تحل اليوم الذكرى الثالثة والسبعون لـ ثورة 23 يوليو 1952، وهي مناسبة تستدعي في الذاكرة الوطنية واحدة من أهم المحطات المضيئة في التاريخ الحديث لمصر. 

فقد شكلت هذه الثورة منعطفا حاسما في مسار الدولة المصرية، إذ أطلقت شرارة الاستقلال الوطني، ومهدت الطريق أمام بناء الجمهورية، وترسيخ قيم التحرر والسيادة.

سبعون عاما من الكرامة الوطنية

وفي هذ الصدد، قال الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، إن عبر الضباط الأحرار عن الحراك العميق الذي كان يعيشه المجتمع المصري في الفترة التي سبقت ثورة 23 يوليو، حيث ظهر تنظيمهم كنتاج لتصاعد مشاعر الغضب الشعبي تجاه الأوضاع السياسية حينها، فقد تنامى دور هذا التنظيم بشكل ملحوظ نتيجة لتزايد التحفظات تجاه الحياة السياسية في مصر، وأداء القصر الملكي على وجه الخصوص.

 

وأضاف فهمي- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن من أبرز المشكلات التي كانت تؤرق الواقع السياسي في تلك المرحلة، غياب التوافق بين الأحزاب السياسية، وهو ما أتاح للملك فاروق أن يشكل حكومات تقوم على تحالفات هشة وأغلبيات غير مستقرة، عُرفت بـ"حكومات الأقلية".

وأوضح فهمي، أن لقد مثلت ثورة يوليو مشروعا وطنيا كبيرا، جاء بعد قراءة دقيقة وواعية لقدرات الدولة المصرية وإمكاناتها، حيث سعى الضباط الأحرار من خلالها إلى إعادة الحكم إلى الشعب المصري، إلا أن التحديات التي واجهت هذا المشروع لم تقتصر على خروج الاحتلال البريطاني أو التصدي لرموز النظام الملكي فحسب، بل تمثلت في التحدي الأعمق المتمثل في تمكين المصريين من حكم أنفسهم فعليا، وكان ذلك هو لب الصراع ومحور العقبات التي واجهتها الثورة في مسارها نحو ترسيخ الحكم الوطني.

وتابع: "برزت أهمية ملف العلاقات الخارجية، خاصة أن مصر آنذاك كانت تعد دولة محورية ذات ثقل إقليمي كبير، ما جعلها عرضة لتدخلات وضغوط خارجية معقدة، وبالتالي فإن التعامل مع هذا الملف تطلب حكمة ومسؤولية كبيرة من قادة الثورة".

واختتم: "أما على صعيد الأدوار الداخلية، فقد كان لـالمؤسسة العسكرية دور متعدد الأوجه، لا يقتصر فقط على الدفاع عن الأمن القومي، بل يمتد إلى المساهمة في التنمية الوطنية، وكذلك حماية مصالح ومقومات الدولة المصرية في وجه التحديات المختلفة، وهنا يصبح دور الشعب المصري جوهريا، حيث تبرز الحاجة إلى أن يكون ظهيرا قويا وداعما للمشهد الوطني، بما يضمن التوازن والاستقرار في ظل التحولات التي تمر بها الدولة".

مستقبل يصنعه المصريون بأنفسهم

وفي هذه الذكرى الخالدة، يجدد المصريون ارتباطهم بثورة أحدثت تغييرا جذريا في بنية المجتمع والدولة، وأسهمت في إنهاء الاحتلال البريطاني الذي جثم على صدر البلاد لعقود، وإسقاط النظام الملكي الذي ارتبط آنذاك بانتشار الفقر، واستشراء الفساد، واتساع الفجوة في العدالة الاجتماعية.

 لقد كانت الثورة تعبيرا عن إرادة شعبية حقيقية للخروج من واقع غير عادل نحو مستقبل يصنعه المصريون بأنفسهم.

وقد حملت الثورة على عاتقها مهمة التحول الاجتماعي والاقتصادي الشامل، مستندة إلى مجموعة من المبادئ الجوهرية، من أبرزها: الحرية، العدالة الاجتماعية، المساواة، والاستقلال الوطني. 

وكان من أولى ثمار هذا التحول إصدار قانون الإصلاح الزراعي، الذي سعى إلى تفكيك منظومة الاحتكار الزراعي وإعادة توزيع الأرض على صغار الفلاحين، وهو ما أعاد التوازن إلى الريف المصري وأعاد الكرامة لملايين المواطنين.

كما تواصلت إنجازات الثورة في ملفات استراتيجية ذات تأثير طويل الأمد، أبرزها تأميم قناة السويس عام 1956، الذي شكل تحديا للهيمنة الاستعمارية، وأعاد السيطرة الوطنية على أحد أهم الممرات المائية في العالم. 

إلى جانب ذلك، كان إنشاء السد العالي أحد أعمدة المشروع التنموي الجديد، لما وفره من طاقة ومياه واستقرار زراعي.

من الإقطاع للعدالة.. ثورة 23 يوليو ضرورة تاريخية غيرت وجه مصر والمنطقةوزارة الخارجية تهنئ الشعب المصري والرئيس السيسي بثورة 23 يوليو الإنتاج المحلي أداة للسيادة الاقتصادية

وفي إطار التنمية الصناعية، شهدت البلاد انطلاقة كبرى تمثلت في إنشاء عشرات المصانع الوطنية التي أرست قاعدة قوية للصناعة المصرية الحديثة، وجعلت من الإنتاج المحلي أداة للسيادة الاقتصادية.

كذلك، لم تغفل الثورة تمكين المرأة المصرية، حيث نالت حقوقا جوهرية في التعليم والعمل والمشاركة السياسية، وأصبحت فاعلة في مسيرة بناء الدولة الحديثة، وشريكا أساسيا في مختلف مجالات التنمية.

والجدير بالذكر، أنه اليوم وبعد أكثر من سبعين عاما، لا تزال ثورة يوليو مصدر إلهام وفخر لكل مصري، لما حملته من مضامين كبرى أرست قواعد الجمهورية الأولى، ورسخت مفاهيم السيادة الوطنية، العدالة الاجتماعية، والتنمية الشاملة، مؤكدة أن الشعوب قادرة على تغيير مصيرها حينما تتوحد على مبادئ وقيم راسخة.

بث مباشر.. كلمة الرئيس السيسي بمناسبة ثورة 23 يوليوأبرزها تأميم قناة السويس ومجانية التعليم.. إنجازات عديدة لثورة 23 يوليو طباعة شارك ثورة يوليو ثورة 23 يوليو الضباط الأحرار الدولة المصرية الشعب المصري

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ثورة يوليو ثورة 23 يوليو الضباط الأحرار الدولة المصرية الشعب المصري الدولة المصریة الشعب المصری ثورة 23 یولیو ثورة یولیو

إقرأ أيضاً:

في ذكرى 11 ديسمبر.. بن مبارك يشيد بوحدة الشعب ويؤكد دور الذاكرة الوطنية في تعزيز السيادة”

أشرف الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عبد الكريم بن مبارك اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025، على ندوة تاريخية بمناسبة إحياء مظاهرات 11 ديسمبر 1960.
وحضر الندوة حشد من الإطارات والمناضلين، حيث كانت سانحة لاستذكار تضحيات أسلافنا من المجاهدين والشهداء.
في كلمته، أكد الأمين العام للأفلان أن مظاهرات 11 ديسمبر تستند إلى عدة مرجعيات روحية ووطنية وسياسية. أولها مرجعية بيان أول نوفمبر، الذي أعلن القطيعة مع الاستعمار وربط المعركة بالحرية والكرامة وبناء الدولة الوطنية المستقلة.

كما أشاد الأمين العام بوحدة الشعب حول جبهة التحرير الوطني، التي حولت كل مواطن إلى خلية مقاومة وكل شارع إلى قلعة صمود.

وأضاف أن هذه المظاهرات تعكس مرجعية الرفض الجذري للمشروع الاستعماري، الذي حاول تفتيت الشعب وتشويه الهوية وتمرير أطروحة “الجزائر فرنسية”.

وأكد كذلك مرجعية الحق القانوني والتاريخي في السيادة، باعتبار الشعب الجزائري صاحب حضارة ممتدة ودولة ذات جذور عميقة قبل الاستعمار.

وتابع بن مبارك قائلا:”إنّ مظاهرات 11 ديسمبر لم تكن مجرد تجمعات احتجاجية، بل كانت معركة سياسية متكاملة نقلت الثورة من الجبال إلى المدن، ومن العلن إلى تأكيد العلن ودعمه، وأجبرت العالم على رؤية الحقيقة التي حاول المستعمر طمسها لأكثر من 130 سنة”.
وأضاف أن مظاهرات 11 ديسمبر تكشف أنّ الشعب الجزائري، رغم القمع والتنكيل والحصار، تمكن من إفشال كل الرهانات الاستعمارية، فقد خرجت الجماهير بمئات الآلاف، ترفع العلم الوطني وتردد بصوت واحد:
“الجزائر مسلمة… الجزائر حرة… جبهة التحرير الوطني تمثلنا …”
وهذه الدلالات التاريخية لا تزال حيّة إلى اليوم وتحتاج إلى قراءة واعية من خلال:
أولًا: إثبات الشرعية الثورية
لقد أكد الشعب الجزائري أنّ جبهة التحرير الوطني هي من تقوده، وأنها ليست تنظيمًا فوقيًا، بل حركة شعبية أصيلة، وبالتالي سقطت كل أطروحات الاستعمار حول ما سماه “الأقلية الصامتة”.
ثانيًا: تدويل القضية الجزائرية
فقد نقلت هذه المظاهرات الثورة إلى المنتظمات الدولية، خصوصًا الأمم المتحدة، ونسفت كل الدعاية الفرنسية التي حاولت تصوير الوضع على أنه “شأن داخلي”.
ثالثًا: انهيار المشروع الاستعماري
بفضل 11 ديسمبر، اقتنع العالم أنّ بقاء فرنسا في الجزائر لم يعد ممكنًا، وأن الشعب قرر مصيره بنفسه، مهما كانت التضحيات.
رابعًا: ولادة الوعي الوطني الحديث
لقد صنعت المظاهرات تحولًا عميقًا في وعي الجزائريين بذاتهم، بقدرتهم، بكتلتهم التاريخية الموحدة، وبحقهم في بناء الدولة الوطنية المستقلة.
السيدات والسادة الأفاضل،
لم تكن المظاهرات غاية في ذاتها، بل كانت وسيلة نضالية لتحقيق جملة من الأهداف الواضحة، التي يمكن تلخيصها في أربعة محاور رئيسية:
— تثبيت استقلالية القرار الوطني:
أي رفض كل أشكال التفاوض التي تتجاوز جبهة التحرير الوطني، وإسقاط ما كان يسمى “مشروع ديغول” الذي حاول الالتفاف على مطلب الاستقلال.
— توحيد الجبهة الداخلية:
فالمظاهرات شكلت إجماعًا وطنيًا شعبيًا حول الثورة، ورسخت وحدة الصف والهدف، وحمت الثورة من محاولات الاختراق الداخلي.
— تأكيد الطابع الشعبي للثورة المسلحة:
وأضاف أن الشعب أثبت أنّ الثورة ليست حركة نخبة، بل حركة أمة كاملة، وهذا ما أعطى الثورة شرعيتها التاريخية والسياسية.
— دعم العمل الدبلوماسي المكمل للعمل المسلح:
حيث ساعدت مظاهرات 11 ديسمبر 1960 في ترجيح الكفة لصالح الوفد الجزائري في المحافل الدولية، ودعمت المفاوضات التي ستقود لاحقًا إلى اتفاقيات إيفيان.
وتابع الأخ الأمين العام للحزب أن استحضار هذه الذكرى المجيدة اليوم لا ينفصل عن الجهود الكبيرة التي يبذلها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في مجال حماية الذاكرة الوطنية وترسيخها، فقد جعل رئيس الجمهورية من ملف الذاكرة أولوية سياسية وسيادية، إدراكًا منه بأن مستقبل الأمم لا يمكن أن يُبنى على النسيان، بل على الحقيقة، والاعتزاز بالهوية، واستعادة رموزها وقيمها.

مقالات مشابهة

  • رامي عياش: المشاكل السياسية في لبنان السبب وراء تأخر إصدار ألبومي الأخير
  • الكرة المصرية في مفترق طرق.. والجبلاية تحتاج ثورة تصحيح
  • في ذكرى 11 ديسمبر.. بن مبارك يشيد بوحدة الشعب ويؤكد دور الذاكرة الوطنية في تعزيز السيادة”
  • مديرية باجل.. نموذج تنموي واعد لتعزيز الاكتفاء الذاتي في الإنتاج المحلي
  • «السيسى» وبناء الدولة
  • "قمة أشباه الموصلات": توقيع اتفاقيتين لبناء القدرات الوطنية في صناعة الرقائق
  • الوزراء: المدارس المصرية اليابانية تجربة تعليمية متميزة في الجمهورية الجديدة
  • الثورة الصناعية .. تحولات في الفكر والعمل والإنتاج
  • يجذب الاستثمارات الأجنبية.. برلماني: افتتاح مشروع «ليوني» يُعزّز الإنتاج المحلي ويوفر فرص عمل جديدة
  • اعتداءات المستوطنين تهدد الاقتصاد المحلي في الضفة الغربية