صواريخ إيران تكشف تقصير إسرائيل في حماية سكانها
تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT
القدس المحتلة – كشفت الهجمات الصاروخية الإيرانية الأخيرة على إسرائيل هشاشة الجبهة الداخلية، خاصة فيما يتعلق بالجهوزية لمواجهة تهديدات من هذا النوع، فالخسائر التي لحقت بالممتلكات والبنية التحتية، وسقوط القتلى، أظهرت الفجوة في منظومة الحماية المدنية، وعمَّقت الشعور بانعدام الأمان لدى فئات واسعة من السكان، خاصة في البلدات العربية والمناطق المهمشة.
وفي حين يُطلب من السكان عند وقوع أي هجوم صاروخي التوجه إلى ملاجئ عامة أو غرف محصَّنة، تظهر الصورة على الأرض واقعا مغايرا، حيث إن عددا كبيرا من المباني في مختلف أنحاء البلاد، خاصة تلك التي بُنيت قبل فرض معايير الحماية عام 1992، لا تحتوي على أي تجهيزات أمان، ولا تتوفر فيها ملاجئ أو غرف محصنة.
وحتى في المدن الكبرى مثل تل أبيب، كشفت بيانات قيادة الجبهة الداخلية أن نحو 40% من سكان المدينة يفتقرون لأي وسيلة حماية قياسية.
ووفقا لتقديرات قسم الأبحاث في الكنيست الإسرائيلي، يوجد في إسرائيل حوالي 12 ألف ملجأ عاما، لكن أكثر من نصفها غير جاهزة فعليا للاستخدام عند الطوارئ.
فاجعة طمرةوهناك نحو 700 ألف غرفة محصنة في الوحدات السكنية الحديثة، إلى جانب 20 ألف ملجأ مشترك يخدم حوالي 481 ألف وحدة سكنية، إلا أن هذه الأرقام لا تغطي فعليا حاجات السكان حال اندلاع حرب شاملة أو تعرض البلاد لهجمات دقيقة وعالية التدمير، كما حصل خلال الهجمات الصاروخية الإيرانية.
إعلانوبرزت بشكل خاص معاناة المجتمع العربي داخل الخط الأخضر، الذي يضم نحو مليونَي مواطن من فلسطيني 48، لا توجد ملاجئ عامة في أي بلدة عربية تقريبا، ما يجعل السكان في مواجهة مباشرة مع الخطر دون الحد الأدنى من وسائل الوقاية.
وكانت مدينة طمرة شمالا، إحدى أبرز المحطات التي عكست هذا الخلل والتمييز، فقد أصيبت بصاروخ إيراني دقيق، أدى إلى استشهاد أم وثلاث من بناتها، وإصابة العشرات، وتضرر أكثر من 200 منزل، إضافة لمسجد.
وزار رئيس لجنة المتابعة العليا محمد بركة، ورئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية مازن غنايم المدينة والعائلة لتأكيد التضامن، وللمطالبة بتحمّل الحكومة الإسرائيلية مسؤولياتها، خاصة في ما يتعلق بتوفير الحماية والبنية التحتية للطوارئ في البلدات العربية.
وفي بيان مشترك وصل الجزيرة نت، قالت "الهيئة العربية للطوارئ" إن ما كانت تنبّه له منذ سنوات قد وقع الآن بشكل مدوٍّ، حيث كشف الهجوم الصاروخي على طمرة مستوى تهديد غير مسبوق، سواء في دقته أو قوته التدميرية، ما يجعل غياب الملاجئ بمثابة خطر وجودي على سكان البلدات العربية.
ونبَّهت الهيئة إلى أن البقاء في الغرف الآمنة، حتى لو كانت غير مجهزة، قد يكون الفارق بين الحياة والموت.
وحمَّل بركة -حسب البيان- الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن هذه الكارثة، معتبرا أن الإهمال في توفير وسائل الحماية هو جزء من سياسة تمييز ممنهجة، تسير بالتوازي مع تصعيد عسكري خطير تدفع ثمنه الشعوب.
أما غنايم، فانتقد مباشرة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- قائلا "إذا كان هذا هو الشرق الأوسط الجديد، فنحن لا نريده"، داعيا لاتخاذ خطوات فورية لحماية المواطنين في القرى والمدن العربية.
إعلان بلا ملاجئوفي مدينة باقة الغربية تعكس الأزمة نفسها، إذ يعيش سكان المدينة المقدر عددهم بنحو 33 ألف نسمة، في أكثر من 10 آلاف شقة سكنية، أكثر من نصفها يفتقر لغرف محصنة.
ويقول نائب رئيس بلدية باقة الغربية محمد رشدي إن الحكومة الإسرائيلية رفضت مرارا طلبات قدمتها البلدية لتخصيص ميزانيات لبناء 5 ملاجئ عامة و10 مناطق محصنة في أحياء مختلفة من المدينة، بحجة أنها كسائر البلدات العربية لا تقع ضمن خط المواجهة المباشر.
ويضيف للجزيرة نت أن باقة تعيش حالة طوارئ منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومع ذلك لم تخصص لها أي موارد لحماية السكان.
كما أن هجمات إيران الأخيرة -حسب رشدي- أكدت أن جميع المناطق أصبحت عرضة للخطر، وليس فقط ما يُصنف كمناطق حدودية، ما يفضح زيف مبررات الحكومة الإسرائيلية.
ورغم نقص الميزانيات، لجأت بلدية باقة إلى تجهيز بعض الملاجئ في المدارس والمؤسسات العامة، لتوفير حد أدنى من الحماية حال تكرار الهجمات.
أما في النقب جنوب البلاد، فالصورة أكثر قسوة، وفقا لما سرده بعض السكان للجزيرة نت، إذ يعيش عشرات الآلاف من الفلسطينيين في قرى غير معترف بها، لا تشملها أي خدمات بنية تحتية، ولا توجد بها مدارس مجهزة أو ملاجئ أو حتى طرق معبدة.
وعند وقوع الهجمات الأخيرة، احتمى السكان داخل سيارات، أو في حاويات مدفونة، أو تحت الجسور، في حين فتحت مدارس مدينة رهط أبوابها لاستقبال من فقدوا منازلهم.
وتقول عضو مجلس القرى غير المعترف بها من قرية بير المشاش ليلى فريحات إن التوتر كان شديدا، والعائلات غادرت منازلها نحو العراء خوفا من صواريخ قد تسقط مباشرة على مساكنهم الهشة.
ووصف إبراهيم الغريبي من قرية السر، التي هُدمت بعض منازلها مؤخرا، المشهد بكلمات موجعة قائلا "الوضع صعب جدا، والأطفال يصرخون، والنساء في الخارج، لا مأوى، ولا أمان، والخوف يسيطر على الجميع".
إعلانوكتب محمد أبو قويدر من قرية الزرنوق منشورا على شبكات التواصل يقول فيه "هُدمت منازلنا أمس، واليوم الصواريخ فوق رؤوسنا، ولا نعلم ما يخبّئه الغد من هدم ودمار جديد".
وتحدثت منسقة المجتمعات الآمنة في النقب فيروز العتايقة عن ليلة قاسية قضتها في المدرسة بعد سماع صافرات الإنذار، بسبب غياب مكان آمن في منزلها.
وقالت إن العائلات تزاحمت داخل سيارات قليلة بعد أن فرَّت من منازلها، ورغم عودتهم صباح اليوم التالي، فإن القلق لم يغادر وجوه السكان، خاصة الأطفال الذين لا يدركون طبيعة التهديد.
كما أشارت فيروز للجوء بعض الأهالي إلى حفر خنادق لحماية أنفسهم، لكنها أوضحت أن هذه الطريقة بدائية وخطيرة، وقد تؤدي إلى كارثة إذا سقط صاروخ بالقرب منها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحکومة الإسرائیلیة البلدات العربیة أکثر من
إقرأ أيضاً:
لوموند تكشف ضغوطا غير مسبوقة على الجنائية الدولية لحماية إسرائيل
كشفت صحيفة لوموند الفرنسية في تحقيق نشرته أمس الجمعة عما وصفته بـ"العام الأسود" للمحكمة الجنائية الدولية، بعد تعرضها العام الماضي لضغوط وتهديدات غير مسبوقة، هدفت إلى منع إصدار أو تنفيذ مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين، على رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.
ووفقا لما ورد في التحقيق، فإن المحكمة لم تواجه منذ إنشائها تحديات بهذا الحجم، إذ طالت العقوبات الأميركية 4 قضاة والمدعي العام كريم خان، وسط تهديدات وتحركات سياسية استخباراتية، تقودها واشنطن، وتهدف إلى "إجهاض أي محاولة لمحاسبة إسرائيل على جرائم محتملة في الأراضي الفلسطينية".
تهديدات صريحةويقول المحامي البريطاني أندرو كايلي، أحد المسؤولين عن الملف الفلسطيني في المحكمة، إنه عاش العام الماضي "أسوأ شهور حياته".
ويضيف في حديثه للصحيفة إنه تلقى تهديدا مباشرا مفاده أنه "عدو لإسرائيل"، مشيرا إلى أنه تلقى تحذيرات بعدم التعاون مع المحكمة عقب فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية، مما دفعه إلى الاستقالة والعودة إلى بريطانيا في مارس/آذار الماضي، خوفا من عقوبات أميركية محتملة.
كذلك زادت الضغوط على خان منذ إعلانه في مارس/آذار 2024 نيته السعي إلى توجيه اتهامات لنتنياهو وغالانت بارتكاب جرائم حرب.
وردا على ذلك، تحركت إسرائيل لحشد حلفائها ضد المحكمة، ووفق التحقيق، تلقى خان اتصالا غاضبا من وزير الخارجية البريطاني حينها ديفيد كاميرون خلال زيارته لفنزويلا، مهددا بانسحاب بريطانيا من نظام روما المؤسس للمحكمة إذا مضى خان قدما في مسعاه.
تواطؤ أميركيوحسب تحقيق لوموند، توالت الضغوط الغربية على المحكمة، فقد اتصل وزير الخارجية الأميركي حينها أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وعدد من المسؤولين الأوروبيين بخان لإثنائه عن قراره.
ونقلت الصحيفة الفرنسية عن مصدر في المحكمة قوله إن تلك الجهات اتهمت خان بتقويض السلام وتهديد حياة المحتجزين الإسرائيليين.
إعلانوأشارت الصحيفة إلى أنه في محاولة بديلة، سعت الولايات المتحدة إلى تفعيل بند "التكاملية"، الذي يمنح المحاكم الوطنية الأولوية في المحاسبة على الجرائم الدولية، من خلال تعزيز التعاون بين إسرائيل ومكتب المدعي العام.
وذكرت أن تقريرا صادرا عن الاستخبارات الهولندية بتاريخ 17 يوليو/تموز 2024 أشار إلى أن المحكمة الجنائية الدولية أصبحت "هدفا مغريا للتجسس والتأثير التخريبي" من قبل دول عدة، وخص بالذكر الولايات المتحدة وإسرائيل.
كما أفاد التحقيق بأن العلاقة بين خان وأحد مستشاريه الأميركيين توماس لينش شهدت توترا، خصوصا مع تصاعد الشكوك حول وجود تأثير خارجي على بعض المستشارين، ما أدى إلى تآكل الثقة بين كريم خان وعدد من معاونيه، في مرحلة شديدة الحساسية من مسار القضية الفلسطينية داخل المحكمة.
تهديد إسرائيليوكشفت لوموند عن اجتماع جرى في الأول من مايو/أيار 2024 في لاهاي، جمع بين المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان والمحامي الجنائي الإسرائيلي نيكولاس كوفمان.
وحسب تقرير للاجتماع اطّلعت عليه الصحيفة، جاء اللقاء بعد يوم من اجتماع كوفمان مع روي شوندورف، نائب المدعي العام الإسرائيلي السابق والمستشار القانوني لرئيس الوزراء الإسرائيلي فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية.
ووفقا للتقرير، اقترح كوفمان على خان تغيير تصنيف ملف مذكرة توقيف نتنياهو من "سري" إلى "سري للغاية"، بما يتيح لإسرائيل الاطلاع عليه رسميا.
كما نقل التقرير أن كوفمان حث خان على سحب مذكرات التوقيف الصادرة بحق نتنياهو وغالانت، محذرا إياه من أن الاستمرار في هذا المسار "سيؤدي إلى تدميره شخصيا، وتدمير المحكمة".
وفي ظل رفض خان لذلك، نشرت بعد 10 أيام صحيفة وول ستريت جورنال تقريرا يتهم كريم خان بالاعتداء الجنسي على إحدى موظفاته على مدار عام، ما بدا أنه في إطار الضغوط عليه لوقف تحركه ضد مسؤولين إسرائيليين، لا سيما أنه نفى الاتهامات.
ورغم أن الضحية المزعومة لم تقدم شكوى رسمية، فإن رئيسة المحكمة توموكو آكاني طلبت من خان التنحي مؤقتا عن مهامه، وذلك ما وصفه القاضي السابق في المحكمة كونو تارفسر بأنه "انقلاب".
وبعد تعليق خان، تولى نائباه مام ماندايي نيانغ ونزهات شميم خان الإشراف على الملف الفلسطيني، وحسب ما ورد في صحيفة لوموند، فإن الخوف من عقوبات أميركية محتملة يجعل الملف الفلسطيني في حالة جمود دون إحراز أي تقدم.
وذكرت الصحيفة أن التحقيقات بشأن سلوك خان أُحيلت إلى الأمم المتحدة، ومن المتوقع صدور نتائجها في سبتمبر/أيلول المقبل، وإذا ثبتت عليه "مخالفة جسيمة"، فقد تُطرح مسألة إقالته للتصويت بين الدول الأطراف.
وتشير التسريبات إلى أن الغرب يفكر في تعيين امرأة من "دولة ضعيفة نسبيا" لتولي المنصب، بغية الحفاظ على هامش من المناورة، ومنع صدور مذكرات توقيف إضافية بحق مسؤولين إسرائيليين.