السيمفونى يعزف مؤلفات أمريكية بقيادة عباسي في الأوبرا
تاريخ النشر: 19th, June 2025 GMT
ضمن فعاليات وزارة الثقافة تقيم دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتور علاء عبد السلام حفلاً بعنوان " العبق الأمريكى" لأوركسترا القاهرة السيمفونى بقيادة المايسترو نادر عباسى ومشاركة سوليست التشيللو حسن معتز وذلك في التاسعة مساء السبت 21 يونيو على المسرح الكبير.
يتضمن البرنامج عددا من الأعمال الأمريكية لكبار المؤلفين منها " افتتاحية "كانديد" لـ ليونارد برنشتاين، كونشيرتو التشيللو والأوركسترا الثانى لـ فيكتور هربرت والذى يعزف للمرة الأولى فى مصر والسيمفونية التاسعة "من العالم الجديد" للتشيكى أنطونين دفورجاك.
جدير بالذكر أن أوركسترا القاهرة السيمفوني تأسس عام 1959 على يد المايسترو النمساوي فرانز ليتشاورو، ومنذ هذا التاريخ يسهم في إثراء الحياة الموسيقية في مصر من خلال استضافة أشهر الموسيقيين في العالم وأيضا يعمل على تشجيع الموسيقيين المصريين من المؤلفين والعازفين والقادة فى الإعلان عن أنفسهم وعلى مدار تاريخه نجح فى ضم مؤلفات عالمية إلى ريبرتواره الفنى كما نظم العديد من ورش العمل لمدربين دوليين هذا إلى جانب القيام بجولات فنية ناجحة في جميع أرجاء العالم.
اقرأ أيضا:
شبراوية جدعة.. مدحت العدل يعلق على أزمة هند صبري بعد طلب ترحيلها
بعد الرسوب الجماعي للطلاب.. محافظ بني سويف يأمر بصرف مكافأة لرؤساء لجان امتحانات حميدة أبو الحسن
قصور الثقافة تحتفي بالفائزين في مسابقتي «مصر ترسم» و«مصر تقرأ» على مسرح السامر
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: وزارة الثقافة دار الأوبرا المصرية السيمفوني العباسي
إقرأ أيضاً:
موسوعة تاريخ الفن بين السمع والبصر!
(1)
ضمن إنجازات عديدة وكبيرة وضخمة، توارى الجهد المذهل الذي قدمه مؤرخ الفن والباحث والمثقف الموسوعي وصاحب الرؤى المستنيرة رفيعة المقام في الثقافة العربية؛ الدكتور ثروت عكاشة (1921-2012) وزير ثقافة الحقبة الناصرية لثماني سنوات ازدهرت خلالها الحركة الثقافية والإبداعية والنشاط الثقافي والفكري ليس فقط في عموم مصر وأرجائها إنما امتدت آثارها البعيدة إلى العالم العربي كله.
ثروت عكاشة يعد فعليًا أحد قادة التنوير العظام في الثقافة العربية الحديثة، وأحد واضعي أسس النهضة الثقافية في القرن العشرين، بل يزيد عليهم في أنه كان صاحب مشروع (قومي) طموح خاص به، تولى قيادته والإشراف عليه عندما كان وزيرًا للثقافة لمرتين خلال الفترة من 1958 إلى 1962 ثم تركها وعاد إليها عام 1966 ليخرج للمرة الثانية 1970 أي أنه قضى في منصبه الرسمي كوزير للثقافة المصرية إبان حكم جمال عبد الناصر قرابة الأعوام الثمانية، دشن فيها عكاشة البنية التحتية الحقيقية للثقافة المصرية التي ما زلنا نتوكأ عليها، ونقتات منها رغم ما أصابها، لكنها ما زالت باقية تحمل عبقا لا يزول من تاريخ مصر الثقافي الزاهر.
(2)
لم يكن سهلا ولا ميسورا أن يعتزل الدكتور ثروت عكاشة العالم ويتفرغ لمشروعه الكبير، عقب انتهاء مسؤولياته كوزير للثقافة بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 1970، بكل ما يستلزمه ذلك من تخطيط وتنظيم وسفر وتجوال وأموال؛ فضلا على إنفاق الجهد والسنين..
يفسر الفنان التشكيلي والرسام المبدع والناقد الفني الكبير حسين بيكار ذلك النزوع الشغوف بالتحدي وإنجاز المهام الكبار بقوله:
"إنها إحدى سمات العالم الكبير ثروت عكاشة فارس المفاجآت الذي يعدو بلا توقف، ويهرول دون إبطاء وراء الكمال الذي يسدله على جميع إنجازاته التي هي في رأي الجميع كان ينبغي أن تكون نتاج مؤسسة ضخمة وليست من عمل فرد واحد. فقد قرر الرجل العظيم عندما ترك وراءه وزارة الثقافة أن يكون بمفرده وزارة الرجل الواحد بكل ما يتبع ذلك من أعباء ومسئوليات لا حد لها. وأن يمسك قيثارته بكلتا يديه يعزف عليها منفردا تارة، وتارة أخري يمسك بعصا القيادة يدير بها المقاطع اللحنية بين العازفين ببراعة منقطعة النظير".
إن هذا المشروع الموسوعي الذي بدأه المايسترو الكبير في ظروف نعلم مدى قصورها عن تحقيق مثل هذا الحلم الثقافي العملاق قد يصيب بالإحباط أي مغامر يفكر في أن يلقي بنفسه في دوامته، وذلك لبعد واقعنا عن مصادر المعرفة الوثائقية، مكتبية كانت أو متحفية، وخلو الساحة من الناشر الفدائي الذي يتحمل مصاعبه، وقلة الإمكانيات المادية والتقنية التي تنجز مثل هذا المشروع الضخم في مستواه الرفيع..
ولكن الإرادة تصنع المعجزات، وقد صدرت الأجزاء العشرة الأولى من الموسوعة في سبعينيات القرن الماضي رغم كل ذلك لترصع المكتبة العربية بأرفع الأوسمة في فن الكتاب شكلًا ومضمونًا، وإخراجًا فنيا وطباعيا (وقد نحتاج لحلقة كاملة من "مرفأ قراءة" لبيان روعة وإبداع إخراج الكتب وتهيئتها للطباعة بمثل ما ظهرت به وخرجت عليه ووضعتها في مصاف أرقى الكتب الفنية في العالم أجمع).
(3)
أما (موسوعة تاريخ الفن: العين تسمع والأذن ترى) فليس لها مثيل في الثقافة العربية كلها، منذ صدور أول أجزائها وحتى رحيل صاحبها وقد صدر منها 28 مجلدا ضخما (يبلغ متوسط المجلد الواحد 600 صفحة من القطع الكبير جدا) فضلا عما اشتمل عليه كل مجلد من روائع الصور والنماذج الفنية المنحوتة والمرسومة وآثار العمارة والقطع الفنية المختلفة..
كثيرون ممن كتبوا عن هذه الموسوعة الضخمة؛ غفلوا عن تيار عام في الثقافة المصرية والعربية؛ حاول أن يصل ثقافتنا العربية المعاصرة بروافد الثقافة الإنسانية منذ أقدم العصور، ووصلها بثقافة عصور النهضة والأنوار والعقل خاصة.. راد هذا التيار طه حسين، والنهضويون من جيله (توفيق الحكيم وحسين فوزي على سبيل المثال)، ثم من الرعيل الأول والثاني من تلاميذه، وعلى رأسهم سهير القلماوي ومحمد مندور ولويس عوض.. إلخ.
وكان ثروت عكاشة الضابط الأرستقراطي الذي تخرج في الكلية الحربية، ثم التحق بسلاح الفرسان، بعيدا عن مجرى هذا التيار الثقافي العام، بل كان من أشد المتأثرين به والمتشربين لأفكاره وآرائه وتصوراته، ما انعكس على تكوينه الثقافي العميق وتعدد روافد هذا التكوين، وإجادته لعديد اللغات والجمع بين الثقافة التراثية الأصيلة والثقافة الحداثية بكل أشكالها أنواعها، من هنا لم يكن غريبا ولا مفارقا للسياق العام أن ينتج ثروت عكاشة موسوعته تلك التي تكونت وتشكلت على مدى أربعين سنة تقريبا!
(4)
منذ شبابه الباكر؛ ومن انشغالاته الأصيلة ومراميه البعيدة، تأسيس وترسيخ ثقافة موسوعية للفنون البصرية تقوم على قاعدة معرفية عريضة بتاريخها وأصولها كالسينما، والفن التشكيلي، والتصوير والنحت والعمارة، وهو ما ساهم فيه بجهد جبار من خلال موسوعته الفنية الضخمة «العين تسمع والأذن ترى» التي تقع في 29 جزءًا، تتتبع من خلالها تاريخ الفن منذ أقدم عصوره وحتى العصر الحديث، وهو عمل موسوعي ضخم جدًا، فوق طاقة مؤسسات بكاملها، أنجزها مفردًا ثروت عكاشة على مدى أربعين سنة.
وكل جزء من أجزاء هذه الموسوعة اختص بحقبة تاريخية أو فن من الفنون [الفن المصري القديم/ الفن العراقي القديم (سومر وبابل وآشور)/ الفن الفارسي القديم/ الفن اليوناني (الإغريقي)/ الفن الروماني/ الفن البيزنطي/ فنون العصور الوسطى/ فنون عصر النهضة/ الفن الصيني/ الفن الهندي/ التصوير الإسلامي المغولي/ جماليات التصوير الإسلامي/ موسوعة التصوير الإسلامي/ ..... إلخ أجزاء الموسوعة التي تصل إلى تخوم العصر الحديث]
وكان منهجه الذى اتبعه بطول أجزاء الموسوعة هو التناول العلمي القائم على التحليل والكشف عن جماليات الصور واللوحات والأشكال المعروضة، بلغة أدبية رائعة ورائقة ورفيعة الجمال، فأسلوبه يكاد يدنو بل يصل في غالب الأحيان إلى "شعرية الأدب" مع مراعاته للدقة المتناهية، والحفاظ على جميع المعايير العلمية التي يتطلبها البحث الفني الذى يقوم به، وكذلك القدرة الاستقصائية النادرة في الوصول إلى المصادر والمراجع الكبرى اللازمة لمؤلفاته.
(5)
يقول الفنان الكبير الراحل حسين بيكار في مغزى هذا العمل وجماليته:
"وليس الصرح الثقافي الشامخ الذي أقامه فارس الكلمة، الدكتور ثروت عكاشة، وأطلق عليه موسوعة تاريخ الفن: «العين تسمع والأذن ترى» إلا صدى لومضة داخلية خاطفة التقطها بكل ذكاء وهو يستمع إلى إحدى سيمفونيات بيتهوفن، أو وهو يقرأ قصيدة لجبران، أو وهو يتأمل بانبهار شديد إحدى روائع مايكل أنجلو التي تطل عليه من سقف مُصلى كنيسة سيستينا التاريخية العريقة!!
إنها منحة السماء التي أودعت في تلك الخفقة الربانية القدرة على النمو والتكيف والتواصل والتشامخ، ومكنتها من صنع ذلك النسيج المعجز الذي لم يكن عند مولده سوى خيط نحيل عرف كيف يسلك طريقه فوق خريطة الفكر، وكيف يتناسج مع نظرائه من الوشائج والخيوط القريبة منه أو البعيدة. وفوق كل ذلك عرف كيف يتخاطب مع وجدان الإنسان في كل مكان وزمان"..
هذه الأسطر مجرد شاهد واحد من عشرات بل مئات الشواهد المسجلة والموثقة، تحتفي بهذا العمل غير المسبوق في تاريخ الثقافة العربية، وبعضها يحاول أن يفسر ويحلل طبيعة هذا البناء الضخم، بذرته ونواته وعمليات نمائه وتفرعه وتوسعه وصولا إلى تغطية هذه المساحة الهائلة من تاريخ الإنسانية (زمنيا منذ أقدم العصور وحتى العصر الحديث، ومكانيا من أقصى بقعة في العالم شرقا حتى أقصاها غربا ومن شمالها المتاخم للقطبي إلى جنوبها في أقصى نقطة في القارة السمراء).. (وللحديث بقية).