لندن – لم تعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية تكتفي بمطالبة إيران بمزيد من التعاون في مراقبة برنامجها النووي أو تجتهد كدأبها خلال السنوات الماضية في الحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة مع الحكومة الإيرانية، بل يبدو أنها انتقلت أخيرا إلى مربع آخر، حيث اختارت كما اتضح في آخر تقاريرها، أن تصوب التهم مباشرة إلى طهران في أكثر من اتجاه.

وقالت الوكالة في تقريرها للتحقق والرصد من البرنامج النووي الإيراني، إن اندفاع طهران لتسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم ومواصلتها رفض الامتثال لشروط الوكالة للرقابة على برنامجها وعلى مواقع التخزين والتخصيب مثير للقلق والتساؤلات أيضا.

وفي الوقت الذي تصر فيه هذه المؤسسة الأممية على أنها محكومة بإجراءات تقنية وضوابط قانونية تحدد إطار علاقتها بطهران، يبدو أن  تلك العلاقة تتأرجح أيضا على وقع التحولات السياسية التي شكلت مسار الاشتباك بين إيران والدول الغربية.

كيف تدهورت العلاقة بين الوكالة وإيران؟

أدى الانسحاب أحادي الجانب للرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2018 خلال ولايته الرئاسية الأولى من الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الكبرى الموقع عام 2015، لدخول العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية منعطفا أكثر تعقيدا وتوترا.

إعلان

بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق قررت إيران عدم السماح للوكالة بالوصول للقطات كاميرات المراقبة التي تم تثبيتها في المنشآت النووية بموجب الاتفاق النووي السابق، بينما اتهمت الوكالة إيران بإزالة بعضها في مرحلة ما.

ومع إصرار الإيرانيين على رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60 % ردا على القرار الأميركي، في الوقت الذي لم يكن يسمح الاتفاق النووي مع القوى الكبرى بتجاوز تلك النسبة لـ 3.67 % ويفرض قواعد صارمة على تفتيش المنشآت النووية، انخرطت الوكالة الدولية منذ عام 2021 في مفاوضات شاقة مع إيران لإقناعها السماح لمفتشيها بالوصول الكامل لتلك المواقع.

ووافقت إيران على منح خبراء الوكالة حق تفتيش جزئي فقط، ورقابة بالحد الأدنى في إطار التزامها بمعاهدة الحد من الانتشار النووي وبروتوكولها الإضافي، الذي وقعت عليه عام 2003، والذي يمنح الوكالة حق التفتيش المفاجئ للمواقع النووية الإيرانية.

#عاجل | أ ف ب عن وكالة الطاقة الذرية: إيران سرعت وتيرة إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وتعاونها أقل من مرض pic.twitter.com/wdp807TAmZ

— قناة الجزيرة (@AJArabic) May 31, 2025

ما التهم التي توجهها الوكالة للإيرانيين؟

تقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفق آخر تقرير صادر عنها نهاية مايو/أيار الماضي، إن قدرتها على الرصد والتحقق من البرنامج النووي الإيراني قد تأثرت بشكل "خطِر" بسبب توقف إيران عن تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاق النووي.

وتصر على أن خبراءها غير قادرين على تحقيق "استمرارية المعرفة" بشأن إنتاج وتخزين أجهزة الطرد المركزي ومعلومات أخرى مرتبطة بتفاصيل البرنامج النووي الإيراني لا يمكن استعادتها بسبب انقطاع مفتشيها عن مواصلة عمليات المراقبة كاملا على مدى أربع سنوات.

وترى الوكالة أن القرار الإيراني بإزالة معدات المراقبة، كان له تأثير ضار على قدرة الوكالة على تقديم ضمانات تؤكد الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني، وأن طهران لا تعمل بنشاط من أجل امتلاك سلاح نووي.

إعلان

ويلمح المراقبون الدوليون إلى أن اندفاع إيران لما وصفته الوكالة "زيادة كبيرة" في معدل تخصيب اليورانيوم لا يسهم إلا في طرح المزيد من الأسئلة والشكوك، خاصة في ظل عدم وجود استخدام مدني معروف أو مبرر لإنتاج طهران ما يقدر بـ 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 %.

عاجل | مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصدر قرارا بعدم امتثال #إيران لالتزاماتها بالضمانات النووية pic.twitter.com/jO3hbBt7rg

— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 12, 2025

لِم أصبح موقف الوكالة أكثر تشددا ضد إيران أخيرا؟

لا تتردد تصريحات المسؤولين في الوكالة أخيرا في الإشارة إلى امتلاك إيران مواقع نووية غير معلنة أو محطة تخصيب سرية، ليست ضمن دائرة رصد أجهزتها ومفتشيها، دون أن تستطيع معرفة عدد وطبيعة أجهزة الطرد المركزي التي صنعتها إيران، ويحتمل أنها خزنتها في تلك المواقع التي لا تملك الوكالة قدرة الوصول إليها.

وقال رافائيل غروسي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن إيران فشلت في تقديم تفسيرات مقنعة ذات صدقية بشأن وجود جزيئات يورانيوم من صنع الإنسان في ثلاثة مواقع غير مصرح بها، ما دفع الوكالة للاستنتاج، أن تلك المواقع كانت جزءا من برنامج نووي منظم يحتوي على مواد نووية غير معلنة، كان يعمل منذ مطلع الألفية.

وتشير الوكالة بذلك بشكل غير ضمني إلى برنامج نووي إيراني كان يطلق عليه خطة "أماد" تم الإعلان رسميا عن انتهائه عام 2003، ويدخل ضمن الأرشيف النووي لإيران الذي تتوفر الوكالة على تفاصيله.

ودعا المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران لاستعادة الشفافية والالتزام بالشروط الدولية، خاصة أن نسب التخصيب العالية التي وقفت عليها الوكالة "بالغة الخطورة" و"لا يمكن تجاهلها".

هذه الضبابية التي تلف طبيعة البرنامج النووي الإيراني، في تقدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تساهم في إشاعة حالة من عدم اليقين والشك بشأن الأنشطة داخل المنشآت الإيرانية، التي تقول الوكالة، إنها غير قادرة على الوصول إليها، وأن إيران تحاول التمويه على طبيعة الأنشطة النووية داخلها.

تصر الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أن تقاريرها غير متحيزة ضد إيران ولا تخدم أي أجندة سياسية (أسوشيتد برس) ما رؤية الوكالة لحل الأزمة؟ إعلان

مع احتدام التوتر بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتهديد المسؤولين الإيرانيين بالرد عليها بإجراءات حاسمة حال اعتماد قرار بإحالة قضيتها إلى مجلس الأمن الدولي، عادت الوكالة للتأكيد على أنها لا ترى إلا الحل الدبلوماسي مخرجا لحل أزمة البرنامج النووي الإيراني.

ومن العاصمة القاهرة قبل أيام، أيد المدير العام للوكالة غروسي خلال لقائه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ما قال، إنها جهود وساطة مصرية بين إيران والولايات المتحدة، معربا عن استعداده لدعمها.

وتصر الوكالة على أن تقاريرها غير متحيزة ضد إيران ولا تخدم أي أجندة سياسية، لكنها ترى أن مستقبل الحل لا يتوقف فقط على الثقة في نوايا الإيرانيين، وإنما دفعهم للتعامل بشفافية أكبر وتحفيزهم على ذلك بالعودة للالتزام ببنود البروتوكول الإضافي وعدم خرق معاهدة الحد من الانتشار النووي.

 

(من اليسار إلى اليمين) وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ووزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ورافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في اجتماع ثلاثي (الأوروبية ) كيف ستدعم الوكالة حلا سلميا للأزمة؟

مع تصاعد الترقب لمآلات التوتر الغربي مع إيران، يتزايد احتمال، أن يصبح تقرير المنظمة الأممية مدخلا جديدا لطرح قضية إيران النووية في مجلس الأمن الدولي وفرض عقوبات جديدة عليها.

قال المدير العام للوكالة رافائيل غروسي، إنه يأمل في أن تسفر المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران عن نتائج إيجابية، وأنه سيواصل رصد الوضع من كثب بالتعاون مع الشركاء الإقليميين من أجل تعزيز الاستقرار.

وأبدت الوكالة استعدادا لدعم أي اتفاق نووي جديد بين الولايات المتحدة وإيران عبر دعم آليات التحقق والرصد لسلمية البرنامج النووي الإيراني، ومحاولة سد الثغرات الناتجة عن عدم تمكن الوكالة من مراقبة أنشطة إيران النووية كاملا خلال السنوات الأربع الماضية، لبناء تصور شامل عن طبيعة تطور ذلك البرنامج.

إعلان

وتصر الوكالة الدولية على أن أي حل سلمي للأزمة سيفرض على إيران تقديم المزيد من الأجوبة والسماح برقابة أوسع، قد لا تمانع الوكالة في الحصول عليها تحت تهديد إعادة القضية النووية الإيرانية إلى أروقة مجلس الأمن الدولي والتلويح بفرض عقوبات عليها.

 

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحج حريات الحج

إقرأ أيضاً:

إيران ترد على تصريحات الوكالة الذرية وتعلن عزمها بناء منشأة لتخصيب اليورانيوم

أعلن التليفزيون الِإيراني أن طهران ستبني منشأة لتخصيب اليورانيوم بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران غير ممتثلة لالتزاماتها بشأن منع الانتشار النووي.

ومنذ قليل، أصدرت وزارة خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنظمة الطاقة الذرية بيانًا مشتركًا أدانت فيه تصرف الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية بالموافقة على القرار في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واعتبرت هذا الإجراء استغلالًا إضافيًا لهذا المجلس كأداة لأغراض سياسية دون أسس فنية وقانونية.

وقالت الخارجية الإيرانية في بيان لها : أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أوفت دائمًا بالتزاماتها المتعلقة بالضمانات، ولم يشر أيٌّ من تقارير الوكالة حتى الآن إلى عدم امتثال إيران لالتزاماتها أو انحرافها عن المواد والأنشطة النووية الإيرانية.

وأضافت وزارة الخارجية: “على الرغم من أننا نعتبر تقرير الوكالة تقريرًا سياسيًا ومتحيزًا تمامًا، فقد ذهبت هذه الدول الأربع إلى أبعد من ذلك وصاغت قرارًا تتعارض أحكامه الرئيسية مع التقرير السياسي للمدير العام”.

وختمت الخارجية بيانها قائلة: " ولأن هذه الدول تسعى لتحقيق أهدافها السياسية الخاصة ولم تجد أي غموض في الأنشطة النووية الإيرانية الحالية، فقد لجأت إلى مزاعم تعود إلى أكثر من 25 عامًا وحاولت إعادة تسليط الضوء على بعضها، في حين تم إغلاق جميع المزاعم المتعلقة بالماضي بقرار الوكالة الصادر في نوفمبر 2015".

تقرير أمريكي: واشنطن تلقت تقارير حول استعداد إسرائيل لضرب إيرانالطاقة الذرية : عدم امتثال إيران للضمانات لأول مرة منذ 20 عامًامصر تحث أمريكا على تجنب التصعيد مع إيران وضرورة استمرار المسار التفاوضينشرة أخبار العالم | ترامب يؤكد إجلاء موظفين أمريكيين من الشرق الأوسط .. إسرائيل تستعد لضرب إيران وطهران تحذر من عواقب وخيمةتقرير: أمريكا ترصد استعدادات إسرائيلية لضربة محتملة ضد إيرانويتكوف يحذر: إيران النووية تهديد وجودي لإسرائيل والعالم طباعة شارك إيران منشأة لتخصيب اليورانيوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية منع الانتشار النووي الترويكا الأوروبية

مقالات مشابهة

  • الوكالة الدولية للطاقة الذرية: نراقب عن كثب الوضع المقلق للغاية في إيران
  • الملف النووي الإيراني.. ما مساراته بعد قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟
  • هيئة الأركان الأمريكية: تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن إيران مقلق
  • إيران ترد على تصريحات الوكالة الذرية وتعلن عزمها بناء منشأة لتخصيب اليورانيوم
  • إيران تتخذ إجراءات مضادة لقرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية
  • قرار جديد من "وكالة الطاقة الذرية" بشأن النووي الإيراني.. وطهران ترد
  • عاجل. رويترز: مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصدر قراراً بعدم امتثال إيران لالتزاماتها
  • عاجل| مندوب إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية: الترويكا الأوروبية نقضت بشدة قرار مجلس الأمن ٢٢٣١
  • الوكالة الدولية للطاقة الذرية : جميع الأنشطة النووية بالمغرب ذات أغراض سلمية