في كشف أثري جديد يوضح ثراء الحضارة المصرية القديمة وتعدد طبقاتها الاجتماعية، أعلنت بعثة أثرية مصرية إيطالية مشتركة عن اكتشاف خمس مقابر منحوتة في الصخر بجبل قبة الهوى بأسوان، في موسم يعد الثالث من نوعه ضمن سلسلة أعمال تنقيب بدأت منذ عام 2019.

ويمثل هذا الاكتشاف، الذي يعود للعصر اليوناني الروماني، خطوة مهمة لفهم أنماط الدفن في تلك الفترة، خاصة بعد العثور على مقابر لأطفال في أعمار متقاربة، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول الأوبئة أو الكوارث التي قد تكون تسببت في وفاتهم.

وفي تصريحات خاصة لموقع صدى البلد ، يكشف مجدي شاكر، كبير الأثريين، تفاصيل الموقع المكتشف، وأهميته التاريخية، والدلالات الاجتماعية التي تعكسها المقابر المكتشفة.

قال مجدي شاكر، كبير الأثريين، إن محافظة أسوان شهدت هذا الموسم الأثري كشفًا جديدًا هو الثالث من نوعه لنفس البعثة، والتي تضم أعضاءً من مصر وإيطاليا تحت إشراف مشترك بين مجلس الآثار وجامعة ميلانو. 

وأوضح أن أعمال الحفر تجرى بالقرب من منطقة الأغخانية، وتحديدًا بين قبة الهوى ومنطقة الأغخان، على امتداد الجبل المقدس المعروف باسم “جبل قبة الهوى”.

وأكد شاكر أن جبل قبة الهوى يعد من الجبال المقدسة في مصر القديمة، واشتهر أيضًا خلال العصر الإسلامي بوجود مقام الشيخ علي أبو الهوى، مما أعطاه طابعًا دينيًا وروحيًا مزدوجًا عبر العصور.

وأضاف متابعاً الجبل يحتوي على مجموعة من المقابر الهامة تعود أغلبها إلى الدولة الوسطى، وبعضها لعصر حديث مثل ضريح الآغاخان، كما أن الجبل نفسه كان مقسمًا طبقيًا خلال العصر اليوناني الروماني، بحيث دفن كبار رجال الدولة وقادة الجيش في الجزء العلوي، بينما دفنت الطبقة المتوسطة في المنتصف، والطبقات الدنيا في الأسفل.
 

كشف مميز لمقبرة “قاميسو” داخل الصخر.. والتابوت على منصة مرتفعة

وأشار كبير الأثريين إلى أن الكشف شمل خمس مقابر، إلا أن أبرزها هي مقبرة “قاميسو”، وهي شخصية يعتقد أنها كانت ذات شأن كبير، موضحًا أن الاسم يعني “ولادة الروح” أو “ولادة الأرواح”. 

ولفت إلى أن تصميم المقبرة فريد من نوعه، حيث تبدأ بدرج صخري مكون من سبع درجات يؤدي إلى غرفة تتوسطها منصة حجرية مرتفعة وُضع فوقها التابوت.

وتابع كبير الاثريين التابوت منحوت على هيئة آدمية ويشبه هيئة المعبود أوزيريس، وهو مصنوع من الحجر الجيري، ومزخرف بنقوش هيروغليفية رأسية تحوي ألقاب المتوفى وأدعية دينية، مما يدل على مكانته الرفيعة.

لغز مقابر الأطفال يثير تساؤلات حول أسباب الوفاة الجماعية

وأوضح شاكر أن الكشف ضم أيضًا مجموعة من مقابر الأطفال في أعمار متقاربة، ما أثار تساؤلات علمية عن سبب الوفاة الجماعية، قائلًا: “هذه ليست المرة الأولى التي نكتشف فيها مقابر لأطفال في نفس السن، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ماتوا بسبب مرض معين؟ هل كان فيروسًا؟ أو تسممًا في الماء أو الطعام؟.

وأشار إلى أن تحليل العظام والأسنان، وربما الشعر إن وجد ، سيساعد في تحديد أعمارهم، ونوعهم، وسبب الوفاة، بالإضافة إلى إمكانية دراسة الحمض النووي لمعرفة أصولهم، وهل كانوا مصريين أم أجانب.

دور الحمض النووي في فهم تاريخ السكان القدماء

وأضاف: “نتائج التحاليل الجينية السابقة التي تم إعلانها من جامعة ليفربول على أحد الهياكل من النويرات ببني حسن أوضحت أن 80% من الحامض النووي للمصريين القدماء يعود لشمال إفريقيا، و20% من العراق، ومن هنا تأتي أهمية تحليل الحمض النووي لهؤلاء الأطفال لفهم أصولهم وجنسهم”.

وأكد أن الهدف من دراسة هذه المقابر لا يقتصر على الجانب الأثري فقط، بل يمتد لفهم الحياة الاجتماعية والصحية والتطور الإنساني في تلك الفترة.

واختتم شاكر تصريحاته قائلًا الموقع المكتشف مهم جدًا، ويمتد إلى العصر اليوناني الروماني الذي بدأ في القرن الثالث قبل الميلاد مع حكم البطالمة، واستمر حتى القرن السابع الميلادي مع الفتح الإسلامي، أي أننا نتحدث عن حقبة تقارب الألف عام.
 

وأضاف أن هذه الاكتشافات ستسهم في تقديم صورة أوضح عن طبيعة المجتمع المصري خلال تلك الفترات، وهل كان السكان مصريين أم أجانب؟ مؤكدًا أن نتائج التحليل والنشر العلمي ستجيب عن العديد من الأسئلة في المرحلة المقبلة

طباعة شارك الحضارة المصرية القديمة أسوان مقابر لأطفال جبل قبة الهوى ضريح الآغاخان العصر اليوناني الروماني

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الحضارة المصرية القديمة أسوان ضريح الآغاخان العصر اليوناني الروماني الیونانی الرومانی

إقرأ أيضاً:

حتى الدفن صار امتيازا.. أزمة مقابر خانقة في غزة

غزةـ "كل شيء في قطاع غزة يشعر بالجوع عدا المقابر، وحدها تعاني من التخمة". بهذه العبارة يصف الروائي الدكتور حسن القطراوي أزمة غير مسبوقة تعصف بالقطاع، حيث لم تعد المقابر تتسع للموتى، وتفاقمت معاناة ذوي الشهداء الذين باتوا عاجزين عن تأمين ثمن القبر.

ومع استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع التي مضى عليها أكثر من 21 شهرا، لا يجد سكان غزة مكانا آمنا في الحياة، ولا موطئا لدفن موتاهم إلا القليل، وسط صدمة من الارتفاع الحاد في تكاليف الدفن، وشح القبور، وصمت دولي إزاء معاناة غير مسبوقة.

وفي أعقاب "مجزرة الباقة" التي راح ضحيتها أكثر من 30 شابا وفتاة، نتيجة قصف استراحة على شاطئ غزة في 30 يونيو/حزيران الماضي، دوّن الناقد ناهض زقوت عبر فيسبوك "المشكلة الآن ليست فقط المجزرة، بل كيف يمكننا أن نوفر قبورا لكل هؤلاء؟".

وارتفعت كلفة تجهيز قبر لشهيد في قطاع غزة إلى ضعف ما كانت عليه التكلفة قبل الحرب الإسرائيلية على القطاع من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

كلفة تجهيز قبر لشهيد ارتفعت إلى ضعف ما كانت عليه قبل الحرب (الجزيرة) أزمة تلامس كل بيت

أعلنت "مغسلة الموتى" في مجمع ناصر الطبي بخان يونس قبل أيام عن نفاد القبور، إذ تصدّرت هذه المدينة الجنوبية مشهد الأزمة بسبب العدد الهائل من الشهداء، ولا سيما أولئك الذين سقطوا أثناء بحثهم عن المساعدات قرب المراكز الدولية.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، فقد ارتكب الاحتلال 26 مجزرة خلال 48 ساعة فقط، خلفت أكثر من 300 شهيد ومئات الجرحى. وتتوزع المأساة بشكل أكبر في خان يونس التي تؤوي نحو 900 ألف إنسان، معظمهم نازحون، وتسجل النسبة الأعلى من الشهداء.

ونشر الصحفي محمد الأسطل صباح الخميس منشورا مؤلما يقول فيه إن جثامين الشهداء تحت الشمس بانتظار دورها للدفن.

أما المصور إبراهيم محارب، فقال للجزيرة نت إنه وثّق لحظة عجز أسرة الشهيد عدي أبو جزر عن إيجاد قبر لدفنه.

إعلان

ويحكي محارب كيف اضطر إلى استخدام باب حديدي مهترئ لإغلاق قبر زميله الصحفي الشهيد محمد منصور الذي اغتيل في مارس/آذار الماضي، موضحا أن الأسر تعاني ليس فقط من غياب القبور، بل من العجز عن دفع التكاليف.

مبادرات إنسانية لتوفير مقابر جديدة في القطاع (الجزيرة) لا متسع للموتى

"المقبرة التركية" التي لم تكن تتجاوز سعتها 60 قبرا قبيل الحرب، أصبحت تضم آلاف الجثامين، وفقا لتصريح المشرف عليها طافش أبو حطب للجزيرة نت، مؤكدا أن جميع مقابر المدينة امتلأت.

وأوضحت وزارة الأوقاف في قطاع غزة أن الحرب دمرت أكثر من 40 مقبرة، وحرمت السكان من الوصول إلى المقابر في مناطق السيطرة العسكرية الإسرائيلية، ما ضاعف من الأزمة.

ومع النزوح القسري إلى منطقة المواصي الساحلية، وتكدس النازحين فيها، تحولت الأراضي القليلة المتاحة إلى مواقع للإيواء، وأصبحت المستشفيات وساحاتها وحتى المدارس والمنازل ساحات للدفن المؤقت.

تقول الوزارة إن غياب مواد البناء، ومنع دخول الأكفان، جعلا تجهيز القبر يتطلب من 700 إلى ألف شيكل، ما يعادل 200 إلى 300 دولار تقريبا، وهي كلفة تفوق قدرة معظم السكان.

وزارة الأوقاف تطلق حملة "إكرام" لبناء مقابر مجانية (الجزيرة) حملة إكرام

في مواجهة هذه الكارثة، أطلقت وزارة الأوقاف الفلسطينية في غزة حملة "إكرام" لبناء مقابر مجانية، داعية المؤسسات الإغاثية والأفراد إلى المساهمة في توفير مقومات الدفن من أكفان ومواد ومعدات.

من بين من استجابوا كان الشيخ هاني أبو موسى الذي قال للجزيرة نت "كنا نوزع طعاما وماء، لكن جاءتنا مناشدات كثيرة من أسر شهداء غير قادرين على دفع ثمن القبور".

ويروي أبو موسى كيف دفعه مشهد شاب نازح عاجز عن دفن أخيه إلى إنشاء مبادرة للقبور المجانية، وبالفعل خصصت له وزارة الأوقاف قطعة أرض بمساحة 5 دونمات، افتتح فيها 120 قبرا، ثم أسهمت "جمعية البركة الجزائرية" في بناء ألف قبر إضافي.

لكن مع تصاعد أعداد الشهداء، نفدت القبور مجددا، كما تواجه المبادرة مشكلات عدة بينها شح الحجارة المستخرجة من المنازل المدمرة، وعدم توفر البلاط والأسمنت، ما اضطرهم لاستخدام ألواح "الزينكو" والأبواب الخشبية لإغلاق القبور.

وأوضح أبو موسى أن الأزمة دفعت الناس لاستخدام المقابر العائلية القديمة، المعروفة باسم "الفسقية"، لكن هذا البديل أيضا في طريقه إلى النفاد.

غياب الأسمنت ومواد البناء يُجبر أهل غزة على استخدام أخشاب الأبواب في دفن موتاهم (الجزيرة) أرقام مفزعة

وفق معطيات ما قبل الحرب، كان قطاع غزة يستهلك نحو 9 دونمات سنويا للدفن، يتسع الدونم لنحو 220 إلى 240 قبرا، أما اليوم، فقد تجاوزت الحاجة أضعاف ذلك.

ويقول الشيخ أحمد أبو عيد، مدير "جمعية قيراطان الخيرية" المشرفة على مغاسل الموتى، إنهم يستقبلون حاليا ما يفوق 100 ضعف الحالات اليومية المعتادة.

ويضيف للجزيرة نت، أن الأعداد ارتفعت بشكل ملحوظ منذ استئناف الحرب في 18 مارس/أذار، حيث يتعرض النازحون للقصف أثناء وجودهم في خيام الإيواء أو خلال بحثهم عن المساعدات.

وبين فقدان الأعزاء وغياب الكفن والقبر، تتجسد مأساة الغزيين في أشد صورها. فالموت كما الحياة صار معركة أخرى مع الاحتلال، ومع الفقر، ومع العجز الإنساني الدولي.

إعلان

مقالات مشابهة

  • الحزب الاشتراكي الحاكم في اسبانيا يحظر على أعضائه الاستعانة بخدمات بائعات الهوى
  • اعتقال وزيرتين سابقتين في سوريا.. قضيّة غامضة تعود إلى أطفال مغيّبين واحتضان مثير للجدل
  • مقابر منحوتة ومومياوات أطفال في أسوان.. اكتشاف أثري يكشف عن طقوس الدفن وأسرار المجتمع القديم
  • كشف أثري جديد في أسوان.. "مقابر رومانية ومومياوات أطفال"
  • صور.. اكتشاف مقابر جديدة من العصرين اليوناني والروماني بأسوان
  • اكتشاف مقابر جديدة بنقوش هيروغليفية بمنطقة ضريح الأغاخان بأسوان
  • المتحف اليوناني الروماني يطلق برنامج قادر بفني لذوي الاحتياجات
  • حتى الدفن صار امتيازا.. أزمة مقابر خانقة في غزة
  • العثور على قطعة طائرة دلتا بعد هبوطها في ظروف غامضة.. صور