الانحدار الثقافي في الولايات المتحدة يهدد مستقبل الديمقراطية
تاريخ النشر: 9th, June 2025 GMT
ترجمة - بدر بن خميس الظفري -
كمراقب لأنظمة الحكم الديمقراطية ومحامٍ دستوري في بريطانيا، أتابع بقلق متزايد ما تشهده كثير من الدول الغربية من بوادر انهيار ديمقراطي. قد لا تكون هذه البلدان قد وصلت إلى مستوى فنزويلا أو بيرو أو المجر أو تركيا أو روسيا، لكن ما يحدث فيها يوضح كيف تموت الديمقراطية بصمت، لا بضجيج.
الولايات المتحدة، اليوم، مهددة بأن تُدرج في هذه القائمة. مؤسساتها ما زالت تعمل، رغم التوترات المتزايدة بينها، غير أن التدهور في ثقافتها السياسية مثير للقلق. ويشترك هذا الوضع مع كثير من الديمقراطيات الغربية الأخرى التي تعاني تحت وطأة توقعات متزايدة وغير واقعية من الدولة، يفرضها الناخبون.
الديمقراطية آلية دستورية للحكم الذاتي الجماعي، يُناط فيها اتخاذ القرار بأشخاص يقبل بهم غالبية الناس، وتُقيد سلطاتهم ويُسحب تفويضهم متى اقتضى الأمر. لكن الديمقراطية لا تقوم على المؤسسات وحدها، بل على ثقافة متجذرة في سلوك السياسيين والمواطنين. إنها تتطلب استعدادًا لاختيار حلول يستطيع معظم الناس التعايش معها، وتفرض أعرافًا تحد من الاستعمال التعسفي أو الانتقامي أو القمعي للسلطة، حتى عندما يكون قانونيًا. والأهم من ذلك، أنها تتطلب أن يُنظر إلى الخصوم السياسيين كمواطنين شركاء في الوطن، لا كأعداء يجب سحقهم.
ومن هنا تبرز خطورة دونالد ترامب، الذي يُجسد ثلاث سمات كلاسيكية للأنظمة الاستبدادية هي الزعامة الكاريزمية المحاطة بعبادة شخصية، والخلط بين الدولة وذاته، والرفض التام لشرعية المعارضة أو الاختلاف. والنتيجة هي استبدال حكم القانون بحكم قائم على الأهواء، وهو ما كان المؤسسون الأوائل للولايات المتحدة يعتبرونه الخطر الأكبر على الديمقراطية.
ترامب استخدم سلطاته العامة لتصفية حسابات شخصية. استهدف مكاتب محاماة مثلت خصومه، وحرم شخصيات عامة من الحماية الأمنية، وهاجم مؤسسات ثقافية مثل جامعة هارفرد ومركز كينيدي لأنها لا تتماشى مع أجندته الشخصية. حتى المادة الثانية من الدستور، التي تلزم الرئيس بتنفيذ القوانين بأمانة، باتت مرهونة بمزاجه. فقد وجّه وزارة العدل بعدم تطبيق قوانين صادق عليها الكونجرس، مثل قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، وقلّص أو أوقف برامج خُصصت لها أموال اتحادية، وهدد حكام الولايات بقطع الدعم عنهم ما لم ينصاعوا له.
قد نمتلك نحن المراقبين من الخارج رفاهية المتابعة من مسافة، لكن علينا أيضًا التأمل في هشاشة ديمقراطياتنا. ما يحدث في الولايات المتحدة هو أزمة توقعات، شبيهة بما تمر به كثير من الدول المتقدمة. ففي استطلاع رأي أُجري في بريطانيا عام 2019، أعرب أكثر من نصف المشاركين عن تأييدهم لفكرة أن بلادهم «بحاجة إلى قائد قوي مستعد لكسر القواعد».
شهدت أوروبا ارتفاعًا في الدعم الانتخابي لشخصيات سلطوية بشكل علني، كمارين لوبان في فرنسا، ويورغ هايدر في النمسا، وفيكتور أوربان في المجر، وقيادات حزب البديل لأجل ألمانيا. الأسباب معقدة، لكن أبرزها أن الناس باتوا يتوقعون من الدولة أشياء تفوق قدرتها، ويزداد نفورهم من المخاطرة. في بعض الأحيان، تتحقق هذه التوقعات على حساب قيم مهمة أخرى. وتحديدًا، يعلّق الناخبون آمالهم الكبرى على أن تحميهم الدولة من التقلبات الاقتصادية القاسية.
نحن نطلب من الدولة الحماية من كل الأخطار التي تحفل بها الحياة مثل فقدان الوظيفة والفقر والكوارث الطبيعية والمرض والفقر والحوادث. وهذا نابع جزئيًا من التقدم الهائل في القدرات التقنية للإنسانية منذ القرن التاسع عشر. وبات الناس يطالبون الدولة بحلول لكل أزمة، وإذا لم يجدوا هذه الحلول، رموا بفشلهم على الحكومة.
وعندما تخيب هذه التوقعات، يلوم الناس النظام بأسره، أو ما يسمى بـ«الدولة العميقة». في غياب الثقافة الديمقراطية، يتجه الناس تلقائيًا نحو «الزعيم القوي»، ويخدعون أنفسهم بأن هذا الزعيم سينجز ما عجز الآخرون عنه.
الولايات المتحدة تقدم مثالًا فريدًا. لقد نعمت بما يقارب 150 عامًا من الحظ السعيد والاستقرار النسبي، لكن هذا الحظ قد ينتهي الآن، مع صعود قوى اقتصادية مثل الهند والصين. المهارات التقليدية باتت عديمة القيمة في الاقتصادات مرتفعة الأجور، مع انتقال الثروة نحو صناعات التكنولوجيا المتقدمة، ما أضر بدخول من اعتمدوا على التصنيع والزراعة والصناعات الاستخراجية. وحتى في المجالات التكنولوجية التي لا تزال أمريكا تتفوق فيها، فإن الفجوة بدأت تضيق.
هذه المشكلات لا تخص أمريكا وحدها. أوروبا تعاني منها أكثر، وتوقعاتها من الدولة أعلى. لكن فقدان الأمل لحظة خطرة في حياة أي ديمقراطية. خيبة الأمل من وعود التقدم كانت أحد أسباب الأزمة الأوروبية الكبرى التي بدأت في 1914 وانتهت في 1945.
والمفارقة أن التاريخ يعلّمنا أن الزعماء الأقوياء لا يحققون شيئًا في نهاية المطاف.
ربما يرضون غرور بعض الناس لفترة، لكن بثمن باهظ. غالبًا ما يلتصق هؤلاء بحلول مبسّطة لمشكلات معقدة، ويركزون السلطة في أيدي قلة، دون تخطيط أو بحث أو مشورة. ويحيطون أنفسهم بالموالين بدل الحكماء، وبالمتملقين بدل المستشارين، ويضعون مصالحهم فوق المصلحة العامة. وهذه وصفة للفوضى والانهيار السياسي والانقسام المجتمعي.
إذا استمر الأمريكيون في انتخاب شخصيات سلطوية ومن يروّجون لها إلى الكونجرس، فلن تصمد الديمقراطية. لكن هذا ليس قدرًا محتومًا بعد.
كان الآباء المؤسسون للولايات المتحدة يدركون تمامًا أن الديمقراطية تعتمد على الثقافة، وأنها هشة. كتب الرئيس الثاني للبلاد، جون آدامز، وهو في شيخوخته، أن الديمقراطية، مثل غيرها من أنظمة الحكم، معرضة لأهواء الغرور والطمع والطموح، بل إنها أكثر تقلبًا منها. وخلص إلى أن «لا ديمقراطية في التاريخ إلا وانتهت بالانتحار».
ولذا، صمّم المؤسسون «حكمًا يقوم على القوانين لا على الأشخاص». حكمًا يقوم على مبادئ عقلانية مطبقة باستمرار، لا على أهواء رجال يتحكمون بمصير الدولة. فالحكم القائم على الأشخاص دعوة لحكم الاستبداد، تغذّيه نزوات الغرور والجشع والطموح.
عرفت أمريكا ديماغوجيين في تاريخها، لكنها كانت حتى الآن قادرة على إقصائهم. فقد كانت الأحزاب السياسية تحترم النظام الديمقراطي بما يكفي لقطع الطريق عليهم.
ولا يزال الأمل قائمًا في أن يقتنع الناخبون، بعد تجربة الحكم الفردي، بضرورة العودة إلى الإرث الديمقراطي الحقيقي للولايات المتحدة، وإلى السعي الجاد لجعلها - عظيمة حقًا - من جديد.
جوناثان سمبشن قاض سابق في المحكمة العليا البريطانية ومؤلف كتاب «تحديات الديمقراطية وسيادة القانون».
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة من الدولة
إقرأ أيضاً:
أمين عام مستقبل وطن: الشارع المصري يقف خلف الدولة ومؤسساتها
كتب- محمد شاكر:
تصوير- هاني رجب:
قال النائب أحمد عبد الجواد، نائب رئيس حزب مستقبل وطن والأمين العام، إن الحضور الشعبي والمشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ المقبلة هو الرهان الأكبر على وعي المواطن وإدراكه لأهمية المرحلة الراهنة.
جاء ذلك في كلمته خلال المؤتمر الانتخابي لحزب مستقبل وطن، مساء اليوم، قبل بدء فترة الصمت الانتخابي، وذلك داخل الصالة المغطاة باستاد القاهرة الدولي، بحضور مرشحي الحزب في انتخابات مجلس الشيوخ 2025 على نظامي القائمة الوطنية والفردي.
وقال "عبد الجواد"، إن مؤتمرات الجماهيرية كانت بمثابة رسالة سياسية قوية تؤكد أن الشارع المصري يقف داعمًا لمسار الدولة ومؤسساتها، وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أرسى دعائم الجمهورية الجديدة وفتح الباب أمام مشاركة حقيقية في صنع القرار السياسي والتشريعي.
وأشار الأمين العام لحزب مستقبل وطن، إلى أن الحزب يخوض انتخابات مجلس الشيوخ بروح وطنية خالصة، ومن خلال مرشحين لديهم رصيد من العمل الميداني والخدمة المجتمعية، مشددًا على أن القائمة الوطنية "من أجل مصر" تجسيد للتوافق السياسي وتغليب مصلحة الوطن فوق أي اعتبارات حزبية.
وأوضح عبد الجواد، أن الحشود الجماهيرية الكبيرة التي رأينها على مدار مؤتمرات حزب مستقبل وطن في مختلف المحافظات، تعكس ثقة المواطن في حزب مستقبل وطن، وارتباطه بمشروع وطني جاد يهدف إلى بناء دولة قوية ومتماسكة، مشيرًا إلى أن المشاركة الشعبية هي الضمان الحقيقي لعبور المرحلة الراهنة، واستكمال مسيرة الاستقرار والبناء التي يقودها الرئيس السيسي بكل حكمة واقتدار.
وقال: "نحن اليوم أمام مرحلة فارقة تتطلب منا جميعًا أن نكون على قدر المسؤولية، وأن نثبت للعالم أن مصر دولة مؤسسات، وأن شعبها واعي ومدرك لما يحاك ضده، ويقف خلف قيادته السياسية وجيشه وشرطته بكل وعي وإخلاص".
كما أكد النائب أحمد عبد الجواد، أن مجلس الشيوخ المقبل سيكون له دور فاعل ومحوري في دعم السياسات الوطنية والتشريعات المرتبطة بمستقبل الدولة المصرية، خاصة أن المرحلة المقبلة تتطلب غرفة تشريعية تمتلك الخبرة والرؤية العميقة، لتكون داعمًا حقيقيًا لمجلس النواب وللجهود التنفيذية المبذولة على كافة المستويات، لا سيما أن مجلس الشيوخ يمثل رافدًا مهمًا للعمل التشريعي، يساهم في صياغة السياسات العامة وتقديم الرأي المتخصص في القوانين المصيرية.
ودعا "عبد الجواد"، المواطنين في ختام كلمته إلى المشاركة الإيجابية في انتخابات مجلس الشيوخ كواجب وطني، ورسالة دعم للمسار الديمقراطي والاستقرار السياسي، لافتًا إلى أن صوت المواطن في صناديق الاقتراع هو من يرسم مستقبل أفضل لمصر.
ويأتي المؤتمر، في إطار رسالة الحزب الأخيرة للمواطنين لحثهم على النزول والمشاركة الفعالة في الانتخابات، والتأكيد على أن صوت المواطن أمانة، وخدمة الناس ليست اختيارًا بل فرض وواجب.
ويتم خلال الفعالية تقديم مرشحي الحزب وبرامجهم، وسط كلمات مرتقبة من قيادات الأمانة المركزية، تؤكد على التزام الحزب بخدمة المواطن المصري، وتعزيز مسيرة الدولة الوطنية عبر مجلسي الشيوخ والنواب.
ويحمل هذا المؤتمر أهمية كبرى كونه الأخير قبل الصمت الانتخابي، ورسالة الحزب الختامية للمواطنين بأن المعركة الحقيقية هي معركة وعي، وأن دعم الوطن يبدأ من صندوق الانتخابات
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
النائب أحمد عبد الجواد حزب مستقبل وطن انتخابات مجلس الشيوختابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقة 3 أيام بلا كهرباء ومياه| مواطنو الجيزة للحكومة: "أين خطط الطوارئ؟ وقولولناالثانوية العامة
المزيدإعلان
أمين عام "مستقبل وطن": الشارع المصري يقف خلف الدولة ومؤسساتها
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
41 27 الرطوبة: 15% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب الثانوية العامة فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك