في مشهد لم يعد غريبًا على الساحة السياسية، حط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رحاله مجددًا في العاصمة الأمريكية واشنطن، للقاء الرئيس دونالد ترامب. ما يجعل هذه الزيارة لافتة أنها الثالثة خلال ستة أشهر فقط، وهي مدة قصيرة وفق المقاييس الدبلوماسية، ما يعكس حجم الضغوط والرهانات التي تواجه الطرفين، في وقت تموج فيه المنطقة بتحولات غير مسبوقة، لعلّ أبرزها الحرب في غزة، والضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، ومفاوضات التهدئة المتعثرة.

وبينما اختار ترامب أن يبتعد عن المظاهر الرسمية المعتادة ويستضيف نتنياهو على مائدة عشاء خاصة، كان العالم يراقب عن كثب ما ستسفر عنه هذه الزيارة من مخرجات، قد تُحدث اختراقًا في واحدة من أعقد أزمات الشرق الأوسط.

لقاء بعيد عن البروتوكول.. وقريب من الملفات الملتهبة

في البيت الأبيض، وتحديدًا في الجناح الرسمي، جرى لقاء العشاء الذي جمع دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، وسط غياب كامل للبيانات الصحفية أو التصريحات الرسمية المصاحبة لمثل هذه اللقاءات. ورغم الطابع "الخاص" للقاء، إلا أن الملفات التي نوقشت كانت في غاية الحساسية، على رأسها الحرب في غزة، ومصير الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس، إلى جانب التطورات الإيرانية.

هذا اللقاء يأتي في وقت تتكثف فيه الوساطات غير المباشرة بين تل أبيب وحماس بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية، بينما أعلن ترامب تفاؤله بقرب التوصل إلى اتفاق تهدئة قد يبدأ سريانه خلال أسبوع، مؤكدًا أن الرد الأولي لحماس كان "إيجابيًا".

أجواء الوصول.. هدوء دبلوماسي وصخب سياسي

نتنياهو وصل مساء الإثنين إلى واشنطن على متن طائرة "جناح صهيون"، دون أي مراسم استقبال أو تصريحات علنية، ما عكس طبيعة الزيارة التي تبدو موجهة لتحقيق نتائج أكثر من استعراض الخطاب السياسي. في المقابل، أفادت مصادر إسرائيلية بأن "المفاوضات مستمرة وهناك تقدم"، رغم إعلان مصادر فلسطينية عن جمود في محادثات الدوحة.

وكان لافتًا وصف الرد الحمساوي بـ"الأضعف من المتوقع"، وهو ما دفع نتنياهو لإرسال وفد جديد للدوحة لمحاولة تذليل العقبات المتبقية، وسط أجواء وُصفت بأنها "إيجابية نسبيًا"، بحسب مكتب رئاسة الوزراء الإسرائيلي.

لقاءات تحضيرية ورسائل دبلوماسية

قبل العشاء الرئاسي، أجرى نتنياهو مشاورات مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، والمبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف. مصادر مطلعة أفادت بأن القضايا الجوهرية لا تزال مطروحة على الطاولة، لكن هناك تقدمًا تدريجيًا في تفكيك الخلافات، وسط رغبة أميركية واضحة في التوصل إلى اتفاق قبل أن تشتد سخونة المعركة الانتخابية.

"نوبل للسلام".. من نتنياهو إلى ترامب

في لفتة رمزية، قدّم نتنياهو رسالة رسمية للرئيس ترامب يرشحه فيها لجائزة نوبل للسلام، في خطوة تحمل أكثر من دلالة سياسية، خاصة في سياق التفاهمات الجارية حول غزة. ترامب وصف هذه المبادرة بأنها "مؤثرة"، فيما وصف زيارة نتنياهو بأنها "شرف كبير"، مؤكدًا "نحن نحقق نتائج رائعة سويًا".

غزة.. مفتاح تفاهم سياسي أم تهدئة مؤقتة؟

ملف غزة كان في صلب اللقاء، إذ صرح المبعوث ويتكوف بأن المفاوضات باتت "قريبة جدًا من النجاح"، وأن خطة وقف إطلاق النار تحتاج فقط إلى "تعديلات طفيفة". ويبدو أن هناك اتفاقًا مبدئيًا على تهدئة لمدة شهرين قابلة للتمديد، تتضمن وقف العمليات العسكرية، وتبادل الأسرى، وتسهيلات إنسانية.

في المقابل، طرح نتنياهو رؤية إسرائيلية مشروطة لأي تسوية، مؤكدًا أن الفلسطينيين "يجب أن تكون لهم قدرة على الحكم الذاتي، لكن ليس على تهديدنا"، ما يعكس تمسكه بالسيطرة الأمنية الكاملة على قطاع غزة.

ترامب وإيران.. تفاؤل حذر بعد التصعيد

لم تغب إيران عن أجندة اللقاء، خاصة بعد الضربات الأمريكية الأخيرة التي استهدفت منشآت نووية داخل أراضيها. ترامب أكد أن واشنطن "لا تسعى للتصعيد"، لكنه أشار إلى تغير واضح في موقف طهران، قائلاً: "أصبحوا أكثر احترامًا لإسرائيل ولنا". في الوقت نفسه، كشف ويتكوف عن لقاء محتمل مع مسؤولين إيرانيين خلال أسبوع، ما قد يفتح نافذة حوار جديدة.

ضغوط أمريكية.. ورسائل غير معلنة

يرى اللواء نبيل السيد، الخبير الاستراتيجي، أن الزيارة تحمل أبعادًا تتجاوز البروتوكولات الدبلوماسية المعتادة، معتبرًا أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطًا واضحة على الحكومة الإسرائيلية لدفعها نحو وقف العمليات العسكرية. ويؤكد أن الغضب الدولي المتزايد من الكارثة الإنسانية في غزة، إضافة إلى الانتقادات من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، تضع إدارة ترامب في موقع حرج، ما يدفعها لمحاولة تحقيق اختراق سياسي قد يُحسب لها قبل الانتخابات القادمة.

مؤشرات على قرب التفاهم

تصريحات ترامب الأخيرة بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق خلال أيام، وفق ما يشير إليه السيد، تعكس وجود تقدم فعلي في المفاوضات، خاصة ما يتعلق بملف تبادل الرهائن ووقف إطلاق النار. وأضاف أن واشنطن تسعى لاستثمار هذا التقدم لتحقيق إنجاز سياسي يعزز من صورتها الدولية، ويمنح الرئيس ترامب ورقة رابحة في معركته الانتخابية.

تعقيدات الميدان واشتراطات إسرائيل

رغم التفاؤل الحذر، يلفت اللواء نبيل السيد إلى أن أي اتفاق سيكون مشروطًا بتفاهمات أمنية تضمن لإسرائيل بعض مكاسبها العسكرية، إلى جانب التزامات أمريكية تتعلق بإعادة ترتيب الوضع في قطاع غزة بعد الحرب، بما في ذلك مستقبل حركة حماس ودور السلطة الفلسطينية، وتحديد معالم المرحلة المقبلة بوضوح.

تحديات داخلية وخارجية

ويحذر السيد من أن الطريق إلى التسوية لا يزال مليئًا بالعقبات، أبرزها الانقسام الحاد داخل الحكومة الإسرائيلية، وصعوبة إقناع الأطراف الفلسطينية بشروط قد تراها مجحفة، إلى جانب البيئة الإقليمية والدولية التي لا تزال تتسم بالتوتر والانقسام حيال ملف غزة.

زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن لا تبدو زيارة عادية، بل تأتي في لحظة مفصلية تعكس اشتباك الملفات الداخلية والخارجية، الإقليمية والدولية. فبين محاولة تهدئة غزة، واسترضاء الداخل الإسرائيلي، والحفاظ على الدعم الأمريكي، يقف نتنياهو في اختبار سياسي معقد.

أما ترامب، فيبدو أنه وجد في نتنياهو حليفًا يمكن المراهنة عليه لتحقيق إنجاز خارجي قد يعيد ترتيب أوراقه الانتخابية. لكن نجاح هذا الرهان يظل رهنًا بتوازنات شديدة الحساسية، وميدان سياسي تتغير معادلاته كل ساعة.

طباعة شارك ترامب البيت الأبيض تل أبيب حماس نتنياهو

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ترامب البيت الأبيض تل أبيب حماس نتنياهو

إقرأ أيضاً:

صفقة شاملة ترسم ملامح مستقبل غزة والمنطقة.. وخبير استراتيجي يعلق

في خضم التصريحات السياسية المتسارعة والمفاوضات الإقليمية والدولية، عادت الأنظار لتتجه نحو ملف غزة، مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لإنهاء الحرب خلال 60 يوماً من توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار. لكن ما بدا كخطوة نحو التهدئة، يحمل في طياته رسائل متضاربة وخطة أوسع لإعادة تشكيل واقع القطاع والمنطقة بأكملها.

تصريحات نتنياهو.. وعد بإنهاء الحرب وتحفظات سياسية

خلال لقاء جمعه مع عائلات المحتجزين في العاصمة الأمريكية واشنطن، أعلن نتنياهو أن حكومته "تسعى لإنهاء الحرب في غزة بعد 60 يوماً من وقف إطلاق النار". وشدد على أن أولوية إسرائيل هي استعادة المحتجزين، لكنه عاد ليؤكد رفضه القاطع لبقاء حركة "حماس" في غزة، قائلاً: "لن أسمح لحماس بالبقاء في القطاع... لن يحدث ذلك".

وأضاف: "سنحرص على خروج جميع المحتجزين، حتى آخر محتجز... لن يكون هناك اتفاق شامل، لكننا نعمل على خطة مدروسة لإنهاء الحرب خلال الفترة المحددة". 

ولفت إلى أن "بعض الأمور تتم بسرية ولا يمكن الحديث عنها الآن"، داعيًا إلى التحلي بالصبر.

تفاؤل أمريكي وتحركات على أعلى المستويات

بالتزامن مع تصريحات نتنياهو، أبدى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو تفاؤله حيال التوصل إلى اتفاق وشيك لوقف إطلاق النار، مؤكدًا أن المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، سيقود جولة من المحادثات غير المباشرة خلال الأيام المقبلة.

وكشفت تقارير صحفية أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أجرى مكالمات هاتفية مع نتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بحث خلالها ترتيبات اتفاق يهدف إلى إنهاء الحرب "في غضون أسبوعين".

صفقة معقدة.. رهائن مقابل تهدئة وحلول سياسية

وذكرت صحيفة "إسرائيل هيوم" أن الاتفاق المنتظر يشمل الإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين لدى "حماس"، مقابل إخراج بعض قيادات الحركة إلى دول أخرى، كجزء من تسوية أشمل تشمل تهدئة الأوضاع الأمنية.

كما تطرقت الصحيفة إلى بند يُعد مفاجئاً: استعداد إسرائيل لمناقشة حل سياسي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على أساس "حل الدولتين"، بشرط إجراء إصلاحات داخل السلطة الفلسطينية.

وفي المقابل، تتعهد الولايات المتحدة بدعم جزئي للسيادة الإسرائيلية على مناطق في الضفة الغربية، في إطار تفاهمات موسعة قد تؤدي إلى توسيع نطاق "الاتفاقيات الإبراهيمية" لتشمل دولاً إضافية، مثل سوريا.

محادثات سرية وصفقة من "القمة"

مصادر مطلعة كشفت لصحيفة يديعوت أحرونوت أن إسرائيل لن ترسل وفدًا تفاوضيًا إلى القاهرة أو الدوحة هذه المرة، لأن نتنياهو يريد أن تتم الصفقة "من الأعلى"، أي عبر تفاهم مباشر بينه وبين ترامب والمبعوث الأمريكي ويتكوف، إضافة إلى الوزير الإسرائيلي ديرمر.

وقال مصدر للصحيفة: "هذه المرة، ليست مجرد صفقة رهائن. إنها اتفاق شامل يشمل وقف الحرب، وإعادة 50 رهينة، وتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية. هذه عناصر تهم الإدارة الأمريكية الحالية كثيرًا".

دور أوروبي في دعم البُعد الإنساني

من جانبها، صرّحت كايا كالاس، المسؤولة عن السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بأن إسرائيل وافقت على اتخاذ "خطوات مهمة" لتحسين الوضع الإنساني في غزة. وشملت هذه الخطوات فتح معابر جديدة في شمال وجنوب القطاع، وتسهيل وصول المساعدات الطبية والإنسانية، في محاولة لتخفيف حدة الأزمة المتفاقمة.

وأكدت كالاس أن التنسيق الدولي سيكون ضروريًا لضمان وصول المساعدات دون عوائق، مشيرة إلى أن هذه الإجراءات تمثل "بارقة أمل" في ظل الظروف الكارثية التي يعيشها المدنيون في غزة.

الحرب والسلام.. رسائل متناقضة

وفي قراءة تحليلية للمشهد، يرى اللواء نبيل السيد، الخبير الاستراتيجي، أن تصريحات نتنياهو تعكس رسائل متداخلة.. من جهة، تعبير عن نية معلنة لإنهاء الحرب، ومن جهة أخرى، تأكيد على رفض إسرائيل القاطع لبقاء "حماس" في قطاع غزة. ووفقًا للسيد، فإن حديث نتنياهو عن أن الصفقة ستأتي من القمة، مما يكشف أن المفاوضات الحالية لا تقتصر على ملف الرهائن، بل تشمل ترتيبات سياسية وأمنية أوسع لإعادة تشكيل الواقع في غزة والمنطقة.

شروط إسرائيلية صارمة

اضاف السيد ان رغبة نتنياهو في إنهاء الحرب خلال 60 يوماً لا تعني نهاية حقيقية للصراع، بل ترتبط بتحقيق عدة شروط أساسية، على رأسها ضمان إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين، وإقصاء "حماس" من أي دور مستقبلي في حكم القطاع. وهذا التوجه يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة "الهدنة" المقترحة، وهل تمثل بداية سلام مستدام، أم مرحلة تمهيدية لمواجهة قادمة؟

ضغط دولي وتنازلات تكتيكية

أشار السيد إلى أن نتنياهو يحاول إظهار مرونة تكتيكية تحت وطأة الضغوط الأمريكية والدولية، خاصة في ضوء تفاهمات جديدة مع إدارة ترامب. هذه المرونة، كما يراها السيد، ليست سوى خطوة محسوبة لإرضاء الحلفاء دون التفريط بالمبادئ التي يقوم عليها التحالف اليميني المتشدد في الداخل الإسرائيلي.

صفقة إقليمية تتجاوز غزة

اكد السيد أن الولايات المتحدة تسعى لصياغة "صفقة تبادلية" تشمل الأمن مقابل السيادة، والتهدئة مقابل الدعم السياسي. واشنطن بحسب تحليله تريد تحقيق "نصر تفاوضي" يمنحها نفوذاً جديداً في الشرق الأوسط، ويعيد رسم دورها كوسيط فعّال في المنطقة.

مستقبل غزة على مفترق طرق

وفي ختام تحليله، يرى اللواء نبيل السيد أن نتنياهو لا يسعى فقط لوقف إطلاق النار، بل لإعادة تشكيل غزة سياسياً وأمنياً، عبر إخراج "حماس" من المعادلة. أما الحركة، فهي اليوم أمام خيارين حاسمين.. إما القبول بتسوية بشروط إسرائيلية وأمريكية، أو الاستمرار في حرب مفتوحة، بما تحمله من كلفة إنسانية وعسكرية باهظة.

 

تصريحات نتنياهو الأخيرة ليست مجرد وعود بوقف الحرب، بل تحمل في طياتها مشروعاً سياسياً وأمنياً أوسع. وبين الحسابات الإسرائيلية والطموحات الأمريكية والمواقف الفلسطينية، تبقى الأيام القادمة حاسمة في تحديد ما إذا كانت غزة تتجه نحو هدنة شاملة أم نحو جولة جديدة من الصراع.

وبين التطلعات الإسرائيلية، والطموحات الأمريكية، والمواقف الفلسطينية، تقف غزة على مفترق طرق حساس. فإما أن تكتب هذه المرحلة نهاية لصراع دام عقودًا، أو تكون مجرد محطة في مسار طويل من جولات الحرب والتهدئة.
 

طباعة شارك غزة نتنياهو الحرب النار ترامب

مقالات مشابهة

  • صفقة شاملة ترسم ملامح مستقبل غزة والمنطقة.. وخبير استراتيجي يعلق
  • نتنياهو ينهي زيارة استعراضية للولايات المتحدة بعد لقاءين مع ترامب.. لا تقدم بشأن غزة
  • نتنياهو يعود إلى إسرائيل دون إعلان اتفاق لوقف النار.. وغزة على صفيح المفاوضات الساخن
  • (زوجتي وأنا) .. زيارة واشنطن تجدد جدل (نفوذ) سارة نتنياهو
  • هل يُخفض البنك المركزي سعر الفائدة للمرة الثالثة خلال اجتماع اليوم؟
  • لقاء جديد محتمل بين نتنياهو وترامب وسط تفاؤل باتفاق وشيك في غزة
  • ترامب: اتفاق وشيك لوقف إطلاق النار في غزة.. وقد يعلن خلال أيام
  • ترامب: اقتربنا كثيرًا من اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة
  • نتنياهو: هناك فرصة لوقف إطلاق النار 60 يومًا مقابل الإفراج عن نصف الرهائن