واشنطن- جاء احتفاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب -بالإعلان عن اتفاق كامل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران- ليطرح الكثير من الأسئلة حول طبيعة حساباته وأهدافه وتقديراته السياسية.

وقال ترامب إن هذه الحرب كان من الممكن أن تستمر سنوات وأن تدمر الشرق الأوسط بأكمله، ووجه تهنئة إلى إسرائيل وطهران على ما وصفه بامتلاكهما القدرة على التحمل والشجاعة والذكاء لإنهاء الحرب.

وتمثل تجربة هذه الحرب القصيرة، والتدخل الأميركي "الجراحي" والقصير فيها -بشن هجمات جوية على منشآت البرنامج النووي الإيراني– دليلا جديدا على أنه لا يمكن التنبؤ بخيارات ترامب السياسية. ومع ذلك، وبالنظر إلى سجله العام، يبدو حسب زعم خبراء أنه لا يزال ضد الصراعات الطويلة أو حروب الاستنزاف التي لا تنتهي وتُدفع إليها بلاده في الشرق الأوسط، وهو ما انتقده في الماضي.

قرارات ترامب

من هنا يمكن تفسير قرار ترامب بمهاجمة إيران، وتراجعه السريع من أجل منع صراع أكبر. وفي هذا السياق، يمكنه أن يقدّم نفسه على أنه مؤيد لإسرائيل رغم انتقاده اللاحق لها. وفي الوقت ذاته، أرضى تراجعه السريع قواعده الجمهورية المتشككة في الصراعات الخارجية وجدواها، بما وازن معه بين المعسكرات المختلفة داخل حزبه.

ويكشف التاريخ الحديث أن النجاح العسكري لا يترجم دائما إلى نجاح سياسي. وجاءت قرارات ترامب غير عاكسة لمداولات وطنية عامة، أو قرارات للكونغرس، بل كانت ترجمة لما يراه فقط بصفته الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة.

وفي الأيام الأخيرة، أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الشعب الأميركي، بما في ذلك غالبية مؤيديه، عارضوا خوض حرب مع إيران. وجاء قرار ترامب بإصدار أوامر بشن قاذفات "بي-2" هجمات على 3 مواقع نووية إيرانية، مخالفة لوعده الانتخابي بتجنب الكوارث التي تورطت فيها بلاده في العراق وليبيا وأفغانستان.

إعلان

كما جاء ترامب إلى منصبه معتقدا أن مجرد وجوده سيحل الصراعات العالمية في أول 24 ساعة، حرب روسيا وأوكرانيا، أو العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وخلال زيارته للسعودية الشهر الماضي، ألقى ترامب خطابا "غير عادي" انتقد فيه بشدة التدخلات العسكرية ومغامرات بناء الدولة في الشرق الأوسط. وقال "في النهاية، دمر ما يسمى ببناة الأمة دولا أكثر بكثير مما بنوه وكانوا يتدخلون في مجتمعات معقدة لم يفهموها حتى". واعتبر بعض المراقبين أنه أُعجب بالهجمات الإسرائيلية، وأراد أن يربط نفسه بما رآه نجاحا كبيرا.

وبعدما نشرت الولايات المتحدة مجموعات حاملات الطائرات بالقرب من الخليج العربي، وفشل التنسيق الأميركي الإسرائيلي لإيقاف تهديد إيران الصاروخي، اتجه ترامب لوقف القتال.

أهداف ترامب

في حديث للجزيرة نت، يرى السفير ديفيد ماك، المساعد السابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي، أن "أهم شيء لترامب هو استخدام ما يسمى حرب 12 يوما للحصول على جائزة نوبل للسلام. في الوقت ذاته، يعرف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، كيف يستخدم غرور ترامب لجذبه إلى تلبية حاجة إسرائيل إلى شريك إستراتيجي".

في حين أشار أسامة خليل، رئيس برنامج العلاقات الدولية بجامعة سيراكوز بولاية نيويورك، إلى أن أهداف ترامب تجاه إيران ضاقت إلى حد كبير وكان على استعداد للاكتفاء بمجرد وقف إطلاق النار مدعوما بالتهديد بالقوة الإضافية.

في حين قالت باربرا سلافين، خبيرة الشؤون الإيرانية بمعهد ستيمسون بواشنطن -للجزيرة نت- إن ترامب أدرك أن القتال كاد يخرج عن السيطرة، وإنه على استعداد لشن هجمات قصيرة لكنه لا يتحلى بالصبر على حرب أطول. بالإضافة إلى أنه يتمتع بسلطة كبيرة (يغدق) بها على إسرائيل ليمنحها ضوءا أخضر للهجمات ثم يطالبها بإنهائها.

واعتبر خليل -في حديث للجزيرة نت- أن "الضربة الإيرانية على قاعدة العديد الجوية في قطر كانت استعراضية إلى حد كبير. وكانت القاعدة شبه فارغة ونسقتها طهران مع الدوحة وواشنطن لضمان ألا تؤدي إلى تصعيد، لكنها ستسمح لإيران بحفظ ماء الوجه والقبول بوقف إطلاق النار".

في حين يرى السفير ماك أن "القيادة الإيرانية كان عليها أن تظهر لشعبها أن إيران لن تكون هدفا سهلا لإسرائيل والولايات المتحدة. من هنا كانت الضربة على قاعدة العديد وسيلة للقيام بذلك، خاصة في ضوء التقارير التي تشير إلى أن طهران قد نبهت بالفعل الحكومة القطرية قبل الهجمات".

درس الحرب

وفي تصريح للجزيرة نت، قالت عسل راد الخبيرة بالمركز العربي بواشنطن إن الهجمات الإيرانية "تذكرنا بضرباتها الانتقامية عام 2020 بعد اغتيال القائد قاسم سليماني. وجاء الهجوم رسالة وردا على العدوان الأميركي، ولكن بطريقة محسوبة لتجنب صراع أو مواجهة أكبر مع واشنطن".

وبرأي خليل، فإن الدرس الأهم لترامب والخبراء الأميركيين أن استخدام القوة، وخاصة الجوية، له قيود حقيقية. واعتبر أن الاغتيالات والضربات الجوية الإسرائيلية فشلت في ردع إيران عن الانتقام، وفي الوقت الذي بدا فيه أن الدفاع الصاروخي الإسرائيلي أثبت أنه يسهل اختراقه، أدرك ترامب أنه من الأفضل تجنب التصعيد حتى لا تندلع أزمة اقتصادية عالمية.

إعلان

وأكد أن "ترامب أدرك أن القوة العسكرية الأميركية لا تضمن النجاح، وآمل أن يكون أكثر تحفظا في استخدامها في المستقبل".

واعتبرت الخبيرة راد أن "على الإستراتيجيين الأميركيين أن يأخذوا في الاعتبار استعداد طهران للرد على العدوان الإسرائيلي بالمثل، وعلى عكس الانتقام الإيراني السابق ضد إسرائيل العام الماضي، فقد رأينا بوضوح أن إيران يمكن أن تصيب أهدافا داخل إسرائيل إذا اختارت ذلك".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الشرق الأوسط للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

ترامب يسعى لإغلاق ملف الحرب الإيرانية بنهاية درامية.. هل ينجح؟

في مفاجأة سياسية-عسكرية، أنهى ترامب الحرب المحدودة بين إسرائيل وإيران بعد 12 يومًا من التصعيد، متبنىً ضربات نووية "نهائية"، ومبشرًا بـ"النصر العظيم"، فيما تبقى الشكوك تحوم حول ديمومتها وهشاشتها. اعلان

في خطوة عسكرية-دبلوماسية مفاجئة أنهى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما يمكن اعتباره واحدة من أخطر لحظات التوتر الجيوسياسي خلال العقد الحالي، عندما أعلن مساء الاثنين عن توصل إسرائيل وإيران إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد تصعيد عسكري استمر 12 يومًا وأدى إلى ضربات جوية أمريكية على منشآت نووية إيرانية.

وصفت إدارة ترامب الاتفاق بأنه "نجاح دبلوماسي غير مسبوق"، فيما أطلقت على الصراع اسم "الحرب التي استمرت 12 يومًا" ، في إشارة إلى قناعة الرئيس بأن الحرب لم تكن مجرد صراع عابر، بل قصة كاملة تم إنهاؤها بنجاح.

كيف بدأت الحرب؟

بدأت معركة كسر العضم في 13 من الشهر الجاري، عندما شنت إسرائيل هجومًا جويًا على مواقع متعددة داخل إيران، بما في ذلك مراكز قيادة عسكرية وقواعد صاروخية ومنشآت بحثية. لكن رغم الضربات الإسرائيلية، لم تتمكن تل أبيب من الوصول إلى البنية التحتية النووية الإيرانية المدفونة تحت طبقات صخرية سميكة.

وهنا دخلت الولايات المتحدة المعادلة. وأكد البنتاغون أن واشنطن تمتلك الوحدات الوحيدة القادرة على تنفيذ ضربات دقيقة ضد هذه المنشآت، وهي القاذفات الاستراتيجية من نوع B-2 وB-52، التي استخدمت في العملية.

في الساعات الأولى من الأحد الماضي، أمر الرئيس ترامب بشن ضربات جوية على ثلاث منشآت نووية رئيسية في إيران، بما في ذلك منشأة فوردو، التي تقع على عمق 90 مترًا تحت الأرض. وقال مسؤولون أمريكيون إن الضربات أدت إلى "تدمير البنية التحتية الأساسية لقدرات التخصيب النووي الإيرانية".

ووصف ترامب في بيان رسمي العملية بأنها "نهائية"، مؤكداً أن "إيران لن تبني منشآتها النووية مرة أخرى."

مع ذلك، لم تؤكد أي جهة مستقلة، بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مدى الدمار الواقع على المنشآت.

Relatedهكذا فاجأ ترامب كبار مسؤوليه بإعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيلجي دي فانس: مخزون إيران من اليورانيوم لم يتضرر لكن هذا ليس مهمًامنعه من شن ضربات على إيران.. ماذا حصل في الاتصال بين ترامب ونتنياهو؟هدنة مفاجئة.. وهشاشة التنفيذ

وبعد أقل من 48 ساعة من الضربات الأمريكية، أعلن ترامب عن توصل طرفي النزاع إلى اتفاق مفاجئ لوقف إطلاق النار. وغرّد على منصته قائلاً: "تهانينا للجميع! هذا هو النصر الذي كان يمكن أن يتحول إلى كارثة، لكن أمريكا تصدّت له."

لكن الهدنة ظهرت هشّة منذ اللحظات الأولى. ففي الساعات التي تلت الإعلان، واصل الجيشان الإيراني والإسرائيلي تبادل الضربات عبر الحدود، مما دفع ترامب إلى توبيخ الطرفين صباح الثلاثاء، باستخدام لغة حادة وعبارات غير دبلوماسية، مشددًا على ضرورة الالتزام بالاتفاق.

بينما رحب البعض بما وصفوه بـ"الإنجاز الاستثنائي"، أعرب آخرون عن تحفظاتهم حول الطريقة التي تم بها التعامل مع الأزمة.

وقال بريت ماكجورك، المنسق السابق لسياسة الشرق الأوسط في إدارة بايدن: "لا أتفق مع كل سياسات ترامب، لكن في هذه الحالة، يبدو أن الإدارة نجحت في احتواء أزمة كادت تتحول إلى حرب إقليمية شاملة."

في المقابل، حذر بريان كاتوليس من معهد الشرق الأوسط من أن الحل العسكري لا يخلق دائمًا السلام: "هذا ليس نهاية الصراع، بل مجرد استراحة. ما ينقصه هو استراتيجية سياسية واضحة لضمان عدم تجدد التوترات."

هل انتهت اللعبة النووية الإيرانية حقًا؟

رغم ادعاءات ترامب بتدمير "كل القدرات النووية الإيرانية" ، فإن الخبراء العسكريين والمراقبين الدوليين يعبرون عن شكوكهم. فالمنشآت النووية يمكن إعادة بنائها ببطء وبسرية، خاصة في دولة ذات بنية استخباراتية قوية مثل إيران.

كما أن التصريحات الرسمية من طهران لم تتوقف. فعلى الرغم من الخسائر العسكرية، قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية إن بلاده "لن تستسلم للإرهاب السياسي" ، في إشارة إلى أن العلاقات بين البلدين قد تبقى متوترة حتى لو توقفت المعارك.

وسط هذه الأجواء، استغل ترامب الفرصة للترويج لنفسه ولسياساته. نشر صورة له وهو يقبل العلم الأمريكي مصحوبة بالعبارة: "ترامب كان على حق في كل شيء." كما غرّد أثناء توجهه إلى قمة الناتو في هولندا: "كان من دواعي فخري الكبير تدمير جميع المنشآت والقدرات النووية، ثم إنهاء الحرب!"

وفيما يتعلق بالأسلوب الذي يتبعه ترامب في إدارة الأزمات وإعلان الإنجازات، فقد لفت ليون بانيتا، الذي شغل مناصب أمنية رفيعة خلال إدارة الرئيس باراك أوباما، إلى خطر الانطباعات التي قد تُترك لدى الرأي العام بسبب طريقة تواصل الرئيس.

وقابل بانيتا تصريحات ترامب العشوائية على وسائل التواصل الاجتماعية بابتسامة، لكنه لم يخفِ مخاوفه من غياب الواقعية السياسية عنها. وقال بانيتا: "نحن دائمًا نعرف ما يدور في ذهنه، لكننا لا نعرف ما إذا كان ما يفكر فيه يحدث فعلاً."

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام على خلفية اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل
  • ترامب يسعى لإغلاق ملف الحرب الإيرانية بنهاية درامية.. هل ينجح؟
  • مندوب إسرائيل بمجلس الأمن يمنح جائزة «نوبل للخداع» إلى إيران
  • عضو في الكونجرس يرشح ترامب لجائزة نوبل للسلام
  • مصطفى الفقي: ترامب أنهى حرب إيران وإسرائيل بقرار فردي.. أصبح قريبا من جائزة نوبل
  • مصر تُرحّب بإعلان الرئيس الأميركي وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل
  • هل انتهت حرب الـ 12 يومًا بين إيران وإسرائيل؟
  • بدء وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل
  • بدء وقف النار بين إيران وإسرائيل