الفساد يضرب توزيع المساعدات الإنسانية بولاية الخرطوم
تاريخ النشر: 8th, July 2025 GMT
يشهد ملف توزيع المساعدات الإنسانية في ولاية الخرطوم تجاوزات واسعة وتدخلات سياسية وإدارية أضعفت من فعاليته وأثارت موجة من الاستياء الشعبي. فعلى الرغم من انطلاقة تجربة أولى وُصفت بالنموذجية في مارس الماضي، إلا أن التدخلات اللاحقة من جهات حكومية ومحلية حوّلت العملية إلى مشهد من الفوضى والتمييز، وسط اتهامات بالفساد وسرقة المساعدات وتهميش المستحقين الفعليين.
الخرطوم: التغيير
بلغت حصة الفرد الواحد من المساعدات الإنسانية التي يقدّمها برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة، والموجهة لعشرة ملايين سوداني، بواقع 7140 جراماً (أكثر من 7 كيلو) من الدقيق، 450 مل من الزيت (حوالي نصف لتر)، 1020 جراماً من العدس (أكثر من 1 كيلو)، و150 جراماً من الملح.
وبحسب ما علمت (التغيير) تقرر تنفيذ تجربة أولية لتوزيع هذه المساعدات في أطراف ولاية الخرطوم، شملت محلية جبل أولياء، وحدة وادي سوبا الإدارية، وحدة الوادي الأخضر، ومحلية كرري، واستهدفت نحو 40 ألف فرد.
فيما اعتمد المخطط منظمة “نداء التنمية السودانية”، التي يترأسها وزير التجارة الأسبق مدني عباس – والذي تولى المنصب بدفع من منظمات المجتمع المدني – كشريك وطني للبرنامج.
تجربة ناجحةوأكدت متابعات (التغيير) أن التجربة الأولى نُفذت في مارس الماضي عبر منظمة “نداء”، التي استعانت بعدد من المتطوعين من التكايا وغرف الطوارئ، واعتُبرت التجربة نموذجاً في الشفافية والتنظيم؛ إذ جرى اختيار المستفيدين من خلال لجان مجتمعية مستقلة تمثل المجتمعات المحلية، كما أُعلن عن مراكز التوزيع بوقت كافٍ، وتم عرض محتويات السلة وأوزانها في لافتات بمراكز التوزيع، إلى جانب توفير صناديق للشكاوى والمقترحات، وتعيين مسؤولين لتلقيها.
كذلك تم تجهيز أغلب المراكز لاستقبال المستفيدين بتوفير الظل، وحافظات مياه، ومراحيض، وكشوفات مسبقة لتسهيل التحقق، إضافة إلى عدد كافٍ من العمال والمتطوعين لتيسير عملية استلام المساعدات.
تدخل حكومي وانتهاك للاستقلاليةلاحقاً، تدخل مكتب الإجراءات التابع لمفوضية العمل الطوعي والإنساني، ووجّه منظمة “نداء” بفصل معظم العاملين الذين تم توظيفهم، بسبب انتمائهم لغرف الطوارئ أو لعدم موالاتهم لحكومة بورتسودان، في انتهاك واضح لمبدأ استقلالية العمل الطوعي والإنساني. وتجاوزت المفوضية دورها القانوني الذي ينحصر في الإشراف، لتتدخل في تفاصيل التنفيذ، حتى وصل الأمر إلى تدخل موظفيها في كافة الإجراءات.
في مرحلة لاحقة، أوكلت مهمة توزيع المساعدات الإنسانية إلى المحليات ولجان الاستنفار والمقاومة الشعبية، الأمر الذي رافقته مظاهر من الترهيب والإذلال للمواطنين. ووفقاً لشهود تمت مخالفات واضحة للأوزان التي يشترطها برنامج الغذاء العالمي، حيث تم تسليم بعض الأسر جوالات دقيق زنة 25 كيلوغراماً، دون مراعاة لعدد أفراد الأسرة، ما يخالف سياسات البرنامج.
تجاوزات وإغلاق مراكزوذكر مستفيدون من المساعدات الإنسانية لـ (التغيير) أن تجاوزات عديدة في هذه المرحلة التي اتسمت بتدخلات رسمية متعددة، من أبرزها إغلاق معظم مراكز التوزيع في الوحدات الإدارية، والاكتفاء بمركز واحد لكل وحدة، ما أدى إلى ازدحام شديد.
وكذلك التلاعب بكروت التوزيع، إذ وُزعت على أسر وأصدقاء المنظمين وأعضاء اللجان الأمنية، وشوهدت بعض الأسر تحمل أكثر من كرت، خلافاً للنظام الذي يمنح كل أسرة كرتاً واحداً.
بجانب سرقات ونقل للمساعدات فوق الأسوار في عدد من المراكز، واستبعاد مستحقين حصلوا على مساعدات في مارس رغم انطباق المعايير عليهم (أرامل، مطلقات، كبار سن، أيتام، معاقين)، في مقابل منح المساعدات لأشخاص وصلوا في سيارات فارهة.
وأدى هذا الوضع بحسب متابعات (التغيير) إلى رفض عدد من لجان الأحياء استلام حصة يونيو، بعد تعرضهم لضغوط من المواطنين الغاضبين.
تهديد وحرمان للأسروفي تطور لافت، رفضت محلية الخرطوم منح الأسر حصصها كاملة في منطقة الديوم الشرقية، ما دفع سكان حي ديم القنا شمال وجنوب إلى رفض استلام الإغاثة ما لم تشمل كل الأسر، في وقت حاول فيه المسؤولون التفاوض على تقليص الحصة دون جدوى، فيما هدد أحد المسؤولين بنقل الإغاثة إلى منطقة أخرى، مدعياً أن الرافضين “شبعانين”.
من جانب آخر، توشك التكايا في الخرطوم بحري على التوقف، بعد قرار برنامج الغذاء العالمي بوقف دعمه لها، على أن يتولى هو بنفسه توزيع المساعدات عبر أسطول من الشاحنات، إلا أن ذلك لم يتم بسبب تأخر التصاريح من المحلية. ووفقاً لناشطين، فإن المحلية والمفوضية قررتا منع أي توزيع للمساعدات دون الحصول على موافقة مسبقة منهما.
الوسومآثار الحرب في السودان التكايا المساعدات الإنسانيةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان التكايا المساعدات الإنسانية المساعدات الإنسانیة توزیع المساعدات
إقرأ أيضاً:
دعوات بريطانية لمعاقبة مسؤولي مؤسسة غزة الإنسانية.. تحويل الجوع إلى سلاح
تقدمت "المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا" بطلب رسمي إلى وزارة الخارجية البريطانية تطالب فيه بفرض عقوبات بموجب "نظام ماغنيتسكي العالمي للعقوبات على منتهكي حقوق الإنسان" لعام 2020، وذلك على خلفية جرائم مروعة ارتكبها عدد من مسؤولي مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) والمتعاقدين الأمنيين معها، بسبب تورطهم في عمليات قتل وإذلال بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.
قائمة سوداء لمتورطين دوليين
الطلب الذي أودعته المنظمة البريطانية لدى الخارجية تضمّن قائمة أسماء مسؤولين كبار في المؤسسة، ومعهم رؤساء شركات أمنية خاصة متورطة، أبرزهم: جوني مور الابن (الولايات المتحدة)، ديفيد بابازيان (أرمينيا ـ مقيم في المملكة المتحدة)، لولك صامويل هندرسون (الولايات المتحدة)، ديفيد كولر (سويسرا)، جيمسون غوفوني، مدير شركة UG Solutions الأمنية المتعاقدة مع المؤسسة، فيليب "فيل" رايلي، مدير شركة Safe Reach Solutions.
المنظمة أوضحت، في بيان لها أرسلت نسخة منه لـ "عربي21"، أن هؤلاء الأشخاص متورطون في إدارة وتنفيذ مشروع "مؤسسة غزة الإنسانية"، التي أنشئت بدعم مباشر من الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي بحسب ما ورد في التقارير الحقوقية "حولت المساعدات الإنسانية إلى أداة إذلال جماعي ومصيدة موت للمدنيين".
عسكرة المساعدات.. وتسييس الجوع
المنظمة شددت في وثيقتها المقدمة على أن القائمين على المؤسسة كانوا يدركون منذ اللحظة الأولى أن المشروع يستهدف "عسكرة المساعدات الإنسانية"، وتحويلها إلى وسيلة لخنق سكان القطاع، عبر تقويض دور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المستقلة.
وقد أنشأت المؤسسة أربع نقاط توزيع داخل القطاع، تقع فعليًا تحت سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتم تحويلها إلى مناطق عسكرية مغلقة. وعلى الأرض، كانت النتائج كارثية: أكثر من 600 مدني فلسطيني قتلوا، وأصيب أكثر من 4000 آخرين بجراح خطيرة، نتيجة إطلاق النار العشوائي من قِبل جنود الاحتلال والمتعاقدين الأمنيين على مدنيين جائعين اصطفوا في ممرات ضيقة طلبًا للطعام.
أدلة وشهادات موثقة
الطلب المقدم أرفق بتقارير من جهات دولية مستقلة، وشهادات ميدانية موثقة تؤكد فظاعة الانتهاكات. كما أبرزت المنظمة أنه لم يتم إصدار أي بيان إدانة من قبل مسؤولي المؤسسة رغم المجازر المتكررة، بل على العكس، صدرت تصريحات تنكر وقوع أي انتهاكات. هذا الصمت الرسمي ترافق مع عدم استقالة أي من المتورطين، ما يكشف ـ بحسب المنظمة ـ عن "إصرار ممنهج على مواصلة المشروع الدموي".
دعوة لحل المؤسسة ومحاسبة المسؤولين
المنظمة طالبت الحكومة البريطانية والمجتمع الدولي بالتحرك الفوري لحل مؤسسة GHF، وإعادة الاعتبار لدور مؤسسات الأمم المتحدة المعنية في تقديم الإغاثة الإنسانية. كما أكدت أنها تتابع تحركها القانوني بالتنسيق مع شركاء دوليين من أجل ملاحقة جميع المسؤولين أمام محاكم دولية وفي دول أخرى، تطبيقًا لمبدأ عدم الإفلات من العقاب.
واختتمت المنظمة بيانها بالتشديد على أن "استغلال حاجة الجائعين وتحويل المساعدات إلى أداة للقتل يُعدّ جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس، ويجب أن يُحاسب من تورطوا في هذا المشروع الإجرامي مهما كانت مناصبهم أو جنسياتهم".
تأتي هذه التطورات في وقت تزداد فيه الضغوط الحقوقية الدولية على إسرائيل وحلفائها بسبب الجرائم المرتكبة في قطاع غزة، وسط تدهور غير مسبوق في الوضع الإنساني بعد أكثر من 21 شهرًا من الحرب والحصار.