كتاب رخصة بالقتل.. الإبادة الجماعية والإنكار الغربي تحت مجهر باسكال بونيفاس
تاريخ النشر: 14th, June 2025 GMT
في خضم الحرب المستمرة في قطاع غزة، يأتي كتاب "رخصة بالقتل: غزة بين الإبادة الجماعية والإنكار والهاسبارا" للمفكر الفرنسي المعروف باسكال بونيفاس ليضع الأزمة في إطارها الأخلاقي والقانوني والسياسي، ويفتح النقاش حول استخدام القوة والرواية الإعلامية المهيمنة ومعايير العدالة الدولية المتباينة.
وفي مقابلة حصرية مع الجزيرة نت، يطرح مدير ومؤسس معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس رؤيته الجريئة بشأن تعقيدات الخطاب الغربي حيال الحرب في غزة، كاشفا عن حجم التلاعب بالمفاهيم لتبرير القتل وإخفاء الجرائم المرتكبة بحق المدنيين.
وفي صفحات كتابه، يجادل بونيفاس بأن ما يحدث في غزة ليس مجرد عملية عسكرية كما تسميه الرواية الرسمية الإسرائيلية والغربية بل يندرج ضمن تعريف الإبادة الجماعية بموجب القانون الدولي.
وعلى الرغم من المكانة الفكرية والأكاديمية التي يتمتع بها باسكال بونيفاس وتأليفه لأكثر من 80 كتابا، لم يحظ كتابه الأخير بمستوى الاهتمام الإعلامي نفسه الذي منح لكتبه السابقة.
وتعليقا على ذلك، قال بونيفاس "يمكن انتقاد إسرائيل، وأنا أفعل ذلك، لكنّ هناك ثمنا يجب دفعه، وهو غيابي الجزئي إعلاميا، لكن وسائل التواصل الاجتماعي تقدم بديلا. وأولئك الذين ينتقدون ما يحدث، يساء معاملتهم من قبل الصحفيين في كثير من الأحيان، ويشكك في تصريحاتهم ويتهمون بمعاداة السامية".
وأشار المتحدث إلى فترات أخرى استبعد فيها من الإعلام، خاصة عقب نشره لكتابه "هل يجوز انتقاد إسرائيل" في عام 2003 وكتاب "المثقفون المزيفون" في عام 2011 الذي كلفه الكثير بسبب تسليطه الضوء على أكاذيب بعض المحتالين الإعلاميين.
إعلانوعند سؤاله عما إذا كان للوبي المؤيد لإسرائيل يد في هذا التعتيم الإعلامي، اعتبر بونيفاس أنه يرتبط بذلك جزئيا؛ "أنا لا أتحدث عن اللوبي اليهودي في كتابي، وهو ما تفعله إسرائيل أحيانا باسمها. كما أن هناك شخصيات يهودية غير مرئية ومهمشة لأنها تنتقد إسرائيل".
يعتبر المفكر باسكال بونيفاس أن القانون الدولي انتهك منذ عام 1976 لأن هناك قرارا ملزما في العادة يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي استولت عليها بالقوة وتحتلها بالقوة؛ "لقد أنشئت إسرائيل بقرار من الأمم المتحدة، من الحركة اليهودية بالطبع، لكن الأمين العام للأمم المتحدة يمنع اليوم من دخول إسرائيل".
وأضاف "نشرت كتابا في 30 أغسطس/آب 2023، أي قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول في غزة، قلت فيه إن هناك تناقضا لا يزال قائما بين الدول الغربية، إذ تحمل روسيا مسؤولية انتهاك القانون، لكنها لم توجه هذا الانتقاد لإسرائيل التي تنتهك القانون أيضا".
وبعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول وتداعياتها، أصبح الأمر أكثر وضوحا: إسرائيل تحتل الأراضي بالقوة، وتقتل مدنيين أكثر بكثير مما فعلت روسيا في أوكرانيا، بحسب المتحدث.
ووفقا للقانون الدولي، يصف بونيفاس ما يحدث حاليا في قطاع غزة بأنه تطهير عرقي وإبادة جماعية، ويرى أن تعرض المحكمة الجنائية الدولية لانتقادات يعود إلى اقتصارها على توجيه الاتهامات وإصدار أوامر الاعتقال بحق القادة الأفارقة.
ويفسر ذلك في كتابه "رحبت الدول الغربية بتقدم العدالة الدولية عندما طبقت على القادة الأفارقة. واعتبرت مذكرة التوقيف الصادرة عام 2023 ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنجازا ملحوظا إذ أصبح زعيم "الشمال" يواجه الآن غضب العدالة. لكنه كان عدوا للغرب. وعندما بدأت العدالة الجنائية الدولية تحوم حول نتنياهو، تحول سحرها فجأة إلى سم".
إعلانوتابع "كان هناك جدل مفاده أنه رغم أن حرب العراق كانت غير قانونية، لم يكن هناك أي مجال لتوجيه الاتهامات إلى الرئيس الأميركي جورج بوش أو توني بلير".
وفي ظل غياب النفوذ الفرنسي على نتنياهو، أكد بونيفاس أنه "سيكون لواشنطن نفوذ أكبر لو أرادت استخدامه، لكنها لا تفعل. والشيء الوحيد الذي حققه الرئيس الأسبق جو بايدن هو عدم قصف منشآت النفط الإيرانية، حتى لا تحدث عاصفة نارية تؤدي إلى اشتعال الشرق الأوسط والخليج بأكمله".
آلة الدعاية "الهاسبارا"ويتطرق المفكر الفرنسي إلى ما سماها بـ"الهاسبارا"، وهي السياسة الإعلامية والإستراتيجية الدبلوماسية التي تتبعها إسرائيل لتعزيز صورتها الإيجابية والدفاع عن سياساتها على الساحة الدولية.
ويحلل فصل من الكتاب عناصر اللغة أو الحجج التي تستخدم في النقاشات العامة، مثل "إسرائيل تقوم بالأعمال القذرة نيابة عن الآخرين"، و"كل شيء بدأ في السابع من أكتوبر"، و"لتطلق حماس سراح الرهائن لتنتهي الحرب".
ويعتبر بونيفاس أنه لا يزال من الصعب الدفاع عن إسرائيل الآن وتقديم إسرائيل كدولة جميلة، حيث تشرق الشمس وتوجد التكنولوجيا، لأن الأمور تغيرت ويراها كثيرون اليوم دولة ترتكب مجازر بحق المدنيين.
وأشار المفكر الفرنسي إلى أن إسرائيل فقدت التضامن الذي كان شبه إجماعي بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 بسبب أفعال لا تتناسب مع التكاليف الباهظة التي تكبدتها "لو أنها قضت ببساطة على قادة حماس، لوافقها الجميع، لكنها لم تفعل. في المقابل، هناك 54 ألف قتيل على الأقل، وبلا شك عددهم أكثر بكثير لأننا لا نحصي الجثث تحت الأنقاض ومن يموت جوعا أو متأثرا بجراحه، أو بسبب نقص الأدوية".
وأبرز الكاتب المفارقة بين سرعة إدانة المجتمع الدولي لبعض النزاعات بينما يتم غض الطرف عن انتهاكات خطيرة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، وذلك يكشف عن معايير مزدوجة في التعاطي مع القانون الدولي ويزيد التساؤل عن إمكانية حل الدولتين.
إعلانوقال "يطبق نتنياهو خطة ترامب للتطهير العرقي في غزة لأنه عندما لا يكون لديك ما تأكله وتتعرض للقصف، ستفكر في المغادرة. ومع استمرار القصف، يتناقص عدد الفلسطينيين الذين يقتلون ويتزايد الأخذ في الاعتبار إغراء التهجير الذي رفضوه".
ويعتبر بونيفاس أن الدول الغربية لا تتجنب الحديث عن أهالي غزة، لكنها لا تتخذ أي قرار ملموس "في المقابل، يتم تجاهل الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، بعضهم سجناء لمجرد إدانتهم، والبعض الآخر لم يدَن. وهذا هو الاحتجاز الإداري بموجب القانون البريطاني، الذي يسمح باعتقال شخص وسجنه، وغالبا ما يساء معاملته لمجرد الاشتباه، من دون محاكمة".
ويرى أن أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 غيرت قواعد اللعبة بالنسبة لإسرائيل التي قالت آنذاك "لدينا بن لادن خاص بنا، اسمه عرفات"، ومكنتها من الظهور كحصن لمحاربة الإرهاب في العالم الغربي، ولم تعد تظهر كدولة تقمع شعبا، بل كدولة تحارب الإرهاب من أجل الجميع.
أما في ما يتعلق بإعلان باريس رغبتها في الاعتراف بدولة فلسطين في شهر يونيو/حزيران الجاري، تساءل بونيفاس "لماذا لم يحدث ذلك من قبل؟ وإذا اعترفت فرنسا بفلسطين الآن، فهل ستكون الدولة رقم 148 أو 149؟ لقد فات الأوان".
وحتى عام 2005، يعتبر الباحث الفرنسي أن فرنسا حازت هالة ومكانة سياسية أفضل بكثير في عهد الرؤساء السابقين فرنسوا ميتران وشارل ديغول وجاك شيراك.
وأكد بونيفاس أن الطبقة السياسية الفرنسية مؤيدة لإسرائيل بشكل ساحق "فاليمين المتطرف مؤيد لها منذ عهد جان ماري لوبان. وبعد حرب الأيام الستة عام 1967، نشرت صحيفة مينيت اليمينية المتطرفة عنوانا رئيسيا: نصر باهر لإسرائيل، العرب لا يفهمون إلا الركلات في المؤخرة والهراوات".
إعلانوبالإضافة إلى كراهية جزء كبير من اليمين المتطرف للعرب والمسلمين، لم يعد لحزب الجمهوريين موقف ديغولي واضح. أما حزب ماكرون، فقد زار معظم أعضائه إسرائيل، في حين يتعرض حزب "فرنسا الأبية" لضغوط مستمرة بسبب اتهامه بمعاداة السامية، وفق المتحدث.
وأشار باسكال بونيفاس إلى أن الأشخاص من أصول عربية أو شمال أفريقية قد يتعرضون للإقصاء بسرعة إذا انتقدوا الحكومة الإسرائيلية بشكل مفرط، مضيفا أن "هؤلاء لم يكن لهم، لفترة طويلة جدا، مكان في قيادة الأحزاب السياسية، بما في ذلك اليسارية، إلا معلقين للملصقات".
ويعتقد المفكر الفرنسي أن القادة الدينيين المسلمين لا يناقشون الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو على الأقل يقومون بذلك بتكتم شديد، ويميلون إلى تجنب الموضوع حتى لا يشتبه في تعاطفهم مع الإرهاب. في المقابل، يفتقر القادة الدينيون اليهود إلى هذا التحفظ أو الخجل.
وعند سؤاله عن رأيه بالعلمانية في فرنسا، أجاب بأنها علمانية مزيفة "لأن بعض الناس يستخدمونها لغرض واحد، هو المسلمون.. وترتبط بزعم أن المسلمين أعداء لإسرائيل هناك، وهم أعداؤنا هنا أيضا".
وذكر بونيفاس أن الاعتقاد بأن مفهوم الإسلاموفوبيا من ابتكار الملالي الإيرانيين لمنع انتقاد الإسلام هو خطأ تاريخي وكذبة "لأن المصطلح ابتكره علماء اجتماع فرنسيون في بداية القرن العشرين".
وفي ختام الكتاب والمقابلة، يؤكد باسكال بونيفاس أن الدفاع عن حقوق الفلسطينيين لا يتعارض مع قيم العدالة والإنسانية، موضحا "وسائل الإعلام لا تدعوني وألغيت المؤتمرات وكانت مصالحي ستكون أفضل بكثير لو دعمت إسرائيل. لكنني أقوم بعملي حتى يفهم الناس، وبمجرد فهمي للأمور لن أكذب على الآخرين. قد يكون الأمر مزعجا بعض الشيء وقد أواجه بعض المضايقات، لكنني أنام بسلام".
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات الحج حريات الإبادة الجماعیة القانون الدولی المفکر الفرنسی فی غزة
إقرأ أيضاً:
في المصطلح.. كتاب يُعيد دراسة الخطاب النقدي التشكيلي العربي
القاهرة "د.ب.ا": تتناول الأكاديمية والباحثة والفنانة التشكيلية التونسية الدكتورة سلوى العايدي، في كتابها "في المصطلح.. دراسة في الخطاب النقدي التشكيلي العربي الحديث والمعاصر"، الكثير من الموضوعات والقضايا المتعلقة بعلم المصطلح باعتباره عنصرًا لا غنى عنه لتحديث اللغة وعصرنتها، وآداة للتخاطب بين المختصين، وما يتكسبه من صلاحيات حين يحظى بالاتفاق.
ويتناول كذلك ضرورة استنباط مصطلحات جديدة تتماشى مع المفاهيم الجديدة والمستحدثة في جميع الميادين، ويُشير إلى القدرة العالية للغة العربية على استيعاب المصطلحات وتبيئة بعضها فشهدنا اختلافا في المواقف بين محافظين ومتحررين وأصبحت المصطلحات المنقولة مسلّمات طغت على البديل اللغوي.
وفي تقديمه للكتاب، قال الدكتور محمد الخراط، مدير الدراسات، ونائب العميد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس، إنه إذا كان المصطلح، هو تلك الكلمة التي نحدّد بها دلالة خاصة على سبيل الاتفاق والمواضعة بين جماعة لغوية معيّنة، فإن هذا لا يميّزه عن دلالة أي لفظ ذي معنى في نسيج لغوي ما، وأن ما يعطي المصطلح عمقه ودلالته هو "ارتباطه بمحيط تواصلي وتداولي دقيق مضبوط وخاص". وأنه لا سبيل لنا إلى التفريق بين الأمرين إلاّ متى تمثّلنا تصوّرين مختلفين للغة: تصور يرى اللغة مصوغة بما هي آداة لتشكيل العالم، وتصوّر يرى اللغة مشكّلة للعالم من دون علم منّا. فالمصطلح صناعة ضبط وصياغة منهج.
واعتبر الدكتور محمد الخراط، أن هذا الوعي اللساني والدلالي بقيمة المصطلح هو ما حفّز الدكتورة سلوى العايدي على كتابة متن عميق الأبعاد في هذا الموضوع في كتابهاا "في المصطلح: دراسة في الخطاب النقدي التشكيلي العربي الحديث والمعاصر".
الكتاب الصادر عن كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة صفاقس، يتكوّن من أربعة فصول احتوت الكثير من العناوين بينها: "صناعة المصطلح، والمصطلح: الانبعاث والتّأسيس"، والمصطلح في الفنون التّشكيليّة الغربيّة، والمصطلح في الفنون التشكيليّة العربيّة، و "الكتابة النّقديّة ونقد النّقد،" و"هامشيّة المصطلح في الفنون التّشكيليّة"، و"التحوّل من المصطلح التّشكيلي الغربي إلى المعادل الّلغوي العربي: تعدّد التّرجمات للمصطلح الواحد"، وتبيئة المصطلح: استراد المصطلح والخواء اللّغوي"، و"تورّط المصطلح داخل شبكة اصطلاحيّة: المصطلح والثنائيّات الإيديولوجيّة"، و"ثنائيّة التّراث والمعاصرة"، و"تثائيّة التّشخيص والتّجريد"، و"ثنائيّة الحداثة والمعاصرة"، و"العولمة وضرورة تجديد الجهاز الاصطلاحي"، و"المصطلح ومواجهة تعدّد الوسائط"، و"التّشاركيّة: أيّ تحوّلات لدور المتلقّي في عصر فنون الحداثة المعاصرة؟"، و"العولمة ومصطلح الاقتباس الفنّي: الاقتباس والإغتراب في الآخر".
وهكذا يتبيّن لنا من عناوين موضوعات الكتاب، أن مؤلفته الدكتورة سلوى العايدي، اقتفت أثر متون نقدية تأصيلية في الخطاب العربي "في نزوع جادّ إلى محاصرة أهمّ المصطلحات المتداولة وتبيّن حواشي المعنى فيها وتعيين مظاهر التحوّل في مدلولاتها".
وسعت المؤلفة - من خلال فصول وصفحات كتابها - إلى سد فراغ عانته المكتبات العربية طويلا جراء غياب كتاب يضع الأسس السليمة لنظرية الترجمة وممارستها.
وتًرجع المؤلفة أسباب ذلك الغياب إلى سببين: الأول هو اعتبار الترجمة عملاً فردياً لا يخضع لقواعد عامة. والسبب الثاني هو تخلف الدراسات النظرية في مجال الترجمة عن مستوى الترجمة العلمية.
ويشير الكتاب إلى أنه وبالرغم من أن مجمع اللغة العربية بادر ومنذ الستينات بوضع المصطلحات اللغوية، وقع المصطلح العربي تحت طائلة الفعل الترجمي، وأن الباحث العربي مضطر إلى ذلك نتيجة انتساب العديد من المصطلحات إلى فضاء معرفي أجنبي، وهذا ما أدى إلى تعثر المصطلح وخضوعه لترجمة لا تخضع لنواميس الترجمة العلمية ومنها الاشتقاق والمجاز والتعريب وبالتالي إلى فوضى اصطلاحية تعيشها القطاعات المعرفية في العلوم الإنسانية والفنية والتقنية، الأمر الذي خلق حالة فوضى جعلت المصطلح مستهجنا.
ويؤكد الكتاب على أنه بالرغم من أننا نشهد تطورا للمصطلح بنسق يرقي في الثقافات الغربية، أجبر المفكر العربي على استيعابها بحركة جافة لا تعطيه المجال لإدراك روحها ومعانيها، وهنا دعوة لسد الثغرات الاصطلاحية ولتخطيط السياسة اللغوية.
ويستطيع من يُطالع الكتاب القول بأنه على الرغم من حداثة علم المصطلحات، فقد تصدى الكتاب لهذا الموضع في إطار السياق الفني، وفي ما يتصل بالمصطلحات التشكيلية على وجه الخصوص. فما بين غموض المصطلحات وغرابتها، وبين تباين الاختيارات بين النقاد من جهة ثانية، واختلاف اللغات في استيعاب الدلالات المستحدثة من جهة ثالثة، حاولت الدكتورة سلوي العايدي، لملمة الكتابات النقدية التشكيلية وشتات المقالات المختصة لدى كثير من الباحثين العرب من أمثال: سمير التريكي والحبيب بيدة ونزار شقرون وفاتح بن عامر وأسعد عرابي وعفيف بهنسي وسواهم، في مسعى واعد لصياغة مشهد نقدي شفّاف.
والملاحظ هو أن سعي الدكتورة سلوى العايدي في عملها النقدي هذا، ما كان بمعزل عن النظر في الإشكاليات الفلسفية والحضارية الكبرى التي تخترق نسيج المعرفة الحديثة والمعاصرة. إذ عرض الكتاب لإشكاليات الأصالة والمعاصرة والتراث والحداثة، واستدعاء لضغوطات العولمة وتأثيراتها في مجال الفن التشكيلي.
ومن ثم، فقد مثّل كتاب "في المصطلح: دراسة في الخطاب النقدي التشكيلي العربي الحديث والمعاصر"، إضافة نوعية للمكتبة العربية في مجال الفن التشكيلي عامة، وفي مجال الدراسات النقدية لهذا الفن على وجه التخصيص. ورغم أن مساحة الكتاب لم تسمح بأن يجري النظر والنقد والتحليل على كل أعلام الفن التشكيلي العرب المعاصرين، فإن العمل أعطى نماذج دالّة سواء من حيث الصور أو من حيث الكتابة، يستطيع أن يهتدي بها التائهون في بيداء الخطاب النقدي المعاصر.
يُذكر أن الدكتورة سلوى العايدي، هي أكاديمية وباحثة وفنانة تشكيلية تونسية، درست بالعالي للفنون الجميلة بصفاقس، وانضمت بعد حصولها على درجة الدكتوراة لهيئة التدريس بالمعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس. وأقامت عدداً من المعارض الفنية الشخصية، وشاركت في عشرات المعارض التشكيلية الجماعية في وطنها تونس وخارجه، إضافة إلى مشاركاتها البحثية في الكثير من الندوات والمؤتمرات العلمية ذات الصلة بالفنون التشكيلية بوجه عام، وفن الحفر العربي بوجه خاص في العالم العربي وأوروبا. حيث تُساهم من خلال أعمالها، وما تعده من دراسات، وما تكتبه من بحوث، وما تشارك في تنظيمه أو حضوره من مؤتمرات وندوات، في التعريف بفن الحفر العربي، الذي ترى بانه لم يأخذ حقه من الظهور في العالم العربي، وتؤمن بضرورة النهوض به وتطويره تونسيا وعربيا.
ولسلوى العايدي حضور كبير في المشهد الفني والبحثي في كل من: المغرب، ومصر، والإمارات، وسلطنة عمان، وليبيا، وقطر وغير ذلك من البلدان، وقد حازت على جوائز عدة بينها: الجائزة الثالثة للنقد التشكيلي العربي، وجائزة أحسن مقال لأيام قرطاج للفن المعاصر بتونس.
وتُمارس سلوي العايدي، فن الحفر على الخشب والنحاس واللينو، يبدوا اثر العوالم الغرائبية والعجائبية على أعمالها التشكيلية، وكما أجادت أعمالها التي تتناول الجسد الأنثوي بشتى تركيباته وتكويناته، فقد أجادت – بحسب النقاد – في أن تغوص عبر أعمالها في عالمى الآدميات والحيوانات، مقدمة أعمالاً تميل إلى التجريد والإيحاء والترميز. ويذهب بعض النقاد إلى القول بأن أعمالها تميل للرسم الطفولى وكأنها تحاول التعبير التلقائي عما يجيش في مخيلتها بلا قيود أو قواعد.