وداع العيد ومرافئ الأخلاق
تاريخ النشر: 10th, June 2025 GMT
د. ذياب بن سالم العبري
يمضي العيد، ويبقى السؤال: هل حفظنا من العيد روحه، أم اكتفينا بفرحه؟
رحل عيد الأضحى كما يرحل النسيم الخفيف، يترك خلفه في القلب أثرًا لا يُمحى من البهجة والسكينة. وقد شهدتُ مع الناس تكبيراتهم المدوية في الساحات، وملامحهم التي أضاءتها أنوار الطاعة والإيمان. هناك، في ذلك الجمع الطيب، جاءت خطبة العيد هذا العام في عُماننا الحبيبة لتوقظ فينا معنى أعمق من الفرح الظاهري؛ معنى يربط بين العيد وبين أخلاقنا في مُعاملاتنا اليومية.
كانت الخطبة دعوة واضحة للرجوع إلى المبادئ الثابتة: الصدق، والأمانة، والعدل، والرحمة. وقد أدركتُ، وأنا أستمع، أن هذه القيم ليست ترفًا أخلاقياً، بل هي أساس لا تقوم حياة إنسانية من دونه.
وكم تذكرتُ حينها ما أشار إليه علماء الاجتماع منذ القدم، وعلى رأسهم ابن خلدون، حين ربطوا بقاء الدول والمجتمعات بحسن الأخلاق وحفظ الحقوق. فقد كتب في مُقدمته أن العمران يفسد حين تضعف الثقة بين النَّاس، وأن القيم إذا خَبَتْ، تراجعت الأمم مهما بدت قوية في ظاهرها.
وقد تأملتُ، وأنا أرى تلك الصفوف البيضاء تصطف خاشعة، كيف أن العيد لم يكن مجرد مناسبة للفرح، بل كان مدرسة لتجديد العهد مع الله، ولتصحيح مسار تعاملاتنا مع بعضنا البعض. كنَّا بحاجة أن نتذكر أن العيد فرصة للعودة إلى مبادئ التسامح والصدق والعدل.
ورأيتُ في أيام العيد نماذج مشرقة لدور الهيئات الخيرية في مجتمعنا. فقد كانت جسور التلاحم تمتد، تردم الفوارق بين طبقات المجتمع، وتؤكد معنى التكافل الذي دعا إليه ديننا الحنيف. كانت أيادي الخير تصل المحتاج، وتجبر خاطر الضعيف، وترسم في ملامح الجميع صورة المجتمع الواحد الذي لا يتخلى عن أبنائه، ولا يترك أحدًا خلفه.
لقد أيقنتُ أنَّ الأخلاق ليست جزءًا من حياتنا، بل هي حياة متكاملة. العدل لا يكتمل إلا بالرحمة، والكرم لا يكون إلا بالتواضع، والعلم لا ينفع إلا بصدق صاحبه. وقد علمنا التاريخ، أنَّ المجتمعات التي تحفظ أخلاقها تحفظ قوتها، وأن من رام عزًا بلا خُلق، فقد رام المستحيل.
وفي وداع العيد، حين خفَتَ التكبير في الساحات، وأقبلت الليالي تتوالى بهدوء، حملتُ معي رسالة لا تغادر القلب: أن الأخلاق هي ما يبقى، وهي ما يمنح الحياة طعمها الأصيل. فإن أردنا لعماننا دوام العزة، ولأمتنا بقاء الهيبة، فعلينا أن نعيد للمعاملة شرفها، وللكلمة صدقها، وللقلوب صفاءها.
وداعًا أيها العيد، وداعًا أيها النور الذي يذكرنا في كل عام أن في الأخلاق حياة، وفي التمسك بها مستقبل يليق بنا.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أشرف العشماوي: «زمن الضباع» كانت أول رواياتي بعد محاولات قصصية بدائية وفاشلة
قال الروائي أشرف العشماوي، إن أول عمل أدبي كتبه كان رواية «زمن الضباع»، والتي مثلت البداية الرسمية له في عالم الأدب، مشيرًا إلى أن تلك الرواية ضمت كل ملامح التجربة الأولى من مزايا وعيوب، كما احتوت على معظم الأخطاء التي يقع فيها أي كاتب في عمله الأول.
وأضاف العشماوي، خلال حواره مع الإعلامية منة فاروق، في برنامج «ستوديو إكسترا»، على قناة «إكسترا نيوز»، أنه سبقت تلك الرواية عدة محاولات لكتابة القصص القصيرة، لكنه وصفها بأنها كانت بدائية وفاشلة، لدرجة أنه قام بمسحها نهائيًا من جهاز الكمبيوتر، مؤكدًا أنه لم يكن راضيًا عنها.
وأوضح أن الرواية كنوع أدبي تناسبه أكثر من القصة القصيرة، لأن الأخيرة تتطلب كثافة وتركز على لحظة توهج أو تنوير، بينما يفضل هو النفس الطويل والمساحات السردية الواسعة التي تتيحها الرواية، وهو ما يجعله أكثر ارتياحًا لهذا النوع من الكتابة.
وأشار العشماوي إلى أن الأسلوب الواقعي هو الأقرب إليه، لكنه لا يكتب الواقع كما هو، بل ينطلق من حادث بسيط أو لحظة واقعية ثم ينسج منها عالمًا خياليًا متكاملًا، لافتًا إلى أن بعض كبار الكُتاب الذين قرأوا «زمن الضباع» أخبروه أن بها بوادر موهبة حقيقية، وهو ما منحه الدافع لتقديم أعمال أقوى لاحقًا.