لجريدة عمان:
2025-08-02@14:40:49 GMT

بالقوافل إن لم يكن بالسلاح

تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT

عاش العالم العربي في أزمات عديدة منذ وصول الاستعمار إليها، تفتتت خلال هذا التاريخ العلاقات بين الشعوب لحد كبير، إذ تفرّقت بالطائفية والمناطقية والأفكار والأيديولوجيات السياسية، وعلى الرغم من ذلك بقيت القضية الفلسطينية دائمًا عبارة عن بوصلة لكثير من هذه الشعوب للاتحاد، ولعل واحدًا من آخر المصاديق لهذا الاتحاد هي القافلة التي انطلقت من تونس للجزائر ثم ليبيا في محاولة الوصول إلى مصر ثم إلى معبر رفح لفك الحصار عن غزة، وسمّيت «قافلة الصمود».

شارك في هذه القافلة العديد من الناشطين من مختلف التوجهات والأفكار والأديان والمذاهب، والجامع هدفٌ واحد هو دعم فلسطين ومحاولة إنهاء الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة منذ قرابة السنتين، وإن كانت بادرة رمزية، لا تحمل السلاح، إلا أنها تمثل مبادرة مهمة في هذه الحالة، فمحاولة إعادة جذب الأنظار إلى ما يحدث في غزة من خلال مثل هذه المبادرات ضروري ومهم، وهو مقاومة لم تعدمها هذه البلاد رغم كل التفتت الاجتماعي والسياسي الذي أصابها لفترات طويلة، فهي مقاومة بالقوافل إن لم يكن بالسلاح!

لفتت مثل هذه المبادرة العديد من وسائل الإعلام لقدرة الشعب العربي على الاتحاد في مواجهة القوى العالمية، ولذا انطلقت لا بدافع الأيديولوجيا السياسية التي هي من مظان التفرّق وإنما بدافع دعم جزء مهم من هذا الجسد الكبير، دعم الشعب الفلسطيني المحتل. ولاقت المبادرة تغطية واسعة سواء من وسائل الإعلام التقليدية أو الجديدة، فكان هناك دعم مستمر ومتابع لها على مواقع التواصل الاجتماعي، فشهد وسم - قافلة الصمود على سبيل المثال، انتشارًا واسعا ونُشرت عليه تغريدات عديدة أغلبها داعمة للقافلة، وهذا الدعم في الوسوم الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي قد تُرجم إلى الواقع فكان الاحتفاء والاستقبال حافلاً وضخمًا في ليبيا للقافلة، ومن هنا تجد أن القافلة قد ساهمت في تحقيق إعادة التجسير الحي بين شعوبٍ عربية، فما كان موجودا على الواقع الافتراضي أصبح موجودًا في الواقع الخارجي، وتم تجاوز كثير من الخلافات بين هذه الشعوب في الوصول إلى حالة الاتحاد من أجل قضية واحدة.

إن العمل الميداني المشترك يسهم في كسر الحواجز الطائفية والأيديولوجية، ويعيد تجسير العلاقات الاتحادية بين الشعوب، ولذلك فهي تعيد معرفة الشعوب ببعضها البعض وتجاوز الصور النمطية التي رسمتها البروباغندا الاستعمارية أو النابعة من الجهل بالآخر، وصولاً إلى الاعتراف بأن الشعوب العربية تتشارك الهموم ذاتها والتفاصيل ذاتها، وحتى إن كانت هناك خصوصيات ثقافية في كل مجتمع، إلا أن ذلك لا يعني الانفصال التام عن الالتقاء الهوياتي العربي، فاختلاف الخصوصية الثقافية يشبه اختلاف الهوية الفردانية للإخوة في البيت الواحد، فكل واحد منهم يختلف عن الآخر في اهتماماته وطريقة حياته وتفكيره، ويختلف في المجموعات التي يتشارك معها أجزاء هويته الذاتية، إلا أن ذلك لا يعني أن هؤلاء الأخوة لا يجتمعون في ذات البيت أو لذات النسب، وكذا الحال بالنسبة للشعوب العربية التي تعيش في هذه المنطقة وقد عايشت كثيرا من التقاطعات التاريخية ذاتها وحملت الهموم ذاتها، وتعود في تفكيرها اللغوي إلى اللغة ذاتها، حتى وإن تعددت اللغات في كل مجتمع، إلا أن اللغة وما تحمله من أفكار ومعتقدات -ليس المعتقدات الدينية بالضرورة وإن كان الأمر متعلّقًا في جانب من جوانبه بالدين- تجمعهم في ذات الجسد الواحد. ومن هنا يُمكن النظر إلى قافلة الصمود على أنها أنموذجًا للالتقاء الإنساني بين الشعوب العربية، للإنسان من حيث هو إنسان في المقام الأول، وعربي في المقام الثاني، بعيدًا عن التجسيد السياسي الذي تكون نهايته عادة عند آخر نقطة في حدود الدولة القطرية، لكن هذا الالتقاء أبعد من الحدود ومن السياسة ومن الخصوصية الثقافية. فالهدف من القافلة في الأساس دعم فلسطين وفك الحصار عن غزة، وإنهاء الاحتلال القابع في صدر العالم العربي والغريب عنها في كل شيء، وهذا الهدف وما يشكله من مصاديق في العالم الافتراضي والعالم الواقعي يسهم في التحرر من الانقسامات الداخلية، لأن الانشغال بما هو أكبر من هذه الانقسامات هو في ذاته دعوة للاتحاد ونبذ الفرقة، على أمل أن يشهد أهل هذا الزمن الأحياء تحرير فلسطين من الاحتلال الغاشم، ثم انشغالهم بالتطور الذاتي والوطني ما يدعو أيضا لنبذ الفرقة حتى لا يكون لأي دخيل خارجي مدخل أو ثغرة يُمكنه من خلالها الدخول إليهم، وعلى الرغم من رومانتيكية هذه الجمل الأخيرة ودغدغتها للأمل الكامن في الطبيعة البشرية، فالواقع بحاجة لعمل كبير وكثير يلزم الجميع بتغليب المصلحة العامة لا الفردية أو الطائفية والأيديولوجية.

قافلة الصمود تؤكد في رمزيتها المهمة على العروبة الشعبية، المنطلقة من الداخل، لا العروبة الرسمية المنطلقة من البراغماتية السياسية والواقع والعلاقات الدولية، فإن العروبة الشعبية -والوصف هنا بمعنى نقطة الانطلاق لا بمعنى عموميتها أو بساطتها الفكرية- لا تلتفت لجميع الحسابات السياسية التي غالبًا ما تحاول أن تكون في حالة من المعادلة الرياضية لخدمة المصلحة العامة بما يتناسب مع علاقاتها مع الدول أو المنظمات أو الشركات وبما لا يضر مصالحها السياسية والاقتصادية، لكنها تلتفت لمبادئها ونصرتها للمظلوم، وهي أصدق وأعمق وأكثر ديناميكيةً بكثير من الثانية، التي في غالبها تبقى في حالة الترف اللفظي وتدور حوله في الاجتماعات أو القمم. وهي -أي القافلة- برمزيتها كذلك تستدعي في الذاكرة العديد من القوافل السابقة، سواء العربية أو العالمية، فلم تكن بعيدة عنها سفينة مادلين التي حاصرها الاحتلال العنجهي في المياه واحتجز من فيها قبل وصولها إلى غزة، في مشهد أسوأ من القرصنة، من غير اهتمام بأي قوانين دولية أو اتفاقيات ومنظمات، فهل ما زال العالم بمنظماته وقوانينه يحترم ذاته؟

هذه المبادرات تدعو جميع الشعوب العربية إلى تشكيل بنية تضامن شعبي عربي دائم، لا يتعلق بمبادرات فردية أو قليلة، وإنما محاولة الوصول إلى الجسور الشعبية وتجاوز الخلافات والانقسامات الطائفية والأيديولوجية، بل وتجاوز أي صراعات بينها، فكل صراع -وإن كان رقميَّا- بين شعبين عربيين لا يخدم إلا المحتلّ فحسب، لأنه ينتج ثغرة ضخمة تُمكّنه الدخول من خلالها، لذا فتجاوز الصراعات من خلال حالة الوعي بالدور الواجب على كل فرد، وأهميته في مقاومة المحتل في هذه اللحظة والمستقبل، لا بد أن ينبع من القانون الأخلاقي الداخلي الديني والإنساني، وبغير هذا الصوت الأخلاقي الداخلي بأهمية الاتحاد، فإن كل فلسفة أخلاقية مهما بلغت في عمقها تظل مجرد أقوال وجعجعاتٍ لا مغزى منها، ومن هنا يأتي دور الجامعات والنقابات والمؤسسات الثقافية في زيادة هذا الوعي بدور كل فرد في مقاومة الاحتلال، وأن هذه المقاومة تبدأ بالاستماع للصوت الأخلاقي بأهمية الاتحاد ونبذ الفرقة، ولا بد لهذي المؤسسات أيضا أن تكون نواة اتحاد لا فرقة، ورائدة ومنشئة للمبادرات التي تساعد في تقليص الحضور الإيجابي للمحتل في المخيلة الشعبية مستغلًّا من أجل ذلك مداخل التفرقة بين الشعوب العربية.

بهذا يُمكن أن تعود للشعوب العربية الثقة أن لها صوتًا عالميًّا مسموعا، وجسدًا قويًّا وإن ملأته الجروح، ورؤية استقلالية ومستقبلية متقدّمةً لا يُمكن لأحد أن يفصلها أو يضرّ بها.

جاسم بني عرابة كاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشعوب العربیة قافلة الصمود بین الشعوب إلا أن فی هذه

إقرأ أيضاً:

خصيات اجتماعية: يقظة الشعوب في مواجهة الطغيان مرتكز النهوض الحضاري

 

الدكتور نبيل جعيل: اليمن ينطلق في جهاده العظيم من قيم الإسلام المحمدي  المهندس عبدالقادر بادي: بناء الأوطان يبدأ من امتلاك القرار المستقل  محمد جباري : بلادنا تقدم أروع صور التضامن الإسلامي.

الثورة/
يمن الولاء المحمدي، يجسد اليوم أروع صور التضامن الإسلامي من خلال إسناد الكفاح المشروع ضد غطرسة كيان الاحتلال الذي يطمح إلى مواصلة مخطط الإبادة والتهجير بحق المدنيين الأبرياء في قطاع غزة.
البداية مع الأخ عبدالرحمن إبراهيم الجنيد- وكيل مصلحة الضرائب الذي أشاد بالموقف اليماني البطولي والتاريخي المساند للأشقاء في فلسطين المحتلة في مواجهة المخطط الإجرامي الإسرائيلي الذي يستهدف إبادة إخواننا الفلسطينيين في قطاع غزة بدعم أمريكي على كل المستويات، وقال: سيظل أبناء اليمن إلى جانب الحق العربي والإسلامي ولن يستكين يمن الولاء المحمدي حتى تحرير مقدسات الأمة من براثن الاحتلال الغاصب.
وأكد أن بلادنا بعون الله تعالى وتأييده تمضي في مسار بناء أمة قوية عزيزة لاتهاب الأعداء.
ولفت الأخ عبدالرحمن الجنيد إلى أهمية توحيد المواقف والأهداف في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الصراع مع أعداء العرب والمسلمين.
الإخاء والتضامن
المهندس سعيد عبده أحمد- مدير عام مشروع الأشغال العامة أوضح أن بلادنا تجسد اليوم أروع صور الإخاء والتضامن من خلال إسناد الأشقاء في غزة ولبنان ودعم الكفاح المشروع ضد غطرسة كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يطمح إلى مواصلة مخطط الإبادة والتهجير بحق المدنيين الأبرياء في قطاع غزة.
ونوه إلى أهمية توحيد المواقف والأهداف في مسار الصراع مع أعداء الأمة العربية والإسلامية وعدم التخاذل عن نصرة المستضعفين.
وأشاد المهندس سعيد عبده أحمد بالموقف المشرف لأبناء اليمن، مؤكداً أن رسوخ هذا الموقف الإيماني يبرهن صدق الانتماء لثوابت الإسلام المحمدي الأصيل.
الولاء المحمدي
الأخ محمد جباري- مدير الوحدة التنفيذية للعقارات في مديرية الصافية بأمانة العاصمة، اعتبر أن تصاعد الموقف اليمني الداعم للمقدسات يبرهن صدق انتماء أبناء الشعب لقيم الإسلام المحمدي الأصيل.
وقال: بعون الله تعالى وتأييده استطاعت اليمن خلال معركة الحرية والاستقلال معركة طوفان الأقصى أن تقدم أروع صور التضامن الإسلامي ولن يتراجع يمن الولاء المحمدي عن إسناد الأحرار في فلسطين المحتلة حتى ردع كيان الاحتلال وتطهير المسجد الأقصى المبارك.. وحّيا الأخ محمد جباري موقف القوات المسلحة اليمنية التي استطاعت هزيمة غطرسة واشنطن في البحار والمحيطات مشيداً باستمرار الحصار الشامل ضد كيان الاحتلال الغاصب.
محور الجهاد
الدكتور نبيل جعيل- مدير عام معهد ذهبان التقني والصناعي في أمانة العاصمة، أشار إلى أن اليمن ينطلق في جهاده العظيم ضد طغيان الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الغاصب من قيم الإسلام المحمدي الأصيل وسيظل يمن الولاء المحمدي إلى جانب محور القدس حتى تحقيق تطلعات الحرية والاستقلال واندحار أعداء الأمة.. وفي هذا المسار أوضح قائد الثورة المباركة أن اليمن رسميا وشعبياً اتخذ موقفه في إطار انتمائه الإيماني الأصيل الذي عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله “الإيمان يمان والحكمة يمانية” وتحرك تحركاً شاملاً لنصرة الشعب الفلسطيني على كل المستويات وساهم مع جبهة الإسناد في محور الجهاد المقدس والمقاومة بالمشاركة العسكرية عبر العمليات البحرية وبالقصف بمئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة والصواريخ الفرط صوتية إلى فلسطين المحتلة لاستهداف أهداف تابعة للعدو الإسرائيلي.
بناء الأوطان
المهندس عبدالقادر بادي- مدير عام الصيانة في المؤسسة العامة للطرق والجسور حّيا ثبات أبناء اليمن ومحور الجهاد والمقاومة إلى جانب الأشقاء في المعركة المصيرية بين الحق العربي والإسلامي وبين الزيف الصهيوني.
وأكد أن يقظة الشعوب وصمودها الأسطوري في مواجهة الطغيان المعاصر يمثلان ركيزة النهوض الحضاري الشامل، وأضاف: بناء الأوطان يبدأ من تحرير القرار الوطني من الوصاية والارتهان الأعمى للاستكبار العالمي.
وأشار المهندس عبدالقادر بادي إلى أن يمن الولاء المحمدي سيظل إلى جانب محور القدس ولن يتراجع أبناء الشعب عن هذا الموقف الجهادي حتى تحرير المسجد الأقصى المبارك، مشيداً بالزخم الجماهيري المتعاظم المساند للقضية المركزية للامة العربية والإسلامية.
الموقف الراسخ
الأخ غرسان عبدالباري -مدير عام المنطقة الثالثة في كهرباء أمانة العاصمة بارك استنفار قبائل اليمن وإعلانها النفير العام والاستعداد القتالي لخوض المعركة المقدسة ضد أعداء اليمن والإنسانية.
وقال: الاعتداء الوحشي على قطاع غزة يعتبر جريمة العصر ويمثل وصمة عار على أدعياء الحضارة المعاصرة ويفضح زيف الشعارات التي ترفع عناوين الحقوق والحريات .
وأشار إلى أن تلاحم الشعب مع القيادة هو مرتكز الانتصار التاريخي على الصلف الصهيوامريكي .
وأكد أن يمن الولاء المحمدي لن يتراجع عن إسناد الحق العربي والإسلامي في مواجهة طغيان الإدارة الأمريكية وكيان الاحتلال الغاصب.
ونوه الأخ غرسان عبدالباري بأهمية تكاتف الجهود على الصعيد العالمي وردع الصهاينة عن ارتكاب المزيد من الجرائم ضد الأبرياء في غزة ولبنان، مشيداً برسوخ موقف أبناء اليمن الداعم للأشقاء واستمرار الحصار البحري الشامل على كيان الأعداء.

مقالات مشابهة

  • الهباش: لا نريد دولة مدججة بالسلاح بل نريد دولة نعيش فيها بأمان
  • دميرطاش: تحقيق السلام أهم من الإفراج عني
  • مُستقبل لا تُقرره البوارج بل الشعوب
  • قائد الثورة يفضح شبكات التواطؤ .. خطاب يحاكم الأنظمة ويستنفر الشعوب
  • خصيات اجتماعية: يقظة الشعوب في مواجهة الطغيان مرتكز النهوض الحضاري
  • قافلة المساعدات الخامسة تدخل محافظة السويداء
  • بين خطاب رئيس الجمهورية وتمسّك حزب الله بالسلاح.. هل دخل لبنان مسار المواجهة الداخلية؟
  • شعبٌ على كل الشعوب تفردا
  • قوارير الطعام ورسائل البحر.. الأمواج تحمل اعتذار الشعوب للمجوَّعين
  • أوراق أمريكا المتساقطة في خريف ترامب