اجتماع العائلة حول مائدة العيد، المحتفظة بكل النكهات والأطباق اليومية: كالعرسية، والهريس، والشواء (التنور)، والمكبوس، وحضور فوالة العيد التي تجمع حلويات العيد مع تطور أشكالها، إلا أن الحلوى والقهوة العمانية ما زالت تتسيّد الموائد في كل بيت.
ومازالت احتفالات بعض ولايات سلطنة عُمان، منذ القدم وحتى اليوم محافظة على جميع الطقوس، فالرقصات والأغاني الشعبية تمتد طيلة أيام العيد، وبقاء "العيود" والأسواق المفتوحة للباعة المتجولين، مع أكشاك بيع الأطعمة الشعبية، وحضور أفراد الولاية الواحد لتتاح فرصة للقاءات الودية، كما أن بقاء مظاهر الذبح وتقطيع اللحم، وصنع العرسية، وإعداد الشواء بكل مظاهره العائلية والمجتمعية ما زالت في كل عيد تحتفظ بشكلها الأصلي، وهو ما بدا جليا في شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال تزاحم كاميرات الهواتف لتوثيق هذه اللحظات، ونشر مقاطع الفيديو بأساليب أكثر احترافية، كما أصبحت سلطنة عُمان موطنا لجذب المؤثرين ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي ليحضروا للمشاركة في هذه العادات المفتقدة في بعض الدول، شعور بأن العيد ببقاء كل ذلك الإرث الثري هو فرحة والتحام مجتمعي لابد أن يبقى مهما طغى التجديد.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی مظاهر العید إلا أن
إقرأ أيضاً:
مظاهر العيد في الثمانينيات.. إرث الماضي وامتداد للحاضر وتمسك بالعادات والتقاليد الأصيلة
يحرص العُمانيون على التمسك بمظاهر العيد التي هي إرث عُماني يعزز الروابط الاجتماعية ويعمقها في نفوس النشء، ورغم التقدم التكنولوجي الهائل، إلا أن العادات والتقاليد في العيد لا تزال حاضرة في مختلف الولايات والمحافظات، وبالعودة إلى أرشيف جريدة "عمان" وتحديدا إلى عام 1980، حيث نرصد مظاهر عيد الأضحى المبارك، نتفق مع الكاتب والصحفي الكبير حمود السيابي، الذي رصد مظاهر العيد قبل 44 عاما على "أن العيد في سلطنة عُمان له مذاقه الخاص ونكهته المميزة، فهو إلى جانب ما تحمله المناسبة المباركة من عظات ومغازٍ اجتماعية وإنسانية نبيلة، فهو تظاهرة فنية رائعة، فيه يبرز الفلكلور الشعبي العُماني كفن أصيل يتحدث عن حضارات مزدهرة راقية"، ولا تزال الفنون الشعبية حاضرة في مختلف المحافظات وتعتبر جزءا مهما من مظاهر العيد وتعكس التراث الثقافي الأصيل وتضفي طابعا فريدا على العيد من خلال تعدد الفنون واختلافها من محافظة إلى أخرى.
"أسواق الحلقة"
يصف حمود السيابي أسواق الحلقة بأنها "امتداد للأسواق العربية القديمة كسوق "عكاظ" الشهير، إلا أن الظروف جردت السوق من بعض الظواهر المتوفرة قديما كالمصارعة والمساجلة الشعرية والندوات الأدبية وأبقت على بعضها الآخر بل واكتسبت ظواهر جديدة أيضا، وتعتبر الأسواق هذه ظاهرة تقليدية تمتاز بها عُمان دون سائر البلاد العربية، وتبدأ مع تباشير الصباح، حيث تخرج الأسر العُمانية وقد اتخذت كامل زينتها، وفي أسواق "الحلقة" يتحلق الصغار أمام باعة اللعب والحلويات، في حين تتجمع النساء لشراء حاجياتهن للعيد، في حين ينهمك الرجال في البحث عن غنمة أو بقرة أو جدي ليضحي به صبيحة العيد"، ولا تزال الهبطات حاضرة وتمثل باكورة احتفالات عيد الأضحى المبارك وكذلك عيد الفطر السعيد، وتقام حتى الآن على مساحات مفتوحة من الأراضي أو تحت ظلال أشجار النخيل والمانجو والغاف أو بالقرب من القلاع والحصون، وتشهد إقبالًا كبيرًا من مختلف فئات المجتمع العمرية، وتعد هبطات نزوى والرستاق وسناو وعبري، من أكبر الهبطات التي تشهد إقبالًا كبيرًا من عدة محافظات استعدادًا للعيد، وربما قديما كانت كافة مستلزمات العيد تصنع محليا وينتجها الصائغ والنساج والمزارع والفخار وحرفيّ المنتجات السعفية، وهو ما تفتقده الهبطات حاليا.
"سيدة الأطباق"
المطبخ العُماني غني بوجباته المعقدة التحضير في العيد، كما يصفه حمود السيابي، الذي أضاف: "يبيت الناس ليلتهم في الإعداد للطبق الأول للعيد وهو ما يطلق عليه اسم "العرسية" وهي تحضر من الرز واللحم، حيث يطبخ اللحم في طنجرة كبيرة إلى أن ينضج ثم يوضع عليه الرز والهيل وماء الورد ويستمر الغليان إلى أن تتداخل حبيبات الرز باللحم مكونة عجينة بيضاء وذلك بعد أن تعجن بعضا غليظة عدة مرات"، وتمثل "العرسية" سيدة الأطباق في أول أيام العيد، إذ تختلف طرق التحضير من محافظة إلى أخرى، كما يدخل السمك أو الدجاج عوضا عن اللحوم في وجبة العرسية.
جموع المصلين
لا تزال مواكب المصلين من العادات الحاضرة في العديد من الولايات صبيحة أول أيام العيد، ويقول عنها حمود السيابي قبل نحو 44 عاما: "الذهاب إلى الصلاة تتبع فيه مراسم خاصة، حيث يتوجه المصلون في موكب كبير يتقدمه وجهاء وأعيان المدن وشيوخها ويتولى أشخاص يحملون سيوفا مسلولة تنظيم صفوفهم، بينما ترتفع الأهازيج الشعبية المصحوبة بدقات الطبل وصيحات البرغوم، ولدى وصول المصلين الحصن في بعض الولايات تطلق طلقة مدفع ثم يصطحب الوالي المصلين إلى مكان الصلاة، وبانتهاء الصلاة يعود المصلون إلى منازلهم، حيث يقومون بنحر الذبائح"، ويلي ذلك تحضير المقلاي وهو طبق ثاني أيام العيد، ويخصص عصر ذلك لحضور "العزوة" وهو عبارة عن مهرجان فرح يشارك فيه الكبار والصغار، وهو من العادات التي لا تزال حاضرة في بعض الولايات وانقرضت من بعضها، مما يستدعي أهمية إحيائها للمحافظة على خصوصية العيد في سلطنة عُمان وتفردها عن غيرها من الدول بقيمها الأصيلة.
"وجبة الشواء"
يلاحظ القارئ أن مظاهر العيد في الثمانينيات تمر بتسلسل فريد في الأطباق حسب أيام العيد، بدءا بالعرسية في أول أيام العيد، ثم المقلاي في ثاني أيام العيد، يليه الشواء في ثالث أيام العيد، ثم المشاكيك في رابع أيام العيد، ورغم أن هذه الوجبات حاضرة إلى اليوم، إلا أن الاختلاف يكمن في الترتيب بين ولاية وأخرى.
ويصف حمود السيابي لحظات استخراج الشواء إذ يقول: "تصاحب افتتاح التنور مهرجانات وأهازيج، حيث يتحلق الصبية ويصرخون: (شوانا نضيج وشواكم نيّ) وذلك لإغاظة أصحب التنور المجاور ولإسماع الناس بضرورة التوجه لإحضار الشواء، ويؤكل الشواء مع الرز الأبيض، والسلطة ونادرا ما يحصل أن ظهر الشواء نيئا، وإذا حصل ذلك، فإن أصحاب ذلك التنور يكونون مدعاة للخجل والغضب والتعليقات الجارحة".